أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة يمكن أن تعزز قدرتنا على التنبؤ بالطقس

4 دقائق
شبكة عصبونية عميقة
مصدر الصورة: إم أي تي تكنولوجي ريفيو. حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع تزايد عشوائية التغير المناخي واشتداد آثاره، أصبحنا في حاجة إلى تنبؤات طقسية أكثر موثوقية لمساعدتنا في الاستعداد لمواجهة الكوارث وتفاديها. حالياً، يستخدم علماء الطقس عمليات محاكاة حاسوبية هائلة للحصول على التنبؤات. يستغرق إنجاز عمليات المحاكاة هذه ساعات كثيرة، لأنه يجب على العلماء تحليل متغيرات الطقس مثل درجة الحرارة والهطولات المطرية والضغط والرياح والرطوبة وكثافة الغيوم كلٍّ على حدة.

غير أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة قادرة على تسريع هذه العملية بدرجة كبيرة، وزيادة دقة التنبؤات والتحذيرات من الأحداث الطقسية العنيفة، كما تشير ورقتان بحثيتان نُشرتا مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature).

تبين الورقة البحثية الأولى، التي نشرتها شركة هواوي (Huawei)، تفاصيل نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد الذي طورته، بانغو ويذر (Pangu-Weather)، والذي يستطيع التنبؤ بالأنماط الطقسية الأسبوعية حول العالم بسرعة أكبر بكثير بالمقارنة مع طرق التنبؤ التقليدية، ولكن بدقة تضاهي دقتها.

وتبين الورقة البحثية الثانية كيف تمكنت خوارزمية تعلم عميق من التفوق على الأنظمة المتطورة الأخرى في التنبؤ بهطول الأمطار الغزيرة من حيث الدقة وطول المهلة الزمنية للتحذير، حيث حققت المرتبة الأولى في 70% من الاختبارات بالمقارنة مع الأنظمة المماثلة الموجودة حالياً.

اقرأ أيضاً: خطوة نحو تنبؤ أفضل بالطقس: التعلم العميق يتنبأ بكيفية تشكل بلورات الجليد في الغلاف الجوي

أفضل من الطرق التقليدية

عند اعتماد هذه النماذج، يمكن استخدامها مع الطرق التقليدية للتنبؤ بالطقس، وذلك لتحسين قدرة السلطات المعنية على الاستعداد لمواجهة الطقس السيئ، وفقاً لأحد كبار الباحثين في هواوي، لينغشي شي.

عند بناء بانغو ويذر، بنى باحثو هواوي شبكة عصبونية عميقة مدربة على بيانات مشروع إعادة التحليل (الذي ينفذه المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى) التي تغطي مدة تصل إلى 39 سنة، وتجمع بين بيانات الرصد التاريخية للطقس والنماذج الحديثة. يستطيع بانغو ويذر تحليل متغيرات الطقس جميعها في الوقت نفسه خلال ثوانٍ معدودة وحسب، على عكس الطرق التقليدية التي تقوم على تحليل متغيرات الطقس واحداً تلو الآخر، وهو ما يمكن أن يستغرق عدة ساعات.

اختبر الباحثون بانغو ويذر لمقارنته مع أحد أفضل الأنظمة التقليدية للتنبؤ بالطقس في العالم، وهو نظام التنبؤ المتكامل التنفيذي التابع للمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى (ECMWF)، ووجدوا أنه مماثل له من حيث الدقة.

تمكن بانغو ويذر أيضاً من رسم المسار المتوقع لإعصار استوائي بدقة، على الرغم من أنه لم يخضع لأي تدريب على بيانات متعلقة بالأعاصير الاستوائية. تبين هذه النتيجة أن نماذج التعلم الآلي قادرة على استيعاب العمليات الفيزيائية للطقس وتعميمها لتصبح أوضاعاً لم تتعامل معها من قبل، وفقاً لرئيس قسم التنبؤات العددية في مكتب علوم الأرصاد الجوية والمناخ ميتيوسويس (MeteoSwiss)، أوليفر فورير. من الجدير بالذكر أن فورير لم يكن مشاركاً في الدراسة.

اقرأ أيضاً: 6 طرق يساعد بها الذكاء الاصطناعي في استكشاف الفضاء

يمثل بانغو ويذر نقلة نوعية مثيرة للحماس لأنه قادر على التنبؤ بالطقس بسرعة أكبر بكثير مما كان متاحاً للعلماء من قبل، ويستطيع التنبؤ بأشياء لا وجود لها في البيانات الأصلية المستخدمة في تدريبه، على حد تعبير فورير.

في السنة الماضية، كشفت عدة شركات تكنولوجية الستار عن نماذج ذكاء اصطناعي تهدف إلى تحسين التنبؤ بالطقس. وقد أدى بانغو ويذر وبعض النماذج الأخرى، مثل فوركاست نت (FourcastNet) من شركة إنفيديا (Nvidia) وغراف كاست (GraphCast) من شركتي جوجل وديب مايند (DeepMind)، إلى دفع علماء الطقس إلى “إعادة النظر في كيفية استخدامنا للتعلم الآلي والتنبؤات الطقسية”، وفقاً لرئيس قسم نمذجة النظام الأرضي في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى، بيتر ديوبين. لم يشارك ديوبين في البحث، ولكنه اختبر بانغو ويذر.

