كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية على صناعة السيارات؟

3 دقائق
كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية على صناعة السيارات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Jasen Wright
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تؤدي السيارات دوراً مهماً في حياة البشر، فنحن بحاجة إليها من أجل نقل الركاب والبضائع. لكن مؤخراً، اضطرت معظم شركات صناعة السيارات إلى إبطاء الإنتاج أو حتى إيقافه بسبب أزمة نقص الرقائق الإلكترونية.

في السطور التالية، سنلقي نظرة على أهمية الرقائق الإلكترونية بالنسبة لصناعة السيارات، وأسباب أزمة نقص الرقائق وتداعياتها على هذه الصناعة، وطريقة تعامل الشركات معها.

صناعة معقدة للغاية

تعتبر صناعة الرقائق الإلكترونية من أكثر الصناعات تعقيداً في العالم، وبحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية، لا يمكننا ببساطة صناعة المزيد من الرقائق عند الحاجة إليها، والسبب هو أن صنعها صعب للغاية، ويزداد صعوبة يوماً بعد يوم.

على الرغم من صغر حجمها، يمكن أن تحتوي الرقاقة الواحدة على مئات الملايين أو حتى المليارات من الترانزستورات، وهناك مساعٍ لحشر عدد أكبر من الترانزستورات في الرقائق لزيادة كفاءتها، لذا فإن صناعتها تزداد صعوبة وتعقيداً.

اقرأ أيضاً: جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعي لتصميم شرائح إلكترونية تساعد في تسريعه

المكون الرئيسي في الرقائق الإلكترونية هو السيليكون، وهو عنصر متوفر بكثرة على الأرض. لكن تصنيع الرقائق يتطلب أكثر من ذلك، هناك حاجة إلى مرافق خاصة وغرف نظيفة جداً. فمجرد ذرة واحدة من الغبار في الغرفة يمكن أن تسبب خسائر بملايين الدولارات، لذا تكون غرف تصنيع الرقائق أنظف من غرف العمليات الجراحية.

بالإضافة إلى الغرف النظيفة، هناك حاجة إلى آلات متطورة باهظة الثمن وبرمجيات خاصة لإدارة سلسلة الإنتاج والإشراف عليها. حين تتوفر المرافق والغرف النظيفة والآلات والبرمجيات اللازمة لتصنيع الرقائق الإلكترونية، يتطلب إنتاج كل رقاقة مرورها بنحو 700 مرحلة تستمر نحو ثلاثة أشهر.

لماذا تحتاج السيارات إلى الرقائق الإلكترونية؟

تشكّل الرقائق الإلكترونية العمود الفقري لمعظم الصناعات في عصرنا، وهي عنصر رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه في كل جهاز، سواء كان هاتفاً محمولاً أو صاروخ فضاء.

توجد الرقائق في السيارات أيضاً، والشاشة التي تعمل باللمس في السيارة هي في الأساس جهاز حاسوب يتضمن رقائق. تعتمد أدوات التحكم في أجزاء السيارة أيضاً على الرقائق. مثل أنظمة الكبح التلقائي عند الطوارئ والكاميرات وأنظمة نشر الوسائد الهوائية. يمكن أن توجد الرقائق أيضاً في محرك السيارة، حيث تساعد على تحسين كفاءة عمل المحرك وتقليل استهلاك الوقود والانبعاثات.

تحتاج السيارة الكهربائية إلى رقائق أكثر من السيارة التي تعمل بالوقود، لأن الرقائق ضرورية للتحكم بمجموعة نقل الحركة والبطارية.

اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون رقاقة ذكاء اصطناعي يمكن إعادة تصميمها مثل مكعبات الليغو

أزمة الرقائق في صناعة السيارات

نظراً لأن الرقائق الإلكترونية ضرورية في العديد من أجزاء السيارة، فمن الطبيعي أن تؤثر أزمة نقص الرقائق على صناعة السيارات. في عام 2021 فقط، بلغت خسائر قطاع صناعة السيارات بسبب النقص في الرقائق أكثر من 200 مليار دولار. حيث كان إنتاج السيارات عام 2021 أقل بنحو 11 مليون سيارة عنه عام 2020.

نتيجة لذلك، انخفض عدد السيارات المصنّعة على مستوى العالم، وارتفع الطلب على السيارات المستعملة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها.

أسباب أزمة الرقائق

السبب الرئيسي لأزمة الرقائق بسيط، وهو زيادة الطلب على منتج يحتاج إنتاجه الكثير من الوقت. بدأت الزيادة في الطلب على الرقائق بعد انتشار جائحة كوفيد-19، حيث وجد الملايين من الأشخاص أنفسهم عالقين في منازلهم بسبب الحجر الصحي، وكانت الهواتف الذكية والحواسيب هي وسيلتهم الوحيدة للترفيه والعمل عن بعد، حيث ساهم الطلب الكبير على الهواتف والحواسيب في نقص الرقائق.

بالإضافة إلى ذلك، توقفت الكثير من المصانع وخطوط الإنتاج عن العمل، كما تم تعليق العمل في عدد من الموانئ الرئيسية التي تستخدم لشحن ونقل المواد الخام الضرورية لصناعة الرقائق.

في بداية الأزمة، اعتقد الكثيرون أن زيادة إنتاج الرقائق سهلة عن طريق توظيف المزيد من الأشخاص وتوفير عدد أكبر من الآلات، لكن ذلك لم يحدث، لأن تصنيع الرقائق يتطلب تحويل السيليكون إلى بلورات، وهي عملية تحتاج وقتاً ولا يمكن تسريعها.

اقرأ أيضاً: الفساد يحدث هزات كبيرة في صناعة الرقائق الإلكترونية الصينية

كيف تعاملت صناعة السيارات مع أزمة الرقائق؟

لم يكن لدى شركات صناعة السيارات الكثير لتفعله، فلا توجد طريقة لتسريع إنتاج الرقائق. الحل الأول الذي تم اللجوء إليه هو تصنيع السيارات بدون رقائق وتكديسها ريثما تتوفر الرقائق.

كان هذا الحل مؤقتاً، وبعد عدة أشهر، لم تكن هناك مساحات كافية لاستيعاب السيارات غير المكتملة التصنيع. لذلك، بدأت الشركات توقف خطوط الإنتاج في بعض مصانعها وتسرّح العمال فيها.

لجأت بعض الشركات إلى شراء رقائق أقل جودة متوفرة في السوق، أو رقائق من نوع آخر، لكن ذلك لم يكن سهلاً، فقد تطلب إعادة تصميم خطوط الإنتاج والتجميع للتعامل مع المكونات الجديدة.

شركات أخرى قامت بإعادة كتابة البرامج التي تشغّل السيارات بحيث يمكن لرقاقة واحدة القيام بعمل أكثر من رقاقة.

أخيراً، اضطرت بعض الشركات إلى تسليم السيارات للعملاء بعد الاستغناء عن بعض الميزات التي تعتمد على الرقائق مثل الكاميرات أو نظام الكبح التلقائي.

اقرأ أيضاً: كيف أصبح توطين صناعة الرقائق مسألة أمن قومي بالنسبة للولايات المتحدة؟

لا تزال أزمة الرقائق مستمرة حتى الآن، وهي لا تؤثر على صناعة السيارات فقط، بل على كل الصناعات الحديثة، هذه الأزمة سلّطت الضوء على منتج صغير الحجم له تأثير كبير للغاية، ودفعت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين إلى تبني استراتيجية وطنية لتوطين صناعة الرقائق، كي تتجنب تكرار هذه الأزمة وخسائرها في المستقبل.