هل نحن بحاجة إلى رفع سرعة نقل البيانات بين الدماغ والحاسوب كما يرى إيلون ماسك؟

5 دقائق
هل نحن بحاجة إلى رفع سرعة نقل البيانات بين الدماغ والحاسوب كما يرى إيلون ماسك؟
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مؤخراً، نشر إيلون ماسك منشوراً لفت انتباهي على منصة إكس (X) (المعروفة سابقاً باسم تويتر). فقد زعم رائد الأعمال الشهير أن وضع الأقطاب الإلكترونية داخل رؤوس البشر سيؤدي إلى زيادة كبيرة في سرعة نقل البيانات التي تدخل إلى الأدمغة البشرية وتخرج منها.

أما المناسبة التي كان منشور ماسك يدور حولها، فقد كانت إعلان شركة نيورالينك (Neuralink)، وهي شركته المختصة بالواجهات التخاطبية بين الدماغ والحاسوب (بي سي آي (BCI) اختصاراً)، عن أنها بدأت رسمياً البحث عن المتطوع الأول لتلقي زرعة “إن ون” (N1)، التي تحتوي على 1,024 قطباً لالتقاط إشارات العصبونات الدماغية.

ووفقاً للشركة، يجب أن يكون هذا المتطوع مصاباً بالتصلب الجانبي الضموري، أو مشلولاً بسبب إصابة في الحبل الشوكي. تهدف هذه التجربة إلى أن تتيح للمشارك إمكانية “التحكم في أجهزة خارجية باستخدام أفكاره”، وعلى وجه الخصوص، تحريك مؤشر على شاشة الحاسوب، أو التحكم في تطبيق على الهاتف. لا يوجد أدنى شك في قدرة الشركة على تحقيق النجاح. فقد بدأ إجراء هذه التجارب منذ عدة عقود.

اقرأ أيضاً: نيورالينك: استعراض مسرحي في علم الأعصاب

قدر أكبر من البيانات من أكبر عدد من الخلايا العصبية

لكن أحد الفروق هو أن زرعة “إن ون” مزودة بأكثر من ضعف عدد الأقطاب المستخدمة في تجارب الزرعات السابقة. وتعني زيادة عدد الأقطاب أن نيورالينك ستتمكن من جمع قدر أكبر من البيانات من عدد أكبر من الخلايا العصبية.

وهو ما يعود بنا إلى منشور ماسك، حيث ناقش الهدف البعيد الأمد من الزيادة الكبيرة في “عرض الحزمة” الناقلة للبيانات بين البشر، أو بين البشر والآلات، بمقدار ألف ضعف أو أكثر. لكن، ماذا كان يعني بالضبط، وأتساءل أيضاً، أهذا ممكن فعلاً؟ هل نعني هنا نوعاً من التواصل الذهني السريع، حيث أستطيع أن أحكي لك عما حدث معي اليوم خلال أجزاء نانوية من الثانية؟

إليكم فيما يلي ما ورد في منشوره على منصة إكس:

قال ماسك في منشوره:

بعد التحدث مع بضعة علماء، أستطيع أن أقول لكم إن فكرة استخدام الزرعة الدماغية لتسريع التواصل بيني وبينك، على سبيل المثال، ليست سوى محض هراء إلى حد كبير. لكن زيادة سرعة قراءة الآلات لإشارات الدماغ أمر واقعي للغاية، وهو مهم جداً بالنسبة لبعض الاستخدامات الحديثة للواجهات التخاطبية القادرة على قراءة الأفكار، مثل إتاحة إمكانية “الكلام” عبر حاسوب للأشخاص المصابين بدرجة عالية من الشلل.

