بماذا تفوقت نيورالينك على غيرها من المنافسين في تطوير رقاقتها الدماغية؟

5 دقيقة
بماذا تفوقت نيورالينك على غيرها من المنافسين في تطوير رقاقتها الدماغي
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تي آر | إنفاتو، سينكرون عبر بزنسواير (جهاز)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن شركة واحدة فرضت هيمنتها على عالم واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر. فمنذ فترة قصيرة، نشرت شركة نيورالينك (Neuralink) مقطع فيديو على منصة إكس (X) يعرض أول مريض بشري يتلقى زرعتها الدماغية، التي ستحمل اسم تيليباثي (Telepathy). وكان المريض البالغ من العمر 29 عاماً، وهو رجل مشلول من كتفيه إلى أخمص قدميه، يلعب الشطرنج على الكمبيوتر، حيث كان يحرك المؤشر على الشاشة باستخدام ذهنه. وقد قال في الفيديو إن تعلم التحكم في الزرعة كان “أشبه بقدرة خارقة في أفلام الخيال العلمي”.

أحدث إعلان نيورالينك عن أول تجربة للزرعة داخل مريض بشري ضجة كبيرة، لكن ليس بسبب ما تمكن الرجل من فعله –فقد أثبت العلماء عملياً إمكانية استخدام زرعة دماغية لتحريك مؤشر الكمبيوتر في 2006– بل لأن هذه التكنولوجيا متطورة للغاية. هذا الجهاز لاسلكي وغير بارز، ويحتوي على أقطاب رفيعة ورقيقة للغاية إلى درجة أن غرسها في الدماغ يتطلب الاعتماد على روبوت متخصص. أيضاً، اجتذب الجهاز انتباه الكثيرين بسبب الوعود الرنانة التي أطلقها مؤسس نيورالينك، إيلون ماسك. من المعروف أن ماسك مهتم باستخدام شريحته لتحسين عمل الدماغ، وليس فقط لاستعادة الوظائف التي تعطلت بسبب الإصابات والأمراض.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر غرس شريحة نيورالينك في الدماغ وما أبرز تطبيقاتها؟

شركات أخرى لتطوير الواجهات التخاطبية بين الدماغ والكمبيوتر

لكن نيورالينك ليست الشركة الوحيدة التي تطور الزرعات التخاطبية بين الدماغ والكمبيوتر لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا القدرة على التحرك أو الكلام. في الواقع، فإن شركة سينكرون (Synchron) التي تعمل في نيويورك، والتي تلقت التمويل من بيل غيتس وجيف بيزوس، زرعت أجهزتها حتى الآن داخل عشرة أشخاص. ومؤخراً، أطلقت الشركة سجلاً للمرضى استعداداً لإجراء تجربة سريرية أكبر.

تسعى أغلبية الشركات التي تعمل في هذا المجال إلى تحقيق الهدف نفسه: التقاط ما يكفي من المعلومات من الدماغ من أجل تفسير النية الفعلية للمستخدم. تتلخص الفكرة بتسهيل التواصل للأشخاص الذين لا يستطيعون أن يتحركوا أو يتكلموا بسهولة، إما من خلال مساعدتهم على تحريك مؤشر الكمبيوتر، أو من خلال إجراء عملية ترجمة فعلية لنشاطهم الدماغي إلى كلام أو نص.

طرق مختلفة للتصنيف

ثمة مجموعة متنوعة من الطرق لتصنيف هذه الأجهزة، لكن المهندس الحيوي في جامعة رايس، جيكوب روبنسون، يفضل تصنيفها تبعاً لدرجة التوغل داخل الجسم. ثمة مفاضلات جوهرية في هذه التكنولوجيا. فكلما ازداد عمق توضع الأقطاب، أصبحت الجراحة اللازمة لزرعها أكثر توغلاً، وأصبحت المجازفة أكبر. لكن زيادة عمق الموضع الذي تُزرع فيه الأقطاب يضعها أيضاً في موضع أقرب إلى النشاط الدماغي الذي تحاول هذه الشركات تسجيله، ما يعني أن الجهاز سيصبح قادراً على التقاط معلومات بدقة أعلى تتيح للجهاز على سبيل المثال تحويل هذه المعلومات إلى كلام. هذا هو هدف شركات مثل نيورالينك وبارادروميكس (Paradromics). روبنسون هو الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة موتيف نيوروتيك (Motif Neurotech)، التي تعمل على تطوير واجهة تخاطبية بين الدماغ والكمبيوتر بتصميم يخترق الجمجمة فقط (سنعود إلى هذه المسألة لاحقاً).

