بعد 100 عام: كيف ستتطور علاقة البشر بالتكنولوجيا؟

11 دقيقة
بعد 100 عام: كيف ستتطور علاقة البشر بالتكنولوجيا؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/LariBat

ملخص: إن كنت مولوداً اليوم، في عام 2059 سيكون عمرك 35 عاماً، وغالباً سيكون مكان سكنك مكاناً صغيراً تملؤه الأدوات القابلة للتوضيب والطي. ستكون المساحات المتاحة قابلة للتكيف وفق احتياجاتك، وسيكون منزلك ذكياً يسمع متطلباتك دفعة واحدة وبشكل متكامل، وإن كنت قد رُزقت بأطفال، ستساعدك التكنولوجيا في تربيتهم خطوة بخطوة، وقبلها ستكون معك في مرحلة التخطيط للحمل والحمل. في الخمسين من عمرك، سترافقك التكنولوجيا في حياتك المهنية وتسهل الكثير من مهامك، سينوب مساعدك الذكي عنك في اجتماعاتك، وسيخزن معارفك، ويحفظ مواعيدك. في عمر الـ 75 عاماً، سيكون المساعد الذكي قد أصبح ملماً بتفاصيل حياتك الصحية، وعاداتك. النقطة المهمة أنه لن تنتظر إلى أن تسوء حالتك الصحية للاعتماد على أجهزة التتبع وغيرها، بل ستكون قد عرفتك مسبقاً، ما يفيد في برنامجك الصحي، كما قد تستحضر التكنولوجيا أصدقاءك البعيدين، وتمنحك الدفء وتسترجع معها مشاعر محببة. ستسافر افتراضياً، وفي أعوامك الأخيرة ستساعدك على ألا تشعر بالوحدة.

تأمل مديرة مختبر الجسم الهجين في جامعة كورنيل، سيندي سين-ليو كاو، أن تصبح تكنولوجيات كثيرة أشبه ببشرتك الخاصة. تعمل كاو على تطوير أجهزة قابلة للارتداء، مثل ملصقات ظلال العيون ذات الألوان المتغيرة ولوحات تتبع مصغرة توضع على الأظافر يمكنها أن تتحكم في الهاتف أو تفتح باب السيارة. وتتخيل أنه في المستقبل القريب نسبياً "ستتمكن من تأجير كل ظفر من أظافرك لعرض إعلان لمنصات التواصل الاجتماعي"، أو من الممكن تعديل شعرك على نحو مماثل: فنشر شعيرات رفيعة للغاية ومزودة بمصابيح ثنائية باعثة للضوء (LED) وقابلة للبرمجة ضمن الشعر، يمكن أن يحوّله إلى ما يشبه الشاشة.

ماذا لو أمكن استخدام تلك العدسات اللاصقة الذكية بوصفها شاشات عرض أيضاً؟ تقول كاو وهي تفكر في هذا الاحتمال: "سيكون هذا مروعاً للغاية. تخيل أنك تنظر إلى عيني شخص ما، وتجد أنهما أشبه بقناة تلفزيونية".

اقرأ أيضاُ: هل ستشترك الآلات الذكية في تربية الأطفال المولودين مستقبلاً؟

ماذا ينتظر المولودون اليوم في هذه الأعوام؟

2059
العمر 35 عاماً

إذ بلغت هذا السن، من المرجّح أنك دخلت مرحلة الحياة المنزلية المستقرة، لكن منزلك قد لا يشبه المنزل الذي ترعرعت فيه كثيراً. لا يعتقد الأستاذ المختص بالتصميم المرتكز على العنصر البشري في جامعة كورنيل، كيث إيفان غرين، أننا يجب أن نتخيل منزل المستقبل، ويقول: "أعتقد أن التوصيف الأدق هو غرفة المستقبل"، لأنها ستكون المكان الذي يجمع كل شيء، مثل العمل والمدرسة واللعب، وقد اكتسب هذا التوجه زخماً إضافياً بسبب جائحة كوفيد.

من المرجّح أن مسكنك سيكون صغيراً إن كنت تعيش في مدينة كبيرة. وفي ظل أوجه عدم اليقين المتعلقة بالتغيّر المناخي وتكاليف النقل، لن نستطيع مواصلة التوسع في بناء المدن إلى ما لا نهاية. ولهذا، فإنه يتخيل مساحات روبوتية معمارية مخصصة للسكن قابلة للتعديل: حيث الجدران تتحرك، والأغراض تنتفخ أو تنفتح، والأثاث يظهر أو يختفي ضمن الأسطح أو يمكن إعادة تجميعه من جديد. والقدرات الحاسوبية كلّها اللازمة للتحكم في هذه العملية ستكون مدمجة ضمن هذه الأنظمة. سيتحول المنزل أخيراً إلى شيء مماثل لما تخيله المعماري لو كوربوزييه: آلة يعيش الإنسان داخلها.

