6 دروس يمكن أن نتعلمها من مرحلة الازدهار التي تشهدها التكنولوجيا المناخية

7 دقيقة
6 دروس يمكن أن نتعلمها من مرحلة الازدهار التي تشهدها التكنولوجيا المناخية
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. غيتي. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدّت الزيادة الكبيرة في عدد الشركات الناشئة المختصة بالتكنولوجيا المناخية، والساعية إلى التوصل إلى ابتكارات جديدة في الطاقة النظيفة وإحداث تحولات ضخمة في الأسواق الصناعية، إلى زيادة مستوى التفاؤل إزاء فرصنا في مواجهة التغيّر المناخي. حالياً، تُضَخ عشرات المليارات من الدولارات في هذه الشركات التي تدعمها رؤوس الأموال المغامرة في المجالات كلها التي يمكن التفكير فيها، بدءاً من الفولاذ الأخضر وصولاً إلى الاندماج النووي.

تطوير مصادر جديدة للطاقة النظيفة من رأس المال المغامر

وكما شرحتُ في مقالٍ سابقٍ بعنوان “التكنولوجيا المناخية تعود من جديد، وهذه المرة، لا يمكن أن تفشل” (Climate tech is back—and this time, it can’t afford to fail)، فإن الاستثمارات التي يقودها أصحاب رؤوس الأموال المغامرة يمكن أن تتولى دوراً أساسياً في تطوير مصادر جديدة للطاقة النظيفة، وعمليات صناعية أقل تلويثاً. وبعد التحدث مع عددٍ من المستثمرين المغامرين، والعاملين في الشركات الناشئة، والأكاديميين الذين يدرسون الإبداع فيما يُسمَّى بالتكنولوجيا العميقة، أصبحت على قناعة بأننا في المراحل الأولى من الاقتصاد الخالي من الكربون.

لكن هذا التفاؤل لا يخلو من التحذيرات. فبوصفي صحافياً كتب الكثير من المقالات حول الموجة الأولى من التكنولوجيا النظيفة، التي بدأت عام 2006 تقريباً وانهارت بحلول عام 2013 مع إخفاق عدد هائل من الشركات المختصة بالطاقة الشمسية والبطاريات والوقود الحيوي، أصبحت أشعر بشيء من التحفظ.

فما أراه حالياً يبدو كله مألوفاً إلى درجة لافتة، بدءاً من الوفرة الفائضة لرؤوس الأموال المغامرة، ومئات الملايين من الدولارات التي تُنفَق بصورة غير مضمونة على المصانع التجريبية لاختبار تكنولوجيات غير مُثبَتَة، وصولاً إلى النتائج السياسية السلبية المتوقعة رداً على الدعم الحكومي للسياسات المناخية المندفعة.

تعني الكتابة حول الازدهار الحالي للتكنولوجيا المناخية أننا يجب ألّا ننسى أن الموجة الأحدث من الشركات الناشئة المختصة بالتكنولوجيا المناخية، التي حازت دعم رؤوس الأموال المغامرة، تعرضت إلى إخفاق ذريع، لكن المستثمرين ورواد الأعمال الحاليين يأملون في أن تكون هذه الموجة الجديدة مختلفة.

اقرأ أيضاً: ما الإنجازات المناخية التي جعلت 2023 عاماً جيداً على المستوى المناخي؟

وكما اكتشفت بعد التحدث معهم، ثمة الكثير من الأسباب التي قد تجعلهم على حق، فالأموال المتاحة أكثر بكثير، وكذلك طلب المستهلكين العاديين والمستهلكين الصناعيين على المنتجات الأقل تلويثاً. غير أن عدة تحديات تعرضت لها الموجة الأولى لا تزال موجودة، وتمثّل سبباً وجيهاً يدعو إلى القلق على نجاح الشركات الناشئة الحالية المختصة بالتكنولوجيا المناخية.

ونذكر فيما يلي بعض الدروس الأساسية التي يجب أن نتعلمها من الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة.

ستة أحجار مُرتّبة حسب الرقم الظاهر على الوجه الخارجي، من الواحد إلى الستة.

