سام ألتمان يستثمر 180 مليون دولار في شركة تحاول تأخير الموت

12 دقيقة
سام ألتمان يستثمر 180 مليون دولار في شركة تحاول تأخير الموت
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت. إم آي تي تي آر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما بدأت شركة ناشئة تحمل اسم ريترو بايوساينسز (Retro Biosciences) بالخروج التدريجي من وضع العمل السري في منتصف عام 2022، أعلنت عن جمعها مبلغ 180 مليون دولار لتمويل مهمة جريئة: إضافة 10 سنوات إلى العمر البشري المتوقع وسطياً. اتخذت الشركة مقراً لها في مستودع فارغ قرب سان فرانسيسكو قبل سنة من هذا الإعلان، وقامت بتثبيت حاويات شحن على الأرض الخرسانية للإسراع بإنشاء مختبرات للعلماء الذين اجتذبتهم للعمل فيها.

تقول ريترو إنها “ستشجّع على تسريع العمل” و”تقليص الزمن اللازم لإدخال التعديلات على الأبحاث القائمة” في إطار “مهمة اندفاعية” لتأخير الشيخوخة، بل وربما عكس آثارها. ولكنها حافظت على غموضها فيما يتعلق بمصادر الأموال التي حصلت عليها. ففي ذلك الوقت، كانت “شركة ناشئة غامضة ما زال مستثمروها مجهولين”، وذلك وفقاً لتقارير صحفية.

أما الآن، فيمكن لإم آي تي تكنولوجي ريفيو أن تكشف عن مصدر الأموال بأكملها، وهو سام ألتمان، أحد أبرز المختصين والمستثمرين في مجال الشركات الناشئة، والرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي.

يمضي ألتمان كامل وقته تقريباً في أوبن أيه آي، وهي شركة الذكاء الاصطناعي التي أدّت بوتات الدردشة وبرامج الفن الإلكتروني التي صممتها إلى إحداث هزات كبيرة في عالم التكنولوجيا بفضل قدراتها التي تكاد تضاهي قدرات البشر.

ولكن أموال ألتمان مسألة أخرى تماماً. ويقول إنه أفرغ حسابه المصرفي تماماً كي يمول هدفين آخرين مختلفين تماماً ولكنهما على المستوى نفسه من الطموح: الطاقة غير المحدودة وإطالة العمر.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع البروفيسور جوزيبي موتشي: هل يمكن للخلايا الجذعية أن تعيد إليك شبابك؟

ويتجسد أحد هذين المشروعين بالشركة الناشئة التي تعمل على الطاقة الاندماجية، هيليون إينرجي (Helion Energy)، والتي قدّم لها أكثر من 375 مليون دولار، كما أخبر محطة سي إن بي سي (CNBC) في 2021. أما الشركة الأخرى فهي ريترو، والتي قدّم لها ألتمان عدة دفعات مالية وصل مجموعها إلى 180 مليون دولار خلال السنة ذاتها.

“إنها مبالغ كبيرة، ولقد قمت بإفراغ كامل سيولتي المالية، وضخها في هاتين الشركتين”، كما يقول ألتمان”.

لم يتم الإعلان عن استثمار ألتمان في ريترو من قبل. ويعتبر هذا الاستثمار من أكبر الاستثمارات الشخصية في شركة ناشئة تعمل على إطالة عمر الإنسان، على الإطلاق.

لطالما كان ألتمان أحد أبرز الشخصيات في وادي السيليكون، حيث كان يدير حاضنة الشركات الناشئة واي كومبينيتور (Y Combinator) في سان فرانسيسكو. ولكنه حقق شهرة عالمية مع إطلاق أوبن أيه آي تشات جي بي تي (ChatGPT)، وهو برنامج قادر على كتابة القصائد والإجابة عن الأسئلة.

وبفضل هذا الإنجاز الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي، وفقاً لمجلة فورتشن (Fortune)، تحولت الشركة التي لا يتجاوز عمرها السنوات السبع إلى “عضو غير متوقع في نادي القوى العظمى التكنولوجية”. لقد التزمت مايكروسوفت (Microsoft) باستثمار 10 مليارات دولار، أما ألتمان، والذي يبلغ عدد متابعيه على تويتر (Twitter) 1.5 مليون متابع، فهو يعمل على ترسيخ سمعته كشخص يحقق إنجازات ضخمة، وابتكارات يبدو أنها تحدث تغييرات جذرية ومؤكدة في المجتمع.

