أحد مؤسسي ديب مايند: الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرد مرحلة مؤقتة قبل الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي التفاعلي

10 دقائق
أحد مؤسسي ديب مايند: الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرد مرحلة مؤقتة قبل الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي التفاعلي
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يرغب أحد مؤسسي ديب مايند (DeepMind)، مصطفى سليمان، في بناء بوت دردشة يتميز بقدرات تتجاوز الدردشة بكثير. وفي حوار خضته معه مؤخراً، أخبرني بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس سوى مرحلة مؤقتة. أمّا المرحلة التالية فهي الذكاء الاصطناعي التفاعلي: أي البوتات التي تستطيع أداء المهام التي تكلفها بها باستدعاء برمجيات وأشخاص آخرين لتنفيذ المطلوب. إضافة إلى هذا، فهو يدعو إلى فرض قوانين تنظيمية صارمة، ولا يعتقد أنها مهمة صعبة التحقيق.

مستقبل يعج بالبرمجيات الذكية

ليس سليمان الشخص الوحيد الذي يدعو إلى مستقبل يعج بالمزيد من البرمجيات الذاتية التحكم. لكنه -وعلى عكس معظم الآخرين- يمتلك شركة جديدة تصل قيمتها إلى عدة مليارات من الدولارات، وهي شركة إنفليكشن (Inflection) التي تتضمن مجموعة من أفضل الكفاءات المُستَقطبة من ديب مايند وميتا (Meta) وأوبن أيه آي (OpenAI) إضافة إلى أحد أكبر المخزونات من التجهيزات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في العالم، بفضل صفقة مع شركة إنفيديا (Nvidia). ويبدو أن سليمان قرر أن يستثمر أمواله في تحقيق هذه الطموحات التي يتحدث عنها، فقد قال لي إنه ليس مهتماً بالمال، لكنه يرغب في تحقيق المزيد من الأرباح في الوقت نفسه.

يؤمن سليمان على نحو قاطع بدور التكنولوجيا في تحقيق الخير للجميع منذ أن تحدثنا أول مرة في أوائل العام 2016 على الأقل. في ذلك الحين، كان قد أطلق للتو شركة ديب مايند هيلث (DeepMind Health)، وعقد شراكات بحثية مع بعض المؤسسات الإقليمية التي تديرها الحكومة البريطانية لتقديم الرعاية الصحية.

كانت المجلة التي كنت أعمل لصالحها في ذلك الوقت على وشك نشر مقالة تزعم أن ديب مايند أخفقت في الامتثال لقوانين حماية البيانات عندما استخدمت سجلات تعود إلى 1.6 مليون مريض تقريباً للإعداد لهذه الشراكات، وهي مزاعم دعمها تحقيق حكومي. لم يجد سليمان سبباً يدعونا إلى نشر مقال سلبي حول جهود شركته لتحسين الرعاية الصحية. وقد قال لي إنه كان يرغب طوال حياته في أن ينجز عملاً خيراً يفيد العالم.

مصدر الصور: إنفليكشن

اقرأ أيضاً: مصطفى سليمان: طورت اختبار تورينغ لمعرفة قدرة الذكاء الاصطناعي على جني مليون دولار

الهدف: إفادة العالم

في السنوات السبع التالية لهذا الاتصال، لم تتغير المهمة الحالمة التي وضعها سليمان لنفسه قيد أنملة. وقد قال لي رائد الأعمال البريطاني في اتصال عبر منصة زوم (Zoom) من مكتبه في مدينة بالو ألتو، حيث يمضي حالياً معظم وقته: “لم يكن الهدف قط سوى إفادة العالم”.