وعلى العكس من ذلك، فإن جهاز نيورالينك مزود بأقطاب تخترق قشرة المخ، “على عمق لا يتجاوز المليمترين”، كما يقول روبنسون. ومن بين الشركات الأخرى، طورت الشركة الناشئة بارادروميكس في مدينة أوستن وشركة بلاكروك نيوروتيك (Blackrock Neurotech) أيضاً رقاقات إلكترونية مصممة لاختراق القشرة المخية. يقول روبنسون: “تتيح هذه الطريقة الوصول إلى موضع قريب للغاية من العصبونات والحصول على المعلومات حول عمل كل خلية في الدماغ”.

اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تدّعي أنها نجحت في زرع الخلايا المفرزة للدوبامين في الدماغ

يؤدي القرب من العصبونات وازدياد عدد الأقطاب التي تستطيع أن “تصغي” إلى نشاط هذه العصبونات إلى زيادة سرعة نقل البيانات، أو “عرض الحزمة”. وكلما ازداد عرض الحزمة، يزداد احتمال نجاح الجهاز في ترجمة النشاط الدماغي إلى كلام أو نص. تتقدم بلاكروك نيوروتيك بفارق كبير عن بقية الشركات، فيما يتعلق بالكمية الهائلة من التجارب البشرية. فقد زُرعت زرعتها المعروفة باسم “مصفوفة يوتا” (Utah Array) في العشرات من الأشخاص منذ 2004. وهي المصفوفة المستخدمة في المختبرات الأكاديمية في أنحاء البلاد كافة. كما أنها المصفوفة التي تمثل أساس جهاز موف أغين (MoveAgain) من بلاكروك، الذي حاز تصنيف العلاج غير المسبوق من الإدارة الأميركية للغذاء والدواء (FDA) (FDA Breakthrough Designation) عام 2021. لكن عرض الحزمة لهذه المصفوفة أقل على الأرجح مما هو عليه في جهاز نيورالينك، كما يقول روبنسون.

يقول روبنسون: “في الواقع، تمكنت بارادروميكس من تحقيق أكبر عرض حزمة في الواجهات التخاطبية، لكنها لم تجربها على البشر بعد”. تتوضع الأقطاب على رقاقة بحجم بطارية الساعة تقريباً، لكن الجهاز يتطلب نظاماً منفصلاً للبث اللاسلكي، حيث يُزرع هذا النظام في الصدر، ويجري وصله بالزرعة الدماغية عن طريق سلك.

سلبية مشتركة بين هذه الأجهزة

لكن، ثمة ناحية سلبية في هذه الأجهزة جميعها ذات النطاق الترددي العالي. فهي تتطلب جميعها جراحة لفتح المخ، كما أنه “من المرجح أن الدماغ لن يتقبل غرس الإبر فيه بهذه السهولة”، كما قال مؤسس سينكرون، توم أوكسلي، في إحدى محاضرات تيد (TED) لعام 2022. طورت سينكرون مصفوفة أقطاب مثبتة على دعامة، وهي الجهاز نفسه الذي يستخدمه الأطباء عادة لفتح الشرايين المسدودة. وتُدخل “مصفوفة الأقطاب” هذه عبر شق في العنق إلى وعاء دموي يقع مباشرة فوق القشرة المخية الحركية. تتيح هذه الطريقة الفريدة لإيصال الزرعة إلى مكانها تجنب الجراحة الدماغية. غير أن وضع الجهاز فوق الدماغ بدلاً من داخله يحد من مقدار البيانات التي يستطيع أن يلتقطها، كما يقول روبنسون. ويشك روبنسون في قدرة الجهاز على التقاط ما يكفي من البيانات لتحريك مؤشر الماوس. لكنها قد تكون كافية لتوليد نقرات الماوس. ويقول: “يمكنهم النقر على الخيارات المتاحة بنعم أو لا، أو التحريك إلى الأعلى أو الأسفل”.