وعلى الرغم من أن ألتمان غير موجود على قائمة المليارديرات لمجلة فوربس (Forbes)، فهو ثري للغاية دون شك. فاستثماراته واسعة النطاق تتضمن عمليات شراء مبكرة في شركات مثل سترايب (Stripe) وإير بي إن بي (Airbnb).

ويقول: “لقد كنت من أوائل المستثمرين في المراحل المبكرة للشركات التكنولوجية في أعظم صعود للسوق في التاريخ”.

اقرأ أيضاً: جديد المصممين: أطراف اصطناعية تبدو من عالم مارفل السينمائي

تكنولوجيا صعبة

والآن، قرر أن يوجّه رأس ماله للعمل على مستوى يصفه بأنه أعلى “بمراحل” مما كان قادراً عليه خلال فترة عمله في واي كومبينيتور. وقد كان يركّز هذه الاستثمارات في بضعة مجالات تكنولوجية يعتقد أنها يمكن أن تحدث أكبر تأثيرات إيجابية على حياة البشر: الذكاء الاصطناعي، والطاقة، والتكنولوجيا الحيوية المضادة للشيخوخة.

وتطمح شركة هيليون، الموجودة في مدينة إيفيريت بواشنطن، إلى السيطرة على تصادم الذرات للحصول على “مصدر غير محدود للطاقة النظيفة”. وتهدف ريترو إلى إطالة حياة البشر باكتشاف كيفية تجديد حيوية الجسم البشري، وذلك وفقاً لأحد مؤسسيها ورئيسها التنفيذي، رائد الأعمال جو بيتس لاكروا.

وتمثّل جميع هذه الشركات، بما فيها أوبن أيه آي، صنفاً من الشركات الناشئة التي يصفها ألتمان بأنها “صعبة”، وهي التي تتطلب استثمارات ضخمة لتحقيق إنجازات علمية كبيرة وإتقان التكنولوجيات المعقدة. وبالنسبة لألتمان، فإنها نقلة كبيرة من دعم التطبيقات سريعة النمو ومؤسسيها خلال فترة ازدهار الويب 2.0 إلى دعم العلماء الذين يعملون على الأبحاث طويلة الأمد.

اقرأ أيضاً: تجارب جينية خطيرة لإطالة عمر الإنسان بمدينة من نوع خاص

تحتاج الشركات العلمية الصعبة إلى تمويل أكبر، ولكن ألتمان يعتقد أن أهدافها الكبيرة أكثر قدرة على اجتذاب المهندسين الموهوبين وأصحاب الكفاءات. وقد نشر مؤخراً في إحدى تغريداته اقتباساً من المهندس المعماري الذي يعود إلى الحقبة الفيكتورية، دانييل بورنام: “لا تجعل خططك صغيرة، فالخطط الصغيرة لا تحمل السحر الذي يُثير حماسة البشر”.

وعلى حين يبدو الاندماج أو إطالة العمر مشاريع صعبة المنال (يقول بعض الباحثين إنها مستحيلة عملياً)، فإن الجميع تفاجؤوا برؤية نظام ذكاء اصطناعي قادر على النجاح في امتحان كلية طبية في 2023، كما فعل نظام تشات جي بي تي القادر على الإجابة عن الأسئلة من أوبن أيه آي في هذه السنة. وفي الواقع، يقول ألتمان إن احتمال نجاح الشركات الناشئة الصعبة أكبر من احتمال نجاح الشركات الناشئة “السهلة”. ويعود هذا إلى وجود أعداد كبيرة من الشركات الناشئة التي تقدّم تطبيقات لمشاركة الصور، أما الشركات القادرة على بناء مفاعلات اندماجية تجريبية فهي قليلة للغاية.

اقرأ أيضاً: كيف ستحل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد معضلة التبرع بالأعضاء؟

رفع المستوى

يقول ألتمان إنه كان يستثمر في مجالات تجعله يعتقد أن التكنولوجيات التي تبدو مستحيلة حالياً قد تحقق النجاح في وقت قريب نسبياً. وهو ما حدث في أوبن أيه آي، والتي تم تأسيسها في 2015. فقد بدأت الشركة بالعمل على أحد أنواع برامج التعلم الآلي، والمسمى بالمحوِّل، وقامت برفع مستواه تدريجياً، وأنفقت أكثر من مليار دولار لشراء وقت تشغيل الحواسيب اللازمة لبناء منتجاتها.

