هل ستشترك الآلات الذكية في تربية الأطفال المولودين مستقبلاً؟

10 دقيقة
ديفيد بيسكوب

ملخص: لا يختلف اثنان على التسلسل الذي سارت وفقه التكنولوجيا من أواخر أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فقد تميزت باختصار أحجام الأدوات التكنولوجية، بدءاً من الحاسوب الذي كان يشغل حجرة بأكملها ويتم تشغيله ببطاقات مثقبة ولوحة مفاتيح وماوس، لتتحول بعض أشكاله مؤخراً إلى رقاقات تتم زراعتها في أدمغتنا أو أعيننا. لكن الطفل المولود اليوم ستكون الأدوات الذكية التي يملكها والداه نقطة اتصاله مع عالم التكنولوجيا، التي كانت على صلة وثيقة معه قبل أن يُولد. ومع ولادته، ستحيط به الأجهزة الإلكترونية منذ البداية، بدءاً من تلك التي تغني له تهويدة النوم وحتى الكاميرات التي ستحيط به وتشكل نقطة تفاعله مع الآخرين. مع دخوله المدرسة، سيحيط به وكلاء يعملون بالذكاء الاصطناعي وغالباً سيكون أحدهم مخصصاً له، يرافقه دائماً ويسهل عليه رحلة التعلم. في العشرينيات من عمره، سيكون الوكيل قد كبر معه وتعلم الكثير عن حياته وتصرفاته، وقد يقود له السيارة، كما قد ينوب عنه في لقائه العاطفي الأول. في نهاية هذا العقد، قد يعي مشكلات حياته الرقمية، من الخصوصية وحتى قضائه الكثير من الوقت على أدواتها.

عيد ميلاد سعيد، أيها الطفل الصغير.

لقد قدمت إلى الحياة في عصر الآلات الذكية. وقد راقبتك هذه الآلات تقريباً منذ أن حملت بك والدتك. وأتاحت لوالديك الاستماع إلى نبضات قلبك الصغير، وتتبع مراحل تطورك خلال الحمل عبر أحد التطبيقات، ونشر صورك التي التقطوها بجهاز التصوير بالأمواج فوق الصوتية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقبل ولادتك بأشهر عديدة، أصبحت معروفاً لدى الخوارزميات التي تعتمد عليها التطبيقات والمنصات على اختلاف أنواعها.

لقد تزامن وصولك إلى هذا العالم مع الذكرى الخامسة والعشرين بعد المائة لتأسيس هذه المجلة. مع القليل من الحظ، وبوجود الجينات المناسبة، قد تعيش لتشهد العام الخامس والعشرين بعد المائة من الأعوام المقبلة. كيف ستكبر جنباً إلى جنب مع الجيل المقبل من الآلات؟ لقد طلبنا من أكثر من 12 خبيراً أن يتخيلوا المستقبل المشترك الذي ينتظر أطفال اليوم من حديثي الولادة. وأوضحنا لهم أن هذه ستكون تجربة فكرية. ما أعنيه هو أننا طلبنا منهم أن يفكروا بأسلوب خارج عن المألوف.

وقد اتفق الجميع تقريباً على كيفية تأطير الماضي: فقد تقلصت الأجهزة المسؤولة عن الحوسبة أو ما بات معروفاً باسم أجهزة الكمبيوتر من أجهزة عملاقة صناعية مشتركة إلى أجهزة شخصية مكتبية، حتى وصلت إلى أجهزة إلكترونية صغيرة للغاية إلى درجة أنها باتت منتشرة في البيئة المحيطة بنا. كانت أجهزة الكمبيوتر تخضع للتحكم المباشر باليد من خلال البطاقات المثقبة ولوحة المفاتيح والماوس، وأصبحت بعد ذلك قابلة للارتداء، وانتقلت منذ فترة قريبة للغاية إلى داخل الجسم. في عصرنا، نستخدم الزرعات الدماغية أو العينية للأغراض الطبية فقط، لكن من يدري كيف سيجري استخدامها في عصرك؟

يعتقد الجميع أن أجهزة الكمبيوتر ستصبح في المستقبل أصغر وأكثر انتشاراً حتى. لكن التغير الأكبر الذي ستشهده حياتك هو نهضة الوكلاء الأذكياء. ستصبح الحوسبة أفضل استجابة، وأكثر ودية وألفة بالنسبة إلى البشر، وسيتراجع اقتصارها على منصة واحدة عما هي عليه اليوم، وستصبح الحوسبة أقرب إلى رفيق منها إلى مجرد أداة. وستتعلم منك وستكون دليلاً يرشدك أيضاً.