ترك سليمان ديب مايند وانتقل إلى جوجل لقيادة فريق يعمل على سياسات الذكاء الاصطناعي. وفي 2022، أسس شركة إنفليكشن، وهي إحدى أشهر شركات الذكاء الاصطناعي الجديدة، وتعمل بدعم يبلغ 1.5 مليار دولار من الاستثمارات من مايكروسوفت وإنفيديا وبيل غيتس ومؤسس منصة لينكد إن (LinledIn) ريد هوفمان. في وقتٍ سابق من هذا العام، أطلق برنامج باي (Pi) المنافس لتشات جي بي تي (ChatGPT)، ويتسم هذا البرنامج بميزة فريدة (وفقاً لسليمان) وهي أنه لطيف ومهذب. إضافة إلى ذلك، شارك سليمان في تأليف كتاب حول مستقبل الذكاء الاصطناعي مع الكاتب والباحث مايكل باشكار، ويحمل عنوان “الموجة المقبلة: التكنولوجيا والنفوذ والمعضلة الكبرى في القرن 21” (The Coming Wave: Technology, Power, and the 21st Century’s Greatest Dilemma).

قد يجد الكثيرون أن التفاؤل التكنولوجي الذي يتسم به سليمان مثير للسخرية، بل وأقرب إلى السذاجة. على سبيل المثال، يبدو أنه بالغ كثيراً في بعض مزاعمه حول نجاح القوانين التنظيمية المتعلقة بالإنترنت. غير أنه لا يزال صادقاً وملتزماً للغاية بقناعاته.

لا شك أن خلفية سليمان ليست مألوفة بالنسبة لمليونيرات التكنولوجيا. فعندما بلغ من العمر 19 عاماً، ترك الجامعة لتأسيس “مسلم يوث هيلبلاين” (Muslim Youth Helpline)، وهي خدمة استشارة هاتفية. إضافة إلى هذا، كان يعمل في الحكومة المحلية. ويقول إنه جلب الكثير من القيم التي وجّهت أداءه في تلك الأعمال معه إلى إنفليكشن. أمّا الفرق فهو أنه أصبح الآن، على الأرجح، في موقع يُتيح له إحداث التغييرات التي لطالما رغب فيها، سواء في سبيل الخير أو غيره.

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند تطلق أداة لإضافة العلامات المائية إلى الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي

خضعت المقابلة التالية لبعض التعديلات بهدف الإيجاز وزيادة الوضوح.

كانت بدايات حياتك المهنية في خط مساعدة الشباب والعمل في الحكومة المحلية أبعد ما يكون عن التألق وأجواء وادي السيليكون. من الواضح أن هذه المسائل مهمة بالنسبة إليك، فقد أمضيت منذ ذلك الحين 15 سنة في مجال الذكاء الاصطناعي، وشاركتَ هذه السنة في تأسيس شركتك الثانية المختصة بالذكاء الاصطناعي التي تبلغ قيمتها المليار دولار. هلا وضحت لنا المسار الذي اتبعته؟

لطالما كنت مهتماً بالنفوذ والسياسة وما إلى ذلك. فمبادئ حقوق الإنسان هي أقرب ما يكون إلى تسويات، وهي عبارة عن تجاذبات متواصلة بين تلك العوامل المختلفة المتضاربة جميعها. وأستطيع أن أرى أن البشر كانوا في حالة صراع متواصل، فنحن نحمل الكثير من التحيزات الخاصة بنا، والثغرات في معرفتنا. يتسم عمل الناشطين وعمل الحكومات المحلية والوطنية والدولية وغيرها بالبطء وضعف التأثير والعرضة للوقوع في الأخطاء.

تخيل لو استطاع البشر العمل دون أخطاء. أعتقد أنه يمكن بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تعكس أفضل ما لدينا من قدرات جماعية بحق، وأن هذه الأنظمة ستتمكن في نهاية المطاف من إجراء مقايضات أفضل وأكثر اتساقاً وإنصافاً، نيابة عنا.

هل ما زال هذا حافزك حتى الآن؟

بطبيعة الحال، بعد أن شاركت في تأسيس ديب مايند، لم أعد مضطراً إلى العمل. ومن المؤكد أنني لست مضطراً إلى تأليف كتاب أو ما شابه. لم يكن المال دافعاً بالنسبة إلي على الإطلاق. بل كان مجرد نتيجة جانبية على الدوام.

بالنسبة إلي، لم يكن هدفي قط سوى إفادة العالم، ودفعه إلى التطور بصورة سليمة ومرضية. وحتى في 2009، عندما بدأت بدراسة مسألة الدخول في مجال التكنولوجيا، أدركت أن الذكاء الاصطناعي يمثّل طريقة دقيقة وعادلة لتقديم الخدمات على مستوى العالم.