وتستطيع البرامج الناتجة، خلال ثوانٍ معدودة، بناء صور ومقاطع نصية معقدة تبدو كأنها من إنتاج البشر. وقد قال ألتمان مؤخراً لريسكيل (Rescale): “لدينا خوارزمية قادرة على التعلم، ويبدو أن مستواها يرتفع مع زيادة العمل الحاسوبي”.

أما في حالة الطاقة الاندماجية، فقد رأى ألتمان توجهاً نحو استخدام مغانط أكبر حجماً وأكبر قدرة. وتكمن أهمية المغانط في قدرتها على تثبيت دوامة تبلغ حرارتها 100 مليون درجة من البلازما الساخنة في قلب المفاعل. ويقول ألتمان إنه استثمر في البداية 10 ملايين دولار تقريباً في هيليون، ولكنه زاد استثماره لاحقاً حيث “أصبح أكثر ثقة في إمكانية تحقيق النجاح”.

وعلى الرغم من أن التفاعل الاندماجي لم يحقق النجاح حتى الآن (فالمفاعلات تستهلك من الطاقة أكثر مما تنتجه)، فقد كان يحث هيليون على وضع خطط لكيفية بناء عدة مفاعلات يومياً، وهو أمر ضروري إذا كانت الطاقة الاندماجية ستحل محل طاقة الفحم والغاز.

“لقد كان الأسلوب الأساسي في حياتي المهنية رفع مستوى العمل، ومراقبة ما سيحدث”، كما يقول ألتمان.

اقرأ أيضاً: حرب تكنولوجيّة تلوح في الأفق: هل يمكن للبشرية تخطي الموت؟

دماء شابة

منذ ثماني سنوات تقريباً، أصبح ألتمان مهتماً بما يسميه أبحاث “الدماء الشابة”. وفي هذه الدراسات، كان العلماء يصلون الأنظمة الدموية للفئران اليافعة والمتقدمة في السن بعضها ببعض لدراسة ما سيحدث إذا تشاركت هذه الفئران الجهاز الدموي ذاته. وكانت المفاجأة أن هذه العملية تسببت، على ما يبدو، بتجديد حيوية الفئران المتقدمة في السن بصورة جزئية.

ومع أن هذه التجربة مروعة، إلا أنها بسيطة للغاية أيضاً. في ذلك الوقت، كان ألتمان مدير واي كومبينيتور، وطلب من فريقه دراسة التقدم الذي حققه علماء مكافحة الشيخوخة.

ويقول: “لقد شعرت بأنها نتيجة غير متوقعة، كما وجدنا نتيجة أخرى غير متوقعة أيضاً، وبالتالي، بدا لي أن شيئاً ما قد يحدث، ومن المحتمل أنه ثمة سر سيكون إيجاده أسهل من المتوقع”.

في 2018، أطلقت واي كومبينيتور دورة تدريبية خاصة لشركات التكنولوجيا الحيوية، ودعت الشركات التي “تعمل على مشاريع ثورية لمكافحة الشيخوخة” إلى التسجيل فيها، ولكن بعد فترة قصيرة، ابتعد ألتمان عن واي كومبينيتور للتركيز على دوره المتنامي في أوبن أيه آي.

وبعد ذلك، في 2020، أثبت باحثون في كاليفورنيا أنه يمكن تحقيق أثر مماثل للدماء الشابة، وذلك بالاستعاضة عن بلازما دماء الفئران المتقدمة في السن بالماء المالح والألبومين. وهو ما يشير إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في دماء الفئران المتقدمة في السن. وبتخفيف كثافته (مع السموم الموجودة فيه) وحسب، يمكن للطب أن يقترب خطوة إضافية من العثور على دواء للشيخوخة.

وفي هذه الدراسات، كان العلماء يصلون الأنظمة الدموية للفئران اليافعة والمتقدمة في السن بعضها ببعض لدراسة ما سيحدث إذا تشاركت هذه الفئران الجهاز الدموي ذاته. وكانت المفاجأة أن هذه العملية تسببت، على ما يبدو، بتجديد حيوية الفئران المتقدمة في السن بصورة جزئية.

