هل ينبغي إرفاق منشورات التواصل الاجتماعي بتحذيرات صحية؟

5 دقيقة
هل ينبغي إرفاق منشورات التواصل الاجتماعي بتحذيرات صحية؟
حقوق الصورة: بيكسلز

مؤخراً، كتب الجراح العام للولايات المتحدة، المعروف أيضاً باسم "طبيب الأمة"، فيفيك مورثي، مقالاً يوضح ضرورة أن تصاحب منشورات التواصل الاجتماعي تحذيرات صحية. أما الهدف فهو حماية المراهقين من الآثار الضارة لهذا المحتوى. حيث كتب في مقاله الذي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز (New York Times): "إن اليافعين الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يومياً على منصات التواصل الاجتماعي يواجهون خطراً مضاعفاً للإصابة بأعراض القلق والاكتئاب. إضافة إلى ذلك، تقول نسبة النصف تقريباً من اليافعين إن منصات التواصل الاجتماعي تجعلهم يشعرون بالسوء تجاه أجسادهم".

وأنا أتفق مع مخاوفه في الواقع. فأنا في أواخر الثلاثينيات من عمري، غير أن هذا لا يمنعني في بعض الأحيان من الشعور بسوء شديد إزاء نفسي بعد إمضاء فترة قصيرة على إنستغرام (Instagram). لدي ابنتان صغيرتان، وأشعر بالقلق بشأن ما سأفعله عندما تبلغان سن المراهقة ويبدأ الفضول لديهما بدفعهما إلى أن تطلبا مني الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها أقرانهما. أطفالي يحبون الهواتف المحمولة منذ الآن، فأكبرهم، الذي يكاد يبلغ السادسة من العمر، يتسلل إلى غرفة نومي مع طلوع الفجر في أغلب الأحيان، ويبحث عن هاتف زوجي، ويتمكن بطريقة ما من تشغيل أغنية "ميلاد سعيد (لقد انتهت الحرب)" (Happy Xmas [War Is Over]) بأعلى مستوى صوت ممكن.

لكنني أعرف أيضاً أن العلاقة بين هذه التكنولوجيا والصحة ليست بسيطة؛ فمنصات التواصل الاجتماعي تؤثر في المستخدمين بطرق مختلفة، وغالباً ما يتخذ تأثيرها منحى إيجابياً. إذاً، لنلقِ نظرة أكثر تمعناً على المخاوف، والأدلة التي ترتكز إليها، وأفضل الطرق لمواجهتها.

اقرأ أيضاً: ما هي سياسة ميتا الجديدة لحماية المراهقين من العنف واضطرابات الأكل وإيذاء النفس؟

ما المخاوف الأكثر رواجاً من منصات التواصل الاجتماعي؟

مخاوف مورثي ليست جديدة بطبيعة الحال. في الواقع، في كل مرة تقريباً تظهر فيها تكنولوجيا جديدة في حياتنا اليومية، يحذّر البعض من أخطارها المحتملة. وقد نالت ابتكارات عديدة، مثل الصحافة المطبوعة والراديو والتلفزيون، نصيبها من الانتقادات في الماضي. وفي 2009، ذهبت صحيفة ديلي ميل (Daily Mail)، إلى ربط استخدام فيسبوك بالسرطان.

في الآونة الأخيرة، أصبحت المخاوف المتعلقة بمنصات التواصل الاجتماعي أكثر تركيزاً على الشباب واليافعين. تشهد سنوات المراهقة تغيرات كثيرة، فالدماغ يدخل مرحلة النضوج، والهرمونات تتغير بحدة لدينا، كما نجرب طرقاً جديدة لتكوين العلاقات مع الآخرين. ويُعتقد أن البشر أكثر عرضة لاضطرابات الصحة النفسية خلال هذه الفترة أيضاً. يُعتقد أن نصف هذه الاضطرابات تقريباً يظهر بحلول السنة الرابعة عشرة من العمر، ويُعد الانتحار المتسبب الرابع للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وقد زعم الكثيرون أن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد الأمر سوءاً.

أشارت التقارير بطرق مختلفة إلى التنمر الإلكتروني، والتعرض للمحتوى العنيف أو الضار، والترويج لمعايير جسدية غير واقعية، على سبيل المثال، بوصفها مسببات رئيسية محتملة لانخفاض الحالة المزاجية والاضطرابات مثل القلق والاكتئاب. كما ظهر العديد من الحالات البارزة المتعلقة بإيذاء النفس والانتحار والمرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتتضمن غالباً التنمر أو الإساءة عبر الإنترنت. فقد أشارت التحقيقات مؤخراً إلى أن انتحار مراهقة تبلغ من العمر 18 عاماً في ولاية كيرالا بالهند كان مرتبطاً بالتنمر الإلكتروني. كما لقي عدد من الأطفال حتفهم بسبب المشاركة في تحديات خطيرة حققت انتشاراً واسعاً على الإنترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدءاً من استنشاق المواد السامة وأكل رقائق التورتيا الحارة للغاية، وصولاً إلى خنق أنفسهم.

وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها مشكلة صحية

يأتي مقال مورثي الجديد في أعقاب تقرير إرشادي نشره مكتبه في 2023 حول وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية عند اليافعين. تهدف الوثيقة التي يبلغ طولها 25 صفحة، والتي توضح بعض الفوائد والمضار المعروفة الناجمة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى "الجوانب المجهولة"، إلى رفع مستوى الوعي بشأن وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها مشكلة صحية. تكمن المشكلة في أن الأمور ليست واضحة تماماً.