يصور غرين هذه المساحة على أنها بسيطة لكنها جميلة في الوقت نفسه، كما هو حال الأماكن المخصصة للتأمل وممارسة الطقوس الروحانية؛ أي أنها ستكون مكاناً صالحاً للتفكير والعيش في الوقت نفسه على حد تعبيره. ويقول: "يمكن أن أصف هذا المسكن بأنه أشبه بمكان فسيح مخصص للتأمل والتفكر، ويكاد يخلو من كل شيء باستثناء من يسكنها".

يعتقد خبراؤنا أن منزلك سيستجيب لأوامرك عن طريق الصوت أو الإيماءات، وسينطبق الأمر ذاته على سيارتك. لكن منزلك سيتخذ بعض القرارات بصورة مستقلة، ويتعلم من خلال مراقبة حركاتك وموقعك ودرجة حرارتك.

يقول الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة آركتايب أيه آي (Archetype AI)، إيفان بوبيريف، إننا في ذلك الحين لن نتحكم في كل جهاز منزلي ذكي على حدة عبر تطبيقه الخاص، وإنما سيكون المنزل أشبه بالمسرح وستكون أنت المخرج، على حد تعبيره. ويقول: "لن تتفاعل مع مكيف الهواء، ولن تتفاعل مع التلفزيون". ويُضيف: "بل ستتفاعل مع المنزل بوصفه كلاً متكاملاً. فبدلاً من أن تطلب من التلفزيون عرض برنامج معين، ستوجّه طلبات عالية المستوى إلى المكان بأسره: "شغّل شيئاً يُثير اهتمامي، فأنا متعب". أو: "ما هي الخطة ليوم غد؟"

يقول فولمر من جامعة ستانفورد إن الروبوتات ستنتقل من المرحلة الصناعية إلى المرحلة الشخصية وصولاً إلى مرحلة الانتشار الشامل، تماماً كما حدث مع أجهزة الكمبيوتر. لقد تخيل آباء أجدادك أن المنزل المستقبلي سيكون تحت رعاية روبوت واحد مصمم على هيئة إنسان، تماماً مثل شخصية روزي في مسلسل الرسوم المتحركة "عائلة جتستونز" (The Jetsons). أمّا فولمر فيتخيل وجود أسراب ربما تضم 100 روبوت بحجم العملات المعدنية، حيث تظهر فجأة حتى تنظف المكان أو تخرج القمامة أو تجلب لك شراباً بارداً (ويقول: "ستعرف هذه الروبوتات مسبقاً أنك تشعر بالظمأ وترغب في هذا الشراب، حتى قبل أن تعرف أنت بذلك").

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

أيها الطفل العزيز (أيتها الطفلة العزيزة)، ربما أصبح لديك طفل بحلول هذا الوقت، لقد تغيرت التكنولوجيات المتعلقة بالتكاثر منذ ولادتك. على سبيل المثال، سيصبح تتبع تغيرات مستوى الخصوبة أدق بكثير، على حد قول غيربر: "سيصبح الأمر أشبه بالتنبؤ بالطقس". ومن المحتمل، وفقاً لكاو، دمج أجهزة استشعار مرنة شبيهة بالقماش ضمن بطانة الفوط النسائية لتتبع المؤشرات الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية. ومن الممكن أيضاً، بعد ولادة الطفل، وضعها ضمن ملصقات مخصصة لحلمات الثدي، حيث يمكن للأم المرضعة أن تستخدمها لتتبع تغيرات السوائل الحيوية. وإذا كان الطفل يواجه صعوبة في التقام الثدي، يمكن للأم أن تستعين بالمستشعرات اللمسية السعوية الموجودة ضمن ملصق الثدي للعثور على وضعية أفضل للإرضاع.

