كيف يمكن أن تساعد زراعة الأعشاب البحرية على التخفيف من آثار التغير المناخي؟

3 دقائق
كيف يمكن أن تساعد زراعة الأعشاب البحرية على التخفيف من آثار التغير المناخي؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لنفترض نظرياً حدوث تسرب في أحد الأنابيب في الحمّام. بالتأكيد، سيكون هذا الوضع سيئاً. لكن لحسن الحظ، في مثل هذه الحالة، يجب عليك فعل شيئين فقط: إيقاف تدفق الماء وتنظيف ما تسرب بالفعل.

بالطريقة نفسها، ثمة خطوتان رئيسيتان يجب اتخاذهما لمعالجة مشكلة التغير المناخي. يجب علينا تقليص حجم الانبعاثات عن طريق تقليل استخدام الوقود الأحفوري على سبيل المثال؛ إذ تشبه هذه العملية إغلاق صنبور الماء، ثم يجب علينا تنظيف الماء المتسرب، وذلك بإزالة الكربون؛ أي العمليات التي تهدف إلى إزالة التلوث الكربوني من الغلاف الجوي. 

لكن ثمة مشكلة في الجزء الثاني من هذه الخطة؛ وهي عدم توفر ما يكفي من الأدوات والموارد اللازمة لإزالة الكربون. يعمل الباحثون والشركات الناشئة على حل هذه المشكلة من خلال بناء مشروعات تجريبية لامتصاص الكربون من الهواء مباشرةً وزراعة الأشجار في شتى أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، يزداد عدد المشروعات التي تهدف إلى الاستفادة من المحيطات التي تغطي ثلثَيّ كوكبنا؛ إذ تتوفر إمكانات هائلة لتخزين الكربون في تلك المحيطات.

لكن ثمة أسئلة ومخاوف تجب مناقشتها؛ إذ توضح دراسة جديدة بعض المشكلات المتعلقة بزراعة الأعشاب البحرية، بوصفها إحدى التقنيات المقترحة لإزالة الكربون بالاعتماد على المحيطات.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مدينة مصدر الإماراتية وكيف أصبحت مثالاً للمدن الخالية من الكربون في العالم

المناظر البحرية

أشارت لجنة التغير المناخي التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر في العام الماضي، إلى أن عملية إزالة الكربون أصبحت جزءاً أساسياً من استجابتنا لتغير المناخ. تختلف التقديرات حول كمية الكربون التي سنحتاج إلى إزالتها بالضبط؛ لكن يتفق الخبراء على ضرورة إزالة أكثر من مليار طن من الكربون سنوياً خلال العقود القليلة المقبلة، إذا أردنا الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة دون 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، وتجنُّب الآثار السلبية الخطِرة لتغير المناخ.

يجب أن نؤكد أن جهود إزالة الكربون من الغلاف الجوي لا يمكن أن تلغي الحاجة إلى تخفيض الانبعاثات في المستقبل؛ إذ إننا تسببنا بالفعل في تلوث الغلاف الجوي نتيجة إطلاق كميات كبيرة من الكربون، ولا يمكننا تجاهل ضرورة تنظيف هذا التلوث أولاً.

يعمل الباحثون حالياً على دراسة مجموعة كبيرة من الأساليب والطرائق لإزالة الكربون من الغلاف الجوي. يعتمد بعض هذه الطرائق بصورة مباشرة على الجوانب التقنية مثل الالتقاط المباشر للهواء في منشآت عملاقة، وذلك باستخدام مراوح ضخمة وأغشية متخصصة لاحتجاز ثاني أوكسيد الكربون. بينما تعتمد الأساليب الأخرى على الطبيعة؛ مثل زراعة الأشجار واحتجاز الكربون في كتلتها الحيوية تحت الأرض.

تغطي المحيطات معظم كوكبنا؛ إذ تمتص نحو 30% من انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية من خلال مجموعة كبيرة من الأساليب.

