ما الحلول التي يقترحها سام ألتمان لحل مشكلات الطلب المتزايد على الطاقة في الذكاء الاصطناعي؟

6 دقيقة
ما الحلول التي يقترحها سام ألتمان لحل مشكلات الطلب المتزايد على الطاقة في الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Alphavector
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ضمن لقاءاته الصحفية وندواته مع وسائل الإعلام على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أشار الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي سام ألتمان إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية قد تتطلب المزيد من الطاقة لدرجة أنها ستحتاج إلى مصدر طاقة جديد تماماً.

ولحل مشكلة الاستهلاك المتزايد للطاقة الذي يتطلبه تدريب النماذج اللغوية الكبيرة، أكد أهمية إحداث اختراق كبير في مجال الطاقة لحل هذه المشكلة. وتتجلى رؤيته في استخدام الاندماج النووي لمقابلة الاستهلاك العالي للذكاء الاصطناعي للطاقة في المستقبل، وتمهيد الطريق للثورة المنتظرة في مجال الذكاء الاصطناعي.

فهل يمكن تحقيق هذه الرؤية؟ وإلى أين وصل العلماء في تحقيق الاندماج النووي؟ وكيف يؤثّر تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في إبراز مشكلات جديدة في مجال الطاقة؟

أبرز الأمثلة عن كيفية استهلاك نماذج الذكاء الاصطناعي الطاقة

  • يمكن أن يؤدي تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي إلى توليد انبعاثات كربون تعادل ما يتطلبه بناء خمس سيارات وقيادتها على مدار عمرها الافتراضي. على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن وحدات معالجة الرسوميات التي دربت نموذج جي بي تي 3 (GPT- 3) قد استهلكت نحو 1300 ميغاواط في الساعة من الكهرباء، أي ما يعادل تقريباً استهلاك نحو 1450 أسرة أميركية متوسطة الحجم شهرياً.
  • تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال قراءة الكثير من البيانات حتى تفهمها، وهي عملية غير فعّالة مقارنة بالطريقة التي يتعلم بها البشر. على سبيل المثال، قرأ نموذج اللغة الكبير بيرت (BERT) أكثر من 3 مليارات كلمة من الكتب الإنجليزية ومقالات ويكيبيديا 40 مرة في أثناء تدريبه. للمقارنة يسمع الطفل العادي 45 مليون كلمة في المتوسط قبل بلوغه سن الخامسة وهو أقل بمقدار 3000 مرة من النموذج.
  • تحدث عملية التدريب عدة مرات في أثناء عملية التطوير مع سعي الباحثين إلى العثور على أفضل نموذج لغوي كبير، وهذا التكرار يزيد من استهلاك الطاقة.
  • قد يؤدي ازدهار الذكاء الاصطناعي إلى شحن شركة إنفيديا أكثر من مليون معالج رسوميات لدعم مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي سنوياً بحلول عام 2027، والتي قد تستهلك عند العمل بكامل طاقتها ما لا يقل عن 85.4 تيرا واط في الساعة من الكهرباء سنوياً، وهو أكثر مما تستخدمه العديد من البلدان الصغيرة في عام.
  • إذا حوّلت شركة جوجل أعمال البحث بالكامل إلى الذكاء الاصطناعي، سينتهي بها الأمر إلى استخدام نحو 29.3 تيرا واط في الساعة من الكهرباء سنوياً، وهو ما يعادل استهلاك الكهرباء في أيرلندا وتقريباً ضعف إجمالي استهلاك الطاقة للشركة عام 2020.

اقرأ أيضاً: تغيرات بسيطة تؤثّر في كفاءة استهلاك الطاقة في أبحاث الذكاء الاصطناعي

مشكلة جديدة تظهر مع ثورة الذكاء الاصطناعي المتسارع

يتفق العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي والبيئة والطاقة على أن نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة القوية من المرجّح أن تستهلك طاقة بشكلٍ أكبر مما كان متصوراً سابقاً، حيث ظهر العديد من الأبحاث والآراء التي تحذّر من أن الطاقة الأولية اللازمة لتدريب هذه النماذج المعقدة لها أثرها الكربوني والبيئي بشكلٍ سلبي للغاية.

حيث يتوقع الخبراء أن تؤدي الكميات الهائلة من البيانات اللازمة لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة، مثل جي بي تي (GPT) التي تطوّرها شركة أوبن أيه آي وجيميني (Gemini) التي تطوّرها شركة جوجل، إلى زيادة الطلب على خوادم البيانات العالمية والتي تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أنها تمثّل بالفعل نحو 2-3% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.

