ما هو سر سيطرة تايوان على سوق أشباه الموصلات؟

3 دقيقة
ما هو سر سيطرة تايوان على سوق أشباه الموصلات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/William Potter

تتميز تايوان، وهي جزيرة صغيرة غير معترف بها كدولة ويبلغ عدد سكانها 23.4 مليون نسمة بهيمنتها على قطاعٍ بالغ الأهمية، وهو قطاع تصنيع أشباه الموصلات.

تمتلك هذه الجزيرة الصغيرة حصة هائلة تبلغ 68% من سوق أشباه المواصلات العالمي، ما يجعلها المنتج الأكبر عالمياً لهذه المكونات الأساسية.

إنتاج أشباه الموصلات في تايوان

تُعدّ أشباه الموصلات، التي يُشار إليها باسم "الرقائق"، بمثابة القلب النابض للتكنولوجيا الحديثة، فهي تُشغّل الآلات كلّها، من الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة وحتى الأجهزة الطبية وأجهزة إنترنت الأشياء والأقمار الاصطناعية والطائرات والأسلحة المتطورة. ومع نمو قطاع التكنولوجيا العالمي، يستمر الطلب على أشباه الموصلات العالية الجودة في الارتفاع.

اقرأ أيضاً: معيار تصميم جديد قد يقلب صناعة الرقائق الإلكترونية رأساً على عقب

بدأت رحلة تايوان في صناعة الرقائق أوائل سبعينيات القرن العشرين، حين أدركت السلطات التايوانية الأهمية الاستراتيجية لهذه الصناعة، فعملت على تعزيز تطويرها ودعمها.

اليوم، تفتخر تايوان بوجود العديد من الشركات المصنّعة لأشباه الموصلات الشهيرة، وتُعدّ شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company) المعروفة اختصاراً باسم تي إس إم سي (TSMC) أهم شركات صناعة الرقائق عالمياً.

نظراً لقدرتها وكفاءتها في التصنيع، تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى مثل آبل (Apple) وكوالكوم (Qualcomm) وإنفيديا (Nvidia) وأيه إم دي (AMD) على الشركات التايوانية في تصنيع معالجاتها. على سبيل المثال، تُصنع معالجات سلسلة A وسلسلة M المتطورة المستخدمة في هواتف آيفون وحواسيب ماك وأجهزة آيباد اللوحية من قِبل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات.

كيف طوّرت تايوان صناعة أشباه الموصلات؟

هناك العديد من العوامل التي أسهمت في صعود تايوان كقوة عظمى في مجال أشباه الموصلات، من أبرز هذه العوامل:

  • الدعم والتخطيط الحكومي: منذ البداية، حددت الحكومة التايوانية صناعة أشباه الموصلات باعتبارها صناعة استراتيجية وضخت فيها الكثير من الموارد؛ شمل ذلك تمويل المؤسسات البحثية مثل معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية وإنشاء مؤسسات علمية مخصصة لتشجيع التعاون والابتكار في هذا المجال.
  • التركيز على التصنيع بدلاً من التصميم: على عكس الشركات المنافسة التي تصمم الرقائق وتصنّعها، اختارت شركات مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات التخصص فقط في تصنيع الرقائق التي يصممها الآخرون. يسمح نموذج "التصنيع حسب الطلب" هذا بتلبية احتياجات مجموعة كبيرة من شركات التكنولوجيا، كما يُتيح لكل شركة تخصيص معالجاتها وتصميمها لتلبية احتياجاتها دون القلق من تكاليف أو صعوبة وتعقيد عملية التصنيع.
  • القوى العاملة الماهرة: أعطت تايوان الأولوية للتعليم في مجال العلوم والهندسة، ما أدّى إلى تنمية مجموعة قوية من المواهب، وتعتبر هذه القوى العاملة الماهرة ضرورية للعمل والابتكار في مجال تصنيع الرقائق المعقد.
  • بدء الاستثمار بالوقت المناسب: تزامن صعود تايوان في مجال أشباه الموصلات مع زيادة الطلب العالمي على الإلكترونيات، ما جعلها في وضع مثالي لتلبية هذه الحاجة، مكَّن ذلك الشركات التايوانية من تجاوز منافسيها بعدة سنوات في البحث والتطوير.
  • خفض التكاليف: قدّم نموذج التصنيع حسب الطلب الذي وفّرته الشركات التايوانية مرونة أكبر وتكاليف إنتاج أقل لشركات التكنولوجيا، أدّى هذا النهج إلى توسيع قاعدة العملاء بشكلٍ سريع.
  • الاستثمار المستمر: لم تتوقف تايوان عن الابتكار، وظلت ملتزمة بالبحث والتطوير، ما يضمن بقاءها في صدارة تصنيع الرقائق.
  • العوامل الجيوسياسية: أدّت التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين إلى تعزيز وضع تايوان كموّرد موثوق للرقائق الإلكترونية لدول الغرب. وقد عملت الدول الغربية على دعم صناعة أشباه الموصلات في تايوان وشراء منتجاتها كجزء من منافستها الاقتصادية مع الصين.

فقدان القدرة على تصنيع أشباه الموصلات في تايوان

على الرغم من توفر مقومات الدولة كلها فيها، فإن تايوان لا تعتبر دولة، إذ لا تعترف بها الأمم المتحدة، وتعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وأكدت أنها ستستعيد السيطرة عليها عاجلاً أم آجلاً سواء بالطرق الدبلوماسية أو بالقوة عن طريق الغزو العسكري.

يشكّل الاضطراب المحتمل الذي سيحدث لصناعة أشباه الموصلات العالمية إذا غزت الصين تايوان مصدرَ قلقٍ كبيراً، حيث سيؤدي الغزو الصيني إلى توقف إنتاج الرقائق في تايوان، وهذا من شأنه أن يُحدث تأثيراً مدمراً ويعطّل عمل معظم شركات التكنولوجيا.

بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي الغزو الصيني إلى وصول الصين للتكنولوجيا المتقدمة التي تُتيح لها صناعة رقائق متقدمة، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منع حصوله، حتى إن بعض المسؤولين الأميركيين دعوا لوضع خطة عسكرية لتدمير مصانع أشباه الموصلات التايوانية في حال حدوث غزو صيني للجزيرة.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية في صناعة السيارات؟

إن هيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات تشكّل قصة رائعة من التخطيط الاستراتيجي وتنمية القوى العاملة الماهرة والنظرة الثاقبة للفرص. ومع ذلك، فإن الوضع الجيوسياسي للجزيرة يلقي بظلاله على استمرار هذا النجاح، لذلك فإن الحفاظ على تايوان مستقرة وآمنة هو أمر بالغ الأهمية ليس فقط للأمن والسلم العالمي، بل وأيضاً لاستمرار عمل شركات التكنولوجيا في أنحاء العالم كافة.