جوجل ديب مايند ترغب في وضع تعريفها الخاص للذكاء الاصطناعي العام

5 دقائق
جوجل ديب مايند ترغب في وضع تعريفها الخاص للذكاء الاصطناعي العام
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تِي آر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثّل الذكاء الاصطناعي العام (AGI) أحد أكثر المواضيع انتشاراً في مجال التكنولوجيا حالياً. كما أنه واحد من أكثر الأمور إثارة للجدل. يُعزى جزء كبير من المشكلة إلى عدم وجود إجماع حول معنى هذا المصطلح حتى. أمّا الآن، فقد نشر فريقٌ من جوجل ديب مايند (Google DeepMind) ورقة بحثية لحسم الجدل الدائر، ليس بتعريف جديد موحد للذكاء الاصطناعي العام وحسب، بل بتصنيف علمي كامل للتعاريف المتداولة جميعها أيضاً.

يعني الذكاء الاصطناعي العام، دون الدخول في التفاصيل، الذكاء الاصطناعي الذي يضاهي ذكاء البشر (أو يتفوق عليه) في مجموعة من المهام، لكن التفاصيل المتعلقة بالسمات المميزة للبشر، وطبيعة هذه المهام وعددها، تنتهي غالباً بالتجاهل؛ فالذكاء الاصطناعي العام هو ببساطة نسخة أفضل من الذكاء الاصطناعي.

تعريف جديد للذكاء الاصطناعي العام

للتوصل إلى التعريف الجديد، بدأ فريق جوجل ديب مايند بدراسة أبرز التعاريف الحالية للذكاء الاصطناعي العام، واستخلاص ما بدا لهم أنه يعبّر عن النواحي المشتركة الأساسية بين هذه التعاريف.

أيضاً، حدد الفريق خمسة مستويات تصاعدية للذكاء الاصطناعي العام: الناشئ (الذي يتضمن وفقاً لوجهة نظرهم بوتات الدردشة المتطورة، مثل تشات جي بي تي [ChatGPT] وبارد [Bard])، والمؤهل، والخبير، والبارع، والخارق (القادر على تنفيذ نطاق واسع من المهام على نحو أفضل من البشر جميعهم، بما فيها بعض المهام التي يعجز البشر عن أدائها، مثل كشف ألغاز أفكار الآخرين، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية، والتحدث مع الحيوانات). يقول الباحثون إنه لم يتوصل أحد حتى الآن إلى بناء نظام ذكاء اصطناعي عام بمستوى يتجاوز الناشئ.

يقول باحث الذكاء الاصطناعي في جامعة نيويورك، جوليان توجيليوس، الذي لم يشارك في الدراسة: “يوفّر هذا العمل درجة من الوضوح المطلوب بشدة في هذا الموضوع. فالكثيرون يستخدمون مصطلح الذكاء الاصطناعي العام كيفما اتفق دون التفكير في معناه الحقيقي”.

نشر الباحثون ورقتهم البحثية على الإنترنت منذ فترة وجيزة دون أي ضجيج إعلامي. وفي حوار حصري مع اثنين من أفراد الفريق، أحد مؤسسي ديب مايند، شين ليغ، الذي يشغل الآن منصب كبير علماء الذكاء الاصطناعي العام في الشركة، والعالمة الرئيسية المختصة بالتفاعل بين البشر والذكاء الاصطناعي في جوجل ديب مايند، ميريديث رينغيل موريس، حصلت على المعلومات المجردة والحقيقية حول ما دفعهم إلى وضع هذه التعاريف، وما أرادوا تحقيقه.

اقرأ أيضاً: لماذا يعاني العاملون في قطاع الذكاء الاصطناعي المسؤول من الإرهاق؟

تعريف أوضح

يقول ليغ، الذي وضع المصطلح في المقام الأول منذ ما يقارب 20 سنة: “شهدت العديد من النقاشات التي كان المتحاورون يستخدمون فيها هذا المصطلح، على ما يبدو، للإشارة إلى أشياء مختلفة، ما كان يؤدي إلى الارتباك وسوء الفهم. والآن، بعدما أصبح الذكاء الاصطناعي العام موضوعاً مهماً للغاية -إلى درجة أنه حتى رئيس الوزراء البريطاني بدأ يتحدث عنه- أصبحنا في حاجة إلى توضيح ما نعنيه بدرجة أعلى من الدقة”.