إضافة إلى ما سبق، ستتوقف المعاناة بسبب الحرمان من النوم. وتتخيل غيربر جهازاً لم تجد له اسماً مناسباً سوى "نظام التعامل مع الأطفال" (baby handler)، نظراً لعدم وجود مصطلح معتمد حالياً، وهو هيكل خارجي ذو تصميم هجين يتداخل مع تصميم مقعد السيارة. إنه آلة تعمل على تهدئة الأطفال في ساعات الليل المتأخرة، حيث تهز الطفل، وتقدّم له الحليب الطبيعي المأخوذ من الأم المرضعة والمعبأ ضمن الجهاز مسبقاً، وربما توفّر "وضعية التنظيف والتجفيف" على نحو مشابه لعمل حوض البيديه. وبالنسبة إلى أطفالك، قد تكون هذه أول تجربة يتعاملون فيها مع آلة عن قرب.

اقرأ أيضاً: لأول مرة: ولادة أطفال حملتهم أمهاتهم بمساعدة روبوت

2074
العمر 50 عاماً

أصبحت الآن في ذروة حياتك المهنية. وبالنسبة إلى الاختصاصات التي تتوجه نحو الأتمتة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قد تصبح أنت "الإنسان المشارك في العمل"، الذي يشرف على الآلة وهي تؤدي مهامها. أمّا بالنسبة إلى نموذج يوم العمل التقليدي من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة عصراً، الذي بدأ يتراجع في عصرنا، فقد يتلاشى تماماً ويتحول إلى نموذج مرن للعمل من المنزل، أو عمل مستقل يعتمد على مبدأ الكسب بقدر الإنتاج.

تعتقد آن أنك قد تبدأ يوم العمل بالاستلقاء في السرير وتفقد الرسائل التي وصلتك، وذلك من خلال عدسة لاصقة مزروعة على عينك. يحب الجميع استخدام شاشة كبيرة، ووضع هذه العدسة في عينك يمنحك عملياً "أكبر شاشة في العالم"، على حد قولها.

لا شك في أنك جربت التعامل مع الشخصيات الافتراضية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجال المواعدة العاطفية. لكن الوكلاء الافتراضيين أصبحوا الآن أكثر واقعية من حيث الشكل، ويستطيعون محاكاة صوتك وتصرفاتك. ولهذا، ما المانع من إرسال وكيل افتراضي إلى الاجتماعات لحضورها بدلاً عنك؟

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

تُطلق الباحثة التي تدرس التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر في شركة أبحاث مايكروسوفت (Microsoft Research)، كوري إنكبين، على هذا النظام اسم "النسخة" (ditto) الخاصة بك، وباستخدام المصطلحات الأدق، فهذا النظام وكيل متجسد وقادر على المحاكاة لتمثيل شخص معين. وتقول: "نسختي تشبهني من حيث الشكل والتصرفات والصوت، بل وتمتلك بعض المعلومات التي أمتلكها". يمكنك أن توجه نسختك للتحدث عن بعض النقاط المعينة، وتقديم ملخص لك حول الحوار الذي دار في الاجتماع في وقت لاحق. سيشعر زملاؤك بأنك كنت هناك فعلاً، وستستفيد من هذا الحوار الذي لم يجرِ في الزمن الحقيقي تماماً، لكنه لم يكن متقطعاً وغير متزامن على غرار الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني. تقول إنكبين: "ستبدأ النسخة بدمج عناصر جديدة في هذا الواقع".

اقرأ أيضاً: ما هو وكيل الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يساعدك في حياتك اليومية؟

في عصرنا، ينتشر الواقع المعزز ببطء بين أدوات العاملين الذين تتطلب وظائفهم حضوراً فيزيائياً والتعامل مع أغراض ملموسة. لكن الخبراء يشعرون بالقلق إزاء تقاعد العاملين من مواليد جيل الطفرة، فقد تختفي خبراتهم الفنية من ميدان العمل بعد أن يتركوه. ربما في إمكانهم أن يتركوا خلفهم إرثاً من أنظمة المحاكاة المخصصة للتدريب.

تعتقد إنكبين أن هذا الوضع ينطوي على الكثير من الفرص حتى نتعلم أداء بعض الأعمال بأنفسنا. لنفترض أن ثلاجتك توقفت عن العمل. بدلاً من الاتصال بأحد فنيي الصيانة، يمكنك استخدام نظارة أو جهاز لوحي أو جهاز إسقاط ضوئي لتشغيل برنامج تدريبي يعتمد على الواقع المعزز لإظهار طبقة إضافية من التعليمات الرقمية إلى المشهد فوق الثلاجة. يتساءل فولمر إن كان من الممكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتدربون على أداء الأعمال التخصصية الدقيقة للغاية، مثل الجراحة، أن يستخدموا المستشعرات اللمسية المحبوكة ضمن القفازات أو الملابس للإحساس -بالمعنى الحرفي للكلمة- بحركات اليدين التي ينفذها المهنيون من ذوي الخبرة في هذا المجال.