ويستذكر بيتس لاكروا، والذي كان شريكاً مختصاً بالتكنولوجيا الحيوية بدوام جزئي في واي كومبينيتور، وما زال يدير لقاءً لهواة تكنولوجيا إطالة العمر: “اتصل سام بي وقال: يا للهول –هذا ليس ما قاله بالضبط، فقد أعدت صياغة الكلام- هل رأيت هذه الورقة البحثية حول العلاج باستخدام البلازما؟”

ووافقه بيتس لاكروا على أنها كانت رائعة، وأنه يجب أن تقوم شركة ما بالعمل عليها. فرد ألتمان: “ما رأيك إذا قدمت لك التمويل لتقوم بهذا بنفسك؟”

ولكن بيتس لاكروا كان قد بدأ بالعمل على فكرة مختلفة. فقد انتهى للتو من تصفية شركة سابقة، وهي شركة فايوم (Vium)، والتي حاولت “رقمنة” مستعمرات الفئران، وذلك باستخدام الكاميرات والذكاء الاصطناعي لمراقبة التجارب. وتمكنت فايوم من جمع أكثر من 50 مليون دولار، ولكنها لم تحقق النجاح. وفي ذلك العام، تم ضمها إلى شركة تكنولوجيا حيوية أخرى، حيث دفعت تلك الشركة 2.6 مليون دولار للحصول على أصول فايوم.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

وكانت خطة بيتس لاكروا الجديدة تقوم على إطلاق شركة للعمل على إعادة البرمجة الخلوية، وهي فكرة رائجة أخرى، وتتضمن عدة تقنيات لتجديد شباب الخلايا عبر الهندسة الجينية. وكان قد عقد شراكة مع الباحث الصيني شينغ دينغ، والذي طوّر أساليب جديدة لإعادة برمجة الخلايا. كما فكر بيتس لاكروا أيضاً بأن العمليات التي تقوم بها الخلايا للتخلص من السموم (والمعروفة باسم الالتهام الذاتي) يمكن أن تمثّل مجالاً مهماً للدراسة.

ورد ألتمان قائلاً: “لِمَ لا تقوم بكل هذه الأشياء؟”

“سأفعل ذلك. سأبني شركة متعددة البرامج تركّز على بيولوجيا الشيخوخة كاتجاه عام لها”، كما يستذكر بيتس لاكروا. “وأجاب قائلاً: رائع، لنقم بذلك”.

كانت الشركة بحاجة إلى الكثير من المال بما يكفي للحفاظ على مواصلتها العمل البحثي سبع أو ثماني سنوات على الأقل، والصمود في وجه المشكلات، والتغلب عليها. كما ستحتاج إلى العمل بسرعة. عادة ما يتم اتخاذ قرارات الإنفاق في الكثير من الشركات الناشئة المختصة بالتكنولوجيا البيولوجية من قبل مجلس من المدراء، ولكن في ريترو، تنحصر سلطة اتخاذ القرار ببيتس لاكروا.  ويقول: “ليست لدينا بيروقراطية، فالبيروقراطية محصورة بي شخصياً”.

وعلى سبيل المثال، بدلاً من انتظار فراغ بعض المختبرات -وهي ليست بهذه الكثرة- قام بيتس لاكروا بملء مستودع بهذه المختبرات مسبقة الصنع التي يبلغ عددها 40 مختبراً مصنوعة من حاويات السفن. وهذا يعني أن الشركة أصبحت جاهزة لإجراء أولى تجاربها بسرعة، بما في ذلك تكرار بعض التجارب المتعلقة بالبلازما على الفئران. وفي السنة الماضية، قدم بيتس لاكروا بعض النتائج الأولية في أحد الاجتماعات، وقال إن الفئران التي حصلت على البلازما البديلة بدت أكثر قوة بعد العلاج بالفعل.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تطوير أدوية خاصة تستهدف الساعات البيولوجية لدى البشر وتحسن صحتهم؟

شركة ناشئة غامضة

يقوم طاقم ريترو بإيداع المذكرات كل أسبوع حول النجاحات والإخفاقات في التجارب المخبرية. ويقول بيتس لاكروا إنه يمضي عطلة نهاية الأسبوع في أغلب الأحيان في إجراء الاتصالات الهاتفية مع ألتمان وإبلاغه بالنتائج، والحصول في بعض الأحيان على بعض الاقتراحات منه.