ما يعنيه الخبراء بهذا، أيها الطفل، أن هذه الأنظمة ستكون بمثابة أصدقاء لك.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الأخطاء الطبية وتحسين الرعاية الصحية؟

من اليوم الحالي حتى 2034

العمر: 0 إلى 10 أعوام

عند ولادتك، أحاطتك عائلتك بأشياء "ذكية"، مثل الألعاب الهزازة وأجهزة المراقبة والمصابيح التي تعزف تهويدات النوم.

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

لكن لم يشِر أي خبير إلى هذه الأشياء على أنها أول احتكاك لك مع التكنولوجيا. بل أشار الخبراء إلى هواتف والديك أو ساعاتهم الذكية بدلاً من ذلك. ولم لا؟ فعندما يحتضنك أحباؤك، فإن هذه الأشياء الوامضة الجذابة موجودة أمامك مباشرة. يتعلم الأطفال من خلال التجربة والخطأ، ومن خلال لمس الأجسام لمعرفة ما سيحدث. وعندما تلمس هذه الأشياء، فإنها تضيء وتصدر الأصوات. هذا رائع!

على الصعيد الإدراكي، لن تستفيد كثيراً من هذا التفاعل بين لحظة الولادة والسنة الثانية من عمرك، كما يقول الأستاذ المساعد المختص بالشباب الرقمي في جامعة واشنطن، جيسون يب. لكنه سيساعد على تعريفك بعالم من الأجسام المتحركة، كما يقول مدير مختبر شيب (SHAPE) في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة ستانفورد الذي يدرّس تقنيات اللمس في الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر، شون فولمر. إذا لمست شيئاً ما، فكيف سيستجيب لك؟

أنت طفل لوالدين ينتميان إلى جيل الألفية أو الجيل زد (Gen Z)، أي أنهما من أبناء الجيل الرقمي، إنهما من المؤثرين الأوائل. لذلك، مع تقدمك في السن، ستجد أن الكاميرات منتشرة في كل مكان. سترى نفسك على الشاشة، وتتعلم الابتسام للأشخاص على الجانب الآخر، أو التلويح لهم. سيحكي جداك لك القصص عبر منصة فيس تايم (FaceTime)، وستقتحم الاجتماعات المنعقدة عبر منصة زووم (Zoom) حتى تظهر على الشاشة دون سابق إنذار. ومع تقدمك في السن، ستدرك أن صورك أشبه بعملة اجتماعية.

من المؤكد أن أجهزة الكمبيوتر ستكون موجودة في مدرستك الابتدائية، على الرغم من أننا لسنا متأكدين من الأسلوب الذي سيتبعه المدرسون لإحداث التوازن بين التعليم المباشر في العالم الحقيقي والتعليم عبر الشاشة، وهذه المسألة هي مثار نقاش تربوي في الوقت الحالي. لكن المدرسة، أيها الطفل العزيز، هي المكان الذي يعتقد الخبراء أنك ستلتقي فيه بوكيل ذكي (intelligent agent) للمرة الأولى، حيث سيكون مدرساً أو مدرباً لك. قد يوجّهك المدرس الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي عبر مجموعة من النشاطات التي تجمع بين المهام الجسدية والتعليم باستخدام الواقع المعزز، لتحقيق نوع من التوازن بين الأسلوبين.

اقرأ أيضاً: طفرة الألعاب الصوتية تمنح الأطفال استراحة من التحديق المستمر في الشاشة

تقول عضو الهيئة التدريسية في معهد التفاعل بين البشر والكمبيوتر (Human-Computer Interaction Institute) في جامعة كارنيغي ميلون، نسرا يانيير، إن بعض المكتبات في المدارس أصبحت أقرب إلى ورشات صغيرة، يتعلم الأطفال فيها التفكير النقدي والمهارات اليدوية في الوقت نفسه. تعمل يانيير على تطوير نوريلا (NoRILLA)، وهو نظام تعليمي يعتمد على الواقع المختلط -مزيج من الواقع الفيزيائي والواقع الافتراضي- من أجل تعليم المفاهيم العلمية والهندسية. على سبيل المثال، يبني الأطفال هياكل من الكتل الخشبية، ويتنبؤون -من خلال ملاحظات يقدمها نظام ذكاء اصطناعي يتخذ شكل غوريلا من الرسوم المتحركة- بكيفية انهيارها.

