ما حقيقة الضجيج الإعلامي حول اقتراب أوبن إيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟

5 دقائق
ما حقيقة الضجيج الإعلامي حول اقتراب أوبن إيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟
مصدر الصورة: وكالة أسوشيتد برس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد الأحداث المثيرة التي شهدتها شركة أوبن أيه آي (OpenAI) مؤخراً، ما تزال مصادر الإشاعات تعمل بأقصى قدرتها محاولة تكهن الأسباب التي دفعت بمجلس إدارة الشركة وكبير الموظفين العلميين، إيليا سوتسكيفير، إلى فصل الرئيس التنفيذي للشركة سام ألتمان.

وعلى حين ما تزال التفاصيل مجهولة، تشير التقارير إلى أن الباحثين في أوبن أيه آي حققوا “إنجازاً غير مسبوق” في مجال الذكاء الاصطناعي؛ ما أثار ذعر طاقمها الإداري. وقد أوردت تقارير وكالة رويترز (Reuters) ومجلة ذي إنفورميشن (The Information) أن الباحثين توصلوا إلى طريقة جديدة لتصميم أنظمة ذكاء اصطناعي عالية القدرة، وعمدوا إلى تصميم نموذج جديد باسم “كيو ستار” (Q*)، وقد تمكّن هذا النموذج من حل مسائل رياضية لمرحلة الدراسة الابتدائية. ووفقاً للأشخاص الذين تحدثوا إلى وكالة رويترز؛ يعتقد البعض في أوبن أيه آي أن هذا قد يمثل إنجازاً غير مسبوق في سعي الشركة نحو بناء الذكاء الاصطناعي العام، وهو مفهوم شائع ومثير للجدل حول نظام ذكاء اصطناعي أذكى من البشر. وقد رفضت الشركة الإدلاء بأي تعليق حول كيو ستار.

ونظراً إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تشهد درجة عالية للغاية من الضجيج الإعلامي والتوقعات؛ اتصلت ببعض الخبراء كي أحصل على معلومات وافية حول الحجم الحقيقي لأي إنجاز قد يجمع الرياضيات والذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: حصرياً: لقاء مع كبير علماء أوبن أيه آي إيليا ساتسكيفر حول آماله ومخاوفه إزاء مستقبل الذكاء الاصطناعي

حل مسائل الرياضيات اختبار صعب للذكاء الاصطناعي

لسنوات عديدة، حاول باحثو الذكاء الاصطناعي تصميم نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على حل المسائل الرياضية. وعلى الرغم من أن النماذج اللغوية مثل تشات جي بي تي (ChatGPT) وجي بي تي 4 (GPT-4) تستطيع حل بعض المسائل الرياضية، فإنها غير موثوقة ولا تقدم أداء جيداً. ويقول المحاضر المختص بالذكاء الاصطناعي في جامعة إدنبرة، ويندا لي، إننا لا نتملك في الوقت الحالي الخوارزميات أو حتى البنى المناسبة لحل المسائل الرياضية على نحو موثوق باستخدام الذكاء الاصطناعي. تتميز تقنيات التعلم العميق والمحولات (transformers)، وهي نوع من الشبكات العصبونية التي تعتمد عليها النماذج اللغوية، بقدرة عالية على التعرف إلى الأنماط؛ لكن هذه الميزة لا تكفي وحدها كما يقول ويندا لي.

ويضيف لي قائلاً إن الرياضيات تمثل معياراً لقياس قدرة المعالجة المنطقية، فالآلة القادرة على معالجة المسائل الرياضية منطقياً تستطيع، من الناحية النظرية، أن تتعلم تنفيذ مهام أخرى بالاعتماد على المعلومات الموجودة لديها؛ مثل كتابة التعليمات البرمجية الحاسوبية، أو التوصل إلى استنتاجات من مادة إخبارية. تمثل المسائل الرياضية معضلات صعبة على وجه الخصوص؛ لأنها تتطلب من نماذج الذكاء الاصطناعي القدرة على المعالجة المنطقية، وتتطلب منها أن تستوعب ما تتعامل معه فعلياً.

وإذا أردنا من نظام ذكاء اصطناعي توليدي حل المسائل الرياضية على نحو موثوق، فيجب أن يكون متمكناً للغاية من التعاريف الحاسمة لمفاهيم معينة قد تصل إلى درجة عالية من التجريد. إضافة إلى هذا، يتطلب الكثير من المسائل الرياضية أيضاً وجود مستوىً معين من القدرة على التخطيط على امتداد عدة خطوات، وفقاً لباحثة الدكتوراة في جامعة كامبريدج، كايتي كولينز، المختصة في الرياضيات والذكاء الاصطناعي. وبالفعل، فقد نشر كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة ميتا (Meta)، يان ليكون، منشوراً على منصتيّ إكس (X) ولينكد إن (LinkedIn) مؤخراً، وقال فيه إنه يعتقد أن كيو ستار يمثل على الأرجح “محاولة أوبن أيه آي لبناء نظام قادر على التخطيط”.

اقرأ أيضاً: كيف جعل تشات جي بي تي شركة أوبن أيه آي لاعباً مهماً في مجال الذكاء الاصطناعي

هل اقتربنا من ولادة ذكاء اصطناعي خارق؟

يخشى الأشخاص الذين يشعرون بالقلق من الخطر الوجودي للذكاء الاصطناعي على البشر، وهو أحد مخاوف أوبن أيه آي الرئيسية، من أن هذه القدرات قد تؤدي إلى ظهور نظام ذكاء اصطناعي خارج عن السيطرة. وقد تتحقق المخاوف المتعلقة بالسلامة إذا سُمِح لهذه الأنظمة بأن تحدد أهدافها بنفسها وتبدأ التفاعل مع العالم الحقيقي أو الرقمي في بعض النواحي، وفقاً لكولينز.

