الزرعات الدماغية تساعد في الحصول على تمثيل رقمي لوجه الشخص وتعابيره

5 دقائق
الزرعات الدماغية تساعد في الحصول على تمثيل رقمي لوجه الشخص وتعابيره
حقوق الصورة: shutterstock.com/Gorodenkoff
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“ما رأيك بصوتي الاصطناعي؟”، تساءلت المرأة على شاشة الحاسوب، مع توسع بسيط في عينيها الخضراوَين. كانت الصورة حاسوبية دون شك، وكان الصوت متقطعاً؛ لكنها كانت لحظة مميزة على أي حال. هذه الصورة شخصية رمزية رقمية لمريضة فقدت قدرتها على الكلام بعد إصابتها بسكتة دماغية منذ 18 سنة. والآن، وفي إطار تجربة تتضمن زرعة دماغية مع خوارزميات ذكاء اصطناعي، تستطيع المريضة أن تتحدث بصوت مماثل لصوتها الحقيقي؛ بل وحتى أن تعبر عن نطاق محدود من التعابير الوجهية عبر شخصيتها الرمزية الرقمية.

تبين ورقتان بحثيتان نشرهما فريقان بحثيان مستقلان في مجلة نيتشر (Nature) مؤخراً، سرعة تطور هذا المجال، على الرغم من أن هذه التجارب التي تمثل إثباتاً للمفهوم ما زالت بعيدة للغاية عن مرحلة التكنولوجيا المتاحة للجمهور.  تضمنت كل دراسة منهما امرأة فقدت قدرتها على الكلام على نحو مفهوم؛ إحداهما بعد سكتة أصابت جذع الدماغ، والأخرى بسبب التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض تنكّسي عصبي تدريجي.

خضعت كلتا المشاركتين إلى عملية لزرع نوع مختلف من أدوات التسجيل في الدماغ، وتمكنت كلتاهما من التحدث بسرعة 60-70 كلمة في الدقيقة تقريباً. هذه السرعة تعادل نصف سرعة الكلام الطبيعي تقريباً؛ لكنها أكبر بـ 4 أضعاف من السرعات التي حُققت من قبل. أيضاً، تمكن أحد الفريقين بقيادة جراح الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو، إدوارد تشانغ، من التقاط الإشارات الدماغية التي تتحكم في الحركات الصغيرة لتعابير الوجه؛ ما أتاح له تصميم شخصية رمزية تعبر عن كلام المشاركة في الدراسة في الزمن الحقيقي تقريباً.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعيد الحركة والشعور لمريض شلل رباعي

تمثيل رقمي لتعابير الوجه

تقول المختصة بالأخلاق والأعصاب في جامعة كولومبيا البريطانية في مدينة فانكوفر بكندا، جودي إيليس التي لم تشارك في أي من الدراستين، إن الورقتين البحثيتين “تمثلان عملاً علمياً وهندسياً راقياً ودقيقاً للغاية بالنسبة إلى الدماغ”. وتبدي إيليس إعجابها على وجه الخصوص بإضافة الشخصية الرمزية التعبيرية إلى النظام، وتقول: “لا يقتصر التواصل على تبادل الكلمات بين الأشخاص وحسب؛ بل هو مؤلف من كلمات ورسائل يُعبَّر عنها من خلال النبرة، وتعابير الوجه، واللهجة، والسياق. أعتقد أن محاولة إضافة عنصر التعبير الشخصي إلى هذا العمل العلمي الأساسي الهندسي في مجال تكنولوجيا الأعصاب لفتة رائعة تعبّر عن الإبداع وحُسن الانتباه إلى التفاصيل”.