اقرأ أيضاً: ما هي المنصات التي بدأت تظهر لمنافسة تويتر بعد أن اشتراه إيلون ماسك؟

ما هو عرض الحزمة؟

وفي هذه الحالة، يشير مصطلح “عرض الحزمة” ببساطة إلى سرعة نقل البيانات. وفقاً لتقديرات العلماء، يفصح البشر عن المعلومات بسرعة 40 بتاً في الثانية تقريباً، مهما كانت اللغة التي يتحدثون بها. وهي سرعة منخفضة للغاية. (من الجدير بالذكر أن سرعة تنزيل الحاسوب للمعلومات عن الإنترنت أكبر بمليون مرة). وثمة أسباب قد تؤدي إلى عدم زيادتها على الإطلاق. فهل سبق لك أن سمعت شخصين يتحدثان معك في الوقت نفسه؟ في هذه الحالة، توصل أذناك المعلومات إلى دماغك، لكن دماغك لا يستطيع معالجتها. إضافة إلى هذا، فإن سرعة التفكير نفسها تحد من عرض الحزمة البشري.

يقول عالم الأعصاب في جامعة نورث ويسترن، لي ميلر، والذي يعمل على الواجهات الدماغية: “إن الفكرة التي تنطوي على ربط شخصين بالأسلاك لتبادل المعلومات بسرعة تفوق ما نستطيع تحقيقه أنا وأنت، عن طريق الكلام، هي فكرة خاطئة وعبثية. وإذا كانت هذه هي خطة العمل، فأنا غير مستعد للاشتراك فيها”.

اقرأ أيضاً: الهدف مليار مستخدم: ما هو تطبيق «كل شيء» الذي يسعى إيلون ماسك إلى تطويره انطلاقاً من تويتر؟

 نقل البيانات بسرعة: خطة عبثية أحياناً لكنها مفيدة

غير أن العلماء يعترفون بوجود أوضاع يمكن أن تؤدي زيادة سرعة نقل البيانات فيها إلى إحداث تغيير جذري في طريقتنا للتعبير عن أنفسنا. لنفترض، على سبيل المثال، أنك تعرضت للسطو في الشارع، وأنك تريد وصف وجه الشخص الذي هاجمك لفنان مختص برسم الوجوه. فعلى الرغم من قدرتك على تخيل الوجه بوضوح، ستحتاج إلى بعض الوقت حتى تنقل هذه التفاصيل إلى الرسام بسرعة الكلام التي تبلغ 40 بتاً في الثانية.

لكن، من الناحية النظرية، يمكن نقل الصور العقلية بين العقول مباشرة. وقد نبهني الباحثون إلى حالة كريستا وتاتيانا هوغان، وهما توأم ملتحم عند الرأس، ويشتركان في بعض أجزاء الدماغ. ويقال إن كلاً منهما تستطيع الرؤية من خلال عيني الأخرى، ما يعني عملياً مشاركة المعلومات القادمة من الشبكية إلى العصب البصري بسرعة 10 ملايين بت في الثانية.

في الواقع، بدأت نيورالينك دراسة إمكانية استخدام أقطاب زرعاتها في تحفيز القشرة البصرية عند القِردة. تتسم الرؤية التي تعتمد على هذه الطريقة بأنها أولية للغاية، وتقتصر عملياً على مجرد بضع بقع من الضوء، لكنها قد تصبح أدق مع زيادة عدد الأقطاب. ويوماً ما، قد يصبح من الممكن بث صورة من دماغ إلى آخر عبر كابل.

اقرأ أيضاً: فيسبوك تتخلى عن خططها لبناء واجهة تخاطبية تقرأ إشارات الدماغ

يقول الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، فيكاش غيلجا: “يفكر إيلون ماسك كثيراً في الصور الذهنية، وأعتقد أنه يتخيل مستقبلاً يمكن فيه تقديم الصورة التي يفكر فيها شخص ما إلى شخص آخر، أو تحفيز رؤيتها مباشرة في القشرة البصرية لشخص آخر”.

إذاً، هذه هي الحالة التي يمكن فيها لزيادة عرض الحزمة أن يحدث أثراً حقيقياً، لكن ليس بزيادة السرعة، بل في تحقيق أشكال غير متوقعة من نقل الأفكار. فمن الممكن أيضاً، على سبيل المثال، كشف الحالة العاطفية، مثل الاكتئاب، عن طريق قياس الإشارات الدماغية. فهذه المشاعر ليست صعبة الوصف وحسب، بل من الممكن ألا يكون الشخص حتى مدركاً لوجودها.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة بارادروميكس (Paradromics) التي طورت نظام الزرعة الخاص بها الذي يحتوي على 1,600 قطب تقريباً، مات آنغل: “أعتقد أن الواجهات التخاطبية بين الدماغ والحاسوب ستتمكن من قراءة أشياء مثيرة للاهتمام إلى درجة كبيرة ولا يستطيع البشر التعبير عنها إرادياً بسهولة في الوقت الحالي. فالأقطاب التي تلتقط الإشارات من مختلف مناطق الدماغ تستطيع الحصول على معلومات لا يستطيع البشر الوصول إليها بصورة واعية”.