لكن الحال لم يكن كذلك على الدوام. فقد كان الحديث عن الذكاء الاصطناعي العام في الحوارات العلمية الجادة مدعاة إلى الاستهجان بوصفه غامضاً في أحسن الأحوال، وأقرب ما يكون إلى التفكير السحري في أسوأها. لكن الضجيج الإعلامي الذي أثاره الذكاء الاصطناعي التوليدي أدّى إلى تجديد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي العام، الذي أصبح موضوعاً جدياً للحوار في كل مكان.

عندما عرض ليغ هذا المصطلح على زميله السابق في العمل، الباحث بين غويرتزل، لاستخدامه عنواناً لكتاب غويرتزل الذي نُشر في 2007 حول التطورات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي، كان غموض المصطلح في الواقع مقصوداً إلى حد ما.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر الصراع الأخلاقي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في إقالة سام ألتمان من منصبه؟

يقول ليغ: “لم يكن لدي تعريف واضح تماماً، ولم أشعر بأنه كان ضرورياً. لقد كان تفكيري في هذا المصطلح في الواقع أقرب إلى استخدامه لتوصيف مجال دراسة، لا لتوصيف شيء محدد”.

في ذلك الوقت، كان ليغ يهدف إلى تمييز الذكاء الاصطناعي الحالي القادر على أداء مهمة واحدة فقط بمستوى ممتاز، مثل برنامج ديب بلو (Deep Blue) الذي صممته شركة آي بي إم (IBM) للعب الشطرنج، عن الذكاء الاصطناعي الافتراضي الذي تخيل، كما تخيل الكثيرون، أنه سيكون قادراً على أداء مهام عديدة بمستوى ممتاز. يختلف الذكاء البشري عن ديب بلو، كما يقول ليغ: “إنه واسع النطاق للغاية”.

لكن، ومع مرور السنوات، بدأ الناس يفكرون في الذكاء الاصطناعي العام بوصفه ميزة يمكن أن تكتسبها البرامج الحاسوبية فعلياً. واليوم، أصبح من المعتاد أن تبادر شركات الذكاء الاصطناعي، مثل جوجل ديب مايند وأوبن أيه آي (OpenAI)، إلى إطلاق تصريحات علنية وجريئة حول مهمتها لبناء برامج كهذه.

يقول ليغ: “إذا بدأت بخوض هذه الحوارات، فيجب أن تكون أدق في تحديد مقصدك”.

اقرأ أيضاً: كيف جعل تشات جي بي تي شركة أوبن أيه آي لاعباً مهماً في مجال الذكاء الاصطناعي

على سبيل المثال، يقول باحثو ديب مايند إن الذكاء الاصطناعي العام يجب أن يكون ذا توجه عام وقادراً على تحقيق أداء متفوق في الوقت نفسه، أي أن تحقيق صفة واحدة فقط من هاتين الصفتين ليس كافياً. يقول توجيليوس: “إن التمييز بين اتساع النطاق وعمق الأداء على هذا النحو مفيد للغاية. فهو يُبيّن السبب الذي يمنع تصنيف العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي المتميزة التي رأيناها من قبل في فئة الذكاء الاصطناعي العام”.

يقول الباحثون أيضاً إن الذكاء الاصطناعي العام يجب ألّا يقتصر على تنفيذ نطاق واسع من المهام، بل يجب أن يتمكن أيضاً من تعلم كيفية تنفيذ هذه المهام وتقييم أدائه وطلب المساعدة عند الحاجة. ويقولون أيضاً إن طبيعة المهام التي يستطيع الذكاء الاصطناعي العام تنفيذها أهم من كيفية تنفيذه لها.