ولكن مساهمة ألتمان في الشركة كانت سرية حتى الآن. وهو قرار اتخذه بيتس لاكروا، والذي رغب بأن يدع ريترو تشق طريقها بنفسها. وقد وافقه ألتمان على هذا الرأي، بما أنه يحاول “أن يكون حريصاً للغاية على ألا يطغى بحضوره على الرؤساء التنفيذيين الذين أعمل معهم”.

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية إعادة البرمجة الوراثية وهل يمكن استخدامها لإطالة عمر البشر؟

عندما أخرج بيتس لاكروا الشركة من وضع العمل السري في منتصف العام 2022، وذلك عبر سلسلة من التغريدات، لم يكشف علناً عن المبالغ المالية التي قدمها ألتمان إلى الشركة في العام السابق، وبدلاً من ذلك، قال إنه كان “محظوظاً بالحصول على تمويل أولي بقيمة 180 مليون دولار”، وهو تمويل “سيحمي” عمليات الشركة بقية هذا العقد خلال سعيها إلى تحقيق “أول إثبات عملي” لإطالة العمر.

موظفو ريترو بايو يجلسون على حاويات الشحن التي توجد مختبراتهم داخلها
جو بيتس لاكروا، الرئيس التنفيذي لريترو بايوساينسز، متخذاً وضعية التصوير مع بعض أفراد طاقم الشركة فوق حاويات الشحن التي تستخدمها الشركة كمختبرات. مصدر الصورة: ريترو بايو

أما السبب الآخر فهو أن اسم ألتمان يمكن أن يسبب التشويش، كما يقول البعض من المطلعين على أسلوب عمل الشركة. فقد كان مشهوراً دون شك، ولكن للأسباب غير المناسبة. وعلى الرغم من أن مكانة ألتمان في عالم الشركات الناشئة لا تضاهى، فإن سمعته تكاد تكون معدومة في أوساط مختبرات البيولوجيا وشركات الأدوية، وهي أوساط تولي أهمية فائقة للسجل العلمي للشخص.

تقول إيرينا كونبوي، وهي باحثة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وحازت إعجاب ألتمان إلى درجة كبيرة بفضل أبحاثها في مجال البلازما: “لم أسمع باسم سام ألتمان من قبل”. وعلى الرغم من أنها سمعت ببيتس لاكروا في إطار العمل على إطالة العمر، فإنها تقول إنها حضرت غداء رسمياً لمناقشة العمل، وقالت له إنها تركز على الاكتشافات العلمية.

تقول كونبوي: “إن 100 مليون رقم وحسب، وليس إنجازاً علمياً خارقاً”.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن ينجح التعديل الجيني في علاج أكثر الأمراض فتكاً في العالم؟

تغطية صحافية سلبية

لا تخلو أي تكنولوجيا من المخاطر. ففي حالة الذكاء الاصطناعي، تتمثل هذه المخاطر ببوتات الدردشة التي تُطلق الأكاذيب وتنشر المعلومات المزيفة. أما بالنسبة لتجديد الشباب، إذا أصبح ممكناً، فأحد الجوانب السلبية التي غالباً ما يتم التحدث عنها هو المشاعر السلبية للعامة، خصوصاً إذا كانت هذه العلاجات ستصبح متاحة فقط للأثرياء في البداية، مثل ألتمان نفسه. ووفقاً لريترو، فقد تتحول في نظر الكثيرين إلى مجرد مشروع طموحات واهمة لملياردير أناني إذا أصبحت مساهمة ألتمان معروفة وعلنية.

وهذه المخاوف كان لها ما يبررها بالفعل. ففي 2016، وبعد أن عبر بيتر ثييل –وهو أحد معلمي ألتمان- عن رغبته في إجراء عمليات نقل دم لمكافحة الشيخوخة، تعرض إلى سخرية وسائل الإعلام التي وصفته بأنه مصاص دماء يبحث عن ضحاياه بين الشباب. وبعد سنة، زاد مسلسل سيليكون فالي (Silicon Valley) الهزلي في محطة إتش بي أو (HBO) من السخرية بحلقة تحمل اسم بلود بوي (Blood Boy) أو (رجل الدماء). وفي هذه الحلقة، يحضر رئيس تنفيذي تخيلي أحد الاجتماعات فيما عروقه متصلة برجل شاب وسيم تم تقديمه في الحلقة على أنه “المساعد المخصص لنقل الدم”.