يقول ديوبين إن التعلم الآلي كان سابقاً أقرب إلى مشروع “للتسلية” في نظر الجميع. أما الآن، فمن المرجح أن يصبح علماء الطقس قادرين على استخدامه مع الطرق التقليدية للحصول على التنبؤات.

وسيظهر مدى كفاءة الأداء العملي لهذه الأنظمة بمرور الوقت. تخضع الأنظمة التقليدية للتنبؤ بالطقس للتدريب على بيانات الرصد، في حين يعتمد بانغو ويذر على بيانات مشروع إعادة التحليل. يقول شي إنهم يأملون بتدريب نموذجهم على بيانات الرصد في المستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للنسبية الخاصة أن تساعد الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالمستقبل؟

الاستعانة بنماذج ذكاء اصطناعي أخرى

ومع أن الذكاء الاصطناعي قادر على المساعدة في التنبؤ بالمسارات التي يُحتمل للأعاصير الاستوائية أن تسلكها، إلا أنه غير قادر على التنبؤ بشدتها. يقول شي: “يميل الذكاء الاصطناعي إلى التقليل من شدة الطقس العنيف”.

لكنْ تمكن الاستعانة بنماذج ذكاء اصطناعي أخرى في هذه المسألة. فنموذج الذكاء الاصطناعي “ناو كاست نت” (NowcastNet)، الذي يعتمد على علم الفيزياء، يستطيع التنبؤ بالأمطار العنيفة قبل فترة أطول من الطرق التقليدية الحالية.

يمكن لأدوات التعلم العميق الحالية التنبؤ بالمطر، مثل دي جي إم آر (DGMR) من ديب مايند، والتنبؤ باحتمال هطول الأمطار -أياً كان نوعها- خلال فترة مقبلة تمتد إلى 90 دقيقة. أما ناو كاست نت فيستطيع التنبؤ بهطول الأمطار العنيفة، وهي مهمة أكثر صعوبة، خلال فترة مقبلة تمتد إلى 3 ساعات. أجرى 62 عالماً صينياً مختصاً بالأرصاد الجوية عملية تقييم للنظام بالمقارنة مع أنظمة مماثلة، واستنتجوا أنه أفضل طريقة للتنبؤ بالأمطار في 70% تقريباً من الحالات.

يقول جوردان إن الفريق بنى نموذجاً عميقاً مدرباً على بيانات مجمعة من عدة رادارات مختلفة للطقس، وبعض التكنولوجيات الأخرى، مثل المستشعرات والأقمار الاصطناعية. يخضع النموذج أيضاً للتدريب على مبادئ فيزياء الغلاف الجوي، كالجاذبية على سبيل المثال، ويُلقَم ببيانات من الرادارات توفر “لقطات” لأنماط الطقس. هذا ما يمكّن النموذج من توليد السيناريو المُرَجَّح المقبل لأنماط الطقس.

اقرأ أيضاً: شركة أوبن أيه آي تواجه عواقب جشعها في جمع البيانات

وبما أن النماذج الأخرى، مثل دي جي إم آر، تخضع للتدريب على بيانات الرادارات فقط، فإنها تحصل على “لقطة” جزئية فقط للغلاف الجوي. يؤدي هذا إلى تراجع في دقة النتائج المتعلقة بالأحداث النادرة، مثل الأمطار العنيفة. يرتكز ناو كاست نت على مبادئ علم الفيزياء، ولهذا فهو -وفقاً للباحثين- يستطيع بناء تصور أكثر شمولية للأمطار وسلوكها المحتمل، ما يؤدي إلى زيادة دقة التنبؤات.

يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على زيادة المهلة المتاحة في حالات التنبؤات القصيرة المدى للأحداث الطقسية مثل هطول الأمطار. تتسبب الأمطار العنيفة بمقتل الكثير من الأشخاص وإحداث دمار هائل، ما يجعل إمكانية التنبؤ بها قبل فاصل زمني كافٍ يتيح للناس فرصة الاستعداد لها مسألة فائقة الأهمية، على حد تعبير عالم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، مايكل جوردان، الذي شارك في إنجاز هذه الدراسة.

اقرأ أيضاً: مستقبل قدرات الذكاء الاصطناعي الاستراتيجية يعتمد على أكثر من مجرد علوم البيانات

ما زال التنبؤ بالطقس باستخدام الذكاء الاصطناعي في بداياته، وعلينا أن ننتظر بعض الوقت قبل أن نتبين مدى فائدة هذه الأنظمة على نحو عملي. يقول ديوبين إن التغير المناخي قد يزيد من تعقيد هذه المسألة.

ويوضح: “يخضع النظام المناخي لتغيرات شديدة للغاية. فإذا اختفى الجليد الذي يغطي القارة القطبية الجنوبية كله، لا أحد يعلم ماذا بإمكان نموذج مثل بانغو ويذر أن يفعل”.