وبالنسبة إلى بوبيريف، فإن النتائج أكبر بكثير من ذلك. حيث يقول إنه من الممكن أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه "وسيلة للتخزين". ويُضيف قائلاً: "إنه طريقة لحفظ المعرفة البشرية". يمثّل النموذج اللغوي الكبير في جوهره، مثل تشات جي بي تي (ChatGPT)، خلاصة تضم المعلومات النصية كلّها التي نشرها الناس عبر الإنترنت. بعد ذلك، إذا وسّعنا نطاق البيانات التي نقدّمها للنماذج بحيث لا تقتصر على النصوص، ولقمنا النماذج ببيانات حقيقية صادرة عن أجهزة استشعار تستشعر الحركة والسلوك، "سيتحول النموذج إلى ما يشبه العرض التقديمي المضغوط للغاية، ولا يقتصر محتواه على المعرفة وحسب، بل يتضمن أيضاً الأساليب التي يستخدمها الناس في تنفيذ المهام المختلفة في حياتهم". يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يلتقط أساليب الرقص، أو إصلاح سيارة، أو ممارسة رياضة الهوكي على الجليد -المهارات كلها التي يصعب تعلمها بالاعتماد على الكلمات وحدها- ويحافظ على هذه المعرفة للمستقبل.

2099
العمر 75 عاماً

عندما يحين وقت تقاعدك، قد تكون الأُسر أصغر حجماً، وعدد المسنين الذين يعيشون وحدهم أكبر بكثير مما تشير إليه الإحصائيات اليوم.

إلى حد ما في الواقع. تقول عالمة الأبحاث في مختبر أيج لاب (AgeLab) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، تشايوو لي، إن منزلك سيصبح أشبه بشريك في السكن عندما تبلغ من العمر 75 عاماً، "أي أشبه بشخصٍ يقاسمك المعيشة في ذلك المكان"، على حد تعبيرها. وتُضيف قائلة: "يتفاعل المنزل مع مشاعرك، وربما يتمكن من فهمك حتى".

بحلول هذا الوقت، قد يكون نظام الذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في المنزل بارعاً للغاية في تفسير لغة الجسد، إلى درجة أنه قد يحاول تحسين مزاجك إذا كنت تقضي وقتاً طويلاً على الأريكة، أو بدا له أنك مستعجل أو مغتاظ. تقول لي: "إن كان وكيلاً يعمل من خلال الحوار، فسيتمكن من التحدث إليك"، أو قد يقترح عليك أيضاً مكالمة شخص تحبه. تقول لي: "قد يعدّل أجواء المنزل بحيث تصبح أكثر إبهاجاً".

يعمل المنزل أيضاً على جمع البيانات الصحية، لأنه المكان الذي تأكل فيه وتستحم فيه وتستخدم المرحاض فيه. يتمتّع الجمع غير المباشر للبيانات (أي دون مساهمة من الشخص الذي يولد البيانات) بمزايا تتفوق على استخدام أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء: فلست بحاجة إلى أن تتذكر ارتداء أي شيء، ولست مضطراً لحمل وصمة المرض أو الضعف. وعموماً، على حد تعبير لي، لا يبدأ الناس ارتداء أجهزة تتبع البيانات الصحية إلى أن يصبحوا في عداد المرضى، ولهذا ليس لديهم بيانات مرجعية تفيد في المقارنة. ربما من الأفضل أن تسمح للمرحاض أو المرآة بتولي مهمة التتبع هذه بصورة مستمرة.

يقول غرين إنه يمكن للمنازل التفاعلية أن تساعد الأشخاص الذين يعانون صعوبات حركية أو إدراكية على العيش بمفردهم فترة أطول. فالمفروشات الروبوتية يمكن أن تساعدهم على رفع الأشياء أو جلبها أو التنظيف. بحلول هذا الوقت، قد تكون هذه المفروشات متطورة بما يكفي لتعرض عليك متكأً أو مجلساً أو مضطجعاً عندما تحتاج إليه، وتعود إلى مكانها عندما لا تكون في حاجة إلى ذلك.

