ما أبرز المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية؟ وكيف يمكن إصلاحها؟

6 دقائق
ما أبرز المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية؟ وكيف يمكن إصلاحها؟
حقوق الصورة: أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبحت شبكة الويب العالمية جزءاً لا غنى عنه في الحياة الحديثة، حيث يمكن أن يصل إليها اليوم عددٌ من الأشخاص أكثر من أي وقتٍ مضى، وأصبحت بمثابة البوابة التي نحصل من خلالها على الأخبار والترفيه ونبقى على اتصالٍ مع العائلة والأصدقاء، وتمكننا من الوصول بسهولة إلى معلومات أكثر مما حصل عليه أيُّ إنسان على الإطلاق من قبل.

ومع ذلك، بالنسبة لأشخاصٍ مثل السير تيم بيرنرز لي مخترع شبكة الإنترنت العالمية، وفينتون سيرف (Vinton Cerf) الذي يشار إليه غالباً على أنه أحد “آباء الإنترنت“، فإن شبكة الويب العالمية قد تضررت بشكلٍ كبير ولم تتطور بالطريقة التي تصورونها، فما أبرز المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية؟ والأهم ما الحلول التي يمكن تطبيقها لإصلاحها؟

كيف أضرت مركزية الإنترنت وسيطرة شركات التكنولوجيا بشبكة الويب العالمية؟

في الأيام الأولى لظهور شبكة الويب كان الأشخاص الذين يريدون النشر عبر الإنترنت يشغّلون خوادم الويب الخاصة بهم على أجهزة الكمبيوتر ثم يبدؤون النشر على الفور. وعلى الرغم من أن هذا الأمر كان يتطلب فهماً جيداً للتكنولوجيا، فإنه كان يسهم في توزيع المعلومات عبر الشبكة بُحرية واستقلالية.

ومع نمو شبكة الويب، ظهرت الشركات التي أزالت العقبات التقنية التي كانت تعوق النشر على الشبكة. فمثلاً، عبر موقع الصور فليكر (Flickr) يمكن للمصور بسهولة تحميل صوره على الإنترنت ومشاركتها مع أشخاص آخرين، وقد فعلت منصة يوتيوب الشيء نفسه بالنسبة لمقاطع الفيديو، بينما سهّلت أدوات إدارة المحتوى مثل ورد بريس (WordPress) على أي شخص إنشاء موقع أو مدونة.

ولاحقاً تطور الأمر بظهور منصات التواصل الاجتماعي التي سهّلت على الجميع الاتصال والتواصل ومشاركة الصور والفيديو والمحتوى المقروء بكل سهولة، ويشار عموماً إلى الفترة التي انطلقت فيها هذه الخدمات فعلياً باسم الويب 2.0 (Web 2.0).

ولكن مع هذا التطور في تقنيات النشر السهلة الاستخدام، جاءت مركزية الإنترنت ومعها فُقِد بعض إمكانات شبكة الويب، حيث ظهر عددٌ صغيرٌ من الشركات التي تتحكم في جزء كبير من البنية الأساسية للويب وبياناتها، ما يمنحها قدراً كبيراً من السيطرة على كيفية استخدام الويب.

اقرأ أيضاً: كيف سيُخلّص إيلون ماسك إكس من المستخدمين الوهميين؟ وما تأثير ذلك في مستقبل المنصة؟

يُضاف إلى ما سبق امتلاك هذه الشركات تقنيات تتبع وحدات البكسل وتقييد الوصول وتصفية المحتوى وحظر الظل (Shadow Banning)، التي أصبحت قوة كبيرة لتقييد الآراء وهندسة السلوك الاجتماعي والتحكم في حياة المستخدمين، حيث تطبّق هذه الشركات التي تعرف معلومات مهمة عن مستخدميها ضوابط خاصة بها ورقابة شديدة على التوجهات المخالفة لسياساتها التي تُكتب من قِبل فئات معينة لا تريد لآرائها الانتشار، لأنها تكشف أكاذيبها وأساليبها في التلاعب بالجماهير.

تبدو الرقابة متأصلة في ثقافة شركات وادي السيليكون وتتجلى في أشكالٍ عديدة، أبرزها التحكم في إبراز طرف على حساب الآخر من خلال التقييد والحذف الذي تقوم به الخوارزميات التي تُشغّل خدماتها المختلفة التي يستخدمها مستخدمو شبكة الإنترنت.

على سبيل المثال، إذا لم يُعجب منصة فيسبوك أو يوتيوب ما تقدمه فيمكنها بسهولة فرض رقابة على محتواك عن طريق الحد من وصوله إلى جمهورك ومتابعيك، وفي بعض الأحيان حذفه بالكامل أو تقييد الحساب فترة معينة من الزمن أو إغلاقه بالكامل. السبب ببساطة كما تذكر هذه المنصات دائماً هو مخالفته سياسة الموقع وكونه غير آمن للمجتمع، وهي السياسة نفسها التي تسمح لبعض الفرق الأخرى بنشر محتواها الذي يتضمن الكثير من المحتوى الذي يحض على خطاب الكراهية ونشر المعلومات المزيفة والمضللة بذريعة حرية التعبير.

