هل أصبحنا قريبين حقاً من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟ وماذا ستجني البشرية منه؟

7 دقيقة
هل أصبحنا قريبين حقاً من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟ وماذا ستجني البشرية منه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ArtemisDiana
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لعقود من الزمن كان الذكاء الاصطناعي الفائق، أو ما يُسمَّى الذكاء الاصطناعي العام، عنصراً أساسياً في مخيلة الكثير من الكُتّاب، وتجسد ذلك في الكتب والأفلام التي تناولت انتفاضات الروبوتات وعالم استولت عليه الآلات، حيث ساد اعتقاد أننا في مرحلة ما سنجد الآلات تفكر وتقوم بأعمال البشر. من هؤلاء الكُتّاب الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد وجائزة تورينغ لعلوم الكمبيوتر هربرت سيمون (Herbert Simon) الذي ذكر في كتابه (العلم الجديد لقرارات الإدارة) المنشور عام 1960، أن الآلات ستكون قادرة في غضون 20 عاماً على القيام بأي عمل يمكن للإنسان القيام به.

الذكاء الاصطناعي العام: تعريفات مختلفة لم تُوحد حتى الآن

على الرغم من التشابه في عبارات الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي العام، فإن كلاً منهما له معانٍ مختلفة تماماً. على سبيل المثال، تذكر شركة آي بي إم أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يشير إلى نماذج التعلم العميق التي يمكنها إنشاء نصوص وصور ومحتويات أخرى عالية الجودة بناءً على البيانات التي دُرب عليها، ومع ذلك فإن قدرة نظام الذكاء الاصطناعي على إنشاء محتوى جيد لا تعني بالضرورة أن ذكاءه عام.

لذا لفهم الذكاء الاصطناعي العام بشكلٍ أفضل من المفيد أولاً فهم كيفية اختلافه عن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية التي تبدو أكثر تخصصاً. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة لعب الشطرنج، ولكن إذا طلبت منها كتابة مقال أكثر تخصصاً ستتعدد المخرجات بناءً على ما دُرِبت عليه، كما تشمل الأمثلة الأخرى على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة الأنظمة التي تقدّم توصيات المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وتوصيات الشراء في متجر أمازون وأنظمة التعرّف إلى الوجه وغيرها.

اقرأ أيضاً: حالة الذكاء الاصطناعي في 2022 مع مراجعة للتطورات التي طرأت عليه في آخر 5 سنوات

على النقيض من ذلك، يشير الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence، اختصاراً أيه جي آي AGI) إلى شكل أوسع بكثير من ذكاء الآلة، ولا يوجد تعريف واحد معترف به رسمياً حتى الآن، بدلاً من ذلك توجد مجموعة من التعريفات غير الموحدة مثل تعريف شركة أوبن أيه آي الذي يذكر أنه عبارة عن: (أنظمة مستقلة للغاية تتفوق على البشر في العمل الأكثر قيمة اقتصادياً)، بالإضافة إلى التعريفات التي يذكرها العديد من الخبراء ورواد الأعمال والباحثين والعلماء وحتى الكُتّاب المتخصصين.

وفي حين أن تعريف شركة أوبن أيه آي يربط الذكاء الاصطناعي العام بالقدرة على (التفوق على البشر في العمل الأكثر قيمة من الناحية الاقتصادية)، إلّا أن الأنظمة الموجودة اليوم ليست قريبة من هذه القدرة، فوفقاً لقائمة أكثر الوظائف شيوعاً في أميركا عام 2023 كانت الوظائف التي احتلت المراكز العشرة الأولى هي: أمناء الصندوق وعمال إعداد الطعام ومساعدي المخازن والبوابين وعمال البناء وكُتّاب الحسابات والعمال المنزليين والمساعدين الطبيين ونُدال المطاعم.

هذه الوظائف لديها لا تتطلب القدرة الفكرية فحسب، بل يتطلب معظمها درجة أعلى بكثير من البراعة اليدوية مما يمكن أن تحققه أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً الموجودة اليوم، ومن ثَمَّ نجد أن القاسم المشترك بين التعريفات كلها سواء بشكلٍ صريح أو ضمني هو أن مفهوم الذكاء الاصطناعي العام يمكنه أداء المهام عبر العديد من المجالات والتكيُّف مع التغيرات في بيئته وحل المشكلات الجديدة، وليس فقط تلك الموجودة في بيانات التدريب الخاصة به.

إلى أي مدى أصبحنا قريبين من الذكاء الاصطناعي العام في الحياة اليومية؟

لا يزال الذكاء العام الاصطناعي مفهوماً نظرياً. فعلى الرغم من التقدم الكبير في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن ظهور الأنظمة التي تقارب القدرات المعرفية البشرية أو تتفوق عليها لم يتحقق بعد.