لا يسعني سوى أن أعتقد أن قول شيء كهذا كان أسهل قبل 10 أو 15 سنة، قبل أن نكتشف الكثير من سلبيات هذه التكنولوجيا. كيف تمكنت من الحفاظ على تفاؤلك؟

أعتقد أننا نبالغ في اهتمامنا بتصنيف الناس إلى متفائلين ومتشائمين. وهي طريقة متحيزة للغاية للنظر إلى الأشياء. لا أريد أن أنتمي إلى أي من هاتين الفئتين. بل أريد أن أكون قادراً على رؤية الفوائد والمخاطر على نحو موضوعي وحيادي. ووفقاً لوجهة نظري، يمكننا أن نرى بوضوح أن كل خطوة نحقق فيها التقدم في مجال هذه النماذج اللغوية الكبيرة تجعلها أكثر قابلية للتحكم فيها.

لهذا، منذ سنتين، كان التصور العام -الذي أخطأت في تقبله في ذلك الحين- يجزم على نحو قاطع بأن هذه النماذج ستنتج نصوصاً مسيئة ومكررة ومتحيزة وعنصرية. لقد اعتبرت هذه النظرة لقطة معبّرة عما سيحدث لاحقاً. أعتقد أن ما يتوقف الناس عن رؤيته هو التقدم على مدى السنوات المتتابعة، ومسار هذا التقدم.

على سبيل المثال، أصبحت لدينا الآن نماذج مثل باي، وهو نموذج قابل للتحكم فيه على نحو مذهل. ومن المستحيل أن تدفع بباي إلى إنتاج أي محتوى عنصري أو معادٍ لأي فئات في المجتمع أو معادٍ للمرأة، أو أي محتوى مسيء آخر. لا يمكنك أن تدفعه إلى تعليمك كيفية إنتاج سلاح بيولوجي أو كيميائي، أو الموافقة على رغبتك في رمي قرميدة على نافذة جارك. لا يمكنك أن تفعل ذلك.

اقرأ أيضاً: كيف ستسرع الخوارزمية الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي من ديب مايند الرموز البرمجية؟

لنتوقف هنا قليلاً. أخبرني كيف تمكنت من تحقيق هذا الأمر، فمن المعروف عادة أنها مشكلة مستعصية على الحل. كيف يمكنك أن تضمن أن نموذج اللغوي الكبير لن يقول أي شيء لا ترغب في أن يقوله؟

لا أرغب بطبيعة الحال أن أطلق أي مزاعم فارغة، ولهذا أرحب بأي محاولة من قبلك للتأكد من صحة هذا الأمر! باي مستعد وجاهز، ويمكنك أن تجرب أي أسلوب ممكن للهجوم عليه. لكن عمليات تجاوز الحماية وحيل الأوامر النصية وغيرها لن تنجح في مواجهة باي. هذا ليس مجرد ادعاء، بل هو حقيقة واقعة.

أمّا فيما يتعلق بكيفية تحقيق هذا الأمر، فلن أفصح عن الكثير من التفاصيل، لأنها فائقة الأهمية. لكن يمكن تلخيص جوهر المسألة في أننا استقطبنا أقوى الفرق في العالم، وهي الفرق التي صممت النماذج اللغوية الكبيرة جميعها في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية. إنهم أشخاص مذهلون، ويعملون في بيئة تشجّع على العمل الجاد إلى أقصى درجة، مع موارد حاسوبية هائلة. ومنذ البداية، وضعنا السلامة على قمة سلم أولوياتنا، ولهذا تمكنا من بناء باي بتصميم ينطوي على درجة أقل بكثير من الإساءات مقارنة بنماذج الشركات الأخرى.