اقرأ أيضاً: 5 أدوات تكنولوجية شائعة تفقدنا مهاراتنا الفكرية

ما أبرز المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية الآن؟

لقد أحدثت شبكة الويب العالمية ثورة في كيفية التواصل والوصول إلى المعلومات وإدارة الأعمال، إلّا أنها تواجه أيضاً العديد من التحديات التي تهدد إمكاناتها وتشكّل خطراً على المستخدمين. وفيما يلي بعض أبرز المشكلات التي تواجهها:

فقدان السيطرة على البيانات الشخصية

 يقدّم نموذج الأعمال الحالي للعديد من مواقع الويب محتوى مجانياً مقابل البيانات الشخصية، ويوافق الكثير منا على ذلك، ولكننا في الأساس لا نمانع في جمع بعض المعلومات مقابل خدمات مجانية، ولكن الخدعة هنا أن بياناتنا التي نقدّمها بموافقتنا تُحفظ في خوادم خاصة بعيداً عن أعيننا، ما يجعلنا نخسر الفوائد التي كان من الممكن أن نحققها إذا كانت لدينا سيطرة مباشرة على هذه البيانات واختيار متى ومع من نشاركها.

والأكثر من ذلك، أننا في كثيرٍ من الأحيان لا نملك أي طريقة لإطلاع الشركات على البيانات التي نفضّل عدم مشاركتها خاصة مع الجهات الخارجية، فاتفاقية شروط الخدمة التي نوافق عليها طواعية وبدون قراءتها هي كل شيء أو لا شيء، بالإضافة إلى ذلك نجد أن جمع البيانات على نطاقٍ واسع من قِبل الشركات له أيضاً تأثيرات أخرى، فمن خلال التعاون مع الشركات أو إكراهها على ذلك، تراقب الحكومات أيضاً على نحو متزايد تحركاتنا كلها على الإنترنت.

اقرأ أيضاً: لقد حان وقت إنشاء قانون يحمي حقوق البيانات

سهولة نشر المعلومات الخاطئة على الويب

يجد معظم الأشخاص الأخبار والمعلومات على الويب من خلال عددٍ قليلٍ من مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، وتجني هذه المواقع المزيد من المال عندما نضغط على الروابط التي تظهر لنا، وهي تختار ما تعرضه لنا بناءً على الخوارزميات التي تتعلم من بياناتنا الشخصية التي تجمعها باستمرار.

والنتيجة النهائية هي أن هذه المواقع تعرض لنا المحتوى الذي تعتقد أننا سننقر عليه، ما يعني أن المعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة التي تكون مفاجئة أو صادمة أو مصممة لجذب تحيزاتنا يمكن أن تنتشر كالنار في الهشيم، ومن خلال استخدام علم البيانات وجيوش البوتات يمكن لأصحاب النوايا السيئة التلاعب بالنظام لنشر معلومات مضللة لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية.

اقرأ أيضاً: 8 طرق تساعدك على كشف الأخبار المزيفة عبر منصات التواصل الاجتماعي

هجمات الأمن السيبراني تهديد خطير لبياناتنا

تشكّل الهجمات السيبرانية خطراً كبيراً على مواقع الويب والشركات والأفراد، ويمكن أن تؤدي هذه الهجمات إلى تعريض البيانات الحساسة للخطر وتعطيل الشركات والتسبب في خسائر مالية، فمثلاً شهدنا في الفترة الأخيرة بعض التقدم الكبير في تكنولوجيا إنترنت الأشياء. ومع ذلك، مع نمو سوق أجهزة إنترنت الأشياء، ازداد عدد نقاط النهاية التي يمكن استهدافها أو استخدامها لمهاجمة الآخرين أيضاً بسرعة.

بالإضافة إلى ذلك، لا توجد طريقة للقضاء على الجرائم الإلكترونية، لأن تحسين الدفاعات التكنولوجية يؤدي ببساطة إلى المزيد من عمليات القرصنة المبتكرة للالتفاف عليها، ومع ذلك يمكن تثقيف المستخدمين بشكلٍ أفضل وتزويدهم بالموارد اللازمة لحماية أنفسهم حتى مع اتخاذ تدابير بسيطة مثل اختيار كلمات مرور أقوى.

اقرأ أيضاً: كيف أصبح كشف الهجمات أداة أساسية في الصراع السيبراني؟

الإعلانات المستهدفة تؤدي إلى تدني الجودة

خلال التسعينيات وحتى أوائل القرن العشرين كان الإعلان على الإنترنت بمثابة مقايضة صعبة ولكنها مقبولة، وكانت أكثر أشكاله شيوعاً هي رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها أو ما يُسمَّى البريد العشوائي. وعلى الرغم من أنها شكّلت مصدرَ إزعاجٍ للمستخدمين، فإنها سمحت للكثير من المواقع الإخبارية والمدونات الموثوقة بالانتشار وجذب القراء والمستخدمين.