لكن على الرغم من أن الرياضيات والذكاء الاصطناعي قد يتيحان لنا الاقتراب خطوة إضافية من بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أقوى، فإن حل هذه الأنواع من المسائل الرياضية لا يعني ولادة ذكاء اصطناعي خارق بالضرورة.

تقول كولينز: “لا أعتقد أن هذا الإنجاز سينقلنا مباشرة إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام، أو يودي بنا إلى أوضاع خطيرة”.  وتضيف قائلة إنه من المهم للغاية تحديد أنواع المسائل الرياضية التي يستطيع الذكاء الاصطناعي حلها.

اقرأ أيضاً: متاهة المصطلحات: الذكاء الاصطناعي التوليدي والعام والفائق تحت المجهر

تقول كولينز: “يمثل حل المسائل الرياضية من مستوى مرحلة الدراسة الابتدائية أمراً مختلفاً للغاية عن حل المسائل الرياضية المستعصية التي تمثل إنجازاً من مستوى قدرات عالم رياضي فائز بجائزة فيلدز (Fields) (وهي أهم جائزة في الرياضيات)”.

ركز بحث التعلم الآلي على حل مسائل من مستوى مرحلة الدراسة الابتدائية؛ غير أن هذه المعضلة تمثل إنجازاً لم يستطع أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي وأكثرها تطوراً تحقيقه بالكامل حتى الآن. وتقول كولينز إن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي تفشل في حل المسائل الرياضية البسيطة للغاية؛ لكنها تستطيع من ناحية أخرى تحقيق التفوق في حل المسائل الرياضية الصعبة للغاية. على سبيل المثال؛ طورت أوبن أيه آي أدوات ذكاء اصطناعي خاصة قادرة على حل مسائل أولمبياد المرحلة الدراسية الثانوية الصعبة؛ لكن هذه الأنظمة لا تتفوق في الأداء على البشر إلا بين الحين والآخر وحسب.

وعلى الرغم من هذا، يمثل بناء نظام ذكاء اصطناعي قادر على حل المعادلات الرياضية تطوراً رائعاً، إذا كان كيو ستار قادراً على تحقيق هذا فعلاً. على سبيل المثال؛ يمكن من خلال تحقيق فهم أعمق للرياضيات فتح مجال جديد من التطبيقات لمساعدة الأبحاث العلمية والأعمال الهندسية. ويمكن استثمار القدرة على توليد إجابات رياضية في مساعدتنا على تطوير تعليم شخصي أفضل، أو مساعدة مختصي الرياضيات في تنفيذ العمليات الجبرية بسرعة أكبر، أو حل مسائل أعقد.

اقرأ أيضاً: كيف أدّت إسهامات الخوارزمي الرياضية إلى تطوير الذكاء الاصطناعي؟

ضرر الضجيج الإعلامي أكبر من فائدته

غير أن هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها نموذج جديد ضجيجاً إعلامياً يتعلق بالذكاء الاصطناعي العام. ففي السنة الماضية، كانت أوساط التكنولوجيا تضج بالأحاديث نفسها حول نموذج غاتو (Gato) الجديد من جوجل ديب مايند (Google DeepMind)، وهو نموذج ذكاء اصطناعي “ذو توجه عام” قادر على لعب ألعاب الفيديو من شركة أتاري (Atari)، والتعليق على الصور، والدردشة، وتكديس الكتل من خلال ذراع روبوتية حقيقية. وفي ذلك الوقت، زعم بعض باحثي الذكاء الاصطناعي أن ديب مايند “توشك” على تحقيق الذكاء الاصطناعي العام؛ بسبب قدرة هذا النظام على تنفيذ العديد من المهام المختلفة على نحو جيد للغاية. باختصار، كانت مصادر الإشاعات نفسها نشطة في إطلاق الضجيج الإعلامي؛ لكن حول عمل مختبر ذكاء اصطناعي آخر.

وعلى حين أن مصادر الضجيج الإعلامي هذه قد تؤدي إلى أثر رائع من وجهة نظر العلاقات العامة، فإنها تضر بالمجال نفسه أكثر مما تفيده لأنها تشتت انتباه الناس عن الأضرار الحقيقية والملموسة للذكاء الاصطناعي ومشاكله. إضافة إلى هذا، فقد تمثل الإشاعات حول نموذج ذكاء اصطناعي جديد وفائق القدرة هدفاً مستقلاً وضخماً للقطاع التكنولوجي الذي يقاوم مساعي تنظيمه كافةً كما يقاوم فرض القوانين عليه. على سبيل المثال؛ أصبح الاتحاد الأوروبي قريباً للغاية من إنجاز قانون الذكاء الاصطناعي الشامل. وتمثل مسألة منح الشركات التكنولوجية المزيد من الصلاحيات لتنظيم عمل النماذج الحديثة والمتطورة بنفسها موضوع جدل حاد بين المشرّعين.

اقرأ أيضاً: أداة ذكاء اصطناعي تساعد الباحثين على تسريع الاكتشافات العلمية

وقد صُمِّمَت بنية مجلس إدارة أوبن أيه آي ليكون بمثابة مفتاح إيقاف داخلي للشركة وآلية إدارة لمنع إطلاق التكنولوجيات المؤذية. وقد أثبتت الأحداث المثيرة التي وقعت مؤخراً في قاعة اجتماعات مجلس الإدارة أن الأرباح ستبقى العامل النهائي والحاسم في توجيه عمل هذه الشركات، بالإضافة إلى أنها ستجعلنا أقل ميلاً إلى الثقة بهذه الشركات لتنظم نفسها بنفسها. لنتعظ مما حدث، أيها المشرّعون.