لنأخذ على سبيل المثال، النموذج اللغوي كاراكتر أيه آي (Character.ai) وهو بوت دردشة يُتيح للمستخدمين تشكيل “شخصيات” مختلفة ومشاركتها على الإنترنت حتى يستطيع الآخرون الدردشة معها، فهو يُستخدم في معظم الأحيان لتقمص الأدوار الرومانسية، وقد قررنا منذ البداية أن هذا سيكون ممنوعاً، ولن يكون جزءاً من النموذج. إذا حاولت أن تقول شيئاً مثل “مرحباً يا عزيزي” أو “مرحباً أيها الجميل” لباي، فسوف يصدك على الفور.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للنماذج اللغوية أن تصحح تحيزاتها ذاتياً إذا طلبنا منها ذلك؟

ولكنه سيحافظ على درجة عالية من الاحترام والتهذيب. وإذا بدأت بالتذمر من استيلاء المهاجرين في منطقتك على الوظائف التي كانت متاحة لك، فلن يوبخك باي أو ينبهك بقسوة. بل سيستفهم عن الموضوع ويحاول تقديم الدعم وفهم مصدر هذه النظرة، ويشجّعك بلطف على التعاطف مع الآخرين. باختصار، فإن باي يحمل القيم التي قضيت 20 سنة تقريباً وأنا أفكر فيها.

بمناسبة الحديث عن قيمك ورغبتك في تحسين العالم، لماذا لم تشارك تصميم نموذجك مع الآخرين حتى يتمكنوا من تحسين نماذجهم أيضاً؟

ببساطة، لأنني أيضاً شخص عملي، وأحاول كسب المال. أنا أحاول بناء شركة. لقد جمعت للتو استثمارات بقيمة 1.5 مليار دولار، ويتعين علي أن أدفع ثمن تلك الرقاقات الإلكترونية.

تشهد بيئة الأنظمة المفتوحة المصدر حالياً فترة ازدهار غير مسبوق، وتؤدي عملاً رائعاً، وقد بدأ أفرادها باكتشاف حيل مماثلة. وأنا أفترض على الدوام أنني لن أسبق الآخرين بفترة تزيد على ستة أشهر فقط.

لنعد إلى أهدافك التي تسعى إلى تحقيقها. من الواضح أن النماذج اللغوية الكبيرة هي أكثر التكنولوجيات شهرة وانتشاراً في الوقت الحالي. ولكن، ما الأسباب الأخرى التي تدفعك إلى التركيز عليها والرهان على نجاحها؟

كانت الموجة الأولى من الذكاء الاصطناعي تتمحور حول التصنيف. وقد بين لنا التعلم العميق أنه يمكن تدريب الحاسوب على تصنيف أنواع مختلفة من بيانات المدخلات، أي الصور والفيديو والصوت واللغة. والآن، نحن في موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يمكنك استخدام بيانات المدخلات لإنتاج بيانات جديدة.

أمّا الموجة الثالثة فهي المرحلة التفاعلية. ولهذا، لطالما راهنت منذ فترة طويلة على أن الحوار هو الواجهة المستقبلية لتوجيه التكنولوجيا. فبدلاً من النقر على الأزرار أو الكتابة، سنتفاعل مع الذكاء الاصطناعي بالحوار.

وستكون أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه قادرة على اتخاذ الإجراءات وتنفيذ التعليمات. وسيقتصر دورنا على تزويد هذه الأنظمة بهدف عام وشامل، وستستخدم الأدوات المتاحة لها لتحقيق هذا الهدف. فسوف تتواصل مع أشخاص آخرين وأنظمة ذكاء اصطناعي أخرى. هذا ما نسعى إلى تحقيقه مع باي،

وستكون نقلة ضخمة في قدرات التكنولوجيا، إنها لحظة مهمة للغاية في تاريخ التكنولوجيا، وهي لحظة يستخف الكثيرون بأهميتها. تتسم التكنولوجيا الحالية بطابع جامد، فهي تنفذ ما تطلبه منها، عموماً.

لكن التكنولوجيا ستأخذ الآن شكلاً يتسم بالحيوية. وستعمل وفق مستوى محدد من الحرية التي ستمنحها إياها لاتخاذ الخطوات التي تراها ضرورية. يمثّل بناء هذه الأدوات التي تمتلك هذا القدر من الاستقلالية خطوة كبيرة نحو الأمام في تاريخ الجنس البشري.

اقرأ أيضاً: قدرات غير متوقعة «تنبثق» من النماذج اللغوية الكبيرة

هذا الكلام بالضبط هو ما يُثير قلق الكثيرين. فأنت تريد منح الآلات درجة من الحرية والاستقلالية للتأثير في العالم، وفي الوقت نفسه، نحن نريد أن نكون قادرين على التحكم فيها. كيف يمكن أن تحقق التوازن بين هذين التوجهين؟ يبدو أنها نقطة تجاذب شديد.