تقول الباحثة في كلية لندن الجامعية، روث بلاكيت، التي تدرس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية لدى اليافعين: "الأدلة محدودة للغاية في الوقت الحالي". تتسم نسبة كبيرة من الأبحاث المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية بأنها تتمحور حول العلاقة الترابطية. ولا تُظهر هذه الأبحاث أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يتسبب باضطرابات الصحة النفسية، على حد قول بلاكيت.

يستشهد التقرير الاستشاري الذي نشره الجراح العام ببعض من هذه الدراسات الترابطية. كما يشير إلى دراسات استندت إلى استطلاعات الرأي، بما فيها دراسة حول الرفاهة النفسية بين طلاب الجامعات بعد إطلاق فيسبوك في منتصف العقد الأول من هذا القرن. لكن، حتى إذا قبلنا باستنتاج المؤلفين بأن فيسبوك كان له تأثير سلبي على الصحة النفسية لدى الطلاب، فهذا لا يعني أن منصات التواصل الاجتماعي الأخرى ستؤثر بالطريقة نفسها على شرائح أخرى من الصغار واليافعين، بل إن منصة فيسبوك نفسها قد تغيرت كثيراً خلال السنوات العشرين الأخيرة، وتغيرت معها طريقة استخدامنا لها.

اقرأ أيضاً: أطباء نفسيّون يطالبون شركات التواصل الاجتماعي مشاركة بياناتها للحدّ من انتحار المراهقين

جدل دائر ونتائج متضاربة

وجدت دراسات أخرى أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تؤثر في الصحة النفسية، ففي دراسة نُشِرت العام الماضي، أجرت بلاكيت وزملاؤها استطلاع رأي شمل 3,228 طفلاً في المملكة المتحدة بهدف دراسة التغيرات التي طرأت على استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي وصحتهم النفسية مع مرور الوقت. أجري أول استطلاع للرأي بين الأطفال عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 12 و13 عاماً، ومرة أخرى عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 14 و15 عاماً.

توقعت بلاكيت أن تتوصل إلى استنتاج مفاده أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يضر بالمشاركين الصغار. لكن عندما أجرت الجولة الثانية من الاستبيان، وجدت أن هذا غير صحيح. وقالت لي: "إن الوقت الذي أمضوه على وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن مرتبطاً بنتائج الصحة النفسية لديهم بعد مرور سنتين".

وجدت أبحاث أخرى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون مفيداً لليافعين، ولا سيما أولئك الذين ينتمون إلى شرائح الأقليات؛ فقد يساعد البعض على تجنب الشعور بالوحدة، وتقوية علاقاتهم مع أقرانهم، وإيجاد مساحة آمنة للتعبير عن هوياتهم، على حد قول بلاكيت. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لا يقتصر الغرض منها على تنمية الأواصر الاجتماعية؛ فاليافعون يستخدمون هذه المنصات اليوم للاطلاع على الأخبار والترفيه والجوانب المتعلقة بالدراسة، وحتى الأعمال التجارية (كما في حالة المؤثرين).

تقول بلاكيت: "إنها مجموعة مختلطة من الأدلة. وأعتقد أنه من الصعب استخلاص الكثير من الاستنتاجات في الوقت الحالي".

أهمية الملصقات التحذيرية على وسائل التواصل الاجتماعي

يدعو مورثي في مقاله إلى وضع ملصقات تحذيرية على منصات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن "وسائل التواصل الاجتماعي ترتبط بأضرار كبيرة على الصحة النفسية لدى اليافعين".

لكن على الرغم من أن مورثي يحاول إثبات فعالية هذا الأسلوب بمقارنته مع الملصقات التحذيرية التي توضع على منتجات التبغ، فإن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا يحمل المخاطر الصحية نفسها التي يسببها التدخين المتواصل للسجائر. كما أن لدينا الكثير من الأدلة الدامغة التي تربط التدخين بالعديد من الأمراض، بما فيها أمراض اللثة، والانتفاخ الرئوي، وسرطان الرئة، وغير ذلك. نحن نعلم أن التدخين يمكن أن يقلل متوسط العمر المتوقع للإنسان. لكننا لا نستطيع إطلاق مزاعم مماثلة حول وسائل التواصل الاجتماعي، مهما كُتِب في ذلك المقال المنشور في ديلي ميل.

اقرأ أيضاً كيف تبلّغ عن التعليقات والسلوكيات المسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويقر مورثي بأن التحذيرات الصحية ليست الوسيلة الوحيدة لمنع أي أضرار محتملة مرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. بداية، يمكن للشركات التكنولوجية على سبيل المثال أن تمضي قدماً في الحد من المحتوى العنيف أو الضار، أو إزالته تماماً. كما أن التعليم الرامي إلى نشر المعرفة الرقمية يمكن أن يساعد على تزويد الأطفال وأولياء أمورهم بالمعلومات المتعلقة بكيفية تغيير الإعدادات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لتحسين مستوى التحكم في المحتوى الذي يراه الأطفال، وتعليمهم كيفية تقييم المحتوى الذي يرونه على شاشاتهم.

تبدو هذه الإجراءات مناسبة بالنسبة لي. فقد تساعدني حتى على التخلص من مشكلة أغاني عيد الميلاد في الصباح الباكر.