ومع ذلك يعتقد العديد من العاملين في الشركات التي تبني أكبر وأقوى نماذج الذكاء الاصطناعي أن وصول الذكاء الاصطناعي العام بات وشيكاً، ويستندون في ذلك على ثلاث دلائل هي:

1. نظرية القياس

تعتمد فكرة نظرية القياس (Measurement Hypothesis) على أنه حتى لو كانت هناك حاجة إلى بعض التطورات التقنية الإضافية الضرورية المطلوبة، فإن الاستمرار في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام كميات أكبر من البيانات والقوة الحسابية سيؤدي حتماً إلى ظهور الذكاء الاصطناعي العام، مع ظهور بعض الدلائل التي تدعم هذه النظرية.

على سبيل المثال لاحظ الباحثون علاقات دقيقة للغاية ويمكن التنبؤ بها بين مقدار القوة الحسابية والمعروفة أيضاً باسم الحوسبة (Computing) المستخدمة في تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي ومدى أدائه لمهمة معينة، حيث أدرك الباحثون منذ فترة طويلة أن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي باستخدام المزيد من قوة الحوسبة يجعله أكثر قدرة.

ففي حالة نماذج اللغة الكبيرة -أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشغل بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي- تتنبأ قوانين القياس بمدى قدرة النموذج على التنبؤ بكلمة مفقودة في الجملة، وهذا ما جعل باحثو شركة أوبن أيه آي وعلى رأسهم الرئيس التنفيذي يوقنون بأن وصول الذكاء الاصطناعي العام أصبح وشيكاً للغاية، وفي وقت أقرب بكثير مما يعتقده معظم الناس.

2. إجابات خبراء الذكاء الاصطناعي

في محاولة لتقييم ما يعتقده الخبراء حول مستقبل الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر منهجية، استطلع مشروع إمباكت (Impacts) التابع لمركز سلامة الذكاء الاصطناعي (CAIS) غير الربحي آراء 2,778 خبير ذكاء اصطناعي عام 2023، وكان هؤلاء قد نشروا أبحاثاً تمت مراجعتها من قِبل الأقران في مجلات ومؤتمرات الذكاء الاصطناعي المرموقة في العام الذي سبقه.

ومن بين الأسئلة التي طُرحت عليهم كان السؤال: “متى يعتقدون أن ذكاء الآلة عالي المستوى الذي يُعرَّف بأنه آلات يمكنها إنجاز كل مهمة بشكل أفضل وأقل تكلفة من العمال البشريين دون مساعدة سيكون ممكناً؟”. وعلى الرغم من أن التوقعات الفردية تباينت بشكلٍ كبير، فإن متوسط التوقعات أشار إلى احتمال حدوث ذلك بنسبة 50% بحلول عام 2047، وبنسبة 10% بحلول عام 2027.

وهو ما يناقض الاستطلاع الذي أجراه به المشروع نفسه عام 2022، حيث قدّر المشاركون فيه أن فرصة تحقيق الوصول إلى مستوى ذكاء آلي عالي المستوى ستكون بنسبة 50% بحلول عام 2060 و 10% بحلول عام 2029، ويعود تغيير التقديرات بشكلٍ كبير إلى التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عام 2023 الذي فاجأ الباحثين، ومن ثَمَّ حدّثوا توقعاتهم وفقاً لذلك.

كما سُئل الباحثون أيضاً عن متى يعتقدون أن المهام الفردية المختلفة يمكن أن تقوم بها الآلات، فكان تقديرهم بأنه توجد فرصة بنسبة 50% أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤلف أفضل 40 أغنية بحلول عام 2028، وكتابة كتاب من شأنه أن يكون الأكثر مبيعاً في قائمة صحيفة نيويورك تايمز بحلول عام 2029.

اقرأ أيضاً: اقرأ أيضاً: قدرات غير متوقعة «تنبثق» من النماذج اللغوية الكبيرة

3. تنبؤات خبراء الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن التنبؤات التي يقوم بها الخبراء قد تُثبت دقتها بشكلٍ معقول على المدى القصير (عامين أو أقل)، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت ستكون دقيقة على المدى الطويل لأسئلة تحتمل الكثير من التخمينات، مثل متى يمكن تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟

وللإجابة عن هذا السؤال قام معهد أبحاث التنبؤ إف آر آي (FRI)، الذي يعمل على إنتاج أسئلة تنبؤ عالية الجودة حول مواضيع معقدة وطويلة الأجل، في عام 2022 بسؤال 31 من المتنبئين، وكانت إجاباتهم أن هناك فرصة بنسبة 1% أن يتحقق الذكاء الاصطناعي العام بحلول عام 2030 وبنسبة 21% بحلول عام 2050 وبنسبة 75% بحلول عام 2100.

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من الذكاء الاصطناعي في حياتك الشخصية والمهنية بكفاءة؟

عدم اليقين في تحقيق الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام

تشترك الأدلة الثلاث السابقة جميعها في شيء واحد، وهو أن هناك الكثير من الاحتمالات وعدم اليقين حول موعد الوصول إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام، وهذا يرجع بحسب العديد من الخبراء إلى:

أولاً: عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الأساليب الحالية المتبعة في إنشاء أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون مدعومة بمزيد من قوة الحوسبة، وما إذا كانت ستتغذى بمزيد من البيانات، وهل إجراء بعض التعديلات في كيفية إنشائها سيكون كافياً للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام.