أما الشركة الجديدة على الساحة برسيجن نيوروساينس (Precision Neuroscience)، التي أسسها مسؤول تنفيذي سابق في نيورالينك، فقد طورت مصفوفة أقطاب مرنة أقل سماكة من الشعرة البشرية، وهي أشبه بقطعة من الشريط اللاصق. تنزلق هذه المصفوفة إلى ما فوق القشرة المخية عبر شق صغير. أطلقت الشركة أولى تجاربها البشرية العام الماضي. في هذه الدراسات الأولية، زُرِعت المصفوفة مؤقتاً في أشخاص كانوا يخضعون لعمليات جراحية في الدماغ لأسباب أخرى. منذ فترة وجيزة، تحدث روبنسون وزملاؤه عن التجربة البشرية الأولى لجهاز موتيف نيوروتيك الذي يخترق الجمجمة وحسب في مجلة ساينس أدفانسس (Science Advances). وقد وضع الباحثون الجهاز الصغير الخالي من البطارية، الذي أطلقوا عليه اسم دوت (DOT) اختصاراً لعبارة “الجهاز العلاجي القابل للبرمجة الرقمية الذي يوضع على الدماغ” (Digitally Programmable Over-brain Therapeutic)، فوق القشرة الحركية بصورة مؤقتة لشخص كان من المقرر مسبقاً أن يخضع لعملية جراحية في الدماغ. وعند تشغيل الجهاز، لاحظوا حركة في يد المريض.

أهداف أخرى

لا يمثل الحصول على الحركة الهدف الرئيسي لجهاز موتيف. وتسعى الشركة إلى تحقيق النجاح في تطبيق مختلف تماماً، وهو التخفيف من اضطرابات المزاج. يقول روبنسون: “ثمة عشرة أشخاص يعانون اضطراباً اكتئابياً حاداً ولا يستجيبون للأدوية، مقابل كل شخص يعاني إصابة في النخاع الشوكي. وهم على الدرجة نفسها من اليأس تماماً. غير أن أعراضهم غير مرئية وحسب”. لكن الدراسة تظهر أن الجهاز يتمتع بقدرة كافية لتحفيز الدماغ، وهي الخطوة الأولى نحو تحقيق أهداف الشركة.

اقرأ أيضاً: الزرعات الدماغية تساعد في الحصول على تمثيل رقمي لوجه الشخص وتعابيره

يوضع الجهاز فوق الدماغ، ولهذا لن يكون قادراً على التقاط بيانات ذات نطاق ترددي عال. لكن، وبما أن موتيف لا تسعى فعلياً إلى تفكيك ترميز الكلام أو مساعدة الناس على تحريك الأشياء بأذهانهم، فلا حاجة إلى التقاط هذه البيانات. يقول روبنسون: “العواطف لا تتغير بسرعة تغيّر الأصوات الخارجة من الفم ذاتها”. لا يمكن أن نحدد الشركات الناجحة منذ الآن، لكن الزخم الذي اكتسبه هذا المجال يعني أن التحكم في الأشياء باستخدام الأذهان لم يعد مسألة تنتمي إلى قصص الخيال العلمي. على الرغم من هذا، ما زالت هذه الأجهزة مخصصة بالدرجة الأولى للأشخاص الذين يعانون إصابات جسدية جسيمة. ولهذا، لا يمكن أن نتوقع أن تحقق الزرعات الدماغية أهداف نيورالينك من حيث “توسيع حدود القدرات البشرية” أو “توسيع كيفية تجربتنا للعالم”.