تقول المديرة المساعدة في مركز التفاعل والتصميم البشري-الحاسوبي (the Center for Human-Computer Interaction and Design) في جامعة نورث ويسترن، ليز غيربر، إن التعلم سيصبح موجهاً ذاتياً بصورة متزايدة. وستصبح القاعة الدراسية المستقبلية "مخصصة وملبية للمتطلبات الفردية بصورة فائقة". يمكن للمدرسين الذين يعملون بالذكاء الاصطناعي أن يساعدوا على التعليم الفردي، أو تنفيذ التمارين الرياضية التكرارية.

هذه التقنيات جديدة للغاية، ولهذا كان على خبرائنا تخمين العوامل المستقبلية المتعلقة بالجوانب التصميمية والشكلية لهذه التقنيات. فمن الممكن أن يتولى سوار مخفي أو ساعة ذكية مخفية، تتبع أدائك في أثناء التعلم، ثم مزامنة البيانات مع جهاز لوحي، حتى يتمكن مدرسك من مساعدتك على التمرن.

كيف سيكون شكل ذلك الوكيل؟ يعتقد فولمر، الذي عمل سابقاً مع الطلاب المكفوفين والمصابين بضعف حاد في البصر، أنه قد يكون مجرد صوت. أمّا يانيير فهي أكثر ميلاً إلى شخصيات الرسوم المتحركة. وتعتقد غيربر أنه يمكن أن نربط شخصية رمزية رقمية مع نسخة فيزيائية من هذه الشخصية، مثل دمية محشوة تتخذ أي شكل يعجبك. تقول غيربر: "إنه صديق خيالي.. ويمكنك أن تقرر ماهيته وطبيعته بنفسك".

لكن المدرس الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي ليس مقنِعاً بالنسبة إلى الجميع. ففي بحث يب، كثيراً ما يخبره الأطفال أن التكنولوجيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مخيفة. ويشعرون بأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، أو أنها مخيفة، أو أنها تراقبهم على ما يبدو.

يتعلم الأطفال من خلال التفاعلات الاجتماعية، ولهذا فإنه يشعر بالقلق أيضاً إزاء التكنولوجيات التي تزيد عزلة مستخدميها. وعلى حين يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على تولي الجوانب الإدراكية من عملية التدريس، فإنه لا يشعر بالثقة نفسها إزاء الجانب الاجتماعي. يعرف المدرسون المهرة كيف يحفّزون الطلاب، وكيف يتعاملون مع الجوانب البشرية، سواء المتعلقة بالحالة المزاجية أو الجسدية. هل تستطيع الآلة أن تُميّز التهكم لدى الطفل، أو إعادة توجيه طفل يعبث داخل الحمام؟ ويسأل: عند مواجهة طفل مصاب بنوبة من العصبية الشديدة، "هل سيدرك الذكاء الاصطناعي أن هذا الطفل جائع ويحتاج إلى وجبة خفيفة؟"

2040

العمر 16 عاماً

بحلول الوقت الذي ستبلغ فيه سن 16 عاماً، من المرجح أنك ستظل تعيش في عالم تشكُّل السيارات ملامحه، سواء في الطرق السريعة والضواحي، أو من حيث التغير المناخي. لكن ثقافة السيارات قد تشهد بعض التغييرات الجزئية. فقد تحل الشواحن الكهربائية محل محطات الوقود. ومثلما ساعد وكيل ذكي في تدريسك، سيتولى وكيل ذكي الآن مهمة قيادة السيارة معك، وربما بالنيابة عنك.

تصف المديرة الإبداعية لتصميم التفاعل في استوديو التصميم ديزاين ووركس (Designworks) التابع لشركة بي إم دبليو (BMW)، باولا ميراز، ذلك الوكيل بأنه "صديقك على الطريق". أمّا كبير المصممين في استوديو التصميم كالتي ديزاين ريسيرتش (Calty Design Research) التابع لشركة تويوتا (Toyota) في منطقة أميركا الشمالية، ويليام تشيرغوسكي، فيقول إنه "يشبه تماماً صديقاً في السيارة".