الدرس الأول: الطلب مهم

على الرغم من أن هذه القاعدة أساسية بالنسبة لأي سوق، فإنها غالباً ما تُقابَل بالتجاهل في مجال التكنولوجيا المناخية. إنها قاعدة بسيطة: يجب أن تقدّم منتجاً يرغب شخصٌ ما في شرائه. على الرغم من المخاوف العامة والعلمية المتعلقة بالتغيّر المناخي، فليس من السهل إقناع الناس والشركات بدفع مبالغ إضافية لشراء الإسمنت الأخضر أو الكهرباء النظيفة على سبيل المثال.

وتشير دراسة حديثة أجراها ديفيد بوب في جامعة سيراكيوز وزميلة ماثياس فان دين هوفيل إلى أن ضعف الطلب كان السبب الأساسي الذي دفع بالموجة الأولى من شركات التكنولوجيا المناخية إلى الإخفاق، على نحو أكثر تأثيراً من التكاليف والمخاطر المتعلقة بتوسيع نطاق عمل الشركات الناشئة.

تندرج الكثير من المنتجات في مجال التكنولوجيا المناخية ضمن فئة السلع، ما يعني أن سعرها هو أهم شيء في أغلب الأحيان، وعادة ما تكون المنتجات الخضراء، خصوصاً عند طرحها أول مرة، مكلفة للغاية إلى درجة تجعلها عاجزة عن المنافسة.

يساعد هذا العامل على تفسير وجود أحد أهم الاستثناءات في إخفاق الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا المناخية: شركة تسلا (Tesla) لصناعة السيارات. يقول بوب: “لقد تمكنت تسلا من تمييز منتجها، فالعلامة التجارية تحمل قيمة بحد ذاتها”. لكن، وكما يُضيف بوب، “سيكون من الصعب أن نتخيل أنها ستصبح علامة تجارية رائجة للهيدروجين الأخضر”.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل مجموعة مغمورة من الخبراء على تحديد معالم الأجندة المناخية للشركات؟

تشير النتائج إلى أن السياسات الحكومية تكون على الأرجح أكثر فاعلية عندما تساعد على خلق الطلب على الهيدروجين الأخضر أو الإسمنت الأخضر، على سبيل المثال، بدلاً من تمويل الشركات الناشئة على نحو مباشر خلال سعيها المرير إلى الترويج التجاري.

الدرس الثاني: العجرفة عامل سلبي

من أوضح المشكلات التي تعرضت لها الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا المناخية هي المبالغة في العجرفة لدى الكثير من أنصارها؛ فقد كان كبار المشجعين والممولين (وجميعهم تقريباً من الرجال) من فئة الأثرياء الذين جمعوا ثرواتهم من العمل في مجال الحواسيب والبرمجيات والويب، وحاولوا تطبيق الاستراتيجيات نفسها على التكنولوجيا النظيفة.

يقول الشريك العام في شركة أزولا فينتشرز (Azolla Ventures)، ماثيو نوردان: “القاعدة رقم واحد: يجب ألّا تسمح لشخصٍ بالاستثمار في مجال لا يعرف عنه شيئاً. فقد كان أغلب المستثمرين في الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة يعملون في مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا الحيوية، ويسعون بشدة إلى اكتساب الخبرات اللازمة للعمل في مجالات صناعية لا يعرفون عنها سوى القليل”.

حالياً، يعترف الكثير من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة بأنهم تلقّوا درساً قاسياً من تجربة الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة، وأصبحت لديهم جذور راسخة في هذه الصناعات التي يأملون في زعزعتها.

غير أنه لا يزال هناك بعض المستثمرين المشاهير الذين يقتحمون هذا المجال على نحو فجائي، قادمين من الشركات التكنولوجية الكبيرة التي جمعوا ثرواتهم فيها، وهم واثقون من قدرتهم على تقديم الحلول اللازمة لمواجهة أكبر المشكلات في العالم.

وقد سألت الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، جوش ليرنر، الذي يدرس آليات عمل رؤوس الأموال المغامرة، عن السبب الذي يدعو هؤلاء المستثمرين إلى تجاهل دروس الماضي.

اقرأ أيضاً: ما تبعات إيقاف جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا على الأهداف المناخية؟

ويقول إن وجهة النظر المتشائمة تتلخص بأن “هؤلاء الأشخاص، ببساطة، شخصيات مصابة بجنون العظمة، ويرغبون في إنقاذ العالم لأنهم يظنون أنهم أبطال، لكنهم ليسوا سوى مجموعة من الحمقى الذين يندفعون نحو الهاوية نفسها، على الرغم من أنهم تعرضوا لإخفاقات مدوية في الماضي”. أمّا وجهة النظر الأكثر تفاؤلاً، كما يقول، فهي أنهم قد يتمكنون من “استثمار بعض المعلومات والابتكارات البرمجية الحديثة في هذا المجال”.