كان تشانغ وفريقه يعملون على حل هذه المشكلة منذ أكثر من عقد من الزمن. وفي 2021، بينوا إمكانية التقاط النشاط الدماغي من شخص يعاني سكتةً أصابت جذع الدماغ، وترجمة هذه الإشارات إلى كلمات وجمل مكتوبة، ولو ببطء. وفي أحدث ورقة بحثية نشرها الفريق، استخدم الباحثون زرعة أكبر حجماً وضاعفوا عدد أقطاب التوصيل -يقارب حجم الجهاز حجم بطاقة ائتمانية- لالتقاط الإشارات من دماغ مريضة أخرى اسمها آن، فقدت قدرتها على الكلام بعد إصابتها بسكتة دماغية منذ عقدين من الزمن تقريباً.

 

لا تسجل الزرعة الأفكار. وبدلاً من ذلك، تلتقط الإشارات الكهربائية التي تتحكم في حركات عضلات الشفتين والدماغ والفك والحنجرة؛ أي العضلات المُستخدَمة في الكلام كلها. على سبيل المثال؛ “يؤدي نطق الحرف P أو الحرف B إلى ضم الشفتين معاً ومن ثم تحفيز مجموعة معينة من الأقطاب المرتبطة بالتحكم في الشفتين”، وفقاً لألكساندرا سيلفا، وهي من المشاركين في تأليف الدراسة، وطالبة دراسات عليا في مختبر تشانغ. يستخدم الفريق منفذاً موجوداً في فروة الرأس لنقل هذه الإشارات إلى حاسوب؛ حيث تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تحليلها، ويساعد نموذج لغوي على تحسين الدقة بتصحيح الأخطاء تلقائياً. تمكّن الفريق من ترجمة النشاط الدماغي لدى آن إلى كلمات مكتوبة بسرعة 78 كلمة في الدقيقة باستخدام هذه التكنولوجيا، معتمداً على مجموعة كلمات تتضمن 1,024 كلمة، بمعدل خطأ يبلغ 23%.

اقرأ أيضاً: الأمل المسروق: تعرف إلى قصة مريض الشلل الذي أوقفت إحدى الشركات تجربة علاجه

تحويل الإشارات الدماغية إلى كلام

تمكّنت مجموعة تشانغ أيضاً من تحويل الإشارات الدماغية مباشرة إلى كلام، وهو إنجاز غير مسبوق لدى أي مجموعة بحثية. ومن خلال إشارات العضلات التي التقطها النظام، تمكنت المشاركة، عبر الشخصية الرمزية، من التعبير عن 3 مشاعر مختلفة هي السعادة، والحزن، والتعجب، بـ 3 مستويات من الشدة. “لا يقتصر الكلام على التعبير عن الكلمات وحسب؛ بل إنه تعبير عن هويتنا، وتشمل هذه الهوية صوتنا وتعابيرنا أيضاً” على حد تعبير تشانغ. تأمل المشاركة في الدراسة بأن تعمل مستشارة، وقد قالت للباحثين إن طموحها هذا “أسمى أهدافي”، وتعتقد أن هذه الشخصية الرمزية قد تجعل عملاءها أكثر ارتياحاً في التعامل معها. استخدم الفريق تسجيلاً من مقطع فيديو لحفل زواجها لتركيب نسخة من صوت الكلام لديها؛ بحيث تصبح الشخصية الرمزية قادرة على التحدث بصوتها.

أما الفريق الثاني بقيادة باحثين من جامعة ستانفورد، فقد نشر نتائجه ضمن مسودة ورقة بحثية في يناير/ كانون الثاني من هذا العام 2023. زود الباحثون المشاركة المصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، بات بينيت، بـ 4 زرعات أصغر بكثير –يبلغ حجم كل منها حجم حبة الأسبيرين تقريباً- قادرة على تسجيل الإشارات من العصبونات المنفردة. دربت بينيت النظام بقراءة المقاطع الصوتية والكلمات والجمل، على مدار 25 جلسة.