وفي لقاء عُقد في أوروبا الصيف المنصرم، قال بيتس لاكروا للحضور: “لا نرغب في أن ندفع بالمليارديرات كبار السن إلى دفع الأموال للمتبرعين بالبلازما”. وبدلاً من ذلك، كما قال، تأمل الشركة بأن تعثر على بدائل أكثر “سهولة”، مثل الأدوية التي تحاكي تأثيرات استبدال الدم، ويمكن استخدامها من قبل الملايين من الناس.

وأضاف: “لا نرغب في التمييز ضد المليارديرات، ولكننا لا نريد علاجات مكلفة للغاية وغريبة وصعبة التطبيق”.

أما ألتمان، فهو يقول إن نظامه الشخصي لمكافحة الشيخوخة يقوم على “محاولة تناول الطعام الصحي، وممارسة التمارين الرياضية، والحصول على قسط كافٍ من النوم”، إضافة إلى تناول الميتفورمين، وهو عقار يستخدمه مرضى السكري، وحاز شعبية واسعة في أوساط وادي السيليكون استناداً إلى النظرية القائلة بأنه قد يكون قادراً على الحفاظ على صحة الناس لفترة أطول. يقول ألتمان: “آمل أن أستخدم أحد علاجات ريترو يوماً ما!”.

اقرأ أيضاً: كيف تغيّر التكنولوجيا الحديثة مستقبل الرعاية الصحية الرقمية؟

أوبن أيه آي لإطالة العمر

من الأسباب التي تجعل أبحاث مكافحة الشيخوخة تبدو مجالاً واعداً للاستثمار، عدم اجتذابها للكثير من التمويل من قبل، قياساً بحجم المشكلة التي تسعى إلى حلها على أقل تقدير. وتمثّل الرعاية الصحية خُمس الناتج المحلي الإجمالي الأميركي تقريباً، والذي يبلغ 4.3 تريليونات دولار وفقاً لمراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية، ويتم إنفاق نسبة كبيرة من هذا المبلغ على علاج كبار السن. وتقول إحدى وجهات النظر واسعة الانتشار بين باحثي إطالة العمر إنه إذا أمكن تأخير الشيخوخة باستخدام دواء ما، فمن الممكن أن يساعد هذا على تأخير الإصابة بعدة أمراض، بما فيها السرطان وأمراض القلب.

ولتحقيق أثر واسع الانتشار قدر الإمكان، كما يقول بيتس لاكروا، فهو يبحث عن علاجات يمكن توسيع نطاقها للوصول إلى “الملايين أو المليارات من البشر”.

وأضاف: “لا نرغب في التمييز ضد المليارديرات، ولكننا لا نريد علاجات مكلفة للغاية وغريبة وصعبة التطبيق”.

بيتس لاكروا

ولكن، وبحلول وقت خروج ريترو من وضع العمل السري، كانت مشاريع مكافحة الشيخوخة تمر بمرحلة من الشعبية الكاسحة. فقد قالت الحكومة السعودية إنها ستقدّم مليار دولار من المنح سنوياً، كما تم تشكيل مؤسسة تحمل اسم ألتوس لابز (Altos Labs) بتمويل تقول إنه يبلغ 3 مليارات دولار. كما اجتذبت مستثمرين من الشخصيات الشهيرة، مثل يوري ميلنر، ووفقاً لبعض المصادر، جيف بيزوس.

ومقارنة بتلك الاستثمارات، يبدو استثمار ألتمان صغيراً نسبياً الآن، بل إن ريترو تبدو منافساً صغيراً وطموحاً بين مجموعة من المنافسين الكبار. ويتضمن أحد مشاريعها اختبار تقنيات تجديد الحيوية على الخلايا التائية، وهي جزء من النظام المناعي، وتقوم بدور مهم في مكافحة الالتهابات وتجويع الخلايا السرطانية. وتُعتبر هذه الخلايا مفيدة على نحو خاص لأنه يمكن إزالتها، وتجديد حيويتها في المختبر، وإعادتها إلى المريض بعد ذلك. ولكن بعض الشركات الناشئة الأخرى أعلنت عن أهداف مماثلة، بما فيها ألتوس ونيوليميت (NewLimit)، وهي شركة تكنولوجيا حيوية أطلقها ملياردير العملات المشفرة برايان أرمسترونغ في العام الماضي. أما المنافسة على الكفاءات البحثية فتتخذ طابعاً حاداً على نحو خاص. فقد تمكنت ألتوس من اجتذاب نصف العلماء المهمين في مجال إعادة برمجة الخلايا عندما أقنعت أكثر من عشرين أستاذاً جامعياً بترك وظائفهم، وقدّمت لهم رواتب بقيمة ملايين الدولارات، إضافة إلى حوافز أخرى.