اقرأ أيضاً: إليك ملخص لما هو جديد وما ليس بجديد في واجهة إيلون ماسك التخاطبية بين الدماغ والآلة

هل نحتاج فعلاً إلى زيادة عرض الحزمة

لكن، لنعد الآن إلى الواقع والتطبيقات في الأمد القريب للواجهات التخاطبية بين الدماغ والحاسوب. هل تحتاج هذه التطبيقات إلى زيادة عرض الحزمة؟ يتمثل الاستخدام الرئيسي لهذه الأجهزة في السماح لشخص مشلول بتشغيل حاسوب عن طريق تحريك المؤشر باستخدام أفكاره. ولا يحتاج هذا الهدف فعلياً إلى عرض حزمة أكبر. فالعلماء قادرون على تحقيق هذا الهدف من خلال قياس إشارات بضعة عصبونات، ولن تؤدي إضافة المزيد من العصبونات إلى تحسينات تستحق الذكر.

لكن جمع المزيد من المعلومات سيكون أكثر فائدة -حيث ستكون الزرعات المزودة بعدد أكبر من الأقطاب أكثر فائدة- عند فتح المجال أمام تواصل طبيعي بصورة أكبر من هذا. لقد شهدنا بعضاً من هذه التطبيقات هذا العام، بما في ذلك تجربة تمكّن فيها شخصان مشلولان من التحدث عن طريق حاسوب باستخدام الأفكار.

وقد نجحت هذه التجربة لأن المشاركَيْن عندما كانا يتخيلان قول الكلمات، كانت الأقطاب تقيس إشارات عصبوناتهما الحركية، التي كانت وتيرة إطلاقها للإشارات تحتوي على معلومات حول كيفية محاولة المشاركَين تحريك اللسان والحنجرة. وقد بات ممكناً الآن تحليل هذه البيانات لتحديد الكلمات التي يفكر الناس في قولها، وبدقة مفاجئة. يعتقد الباحثون أنه بزيادة عدد الأقطاب التي تقيس إشارات المزيد من العصبونات، وبزيادة عرض الحزمة، تمكن زيادة الدقة إلى درجة أعلى من ذلك حتى.

يقول آنغل: “لسنا في حاجة إلى المزيد من الأقطاب للتحكم في المؤشر، بل للكلام، فهذا نظام تتسم فيه سرعة البيانات بأهمية كبيرة. من الواضح للغاية أننا في حاجة إلى زيادة عرض القناة حتى تصبح تلك الأنظمة عملية وقابلة للتطبيق. وبوجود الآلاف من الأقطاب، ستصبح جودة النظام مكافئة لجودة هاتف خلوي ينقل كلامك. إذاً، في هذا الوضع، فالإجابة هي نعم، ويجب أن نزيد سرعة المعلومات بمقدار 10 أضعاف أو 100 ضعف”.

اقرأ أيضاً: إيلون ماسك يعِد بتحقيق التخاطر بين البشر، فهل نصدقه؟

النتيجة النهائية: فيما يتعلق بتحسين التواصل بين الأشخاص الذين لا يعانون من أي إعاقات، أبدت مصادري شكوكها إزاء أهمية زيادة عرض الحزمة. فالدماغ سيبطئ العملية في نهاية المطاف. لكن فيما يتعلق باستعادة وظائف الدماغ، تصبح هذه الزيادة ضرورية. وكي يستعيد المريض قدرته على التواصل بتلك السرعة الأساسية التي لا تتجاوز 40 بتاً في الثانية، سنحتاج إلى الكثير من العصبونات، والكثير من البيانات.