التكنولوجيا تساعدنا في تفسير سبب نوم حديثي الولادة معظم الوقت

4 دقائق
ينام الأطفال حديثي الولادة معظم الوقت: قد تساعدنا التكنولوجيا الحديثة على تفسير ذلك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على غرار الكثيرين، لا شك لدي في أنني لا أحصل على ما يكفي من النوم. وفي حالتي، يعود هذا جزئياً إلى طفلي الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، والذي يروق له أن يوقظني للدردشة في وقت ما بين الساعة الرابعة والساعة السادسة صباحاً كل يوم. وأشعر بالغيرة من طفلي الذي يبلغ من العمر سنتين، والذي يحصل على قسط وافر من النوم ليلاً يبلغ 12 ساعة، إضافة إلى قيلولة بعد الظهر تمتد لساعتين. يا للرفاهية.

يحتاج الأطفال إلى النوم أكثر من البالغين. وقد كانت طفلتي الأصغر سناً بين أطفالي تمضي فترة أطول في النوم. ففي أول شهرين من حياتها، كانت نائمة طوال الوقت تقريباً. ما زال العلماء يحاولون تحديد الأسباب الدقيقة وراء حاجة الأطفال إلى كل هذا النوم، ولكن ظهرت أداة جديدة يمكن أن تزيل شيئاً من هذا الغموض، كما يمكن أن تساعد في الكشف عما يحدث داخل أدمغة المواليد الجدد التي تنمو بسرعة فائقة.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟

التخطيط الكهربائي والتصوير بالرنين المغناطيسي لقياس نشاط الدماغ

يقول توبون أوستن، وهو مختص استشاري بطب الأطفال حديثي الولادة في أمانة مؤسسة هيئة الخدمات الصحية الوطنية ضمن مستشفيات جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: “تشهد هذه الفترة قيام الدماغ بتطوير وصلات جديدة بسرعة عالية من رتبة مليون وصلة عصبية في الثانية الواحدة”. ويُعتقد أن هذه الوصلات العصبية تؤدي دوراً رئيسياً في مساعدة الأطفال في تعلم كيفية فهم العالم المحيط بهم. وستزول الكثير من هذه الوصلات لاحقاً مع تعلم الأطفال كيفية تحسين استيعابهم. ولكن الأسابيع الأولى في حياة الطفل هي الفترة التي توضع فيها الركائز بالغة الأهمية التي سترافقه مدى الحياة.

وفي بعض الأحيان، يضع الباحثون غطاءً يحتوي على العديد من أقطاب التخطيط الكهربائي للدماغ على رأس الطفل لدراسة النشاط الكهربائي في دماغه. ولكن هذا الشكل من التشخيص لا يعطي دقة مكانية عالية، ما يجعل من الصعب تحديد المناطق الفعّالة من الدماغ في لحظة ما بدقة.

وقد قام باحثون بوضع الأطفال ضمن ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الذي يقيس تدفق الدم في الدماغ. وإذا سبق لك وأن رأيت عملية مسح بجهاز الرنين المغناطيسي، ستدرك بسهولة أن هذه الآلات الضخمة ليست بالمكان المناسب للأطفال. فهي تصدر ضجيجاً قوياً، وتتطلب ثباتاً شبه كامل من الشخص الذي يتم مسحه.

غطاء رأس مخصص لقياس تدفق الدم في الدماغ

ولكن أوستن، وبالاشتراك مع جولي يوكيتيل، وهي طالبة دكتوراة سابقة في جامعة كامبريدج، وتدرس الطب الآن في جامعة ستانفورد، إضافة إلى مجموعة أخرى من الزملاء، قاموا بتطوير طريقة مختلفة. فقد استخدم الفريق غطاء رأس مع مصادر ضوئية ومستشعرات مدمجة. وتستطيع هذه المكونات عند العمل معاً قياس تدفق الدم في الدماغ بنفس الطريقة التي يعتمد عليها مقياس أكسجة الدم وسرعة النبض المثبت على الإصبع في عيادة الطبيب.

وقد تم استخدام تقنيات مماثلة لدراسة الدماغ من قبل، ولكنها كانت تتطلب استخدام غطاء رأس مع عدة كابلات ضوئية متفرعة عنه، وهو شيء قد لا يحلو للمواليد الجدد النوم بعد ارتدائه. أما الجهاز الجديد فيعتمد على مجموعة من الوحدات الصغيرة مضلعة الشكل التي تم تطويرها مؤخراً، والتي تحتوي كل منها على عدة مصادر ضوئية ومستشعرات. وقد قام فريق أوستن بتركيب 112 وحدة من هذه الوحدات ضمن غطاء رأس مناسب للمواليد الجدد، ومتصل مع حاسوب بكابل واحد. ويقدم النظام الجديد صورة للدماغ “بدقة تفوق نظام الكابلات الضوئية السابق بعشرة أضعاف على الأقل”، كما يقول أوستن.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

