متاهة المصطلحات: الذكاء الاصطناعي التوليدي والعام والفائق تحت المجهر

2 دقائق
متاهة المصطلحات: الذكاء الاصطناعي التوليدي والعام والفائق تحت المجهر
حقوق الصورة: shutterstock.com/DayNightArt
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ بدء حقبة الذكاء الاصطناعي التوليدي مؤخراً، دخل عالم الذكاء الاصطناعي في شبكة معقدة من المفاهيم والتوصيفات، إذ برز مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي كمصطلح جذاب، وبات استخدامه على نحوٍ غير دقيق لوصف أي تقنية متعلقة بالذكاء الاصطناعي شائعاً. والحقيقة أن هذا الافتقار إلى الدقة لا يعكر صفو المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي فحسب، بل ويشوّش الفهم العام في المجتمع ككل حول ماهية الذكاء الاصطناعي وإمكاناته.

أود هنا التعريج على ثلاث أفكار حول هذه الظاهرة:

توليدي أمْ لا؟ الفروقات الأساسية

لنأخذ كمثال توضيحي نظاماً مجهزاً للتنبؤ بالسرطان من خلال صور الأشعة ومحادثة الطبيب حول النتائج وأسبابها وما يمكن اتخاذه حيالها. على الرغم من أن الكثيرين قد يسارعون إلى تصنيف كل ذلك تحت مظلة الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن الفحص الدقيق يكشف عن اختلافات واضحة. الشق الأول -أي التنبؤ بالسرطان- متجذر في التعلم الآلي التقليدي، حيث تتعلم الخوارزميات من البيانات وتتخذ القرارات بناءً على الأنماط واحتمالية التوافق معها. في المقابل يعتمد الشق الثاني -أي المحادثة- على قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومحاكاة أساليب التخاطب وإنشاء المحتوى الشبيهة بالأساليب البشرية.

لنأخذ مثالاً آخرَ: خوارزميات التوصية التي تقترح أفلاماً بناءً على المشاهدات السابقة. الأساس التقني هنا ليس الذكاء الاصطناعي التوليدي (على الرغم من أنه يمكن التفكير في إمكانات متقدمة قد تستفيد من عناصر الذكاء الاصطناعي التوليدي كتلخيص المشاهدات السابقة بشكلٍ أفضل كمدخل لخوارزمية التوصية). لكن الأنظمة التي تنخرط في مناقشات حول الأسس الموضوعية لسلاسل الأفلام، أو تناقش تطور السينما عبر عقود بناءً على إمكانية الوصول إلى محتوى متخصص عميق في المجال، فتلك أنظمة تدخل في نطاق الذكاء الاصطناعي التوليدي.

قد تبدو هذه الفروقات بسيطة وغير ذات أثر، لكنني أرى أن فهمها أمرٌ بالغ الأهمية، فقد يؤدي طلاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي كافة بالفرشاة والصبغة ذاتهما إلى توقعات غير واقعية وقرارات غير دقيقة حول التعامل مع الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه.

اقرأ أيضاً: أحد مؤسسي ديب مايند: الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرد مرحلة مؤقتة قبل الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي التفاعلي

الذكاء الاصطناعي العام: مسعى نبيل أمْ سراب؟

هناك أيضاً فكرة غير دقيقة ومزعجة بشكلٍ متزايد مفادها أننا على حافة الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence  أو AGI ). والحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي العام الذي يمثّل الذكاء الواعي الذي يوازي المستوى البشري عبر مختلف المهام، لا يزال بعيد المنال، إذ لا يزال مجتمع الذكاء الاصطناعي يحدد معايير الذكاء الاصطناعي العام وتعريفاته، وهو مسعى مليء بالمعضلات العلمية والتقنية والأخلاقية والفلسفية.

لنأخذ السيارات الذاتية القيادة على سبيل المثال، في حين قد يحتاج فتى مراهقٌ إلى عشرين ساعة من التدريب على القيادة، فإن السيارات الذاتية القيادة تتطلب قيادة ملايين الأميال، وسنوات من البحث، وخوارزميات لا تعد ولا تحصى، ومجموعات بيانات ضخمة، واستثمارات كبيرة للاقتراب من إتقان أسلوب القيادة البشري. وتؤكد هذه الفجوة الفارق الشاسع بين الذكاء الاصطناعي الحالي والذكاء الاصطناعي العام.

اقرأ أيضاً: إطلاق العنان لقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI: بناء حلول مستقبلية مخصصة

علاوة على ذلك، غالباً ما تتحول المناقشات حول الذكاء الاصطناعي العام إلى الذكاء الاصطناعي الفائق (Artificial Super Intelligence  أو ASI)، وهو الذكاء الاصطناعي الذي يتفوق على الذكاء البشري في كل جانب. وبالنظر إلى حيث نقف اليوم، فإن فهمنا لطبيعة الذكاء الاصطناعي الفائق لا يعدو أنه تكهنات لا أكثر.

القيمة في الرحلة لا الوجهة

إن سعينا الدؤوب لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام، على الرغم من التحديات التي يواجهها، يجني ثماره بطرق عديدة. تُحدث التطورات المتزايدة في الذكاء الاصطناعي ثورة في القطاعات على اختلافها بدءاً من التنبؤ بتقلبات السوق بدقة مذهلة وحتى تأليف الموسيقى أو المساعدة على إنتاج الأفلام. وفي حين يظل الذكاء الاصطناعي العام منارة بعيدة ومبتغىً طموح، فإن الرحلة نحوه تُعيد تشكيل عالمنا بالفعل كل يوم.

اقرأ أيضاً: كيف سنواجه تهديد الذكاء الاصطناعي التوليدي بزيادة نفوذ الشركات التكنولوجية الكبرى؟

الدقة في الحوارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أمرٌ بالغ الأهمية. من خلال ضمان الوضوح وتجنب المبالغة، يمكننا أن نقدّر ونفهم بشكلٍ أفضل ما يمكن توقعه من الذكاء الاصطناعي، سواء فيما يتعلق بالفروق الدقيقة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو سبر أغوار الذكاء الاصطناعي العام أو رسم أحلام الذكاء الاصطناعي الفائق.