وعندما تكون يافعاً، كما يقول تشيرغوسكي، سيكون بمثابة مرافق يشرف عليك، حيث يفرض قيوداً على سرعتك، أو يوجهك للعودة إلى المنزل عند انتهاء الوقت المخصص للخروج. كما سينبهك عندما تقترب من مطعم البرغر إن أن آوت (In-N-Out)، لأنه يعرف أنك تحب صنفهم الخاص من البطاطا المقلية. وبما أنك ستريد أن تحافظ على تواصلك مع أصدقائك عبر الإنترنت وفي العالم الحقيقي، يستطيع الوكيل أن يجري عملية مسح لمنشورات الصفحات الرئيسية على حسابات التواصل الاجتماعي التي تخصك حتى يحدد أماكن وجودهم، ويقترح لقاء مناسباً.

ومثلما ساعد وكيل ذكي في تدريسك، سيتولى وكيل ذكي الآن مهمة قيادة السيارة معك، وربما بالنيابة عنك.

لطالما كانت السيارات من الأماكن المفضلة لاستراحة المراهقين، لكن الانتقال التدريجي لقيادة السيارة إلى أسلوب التحكم الذاتي جعل التصميم الداخلي للسيارة أقرب إلى غرفة الجلوس. (لن تعود في حاجة إلى تثبيت نظرك على الطريق وعلى لوحة عدادات مليئة بالأزرار والمقابض) تتوقع ميراز أن يصبح بالإمكان تعديل وضعية المقاعد حتى يستطيع الركاب أن يتحدثوا وجهاً لوجه، أو يمارسوا الألعاب. وتقول: "تخيل أن تلعب لعبة تتفاعل مع العالم الذي تقود سيارتك عبره، أو أن تشاهد فيلماً مصمماً بحيث يمكن أن تؤثّر السرعة أو التوقيت خلال النهار أو العناصر الجغرافية في الحبكة".

مجموعة من الأشخاص على سيارة ذكية
مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

دون لوحة العدادات والأجهزة، كيف ستتحكم في السيارة؟ تتضمن التصاميم الداخلية البسيطة اليوم للسيارات جهازاً لوحياً مثبتاً على لوحة القيادة، لكن التنقل بين عدد ضخم من القوائم على الشاشة ليس بالأمر البديهي والسهل. من المرجّح أن تكون الخطوة التالية هي التحكم من خلال الإيماءات أو الصوت، ومن المحبذ أن يحدث هذا باستخدام لغة طبيعية. يقول تشيرغوسكي إننا سنصل إلى نقطة التحول عندما نستطيع الاستغناء عن الأوامر المفصلة، ونكتفي بأن نقول مثلاً: "الجو حار للغاية يا صاح. هل تستطيع أن تبرّده؟"

يمكن للوكيل الذي يستمع إليك ويتتبع كل حركة من حركاتك أن يثير بعض الأسئلة الغريبة. هل سيتخذ شخصية مختلفة مع كل سائق؟ (بالطبع) هل يستطيع أن يحتفظ بالأسرار (يقول تشيرغوسكي مازحاً: "قال أبي إنه ذهب إلى مطعم تاكو بيل [Taco Bell]، لكن هل كان هناك فعلاً؟") هل يجب حتى أن يبقى في السيارة؟

يقول خبراؤنا: كلا. تقول ميراز إنها تتخيل أنه سيصبح متكاملاً مع أنواع أخرى من الوكلاء، مثل الإصدارات المستقبلية من أليكسا أو سيري. وتقول: "ستكون هذه الأنظمة متصلة كلها". يقول تشيرغوسكي إن انتهاء عمر السيارة لا يعني انتهاء عمر الوكيل الذي يشغلها. "يمكنك فعلياً أن تنقل هذا النظام الذي يشبه روح السيارة إلى سيارة أخرى. ولهذا، لن تضطر إلى قطع هذه العلاقة عند شرائك سيارة أحدث"، كما يقول. ويُضيف قائلاً: "سينتقل الوكيل معك. لأنه كبر معك".

