كيف تَعِدُنا البطاريات الحرارية بمستقبل أقل تلوثاً في مجال التصنيع؟

3 دقائق
كيف تَعِدُنا البطاريات الحرارية بمستقبل أقل تلوثاً في مجال التصنيع؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد كان أسبوعاً حافلاً بالنسبة إلى مجال البطاريات الحرارية. فمنذ فترة قصيرة، أعلنت الشركة الناشئة أنتورا إينرجي (Antora Energy)، التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها، عن خطتها لافتتاح أول منشأة تصنيع ضخمة في مدينة سان خوسيه. وعلى الرغم من أن أنتورا تنتج وحدات البطاريات الحرارية منذ بعض الوقت، فإنها تقول إن هذا المصنع الجديد سيزيد قدرتها الإنتاجية بنسبة كبيرة؛ ما يمكن أن يُحدث أثراً إيجابياً في مساعدة الصناعات الثقيلة في التخلي عن الوقود الأحفوري.

“المشكلة الحرارية” التي تعانيها الصناعة

عندما نتحدث عن التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري، غالباً ما نفكر في استخدام الكهرباء في النشاطات اليومية؛ مثل الانتقال من استخدام السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي إلى استخدام السيارات الكهربائية، واستخدام المواقد التحريضية بدلاً من المواقد التي تعمل بالغاز، وترقية الأفران التي تعمل بالمشتقات النفطية إلى مضخات حرارية.

لكن نسبة كبيرة من الانبعاثات الكربونية العالمية تنتج عن مصادر أقل وضوحاً بالنسبة إلينا؛ وهي عمليات التصنيع التي تنتج المواد الأساسية مثل الزجاج، والفولاذ، والإسمنت، وبعض المنتجات الشائعة مثل الأغذية المعلبة، وأدوات المطبخ. تتطلب هذه العمليات حرارة عالية للغاية، تتخطى 1,000 درجة مئوية في بعض الأحيان، وحتى 1,500 درجة مئوية.

اقرأ أيضاً: ما أنظمة الطاقة الحرارية الجوفية المحسّنة وهل يمكن أن تمثّل مصدراً فعّالاً للطاقة النظيفة؟

حالياً، يمثل حرق الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة المصدر الأساسي لهذه الحرارة. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة؛ يسهم إنتاج الحرارة في الصناعة بنسبة 20% من الانبعاثات على مستوى العالم. تركز أنتورا وبعض الشركات الناشئة الأخرى في قطاع البطاريات الحرارية على تطوير حلول أكثر فاعلية ونظافة لتوفير هذه الحرارة الضرورية.

لقد تحدثنا عن البطاريات الحرارية من قبل، بوصفها أسلوباً فريداً لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة. وعلى حين تستخدم الشركات أساليب متباينة بعض الشيء لتوليد الحرارة وتخزينها، فإن المبدأ الأساسي بسيط للغاية، حيث تُستَخدم مصادر الطاقات المتجددة؛ مثل الطاقات الريحية والشمسية، لتسخين مواد منخفضة التكلفة نسبياً؛ مثل كتل الكربون الصلبة (في حالة أنتورا)، وتُعزَل هذه المواد إلى حين استجرار هذه الحرارة المخزنة لأغراض التصنيع المختلفة.

من المفترض أن يباشر مصنع أنتورا الجديد عمله في العام المقبل، وسينتج وحدات البطاريات الحرارية التي يمكن تعديلها كي تلبي الاحتياجات المختلفة للعملاء.

اقرأ أيضاً: ما المطلوب لإطلاق القدرات الكامنة للطاقة الحرارية الأرضية؟

“إعادة إحياء روح الصناعة في قلب الأرض الأميركية”

عندما تحدثتُ مع أحد مؤسسي أنتورا والرئيس التنفيذي للعمليات فيها، جاستن بريغز، شرح لي رؤيته التي تهدف إلى “إعادة إحياء روح الصناعة في قلب الأرض الأميركية”. يعتقد بريغز بأن البطاريات الحرارية التي توفر الحرارة النظيفة للصناعات التي تعتمد تقليدياً على الوقود الأحفوري ستساعد هذه القطاعات على تحقيق النمو وتخفيف الانبعاثات في الوقت نفسه.