وفي دراسة جديدة نشرتها مجلة نيورو إيماج (NeuroImage)، طلب الفريق من مجموعة من الأهالي الجدد الموافقة على إجراء تجربة باستخدام هذا الجهاز الجديد لمراقبة أطفالهم في أثناء وجودهم في جناح ما بعد الولادة في المستشفى. يقول أوستن: “إنه أقرب إلى غطاء الرأس المستخدم في السباحة، ويبدو أن الأطفال يشعرون بالسرور لدى ارتدائه”. قام الفريق بتسجيل النشاط الدماغي لدى 28 طفلاً حديث الولادة في أثناء النوم.

ويمر الأطفال بمرحلتين من النوم: المرحلة النشطة، والتي تترافق بالتقلب وتغير ملامح الوجه، متبوعة بمرحلة هادئة، حيث يكون الطفل ساكناً للغاية. قام الفريق أيضاً بتصوير جميع الأطفال في أثناء مراقبة أدمغتهم، بحيث يستطيعون لاحقاً تحديد المرحلة التي كان يمر بها الطفل في جميع اللحظات.

نشاط الدماغ خلال مراحل النوم

ولاحقاً، قام أوستن وفريقه بتحليل لقطات من التسجيلات، حيث لاحظوا وجود اختلافات في نشاط الدماغ بين المرحلتين النشطة والهادئة. فخلال النوم النشط، عندما كان الأطفال أكثر حركة، بدا أن مناطق الدماغ في نصفي المخ الأيمن والأيسر كانت تعمل في نفس الوقت وبنفس الطريقة. وهو ما يشير إلى تشكل وصلات جديدة وطويلة تعبر الدماغ بين النصفين، كما يقول أوستن. أما خلال النوم الهادئ، بدا أن الوصلات القصيرة تتشكل ضمن مناطق الدماغ.

ولا يوجد سبب واضح لحدوث هذا، ولكن أوستن وضع نظرية يمكن أن تقدم التفسير المطلوب. فهو يعتقد أن النوم الفعّال أكثر أهمية لتحضير الدماغ من أجل بناء خبرة واعية بشكل أكثر عمومية، مثل التعرف على شخص آخر كإنسان، بدلاً من مجرد النظر إليه كمجموعة من الأشكال والألوان، على سبيل المثال. ويجب على مناطق الدماغ المختلفة أن تعمل في نفس الوقت لتحقيق هذا الأمر.

اقرأ أيضاً: زرعة جديدة للمكفوفين تتصل مباشرة بالدماغ

أما بناء الوصلات القصيرة خلال النوم الهادئ فهو يؤدي على الأرجح إلى إجراء معايرة دقيقة لكيفية عمل مناطق الدماغ بشكل منفرد، كما يقول أوستن: “في النوم الفعّال، تقوم ببناء صورة، أما في النوم الهادئ، فأنت تقوم بتحسين الأشياء وزيادة دقتها”.

وكلما ازدادت معلوماتنا حول طريقة عمل الأدمغة عند المواليد الجدد الأصحاء، أصبحنا أكثر قدرة على مساعدة الأطفال الخدج، أو الذين يتعرضون إلى تلف دماغي في بداية حياتهم. يأمل أوستن أيضاً بتعلم المزيد حول أثر كل مرحلة من النوم على الدماغ. وما إن نصبح أكثر إدراكاً لما يقوم به الدماغ، فقد نصبح أكثر قدرة على تحديد الوقت الأفضل لإيقاظ الطفل من أجل إطعامه، على سبيل المثال.

اقرأ أيضاً: ابتكار أجهزة لتقوية السمع تقرأ الدماغ لمعرفة الشخص المرغوب في سماعه

ويتصور أوستن بناء نظام أشبه بالإشارة المرورية التي توضع قرب طفل نائم. ويضيء الجهاز باللون الأخضر عندما يكون الطفل في حالة نوم متوسطة، مشيراً إلى إمكانية إيقاظه. أما الضوء الأحمر، فقد يشير إلى أنه من الأفضل ترك الطفل نائماً، لأن دماغه مشغول بعملية مهمة.

لقد جربت القيام بشيء مماثل مع أطفالي. فهناك لعبة على شكل سحابة في غرفتهم، وهذه اللعبة يتحول لونها إلى الأخضر وتصدر أغنية عندما يصبح إيقاظ الأم آمناً. ولكنهم يتجاهلونها. ومن سوء الحظ، عندما تصبح أدمغتهم جاهزة للاستيقاظ، لا يكترثون بأن دماغي ليس كذلك أيضاً.