أجل، إنه سؤال جيد، وهذا هو موضع التجاذب والخلاف بالضبط.

أي الفكرة التي تقول إن البشر سيبقون في موضع القيادة على الدوام. تتمحور المسألة جوهرياً حول وضع الحدود، أي القيود التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تجاوزها. وضمان قدرة هذه الحدود على توفير الأمان على نحو قابل للإثبات، بدءاً من التعليمات البرمجية الفعلية، وصولاً إلى طريقة تفاعل النظام مع أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى -أو البشر- ودوافع وحوافز الشركات لبناء هذه التكنولوجيا. ويجب أن نحدد كيف يمكن إتاحة الوصول المباشر إلى هذه الأنظمة للمؤسسات المستقلة أو حتى الحكومات، لضمان عدم تجاوز هذه الحدود.

من سيحدد هذه الحدود؟ أفترض أنها ستوضع على المستوى الوطني أو الدولي. وكيف يمكن الاتفاق عليها؟

حالياً، لا تزال هذه الحدود محط جدل على المستوى الدولي، وثمة العديد من المقترحات لتأسيس مؤسسات جديدة للإشراف على هذه المسألة. لكن الحدود ستكون فعّالة على المستويات الصغرى أيضاً. فسوف يمنح الفرد نظام الذكاء الاصطناعي إذناً محدوداً ما لمعالجة بياناته الشخصية، أو تحديد الأسئلة التي يمكنه تقديم الإجابات عنها، والأسئلة التي يتعين عليه أن يمتنع عن الإجابة عنها.

عموماً، أعتقد أنه ثمة قدرات محددة يجب أن نلتزم الحذر إزاءها -دون استبعادها كلياً- في المستقبل المنظور.

مثل ماذا؟

أعتقد أنها تشمل أشياء مثل التحسين الذاتي التكراري. فمن المؤكد أنك لن ترغب في ترك نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك وشأنه ليعمل على تحديث تعليماته البرمجية دون إشرافك. وقد يتعين علينا ربط هذا النشاط برخصة خاصة، تماماً مثل التعامل مع بكتيريا الجمرة الخبيثة أو المواد النووية.

لقد حظرنا إطلاق الطائرات المسيَّرة في الأماكن العامة أليس كذلك؟ فهذا نشاط خاضع للترخيص، ولا يمكنك التحليق بهذه الطائرات حيثما تريد، لأنها تمثّل تهديداً لخصوصية الآخرين.

أعتقد أن الجميع مصابون بالذعر لاعتقادهم بأننا لن نتمكن من تنظيم هذه التكنولوجيا. لكن هذا محض هراء، فسوف نتمكن من تنظيمها بالكامل، وسنطبق أطر العمل نفسها التي أثبتت نجاحها من قبل.

اقرأ أيضاً: هلوسات الذكاء الاصطناعي: ما الذي يدفع النماذج اللغوية لاختلاق المعلومات؟

غير أنه بإمكان الجميع رؤية الطائرات المسيَّرة عندما تحلق في السماء. وسيكون افتراضنا بأن الشركات ستكشف عما تصنعه ببساطة أقرب إلى السذاجة. ألا تتسببُ هذه المسألة بتعقيد عملية التنظيم؟

لقد تمكنا من تنظيم الكثير من الأشياء على الإنترنت، أليس كذلك؟ يتسم مستوى الاحتيال والنشاط الإجرامي على الإنترنت بأنه منخفض للغاية. وقد أبلينا حسناً في مواجهة رسائل الإزعاج (سبام). أمّا مشكلة المواد الإباحية الهادفة إلى الانتقام من الآخرين، فقد أصبحت، عموماً، أقل خطراً بكثير مما كانت عليه قبل ثلاث إلى خمس سنوات. وقد أصبح من الصعب للغاية العثور على محتوى متطرف أو إرهابي على الإنترنت. وينطبق هذا أيضاً على شراء الأسلحة والمخدرات على الإنترنت.