وقد وجدت وجهة النظر هذه مثيرة للاهتمام، فهي غالباً ما تُقابَل بالتجاهل. لا تتمحور التكنولوجيات المناخية حول التكنولوجيا نفسها وما تتيحه فحسب؛ بل تؤثر أيضاً في الأشخاص الذين يعملون في هذه الصناعات، أو الذين يتعرضون إلى الآثار المباشرة الناجمة عن هذه التكنولوجيا.

تقول نظرية بريغز إن الأشخاص الذين يعملون في مجال عمليات التصنيع التي تحتاج إلى حرارة عالية لن يحتاجوا إلى التدرب المكثف من جديد كي يصبحوا قادرين على استخدام منتجات أنتورا؛ ما يجعلها خياراً جذاباً بالنسبة إلى الشركات التي تسعى إلى الاستفادة من الانتعاش في مجال تمويل الطاقات النظيفة.

يُعزى هذا الانتعاش جزئياً إلى السياسات الحكومية (مثل قانون خفض التضخم) التي تقدم التمويل اللازم لتسريع عملية التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري. ومن أهم المشكلات والمخاوف في هذا المجال: كيفية مساعدة الصناعات التي تنتج كميات كبيرة من الانبعاثات (مثل مجال التصنيع) والقوى العاملة فيها، على الانتقال إلى الاعتماد على عمليات أكثر نظافة دون التعرض إلى درجة كبيرة من الزعزعة؛ مثل إغلاق المصانع أو الاضطرار إلى توظيف قوى عاملة جديدة بالكامل لاستخدام تكنولوجيات جديدة.

فإذا توفر بديل أكثر نظافة يساعد على تخفيف الانبعاثات ويتيح للعاملين في الوقت نفسه مواصلة استثمار مهاراتهم الحالية، سيؤدي هذا إلى التخفيف من مسببات التوتر والقلق؛ مثل فقدان الوظائف وإعادة الهيكلة، وهي مسببات يخشى بعض الناس من أنها قد ترافق هذا التحول الكبير في مجال الطاقة.

اقرأ أيضاً: بيل جيتس يموِّل شركة ناشئة للطاقة الحرارية الأرضية

ما الذي ينتظرنا في المستقبل فيما يخص صناعة البطاريات الحرارية؟

يراقب خبراء الصناعة الأسواق من كثب، ويعبرون عن حماستهم إزاء ما يحمله المستقبل في جعبته؛ لكنهم أيضاً يشددون على أننا ما نزال في المراحل المبكرة من هذه الصناعة.

وقد أخبرني المدير التنفيذي في تحالف رينيوابل ثيرمال كوليكتيف (Renewable Thermal Collaborative) الذي يعمل على التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري في مجال توليد الحرارة الصناعية، بلاين كوليسون، إنه يعتقد أن هذه البطاريات “توشك على الدخول في مرحلة توسع أوّليّ كبير”.

يُعزى تفاؤله جزئياً إلى مرونة البطاريات الحرارية وقدرتها على معالجة عدة مشكلات في وقت واحد. على سبيل المثال؛ تستطيع هذه البطاريات تخفيف العبء عن الشبكة الكهربائية من خلال تخزين الطاقات المتجددة الفائضة، وتستطيع في الوقت نفسه توفير مصدر حراري أكثر نظافة للصناعات التي كانت تعتمد تقليدياً على الوقود الأحفوري.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام الكهرباء النظيفة للاستغناء عن مصادر الطاقة الملوثة في المصانع؟

يمثل إعلان أنتورا بشأن مصنعها الجديد دلالة واضحة على هذا التوجه. وقد بدأت شركة ناشئة أخرى لإنتاج البطاريات الحرارية تُدعى “روندو إينرجي” (Rondo Energy)، تشغيلَ منشأتها الخاصة لتصنيع هذه البطاريات، وستزيد قدرتها الإنتاجية قريباً. كما بدأت الشركة الألمانية كرافتبلوك (Kraftblock) بالعمل مع شركات مثل بيبسي لتركيب بطاريات حرارية بدلاً من المراجل التي تعمل بالغاز؛ ما سيؤدي إلى تخفيض الانبعاثات الناجمة عن إنتاج مواد مثل رقائق البطاطا المقرمشة والمشروبات المعلبة.

قد لا تكون البطاريات الحرارية الحل الوحيد لمشكلة الحرارة الصناعية؛ لكنها تمثل دون شك مجالاً يستحق المراقبة والاهتمام.