اقرأ أيضاً: كيف يحاول العلماء تجديد شبابك؟

ولكن بيتس لاكروا تمكن من اجتذاب بعض الكفاءات المميزة أيضاً. وعلى سبيل المثال، وفي السنة الماضية، توجه بالطائرة إلى سويسرا لإقناع أليخاندرو أوكامبو بالعمل لديه، وهو باحث في جامعة لوزان، وأسهمت تجاربه الأولى لتجديد حيوية الفئران في 2016 في إطلاق حمى الاستثمارات الحالية في مجال إطالة العمر.

يقول أوكامبو، والذي قدّر هذه المبادرة، ووافق لاحقاً على أن يصبح مستشاراً مدفوع الأجر للشركة: “لقد شعرت بالسعادة لأن جو تكلف عناء الرحلة إلى هنا لرؤيتي شخصياً”.

ويضيف قائلاً إن بيتس لاكروا كان منفتحاً إزاء وجهة نظره، والتي تقول إن عكس آثار الشيخوخة لدى البشر لن يتحقق في أي وقت قريب. وقد ركزت بعض تجارب أوكامبو الحديثة على السبب الذي يجعل إعادة البرمجة -وهي الطريقة التي يدرسها- تؤدي حتى في بعض الأحيان إلى قتل الفئران بدلاً من إطالة عمرها. يقول أوكامبو: “يعتقد بعض المتفائلين أننا سنكشف أسرار الخلود خلال عشر سنوات، كما يعتقد بعض المتشائمين أننا لن ننجح في إطالة عمر الإنسان على الإطلاق. ولكنني واقعي، وحسب رأيي الشخصي فإن الجميع يفضل إجراء التجارب السهلة والسريعة، ولن يوصلنا هذا إلى تحقيق نتائج مهمة. لن يكون هذا العمل طريقاً سهلاً”.

اقرأ أيضاً: تجميد الجثث بالتبريد: من أفلام الخيال العلمي إلى المختبرات الطبية

يقول أوكامبو إن بيتس لاكروا أقنعه بأن ريترو مستعدة لإنفاق أموالها على دراسة هذه الأسئلة الجوهرية. ويقول: “إنهم يريدون تحقيق تقدم علمي، ولا يسعون إلى تحقيق أهداف سهلة المنال فقط. تحاول بعض الشركات الأخرى إيجاد تطبيق مباشر، ولكن في حالة هذه الشركة، فإنها ستخصص بعض الوقت لدراسة الأسس العلمية أيضاً”.

ولكن بيتس لاكروا وأوكامبو لم يتحدثا عن مصدر أموال ريترو. ولم يكن لدى أوكامبو أي فكرة عن تمويل ألتمان للشركة الناشئة، إلى أن سألته إم آي تي تكنولوجي ريفيو عن هذا الموضوع.

وفي إحدى المقابلات، لم يعبّر ألتمان عن أي قلق إزاء المنافسة من الشركات الأخرى. ويعتقد أن معظم شركات التكنولوجيا البيولوجية مبنية كي تحقق التقدم ببطء شديد، كما أنها “تُدار بطريقة سيئة” عموماً.  ويعتقد أن المطلوب هو “عمل مشابه لأوبن أيه آي” في مجال إطالة العمر.

ويقول: “الهدف الرئيسي لريترو هو أن تثبت أنها شركة ناشئة ممتازة في مجال البيولوجيا، لأنه أمر نادر للغاية، وأنها تجمع بين العمل العلمي رفيع المستوى وموارد شركة كبيرة من جهة وهمة شركة ناشئة تسعى إلى تحقيق أهداف عملية من جهة أخرى. وهذا هو مضمون المشروع في الوقت الحالي”.