اقرأ أيضاً: 10 أشياء يجب أن تعرفها قبل شراء سيارة كهربائية

2049

العمر 25 عاماً

عندما تصل إلى منتصف العشرينيات من العمر، سيكون الوكلاء في حياتك قد اكتسبوا قدراً كبيراً من المعلومات المتعلقة بك. ومن المحتمل أنهم، بالفعل، كيان واحد يتبعك من جهاز إلى آخر، ويقدّم المساعدة إليك أينما احتجت إليها. في هذه المرحلة، ستصبح حياتك الاجتماعية أكثر ناحية تحتاج فيها إلى المساعدة.

تقول الأستاذة المساعدة في مجال علوم الوسائط بجامعة بوسطن والتي تدرس المواعدة العاطفية عبر الإنترنت، كاثرين كودوتو، إن أكبر مصدر للقلق لدى الجميع في مسألة المواعدة العاطفية هو العبارة الاستهلالية الأولى التي تفتح المجال أمام الحوار مع الطرف الآخر. وبالنسبة لها، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتولى دور ناصح عاطفي افتراضي، ويقدّم لك 10 خيارات مختلفة، أو يساعدك على إجراء محاولاتك بنفسك. أو قد يتولى دور مدرب مختص بالمواعدة العاطفية. فإذا وافقت على لقاء شخص (حقيقي) ما عبر الإنترنت، "سيكون الذكاء الاصطناعي أشبه بمراقب يقف في الزاوية ويقول لك: ربما يجب أن تقول هذا، أو: لا تنسَ ذلك الأمر. وسيقدّم لك توجيهاته على نحو أشبه بدفعات صغيرة في الاتجاه الصحيح".

"ثمة بعض المخاوف من أننا سنرى بعض الأشخاص الذين يكتفون بما لديهم، حيث لن يجدوا سبباً يدعوهم إلى الخروج فيما يستطيعون البقاء في المنزل رفقة صديقهم وشريكهم الافتراضي".

ت. ماكانا تشوك، مديرة مختبر الواقع الممتد في جامعة سيراكيوز

قد تحل المواعيد الأولى الافتراضية بعضاً من المشكلات التي نواجهها حالياً: فقد جعلت التطبيقات عملية البحث عن الشريك العاطفي أسهل من ذي قبل، لكنك ستحصل على معلومات شحيحة -وربما غير دقيقة- عن هؤلاء الأشخاص. كيف ستعرف مَن يتميز بصفات جيدة ويستحق اللقاء على نحو مباشر في العالم الحقيقي؟ تقول كودوتو إن دمج المواعدة الافتراضية في التطبيق قد يكون "ميزة جذابة بالنسبة إلى الكثيرين من الباحثين عن شريك حياتهم، والراغبين في لقاء الناس لكنهم في الوقت نفسه غير واثقين من أن هذا اللقاء الأولي يستحق كل هذا الوقت المخصص له".

تعتقد مديرة مختبر الواقع الممتد في جامعة سيراكيوز، ت. ماكانا تشوك، أن الأمور يمكن أن تصل إلى أكثر من ذلك، حيث يرسل كل من الطرفين نسخة منه تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمثيله في الموعد الأول. تقول تشوك: "على إثر هذه التجربة، سيعرف الطرفان إن كانت هذه العلاقة ستنجح، أو إن كانت ستفشل بالتأكيد". إذا تبين أن الموعد فاشل، فأنت لم تكن حاضراً على الأقل.

وربما ستواعد كائناً افتراضياً مختلفاً تماماً وحسب، كما تقول مديرة مركز الأنظمة البيئية الحاسوبية-البشرية المتقدمة في جامعة جورجيا، سون جو (غريس) آن. أو قد تذهب إلى حفلة افتراضية، وتمضي وقتاً رائعاً "وتدرك لاحقاً أنك كنت الإنسان الحقيقي الوحيد في الغرفة بأسرها. أما الآخرون فقد كانوا جميعاً أنظمة ذكاء اصطناعي".

قد يبدو هذا غريباً، كما تقول آن، لكن "البشر بارعون حقاً في بناء العلاقات مع الكيانات غير البشرية". هذا هو السبب الذي يجعلك تبوح بكل ما في قلبك لكلبك، أو تتعامل مع تشات جي بي تي (ChatGPT) بوصفه معالجاً نفسياً لك.