من الجدير بالذكر أن مزاعم سليمان هذه ليست جميعها مدعومة بالأرقام. فما زالت الجرائم السيبرانية مشكلة خطيرة على مستوى العالم. وقد ارتفعت التكلفة الاقتصادية في الولايات المتحدة وحدها إلى أكثر من 100 ضعف خلال العقد المنصرم، وفقاً لبعض التقديرات. وتبين التقارير أن الاقتصاد المرتبط بالمواد الإباحية العميقة التزييف، والمُنتَجة دون إذن الأشخاص الذين يظهرون فيها، وصل إلى مرحلة الازدهار. أمّا المخدرات والأسلحة فهي تُسَوَّق على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى حين تتعرض بعض المنصات على الإنترنت للضغوط لتحسين أدائها في فلترة المحتوى المؤذي، فإنها قادرة على تحسين هذا الأداء إلى درجة كبيرة.

إذاً، ليست الإنترنت مكاناً منفلتاً لا يخضع لأي إدارة، بل إنها منظمة وتخضع للإدارة. وسيكون الذكاء الاصطناعي مجرد عنصر آخر في هذه الإدارة.

سيحتاج الأمر إلى اجتماع عدة عوامل، مثل الضغط الثقافي، وضغط المؤسسات، والتنظيم الحكومي بطبيعة الحال. لكن هذا يدفعني إلى التفاؤل، فقد حققنا النجاح من قبل، وسنتمكن من تحقيقه ثانية.

اقرأ أيضاً: هل ستغير النماذج اللغوية الكبيرة شكل الشركات كما فعلت الأجهزة الذكية قبل عقد؟

سيكون التحكم بالذكاء الاصطناعي مجرد وظيفة متفرعة عن إطار تنظيم الإنترنت، إنها فكرة أكثر تفاؤلاً بكثير من الفكرة التي سمعناها من عدة شخصيات مهمة ومتشائمة مؤخراً.

أنا مدرك تماماً للمخاطر. وثمة العديد من السلبيات التي أفكر فيها. وأنا أراها من دون شك. لكنني أظن أن الأفكار المتعلقة بالخطر الوجودي لم تكن سوى مصدر تشتيت يعبّر عن جنون كامل. فهناك العشرات من المسائل الأقرب إلى الواقع، التي يجب أن تكون محط اهتمامنا وحوارنا جميعاً، بدءاً من الخصوصية وصولاً إلى التحيز وأنظمة التعرف على الوجوه ومراقبة المحتوى على الإنترنت.

ويجب فقط أن ننقل تركيز الحوار، ببساطة، إلى الحقيقة الواقعة التي تقول إننا حققنا نجاحاً باهراً في تنظيم مسائل معقدة للغاية. لنتحدث مثلاً عن إدارة الطيران الفيدرالية، فمن المذهل أننا نركب جميعاً في تلك الأنابيب المعدنية الضخمة على ارتفاع يتجاوز 12 ألف متر، وأن هذه الطائرات، على الرغم من ذلك، ما زالت إحدى أكثر وسائل النقل أماناً. لماذا لا نعطي هذا الإنجاز ما يستحقه من الاحتفاء والتقدير؟ أمّا السيارات، فكل قطعة فيها تخضع لأشد الاختبارات قسوة، وتتطلب قيادتها الحصول على رخصة خاصة.

لقد تمكن بعض الصناعات والقطاعات، مثل شركات الطيران، من إنجاز عمل رائع في تنظيم نفسها بنفسها منذ البداية. فقد أدركت أنها إذا لم تلتزم بأعلى معايير السلامة، فسوف يخاف الجميع من الركوب في الطائرات، ما يؤدي إلى إفلاس هذه الشركات.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم كيف يخدع البشر؟

لكن التنظيم المتدرج من القمة إلى القاعدة ضروري أيضاً. أنا أحب الدول والأمم. وأؤمن بالصالح العام، وفوائد الضرائب وإعادة توزيع الثروات، وبقوة القانون. وما أدعو إليه هو اتخاذ الدول والأمم ما يلزم من إجراءات لتنظيم هذه المسألة الشائكة. ونظراً لجدية المسألة، أعتقد أن الوقت قد حان للبدء بالعمل.