اقرأ أيضاً: مشروع سري لدفن الخشب لإزالة الكربون يستقطب تمويل بملايين الدولارات

يعتقد الباحثون أن أمامهم فرصة كبيرة لالتقاط مزيد من الكربون وتخزينه في أعماق المحيطات عن طريق تعزيز هذه الآليات الطبيعية أو ابتكار آليات جديدة. إذ يسعى بعض الباحثين إلى تعديل كيمياء المحيط من خلال عملية تسمَّى “تحسين القلوية” (Alkalinity Enhancement) تعتمد على إضافة مواد كيميائية قلوية إلى مياه البحر؛ ما يؤدي إلى زيادة قدرة الماء على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون. فيما تعتمد أساليب أخرى على الطرائق المباشرة؛ مثل تقنية التفريغ الكهربائي التي تُستخدم لإزالة ثاني أوكسيد الكربون من مياه البحر.

يهدف عدد كبير من الباحثين إلى الاستفادة من الإمكانات الطبيعية للأعشاب البحرية في إزالة الكربون. وعلى غرار الكائنات الأخرى التي تنفذ عملية التركيب الضوئي؛ تمتص الأعشاب البحرية ثاني أوكسيد الكربون في أثناء نموها، وتحوّله إلى كتلة حيوية.

على الرغم من أن معظم الكربون الذي تمتصه النباتات والطحالب يعود إلى الغلاف الجوي مرة أخرى عندما تموت هذه الكائنات وتتحلل، يبقى جزء صغير منه مخزّناً أو محتجزاً عندما تترسب بقايا هذه الأعشاب في أماكن عميقة لا يمكن أن تتحلل فيها. بالنسبة إلى الأعشاب البحرية، يمكنها احتجاز نحو 175 مليون طن من الكربون سنوياً؛ إذ تترسب هذه الأعشاب في أعماق المحيط حيث لا يحدث اختلاط كبير للمياه بسبب عدم وجود تيارات قوية،

ويتطلع عدد من الباحثين إلى محاكاة الطبيعة من خلال زراعة الأعشاب البحرية وإغراقها عمداً لالتقاط مزيد من الكربون.

اقرأ أيضاً: ما هي أفضل حلول التكنولوجيا لتحقيق الحياد الكربوني بالسرعة اللازمة؟

ما المشكلات التي تواجه هذه الجهود المبذولة؟

على الرغم من أن أسلوب إغراق الأعشاب البحرية يبدو وكأنه طريقة مباشرة لإزالة الكربون، فثمة تحديات تواجه هذه الطريقة.

أولاً، ستتطلب عملية إزالة الكربون بهذه الطريقة كميات هائلة من الأعشاب البحرية، ربما تصل إلى ملايين الأطنان، ناهيك عن أننا لا نعرف بالضبط التأثيرات البيئية المتوقعة نتيجة إغراق ملايين الأطنان من الأعشاب البحرية في المحيط!

بالإضافة إلى أننا يمكن أن نواجه قيوداً عملية؛ إذ كشفت دراسة جديدة أن زراعة كمية كافية من الأعشاب البحرية لالتقاط مليار طن من الكربون قد تتطلب على الأرجح مليون كيلومتر مربع من مساحة المحيطات؛ أي إن المساحة المطلوبة لزراعة الأعشاب البحرية التي سنُغرقها في المحيط تمثل ضعفَيّ مساحة ولاية كاليفورنيا.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب فهم طريقة عمل هذه العمليات البيئية التي تحدث في أعماق المحيط. ثمة جدل واسع يدور حول كيفية تتبع مشروعات إزالة الكربون في المحيط والتأكد من فعاليتها في التقاط كمية الكربون المتوقعة.

اقرأ أيضاً: أكبر محطة في العالم لتصفية الهواء من الكربون ستبدأ العمل قريباً

على الرغم من ذلك، يمكن أن يؤدي المحيط دوراً مهماً في مواجهة تداعيات التغير المناخي التي تسببت فيها الأنشطة البشرية؛ لكن من الصعب تصور وجود حل واحد يمكنه معالجة مشكلة التغير المناخي بطريقة سحرية، حتى في أعماق المحيطات.