اقرأ أيضاً: أوبن إيه آي تعمل على مبادرة لمنع الذكاء الاصطناعي الفائق من الخروج عن سيطرة البشر

ويُقدّر الباحثون أن تدريب نموذج لغوي واحد كبير مثل جي بي تي- 4 (GPT- 4) يمكن أن يُطلق نحو 300 طن من ثاني أوكسيد الكربون، بينما يُقدّر آخرون أن الصورة الواحدة التي تُولد بواسطة أدوات إنشاء الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل دال- إي (Dall-E) تتطلب مقدار الطاقة نفسه الذي يتطلبه شحن هاتف ذكي.

بالإضافة إلى ذلك، تتطلب مراكز الخوادم الضخمة اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي أيضاً كميات هائلة من المياه لتبقى باردة، حيث تشير الأبحاث الحديثة إلى أن نموذج جي بي تي– 3 (GPT- 3) وحده ربما استهلك نحو 185 ألف غالون من الماء خلال فترة تدريبه.

نتيجة لهذا الاستهلاك العالي للطاقة يأمل الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي أن تساعد حلول الطاقة الصديقة للمناخ، مثل الطاقة الشمسية ذات الأسعار المعقولة والاندماج النووي، شركات الذكاء الاصطناعي على تلبية هذا الطلب المتزايد دون تفاقم التوقعات المناخية القاتمة بالفعل.

اقرأ أيضاً: ما الدروس التي يجب أن تتعلمها شركات التكنولوجيا من الدعوى التي رفعتها نيويورك تايمز على أوبن أيه آي؟

الاندماج النووي: هل هو الحل لمشكلة تزايد الطلب على الطاقة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟

لقد اجتذب قطاع شركات الاندماج النووي (Nuclear fusion)، الذي يمكنه توفير طاقة أكثر بأربعة أضعاف لكل كيلوغرام من الوقود من الانشطار النووي، وما يقرب من أربعة ملايين مرة من الطاقة أكثر من حرق النفط أو الفحم، العلماء ورجال الأعمال منذ فترة طويلة كمصدر للطاقة النظيفة التي لا حدود لها تقريباً عند إنتاجها على نطاق صناعي.

حيث يُنظر إليه على أنه الحل السحري لمشكلة استهلاك الطاقة عموماً وتدريب النماذج الاصطناعي المتقدمة خصوصاً، مع ذلك وعلى الرغم من عقود عديدة من الأبحاث، فإن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى طريقة لدمج الذرات بطريقة تنتج كمية موجبة صافية من الطاقة على نطاقٍ واسع، ومن غير المرجّح أن نرى مفاعلات اندماجية تعمل بكامل طاقتها وقادرة على تشغيل نماذج تدريب الذكاء الاصطناعي في أي وقتٍ قريب.

ومع ذلك يرى سام ألتمان أن هذه الرؤية هي الأنسب لحل مشكلة الطلب المتزايد على الطاقة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث ذكر في معرض حديثه: “لا توجد طريقة للوصول إلى هناك دون تحقيق انفراج، إنه يحفّزنا على الاستثمار بشكلٍ أكبر في الاندماج النووي”، حيث يأمل أن يساعد الاستثمار في حلول الطاقة الصديقة للمناخ مثل الطاقة الشمسية ذات الأسعار المعقولة والاندماج النووي على حل هذه المشكلة.

وهو ما فعله بالفعل، حيث يعتبر ألتمان من أكبر المستثمرين في الشركة الناشئة هيليون إنيرجي (Helion Energy) التي تعمل على هدف واحد وهو تطوير أول محطة طاقة اندماجية بشكلٍ تجاري، ومع ذلك في حين أن هناك مجموعة من الشركات الناشئة مثل هيليون إنيرجي زعمت أن طاقة الاندماج النووي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، إلا أنه لم تظهر لها نتائج ملموسة وواقعية حتى الآن.

اقرأ أيضاً: حصرياً: لقاء مع كبيُرىى علماء أوبن أيه آي إيليا ساتسكيفر حول آماله ومخاوفه إزاء مستقبل الذكاء الاصطناعي

حل مشكلة استهلاك نماذج الذكاء الاصطناعي للطاقة ينبغي أن يبدأ الآن

إذا تحولت رؤية سام ألتمان لمستقبل إنتاج الطاقة إلى حقيقة فستكون لدينا طريقة أكثر مراعاة للبيئة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي القوية، ولكن في غضون ذلك يرى الخبراء أنه ربما يتعين على الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي وغيره من خبراء الذكاء الاصطناعي أن يركّزوا جهودهم على مصادر الطاقة المستدامة الموجودة بالفعل، بدلاً من التطلع للإنجازات المستقبلية.