وبعد ذلك، اختبر الباحثون هذه التكنولوجيا عن طريق قراءة بينيت لجمل لم تستخدمها خلال التدريب. عندما كانت الجمل مركبة من مجموعة مفردات تضم 50 كلمة، كان معدل الخطأ 9% تقريباً. وعندما وسّع الفريق مجموعة المفردات إلى 125,000 كلمة، ما يشمل النسبة العظمى من اللغة الإنجليزية، ارتفع معدل الخطأ إلى 24% تقريباً.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

نتائج أفضل من السابق

لا يخلو الكلام باستخدام هذه الواجهات التخاطبية من الأخطاء، فهو ما زال أبطأ من الكلام العادي، وعلى الرغم من أن معدل خطأ يبلغ 23% أو 24% أفضل من النتائج السابقة بكثير، فهو ما يزال أقل من الجودة العالية التي نسعى إليها. في بعض الحالات، تمكّن النظام من إعادة توليد الجمل على نحو مثالي. وفي بعض الحالات الأخرى، كانت جملة مثل: “How is your cold?” (كيف أصبحت إصابتك بالزكام؟) تتحول إلى “your old” (كم يبلغ عمرك بالأعوام؟)؛

لكن العلماء واثقون من قدرتهم على تحقيق نتائج أفضل. يقول عالم الأعصاب وأحد مؤلفي ورقة ستانفورد البحثية، فرانسيس ويليت: “من الأمور المثيرة للحماس في هذا العمل إمكانية تحسين الأداء باستمرار عن طريق إضافة المزيد من هذه الأقطاب.  وإذا تمكنا من إضافة المزيد من الأقطاب لقياس إشارات المزيد من العصبونات، فمن المفترض أن نتمكن من تحسين الدقة”.

اقرأ أيضاً: علاج واعد للمكفوفين: قرنية صناعية تنجح في إعادة البصر لـ 14 شخصاً

إثبات للمفهوم

ليس النظام الحالي عملياً للاستخدام المنزلي، ونظراً لاعتماد النظام على وصلات سلكية، إضافة إلى النظام الحاسوبي الضخم والضروري لعمليات المعالجة؛ لا تستطيع المريضة استخدام الزرعات الدماغية للتواصل خارج إطار التجربة. يقول الأستاذ المتخصص في الأعصاب في مركز الدماغ التابع للمركز الطبي الجامعي بأوترخت في مدينة أمستردام، ومؤلف التعليق المرافق، نك رامزي: “ما زال أمامنا الكثير من العمل الذي يجب إنجازه لتحويل هذه المعرفة إلى شيء مفيد للأشخاص من ذوي الاحتياجات التي لم تجد ما يلبيها حتى الآن”.

أيضاً، تنبه إيليس إلى أن النتائج التي حصل عليها كلا الفريقين تتعلق بشخص واحد فقط، وأن هذه النتائج قد لا تكون صحيحة بالنسبة إلى مرضى آخرين، حتى لو كانوا يعانون مشكلات عصبية مماثلة. وتقول: “هذا مجرد إثبات للمفهوم، ونحن ندرك أن الإصابات الدماغية معقدة للغاية ومتباينة للغاية. ويعني هذا أن التعميم، حتى في إطار المصابين بالسكتات الدماغية أو التصلب الجانبي الضموري، قد يكون ممكناً ولكنه ليس مؤكداً”.

لكن هذا العمل يفتح المجال بالتأكيد أمام تطوير حلول تكنولوجية للأشخاص الذين فقدوا القدرة على التواصل. يقول تشانغ: “ما قمنا به يثبت إمكانية تحقيق هذا الأمر، وأنه ثمة مسارات يمكن اتباعها نحو هذا الهدف”.

اقرأ أيضاً: شاهد: كتف روبوتية تدرب أنسجة الأوتار المستزرعة بالفتل والشد

تتسم القدرة على الكلام بأهمية كبيرة، فقد كانت المشاركة في دراسة تشانغ تعتمد على لوحة أحرف للتواصل مع الآخرين. وقالت للباحثين: “لقد سئم زوجي للغاية من اضطراره إلى استخدام اللوح لترجمة كلماتي طوال الوقت. لم نتجادل لأنه لم يمنحني الفرصة كي نتجادل، ولكم أن تتخيلوا كم أصابني هذا بالإحباط!”.