الدرس الثالث: الجزيئات مختلفة عن البتات

نعلم بطبيعة الحال أن كتابة الرموز البرمجية أسهل وأقل تكلفة من بناء مصنع للفولاذ. لكن، إلى أي درجة كانت عملية توسيع نطاق الشركات التي تعمل في مجال الجزيئات أكثر مخاطرة وتقلباً؟ كانت الإجابة عن هذا السؤال مفاجأة غير سارة على الإطلاق بالنسبة للكثيرين خلال الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة.

يمكن للإنتاجية الضعيفة أو ظهور نواتج جانبية غير مرغوبة -وهي مشكلات قد تبدو في المختبر أقرب إلى سلبيات تافهة- أن تشكّل عائقاً عند توسيع نطاق العملية ووجوب وضعها في نطاق المنافسة مع التكنولوجيات الحالية.

يتطلب تحديد القدرة التنافسية التجارية لعملية ما بناء مصنع تجريبي، بتكلفة تصل في أغلب الأحيان إلى 100 مليون دولار أو أكثر. وقد تعثرت عدة شركات ناشئة خلال الموجة الأولى لشركات التكنولوجيا النظيفة عندما وجدت أن العمليات التي كانت تسير على ما يرام في المختبر لم تحقق النجاح ذاته في المنشآت الأضخم. ببساطة، لا يمكن تحديد مدى نجاح عملية صناعية ما قبل بنائها فعلياً.

اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر الهيدروجين الأخضر على مستقبل العالم وما أشهر الدول التي تنتجه؟

ويأمل الكثيرون حالياً في أن تتمكن الشركات الناشئة من محاكاة سير هذه العمليات قبل بناء أي شيء فعلياً، وذلك بالاعتماد على الإمكانات الحاسوبية الأكثر تطوراً بكثير، واستخدام الذكاء الاصطناعي. لا شك في أن محاكاة طريقة جديدة لصنع الهيدروجين الأخضر لدراسة المشكلات المتوقعة، ضمن بيئة حاسوبية، أقل تكلفة وأكثر أماناً بكثير من بناء مصنع تجريبي بقيمة 100 مليون دولار.

الدرس الرابع: الدرس الحقيقي من شركة سوليندرا (Solyndra)

يمثّل إخفاق هذه الشركة، التي تلقت من الحكومة الأميركية ضماناً لقرض بقيمة 535 مليون دولار لتصنيع نوعٍ جديدٍ من الألواح الشمسية، حدثاً يتذكره الجميع من الموجة الأولى لشركات التكنولوجيا النظيفة، وغالباً ما يشار إلى هذا الحدث بوصفة دليلاً دامغاً على ما يحدث عندما تحاول الحكومة تحديد الشركات الأقرب إلى النجاح. لكن الدرس الطويل الأمد الذي يجب أن نتعلمه من سوليندرا مختلف كلياً.

ففي البداية، يجب ألّا تستثمر في تكنولوجيا غير واقعية من ناحية التصنيع، ولا يوجد عليها طلب واضح في السوق. كان منتج سوليندرا لوحة شمسية أسطوانية الشكل وفائقة التعقيد ويتطلب بناؤها تجهيزات خاصة وغير مجربة.

وهو ما يذكرنا بالدروس الثلاثة السابقة. وقد كتبت التالي في 2011: “من ناحية أخرى، كانت سوليندرا تفتقر إلى الخبرة في التعامل مع الأسواق، والمرونة في التصنيع. وعلى الرغم من أن الشركة تمكنت بسرعة من تجاوز المرحلة التي يحلو لرواد الأعمال في وادي السيليكون تسميتها باسم “وادي الموت” -وهي الفترة الخطيرة مالياً بين تلقي التمويل الاستثماري الأولي والبدء بتحقيق الإيرادات- فقد تعثرت بشدة في تحويل عملياتها إلى أعمال حقيقية وطويلة الأجل.

وإذا كان هناك درس رئيسي يمكن أن نتعلمه من إخفاق سوليندرا، فهو الخطر الكامن في محاولة تحقيق الكثير خلال فترة قصيرة للغاية، دون الاستعانة بأي أطراف أخرى”.