ومع ذلك، إذا أصبحت العلاقات الافتراضية أكثر مُجامَلة من اللازم، فقد تتحول إلى مصدر للمشكلات، كما تقول تشوك: فإذا اعتدت على الوكلاء المصممين خصيصاً لإرضائك، ستصبح أقل براعة في التعامل مع الأشخاص الحقيقيين، وتخاطر بوضع نفسك في مواقف محرجة، أو التعرض للرفض من قبل الآخرين. وتقول: "ما زلت في حاجة إلى التفاعل مع البشر. وثمة بعض المخاوف من أننا سنرى بعض الأشخاص الذين يكتفون بما لديهم. ولن يجدوا سبباً يدعوهم إلى الخروج فيما يستطيعون البقاء في المنزل مع صديقهم وشريكهم الافتراضي".

بحلول هذا الوقت، سنشهد على الأرجح تشابك منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمواعدة عبر الإنترنت والبث المباشر، وزيادة قدرتها على توفير تجربة غامرة واندماجية للمستخدمين. تمكن المهندسون من تقليص العوائق التي تحول دون الحضور الحقيقي عن بعد، مثل زمن التأخير الناجم عن الإنترنت، وأثر الوادي الغريب (uncanny valley) (مشاعر النفور الناجمة عن الكيانات الافتراضية التي تشبه البشر كثيراً، لكن ليس بصورة مثالية)، ونظارات الواقع الافتراضي الضخمة، التي قد تحل محلها الآن أشياء أقرب إلى النظارات العادية أو العدسات اللاصقة.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد بوتات الدردشة على جعل منصات التواصل الاجتماعي أقل سمية؟

قد تصبح التجارب عبر الإنترنت أقرب إلى عيش حياة شخص آخر منها إلى مراقبتها وحسب. لنتخيل، كما يقول فولمر: نجم كرة سلة يرتدي ملابس ومستشعرات مثبتة على البشرة لتتبع وضعية الجسم وحركاته والقوى المتعلقة به، إضافة إلى قفازات رقيقة للغاية لاستشعار سطح الكرة. وأنت، تشاهد ما يحدث جالساً على أريكتك، ومرتدياً قميصاً رياضياً وقفازات مصنوعة من أنسجة ذكية، ومحبوكة مع مشغلات ميكانيكية تنقل إليك كلما يشعر اللاعب به. عندما يتعرض الرياضي للدفع، كما يقول فولر، فإن هذه التجهيزات التي ارتديتها حتى تشعر بما يشعر به لاعبك المفضل "ستدفعك أنت أيضاً فعلياً".

أمّا الألعاب فهي تطبيق واضح آخر. لكنه لن يكون على الأرجح التطبيق الرائد في هذا المجال. قد لا يرغب أحد في أن يقول هذا علناً، وهذا ينطبق عليّ أنا أيضاً. وقد تكتشفه بنفسك لاحقاً (كالتطبيقات ذات المحتوى المخصص للبالغين). ويمكنك أيضاً، أيها الطفل، أن تسأل والديك، أو معلمك الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي عن هذه المسألة عندما تصبح أكبر سناً.

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

بحلول العقد الثاني من عمرك، ستدخل على الأرجح مرحلة الصراع مع مشاكل الحياة التي تمضيها على الإنترنت وأمام الكاميرا. تعتقد كودوتو أن هذا قد يدفعك إلى أن تثور، وتختار التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي لأن والديك وثّقا الأعوام الثمانية عشر الأولى من حياتك دون إذن منك. وعندما تصبح بالغاً، سترغب في قواعد أكثر صرامة للخصوصية والموافقة، وأساليب أفضل للتحقق من أصالة ما تراه وتسمعه، ودرجة أعلى من التحكم في الأشياء المهمة والحساسة بالنسبة لك، على غرار زر يمكن أن يدمر رسائلك النصية غير اللائقة كلها.

لكن قد يكون العكس صحيحاً. فقد أصبحت أنت بنفسك مؤثراً. ولهذا، يمكن أن يتحول جسدك إلى مساحة العرض الخاصة بك. حالياً، تتخذ التكنولوجيات القابلة للارتداء شكل علب مثبتة على أطرافك وتحتوي على تجهيزات إلكترونية.