وهذا يعود إلى أن البصمة الكربونية لصناعة الذكاء الاصطناعي قد بدأت بالظهور بالفعل، فوفقاً لورقة بحثية بعنوان: “بصمة الطاقة المتزايدة للذكاء الاصطناعي” نُشرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي في المجلة العلمية جول (Joule)، وُجِد أن إضافة الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى بحث جوجل وحده تؤدي إلى زيادة استهلاكه للطاقة بأكثر من عشرة أضعاف، ومن المرجّح أن تزداد كمية الطاقة التي تستهلكها صناعة الذكاء الاصطناعي مع ازدياد اعتمادنا عليها باعتبارها جزءاً من التكنولوجيا اليومية.

اقرأ أيضاً: تدريب الذكاء الاصطناعي في السيارات ذاتية القيادة باستخدام محاكاة افتراضية واقعية

وبحسب أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب سجاد موازيني (Sajjad Moazeni)، فإن استهلاك الطاقة اللازم لاستفسار بوت الدردشة تشات جي بي تي مقارنة ببعض الاستفسارات عبر البريد الإلكتروني سيكون على الأرجح أكبر بعشرة إلى 100 مرة.

ويوافقه الرأي المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أيابل (Aible) للذكاء الاصطناعي أريجيت سينغوبتا (Arijit Sengupta)، الذي يؤكد ضرورة الحاجة إلى التوصل إلى بدائل قابلة للتطبيق، لتشغيل مراكز بيانات النماذج اللغوية الكبيرة قبل فوات الأوان، وهذا يعود إلى اتجاه مراكز البيانات التي تعمل على تشغيل نماذج الاصطناعي إلى استخدام وحدات رسوميات أكثر تقدماً تستهلك ما بين 10 و15 ضعف كمية الطاقة لكل دورة معالجة مقارنة بوحدات المعالجة المركزية.

اقرأ أيضاً: ما هو متجر جي بي تي الذي أطلقته شركة أوبن أيه آي؟ وهل ستحقق الأرباح منه؟

كيف يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون استهلاك الكثير من الطاقة؟

يمثّل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون استهلاك الكثير من الطاقة تحدياً ما زال العلماء يعملون بكل جهدهم للتوصل إلى حلول له، حيث بدأ العديد من الاستراتيجيات بالظهور، بعضها لا يزال في مرحلة التطوير بينما الآخر يُستخدم بالفعل، منها:

تعديل إعدادات الخدمة السحابية

يمكن أن يكون لضبط إعدادات الخدمة السحابية التي تعمل عليها الخوارزمية تأثير كبير على خفض استهلاك الطاقة. على سبيل المثال، يتعاون معهد ألين (Allen) مع شركة مايكروسوفت وشركات أخرى لإنشاء أداة تقيس استخدام الطاقة لأي نموذج ذكاء اصطناعي يعمل على الخدمة السحابية التابعة لمايكروسوفت آزور (Azure).

ضبط المعاملات الفائقة

يمكن أن يؤثّر اختيار المعاملات الفائقة (Hyperparameters) بشكلٍ كبير في استهلاك نموذج الذكاء الاصطناعي للطاقة في أثناء عملية التدريب. على سبيل المثال، وجد بحث حديث أن نموذج الذكاء الاصطناعي يكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة في أثناء ضبط المعاملات الفائقة مقارنة، ببحث الشبكة (Grid Search) أو البحث العشوائي (Random Search)

تعقيد النموذج

تُعدُّ الطبقات التلافيفية (Convolutional Layer) هي الأكثر تكلفة من الناحية الحسابية بهامش كبير، لذا فإن تقليل عدد هذه الطبقات يمكن أن يقلل من استهلاك الطاقة.

استخدام خوارزميات موفرة للطاقة

وهو اقتراح لباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إم آي تي (MIT)، حيث طوّروا نظاماً يَعد بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بطريقة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة مقارنة بالأساليب المتبعة حالياً.

التركيز على التوقيت

من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في الأوقات التي يتوفر فيها المزيد من الطاقة المتجددة على الشبكة.