لكن هذا لا يعني أن طريقة عمل الذكاء الاصطناعي العام ليست مهمة، وفقاً لموريس. تكمن المشكلة في أننا لا نعرف بعد ما يكفي عن طريقة عمل الآليات الداخلية للنماذج المتطورة، مثل النماذج اللغوية الكبيرة، حتى تصبح هذه المسألة محوراً مهماً في التعريف.

تقول موريس: “مع اكتسابنا المزيد من المعلومات حول هذه الآليات الداخلية، قد يصبح من الضروري أن نعيد النظر في تعريفنا للذكاء الاصطناعي العام. يجب أن نركّز على ما نستطيع قياسه حالياً بناءً على طريقة متفق عليها علمياً”.

اقرأ أيضاً: مقارنة عملية بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري

قياسات

أصبح قياس أداء النماذج الحالية موضعاً للجدل، حيث يخوض الباحثون نقاشات متواصلة حول المغزى الفعلي من نجاح نموذج لغوي كبير في اجتياز العشرات من اختبارات الثانوية العامة وغيرها. هل هو مؤشر على الذكاء؟ أمْ أنه أقرب إلى نوع من التعلم عن ظهر قلب؟

سيكون تقييم أداء النماذج المستقبلية التي تتمتع بقدرات أكبر مهمة أصعب بكثير. يشير الباحثون إلى أنه إذا تمكنا يوماً ما من تطوير الذكاء الاصطناعي، فإن قدراته يجب أن تخضع للتقييم على نحو متواصل، لا في إطار حفنة من الاختبارات المتفرقة.

يشير الفريق أيضاً إلى أن الذكاء الاصطناعي العام لا يقتضي إمكانية العمل آلياً دون إشراف بشري. تقول موريس: “ثمة افتراض ضمني في أغلب الأحيان بوجود رغبة لدى الناس في الحصول على نظام يعمل بصورة آلية تماماً”. لكن هذه الحالة غير صحيحة على الدوام. يمكن نظرياً بناء آلات خارقة الذكاء وخاضعة تماماً للتحكم البشري.

غير أن أحد الأسئلة التي لا ترد في نقاشات الباحثين حول ماهية الذكاء الاصطناعي العام هو التساؤل عن السبب الذي يدعونا إلى بناء نظام كهذا. قال بعض باحثي الحاسوب، مثل مؤسِّسة معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي الموزع، تيمنيت جيبيرو، إن هذا المسعى بأسره يتسم بطابع غريب. وفي حوار يعود إلى أبريل/نيسان حول ما تصنفه جيبيرو وعوداً طوباوية مزيفة (وحتى خطيرة) من خلال الذكاء الاصطناعي العام، أشارت الباحثة إلى أن هذه التكنولوجيا الافتراضية “تبدو أقرب إلى نظام يعمل دون توجه محدد وفق هدف ظاهري يتلخص بفعل كل شيء لكل شخص في أي بيئة”.

اقرأ أيضاً: هل اقتربنا من تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي العام التي تتمتع بقدرات البشر؟

يتسم معظم المشاريع الهندسة بوجود أهداف محددة ومدروسة جيداً. أمّا مهمة بناء الذكاء الاصطناعي العام فليست كذلك. بل إن تعريفات جوجل ديب مايند لا تضع أي حدود لمستوى ذكاء هذه الأنظمة أو مدى اتساع نطاق قدراتها. تقول جيبرو: “لا تحاولوا بناء أنظمة خارقة للطبيعة”.

في خضم سباق محموم لبناء أنظمة أكبر وأفضل، لن تجد هذه النصيحة آذاناً صاغية إلا لدى قلة من الأشخاص. وعلى أي حال، فإن زيادة الوضوح حول أمر أثار ارتباك الكثيرين فترة طويلة أمر مرحب به. يقول ليغ: “إن خوض حوار سخيف وحسب أمر ممل. ثمة الكثير من المفاهيم المثيرة للاهتمام التي يمكن أن نتعمق فيها إذا تمكنّا من تجاوز هذه المشكلات المتعلقة بالتعاريف”.