أمّا كاو فتتخيل بطبيعة الحال أنظمة روبوتية مدمجة في القماش، مثل الملابس التي تتصلب حول الخصر حتى تساعدك على الوقوف، أو القفازات التي تزيد قبضة يدك قوة.

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

إذا أصبح التنقل من مكانٍ إلى آخر مهمة صعبة، ربما تتمكن من السفر دون أن تذهب إلى أي مكان. يتساءل غرين، الذي يفضّل الغرفة الفسيحة التي يقتصر تصميمها على السقف والجدران، إن كنت ستستخدم واجهة تخاطبية بين الدماغ والآلة بحيث يمكنك تغيير البيئة المحيطة بك كما تشاء. فإذا فكرت في الأدغال مثلاً، سيتغير ما تعرضه الشاشات التي تغطي الجدران بأكملها، وستعدّل قطع المفروشات الروبوتية تموضعها داخل الغرفة أيضاً. يقول غرين: "نريد أن نتمكن من الجلوس على صخرة أو نستلقي على أرجوحة شبكية".

أمّا الأستاذة المساعدة المختصة بالمعلوماتية في جامعة كاليفورنيا بمدينة إرفاين، آن ماري بايبر، التي تدرس البالغين من الشريحة الأكبر سناً، فتتخيل شيئاً مشابهاً -لكن دون الاعتماد على الشريحة الدماغية- في سياق دار لرعاية كبار السن، حيث يمكن أن يتغير تصميم المساحات حتى تستحضر ذكريات خاصة، مثل شهر العسل الذي أمضيته في باريس. وتتساءل قائلة: "ماذا لو تحولت المساحة المحيطة إلى مقهى مخصص لك مع الروائح والموسيقى والأجواء المناسبة، بحيث يصبح مكاناً رائعاً للاسترخاء ويمكنك أن تقضي وقتك فيه؟"

أمّا غيربر فتفضّل السفر الافتراضي بشدة: فهو أسرع وأقل تكلفة وأقل ضرراً بالبيئة من السفر الحقيقي، لكنها تعتقد أن بناء تجربة اندماجية رائعة للذهاب إلى باريس يتطلب من المهندسين ابتكار شيء قادر على محاكاة الخبز عن بعد. يجب أن يُتيح لك هذا الابتكار أن تمضغ شيئاً يمثّل مصدراً غذائياً مملاً لكنه مغذٍّ لأنه غني بالسعرات الحرارية، بينما تحفّز حواسك حتى تحصل على قرمشة خبز الباغيت الفرنسي الرائع ورائحته وطعمه.

اقرأ أيضاً: نظام جديد يُتيح للروبوتات إمكانية استشعار اللمسة البشرية دون بشرة اصطناعية

2149
العمر 125 عاماً

نأمل بأنك لن تعاني الوحدة والألم في أعوامك الأخيرة.

فأحباؤك الذين يقطنون بعيداً عنك يمكنهم زيارتك من خلال البديل الرقمي، أو إرسال تحياتهم ومحبتهم إليك عبر المنسوجات الذكية: حيث تتخيل بايبر وشاحاً يتوهج أو يصبح دافئاً عندما يفكر فيك شخص ما، وتتخيل كاو جهازاً للمحاكاة يوضع على البشرة ويجعلك تشعر بلمسة يد ذلك الشخص. وإذا مرضت بشدة، يمكنك أن تخفف عن نفسك من خلال اللجوء إلى عالم افتراضي مريح. تعمل إحدى كبار الباحثين في شركة أبحاث مايكروسوفت، جوديث أموريس، على نظام واقع افتراضي يستجيب للإشارات النفسية. وتعمل حالياً على إدماج مرضى المستشفيات في عالم افتراضي تحت الماء مع قناديل بحر تنبض بمعدل يعادل نصف معدل ضربات قلب الإنسان العادي، من أجل الحصول على تأثير مهدئ. وتتخيل أن أنظمة الواقع الافتراضي ستصبح في المستقبل قادرة على كشف القلق دون الحاجة إلى ارتداء المستخدم أجهزة استشعار، ربما من خلال الرائحة.