ثانياً: حتى لو كانت الأساليب الحالية كافية لتحقيق هدف تطوير الذكاء الاصطناعي العام، فمن غير الواضح متى سنصل إليها، فمن الممكن أن يعوق شيء ما عملية التقدم مستقبلاً. على سبيل المثال من الوارد أن يحدث نقص في بيانات التدريب.

ثالثاً: بينما يكون العاملون في مجال الذكاء الاصطناعي غارقين في البناء ومنفتحين على فكرة أن إبداعاتهم يمكن أن تغيّر العالم بشكلٍ كبير، إلّا أن معظم الناس قد يرفضون فرضية أن تحل الآلة محل البشر في القدرات الفكرية والجسدية ويعتبرون ذلك غير واقعي.

ماذا ستقدّم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام للبشرية؟

قد يكون الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام لا يزال بعيداً، لكن القدرات المتنامية لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي تشير إلى إحراز تقدم ملموس نحو تطويره، ومن ثَمَّ إذا توصل إلى الذكاء الاصطناعي العام فقد يكون له تأثير عميق على عالمنا مع إمكانية إحداث ثورة في العمل والحياة الشخصية،

فعلى عكس تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الموجود اليوم، والذي يُعدّ أكثر تخصصاً ومصمماً لأداء مهام محددة أو حل مشكلات معينة، فإن الذكاء الاصطناعي العام الذي يعتبر الهدف النهائي لأبحاث الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تقديم فوائد كبيرة للبشرية. بما في ذلك القدرة على حل المشكلات المعقدة من خلال تطبيق المعرفة في مختلف المجالات، ما يؤدي إلى تحقيق اختراقات كبيرة في قضايا مثل تغيّر المناخ والابتكار مثل البشر ومساعدتهم على أي مهمة معرفية تقريباً، وذلك يعزز براعة الإنسان وإبداعه.

بالإضافة إلى تعزيز الخدمات والتجارب الشخصية من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات لفهم التفضيلات والاحتياجات الفردية، ما قد يؤدي إلى تحسين قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والترفيه وغيرها، علاوة على تعزيز قطاع السلامة والأمن الرقميين من خلال تحسين تدابير الأمن السيبراني واكتشاف المخاطر وتخفيفها والمساعدة على الاستجابة للكوارث.

اقرأ أيضاً: الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي التوليدي: تقرير من شركة سعودية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي

الاستعداد لوصول الذكاء الاصطناعي العام ينبغي أن يبدأ الآن

على مدار التاريخ كان العلماء والباحثون من أوائل المحذرين من الابتكارات والاختراعات التي أنشأوها. على سبيل المثال، أصبح روبرت أوبنهايمر مدافعاً صريحاً عن الإلغاء الكامل للأسلحة النووية بعد أن كان هو من قاد أبحاث تطويرها.

وفي سياق الذكاء الاصطناعي العام، بدأ العديد من الباحثين بالتحذير من خطورة هذه التكنولوجيا على البشرية. فعلى الرغم من الفوائد التي يجلبها، فإن باحثيه أصبحوا أكثر تشدداً في التحذير من مخاطره المحتملة، بما في ذلك إمكانية استبدال الوظائف وعدم المساواة وحتى تشكيله خطراً وجودياً على البشرية.

وهذا ما جعلهم يحذّرون من خطورة تطوير الذكاء الاصطناعي العام بطريقة فردية أو بطريقة غير منظمة، ومن ضمن هذه التحذيرات الرسالة المفتوحة التي وقّعها أكثر من 33 ألف من الخبراء والباحثين ورواد الأعمال والتي تدعو مختبرات الذكاء الاصطناعي إلى التوقف فوراً مدة 6 أشهر على الأقل عن تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي أقوى من جي بي تي-4.

بالإضافة إلى بيان مركز سلامة الذكاء الاصطناعي الذي وقّعه أكثر من 500 من الأكاديميين البارزين وقادة الصناعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تنبه إلى خطورة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي العام الذي يمكن أن يمثّل خطراً على البشرية قد يصل إلى حد انقراضها بطريقة مماثلة لما تفعله الأوبئة والحروب النووية.

وأخيراً الوثيقة التي وقّعها 24 خبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي والتي نُشِرت في نهاية العام الماضي، وتدعو الحكومات إلى اتخاذ إجراءات لإدارة المخاطر من الذكاء الاصطناعي، حيث ركّزت الوثيقة خصوصاً على المخاطر الشديدة التي تشكّلها أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدماً، مثل التمكين من القيام بأنشطة إجرامية أو إرهابية واسعة النطاق.

اقرأ أيضاً: الوجه المرعب للذكاء الاصطناعي

هذه التحذيرات كلها من المخاطر التي يمكن أن يشكّلها تطوير الذكاء الاصطناعي العام على الرغم من أن فوائده العديدة تُخبرنا بأن الوصول إليه تواجهه تحديات كثيرة ينبغي حلها أولاً، فمجرد التفكير في قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام في جعل حياتنا أكثر سهولة يُعد خطأ قد نعاني دفع ثمنه لاحقاً.