اقرأ أيضاً: ما أساليب الباحثين في مؤتمر أربا-إي لحل المعضلة المناخية؟

من المرجّح أن سوليندرا كانت ستصل إلى الإخفاق على أي حال، لكن التخفيف من اندفاعها كان كفيلاً بتفادي نسبة كبيرة من الخسائر التي تعرض لها الكثيرون، بمن فيهم دافعو الضرائب الأميركيون والمستثمرون المغامرون الذين قدموا مئات الملايين من الدولارات.

الدرس الخامس: السياسات كفيلة بتغيير كل شيء

في 2022، أقر الكونغرس الأميركي قانون خفض التضخم الذي ساعد على تعزيز الموجة الأخيرة من الاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة، من دون أي صوت جمهوري. يعني هذا ببساطة أن انتخاب رئيس جمهوري في 2024 يمكن أن يضع نهاية للسياسات الفيدرالية المناخية المندفعة.

إضافة إلى ذلك، تشهد بلدان صناعية أخرى عديدة ردود فعل سلبية متواصلة. فقد اقترح رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً تخفيف صرامة السياسات المناخية للبلاد. حتى إن ألمانيا بدأت تُبدي دلائل تشير إلى تراجعها عن تقديم الدعم السياسي والتمويل للتكنولوجيا النظيفة.

تتبع بوب وزميله من جامعة سيراكيوز في بحثهما الحديث مشكلات الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة وصولاً إلى أحد أسبابها الجذرية، وهو انتخاب منسي يعود إلى أوائل عام 2010 في مجلس الشيوخ الأميركي.

فبعد وفاة الليبرالي الديمقراطي تيد كنيدي، صوّت ناخبو ولاية ماساتشوستس على اختيار الجمهوري سكوت براون، ما أدّى إلى القضاء على مشروع قانون مناخي شامل كان حينها قيد النقاش في الكونغرس. ومن دون إمكانية تسعير الكربون، فَقَدَ الكثير من مستثمري رؤوس الأموال المغامرين اهتمامهم بشركات الطاقة النظيفة الناشئة.

اقرأ أيضاً: هل سيبدأ عصر الهندسة المناخية على الرغم من كل الأصوات المعارضة له؟

بحلول نهاية ذلك العام، قضت الأغلبية الجمهورية المُنتَخَبة حديثاً في مجلس النواب الأميركي على استثمارات إضافية كبيرة في مجال الطاقة النظيفة.

السياسات مهمة للغاية، ويمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها.

الدرس السادس: يعتمد البقاء على العوامل الاقتصادية بالكامل

كانت المراحل المبكرة في الموجة الأولى لشركات التكنولوجيا النظيفة عامرة بالحماسة والنوايا الحسنة. حيث كان الجميع ينظرون إلى التغير المناخي بوصفه كارثة وجودية، وكانت التكنولوجيا التي يقودها أصحاب الرؤية الخلاقة من رواد الأعمال ومستثمري رؤوس الأموال المغامرة ستحل هذه المشكلة.

تشهد هذه الأيام أجواءً مماثلة من نواحٍ عدة مختلفة، وفي الواقع، فإنها تتسم بدرجة أعلى من الحماسة والالتزام. فقد أثبتت الكثير من التكنولوجيات المناخية الجديدة روعتها، ونحن في حاجة ماسة إليها.

لكن هذه العوامل جميعاً غير كافية لضمان النجاح؛ فالشركات الناشئة التي تعتمد على دعم رؤوس الأموال المغامرة تحتاج إلى أسس متينة من الإيجابيات الاقتصادية والمالية حتى تتمكن من البقاء، لا النوايا الحسنة.

اقرأ أيضاً: ما الدروس التي يمكن تعلمها من مؤتمر الأطراف COP 28 حتى الآن؟

وإذا ركزنا فقط على الحقائق البسيطة والمباشرة، سنجد أنه ليس لدينا سوى القليل من الأمثلة عن شركات ناشئة مختصة بالتكنولوجيا المناخية وحققت النجاح اعتماداً على تكنولوجيا جديدة وثورية.

لا يزال الأمر برمته تجربة كبيرة. وقد علمتنا الموجة الأولى من شركات التكنولوجيا النظيفة ما يمكن أن نتعرض له من مشكلات. ولا نزال نتعلم كيفية مواجهة هذه المشكلات.