ولكن في عام 1999 بدأت شركة الإعلانات دبل كليك (DoubleClick) دمج البيانات الشخصية مع ملفات تعريف الارتباط لمتابعة المستخدمين عبر الويب حتى تتمكن من استهدافهم بشكلٍ أكثر فاعلية، ومعها بدأ عصر الإعلانات المستهدفة التي أسهمت في جعل شركات تكنولوجية مثل جوجل أكثر قوة وتأثيراً على شبكة الويب العالمية.

هذا الأمر أدّى إلى انهيار المحتوى العالي الجودة بشكلٍ كبير، حيث ساعد نماذج الأعمال التي تعتمد على الإعلانات والتي تدعم توفير المعلومات عبر الإنترنت على تمكين المحتوى الذي يعتمد على الإثارة أكثر من المحتوى الحقيقي، وإعاقة قدرتنا على التمييز بين المعلومات المزيفة والحقيقية بسبب أشياء مثل التحيز التأكيدي (Confirmation Bias)، حيث من المرجّح أن نقبل المعلومات إذا كانت تتوافق مع معتقداتنا الخاصة، بالإضافة إلى التحيز الشعبي (Popularity Bias) حيث ننظر إلى شيء ما على أنه عالي الجودة بسبب تكرار مشاركته. من ذلك نجد أن انتشار الأخبار المزيفة واستخدام المعلومات سلاحاً أصبح يشكّل تحدياً رئيسياً لشبكة الإنترنت اليوم، ولا يزال ضمان الوصول إلى معلومات جديرة بالثقة ومنع التلاعب المتعمد بتدفق المعلومات دون اللجوء إلى الرقابة وإعاقة حرية التعبير يشكّل تحدياً صعباً.

اقرأ أيضاً: 4 طرق فعّالة لإيقاف النوافذ والإعلانات المنبثقة في متصفحك

كيف يمكن إصلاح المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية؟

تحتاج شبكة الويب العالمية إلى تدخلٍ جذري من كلِّ مَن يملكون السلطة على مستقبلها، مثل الحكومات القادرة على التشريع والتنظيم، والشركات التي تصمم المنتجات، ومجموعات المجتمع المدني والناشطين الذين يحاسبون الأقوياء، وكل مستخدم ويب يتفاعل مع الآخرين عبر الإنترنت.

وسوف تتطلب معالجة هذه المشكلات اتباع نهج متعدد الأوجه، وفيما يلي بعض الحلول المحتملة لهذه المشكلات:

على مستوى الحكومات

يمكنها أن تتخذ الإجراءات التالية:

  • وضع القوانين واللوائح وإنفاذها لمعالجة بعض مشكلات الإنترنت، مثل انتشار المعلومات الخاطئة وإساءة استخدام البيانات الشخصية.
  • تمويل البحث والتطوير في مجال التقنيات الجديدة التي يمكن أن تساعد على مواجهة هذه المشكلات، مثل أدوات اكتشاف المعلومات الخاطئة وإزالتها.
  • الترويج للتعليم الرقمي لمساعدة الأشخاص على فهم كيفية استخدام الويب بأمان ومسؤولية.

على مستوى الشركات

يمكنها أن تتخذ الإجراءات التالية:

  • تصميم منتجاتها وخدماتها لتكون أكثر أماناً وحماية للخصوصية.
  • وضع سياسات واضحة وشفافة حول كيفية جمع بيانات المستخدم واستخدامها ومشاركتها.
  • العمل مع الحكومات والمجتمع المدني لتطوير حلول للأضرار التي يمكن أن تلحق بشبكة الإنترنت.

على مستوى المجتمع المدني

يمكن اتخاذ الإجراءات التالية:

  • الدفاع عن السياسات التي تحمي حقوق المستخدمين وخصوصيتهم.
  • تطوير وتعزيز الأدوات والموارد التي يمكن أن تساعد الأشخاص على تحديد الأضرار على الإنترنت وتجنبها.
  • إخضاع الأنشطة التجارية والحكومات للمساءلة عن أفعالها على الإنترنت.

على مستوى الأفراد

يمكن للمستخدمين الأفراد:

  • أن يكونوا أكثر نقداً للمعلومات التي يشاهدونها عبر الإنترنت والتأكد من دقتها قبل مشاركتها.
  • أن يستخدموا كلمات مرور قوية وأن يحذروا بشأن المعلومات الشخصية التي تتشارك عبر الإنترنت.
  • أن يكونوا على دراية بطريقة الإبلاغ عن المضايقات والإساءات عبر الإنترنت عبر المنصات المختلفة.

إن معالجة المشكلات التي تعانيها شبكة الويب العالمية لن تكون بالمهمة السهلة، ولكن من الضروري ضمان بقائها قوية من أجل الخير في العالم، ومن خلال عمل أصحاب المصلحة جميعهم معاً يمكن إنشاء بيئة إلكترونية أكثر أماناً وإنصافاً وشمولاً للجميع.