"إنه أمر رائع بعض الشيء أن نتخيل أن المقابر ستصبح مسكونة في المستقبل، حرفياً، بالهولوغرامات (الصور المجسمة) التي تظهر عند استشعار الحركة"

تيم ريكيوبر، عالم اجتماع، كلية سميث

من المحتمل أنك تفكر في الحياة بعد الموت من خلال البيئات الافتراضية. يشير عالم الاجتماع في كلية سميث ومؤلف كتاب "الموتى الرقميون" (The Digital Departed)، تيم ريكيوبر، إلى أن الناس ينشئون اليوم مواقع ويب وبوتات دردشة تذكارية للموتى، أو يشتركون في خدمات التراسل لمرحلة ما بعد الموت. قد توفّر هذه الأساليب شيئاً من الراحة في المراحل الأخيرة من الحياة، لكنها لن تحتفظ بذكرياتك إلى أجل غير مسمى. فمن الممكن أن تتعرض الشركات إلى الإفلاس، ومن الممكن أن تُصاب مواقع الويب بالأعطال، وفي نهاية المطاف، سيواصل الناس حياتهم. هذه هي طبيعة الحداد.

لكن، ماذا لو تمكنت من تحميل وعيك إلى السحابة الإلكترونية؟ ثمة قاعدة كبيرة من المؤيدين المتحمسين لهذه الفكرة، وفقاً لقول ريكيوبر. ويأمل البعض بأن يعودوا إلى الحياة في أجسام بشرية أو روبوتية، أو أن يبقوا إلى الأبد جزءاً من عقل جمعي أو "شعاع ليزري يمكنه أن ينطلق إلى أعماق الكون". لكنه يشك في نجاح الأمر، خاصة خلال 125 عاماً. إضافة إلى ذلك، ماذا لو كان التحول إلى شبح داخل الآلة تجربة مريعة؟ يقول ريكيوبر: "ما نعرفه حتى الآن، هو أن التجسّد يمثّل عنصراً رئيسياً للغاية من عناصر الوجود، وقد يكون انتقال كيانك بالكامل إلى داخل الكمبيوتر فعلياً تجربة سلبية للغاية".

مصدر الصورة: ديفيد بيسكوب

قد يكون أمامنا احتمال أخير يمكن أن نجربه: إنه نظام ذكاء اصطناعي آخر. يجب أن تتولى بنفسك مهمة الاهتمام بهذا النظام وتلقيمه بالبيانات المطلوبة، بالاعتماد على مواد رقمية سريعة الزوال تمتد طيلة عمرك، مثل مقاطع الفيديو والنصوص ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي. إنه هولوغرام، وسيبقى مع أحبائك حتى يؤنسهم بعد رحيلك، ويمكن حتى استخدام هذا الهولوغرام ليكون علامة تحدد مكان مدفنك. يقول ريكيوبر: "إنه أمر رائع بعض الشيء أن نتخيل أن المقابر ستصبح مسكونة في المستقبل، حرفياً، بالهولوغرامات التي تظهر عند استشعار الحركة".

لكنه لن يبقى إلى الأبد، لا شيء يبقى إلى الأبد. ولكن بحلول هذا الوقت، من المحتمل أن هذا الوكيل الرقمي لم يعد صديقك.

ربما يكون أنت في نهاية المطاف.

لدينا بعض المحاذير التي يجب أن نلفت نظرك إليها، أيها الطفل العزيز.

فنحن نتخيل عالماً تمكنا فيه من التغلب على أسوأ التهديدات التي شهدناها في عصرنا، مثل الكارثة المناخية التي تزحف متقدمة نحونا دون توقف، وهوة رقمية تتعمق باستمرار بين مستخدمي التكنولوجيا الرقمية والمحرومين منها، وتعريض أنفسنا لخطر اندلاع الحرب النووية باستمرار، واحتمال ظهور جائحة ستقضي علينا خلال وقتٍ قصير، وأنماط الحياة المريحة للغاية التي ستقضي علينا ببطء، أو أن يتبين أن الآلات الذكية أذكى مما ينبغي.

نأمل بأن الديمقراطية ستبقى موجودة، وبأن هذه التكنولوجيات ستصبح أدوات اختيارية لمجتمع مزدهر، لا أدوات مراقبة تخيّم علينا في مستقبل بائس وكئيب. وإذا كان لديك توأم رقمي، فنحن نأمل بأنه ليس نسخة عميقة التزييف.

قد تبدو هذه الصور التي رسمناها في عام 2024 بمثابة وعد بهيج، أو تحذير، أو حلم غريب وكئيب، أمّا الأمر المهم فهو التالي: ليس حاضرنا سوى نقطة البداية لعدد لا ينتهي من الآفاق المستقبلية التي لا حدود لها.

أمّا ما سيحدث لاحقاً، أيها الطفل، فيعتمد عليك.