زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

5 دقائق
زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام
مصدر الصورة: ويليت وكونز وآخرون
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ 8 سنوات، فقدت مريضة قدرتها على الكلام بسبب مرض التصلب الجانبي الضموري، والمعروف أيضاً باسم مرض لو غيريغ، والذي يتسبب بالشلل المتزايد. وعلى الرغم من أنها ما زالت قادرة على إصدار الأصوات، فإن كلماتها أصبحت غير مفهومة، ما يدفعها إلى الاعتماد على لوح كتابة أو جهاز لوحي للتواصل مع الآخرين.

والآن، وبعد أن تطوعَت لتلقي زرعة دماغية، تمكنت المريضة من التواصل بسرعة باستخدام جمل كاملة مثل “إن بيتي ليس ملكاً لي” و”أنا في وضع صعب” بسرعة تقارب سرعة الكلام العادي.

هذا ما تقوله الورقة البحثية المنشورة مؤخراً على موقع الويب bioRxiv من قِبل فريق في جامعة ستانفورد. ولكن الدراسة لم تخضع لتدقيق علمي رسمي من قبل باحثين آخرين. ويقول العلماء إن المتطوعة، والمعروفة فقط باسم “المريضة T12″، حطمت الأرقام القياسية السابقة باستخدام الزرعة التي تقرأ إشارات الدماغ للتواصل بسرعة 62 كلمة في الدقيقة، أي ثلاثة أضعاف الرقم القياسي السابق.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟

إنجاز كبير لمرضى التصلب الجانبي الضموري

ويقول الباحث في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، فيليب سايبس الذي لم يشارك في المشروع، إن هذه النتائج “إنجاز كبير”، وأضاف قائلاً إن تكنولوجيا قراءة إشارات الدماغ التجريبية قد تصبح جاهزة للانتقال من المختبر إلى مرحلة الاستثمار والتحويل إلى منتج مفيد قريباً.

يقول سيبر: “إن الأداء الذي تصفه الورقة البحثية وصل إلى مستوى يرغب به الكثير من الناس الذين لا يستطيعون الكلام، لو كان الجهاز متاحاً. من المؤكد أن الكثيرين سيرغبون في الحصول عليه”.

عادةً ما يتحدث الأشخاص الطبيعيون بسرعة 160 كلمة في الدقيقة تقريباً. وحتى في حقبة لوحات المفاتيح والطباعة بالإبهام والرموز التعبيرية (الإيموجي) واختصارات الإنترنت، ما زال الكلام هو الشكل الأسرع للتواصل بين البشر.

تم إجراء البحث الجديد في جامعة ستانفورد. وقد بدأ البحث الذي ما زال في مرحلة ما قبل النشر، والذي ظهر على الموقع في 21 يناير/ كانون الثاني، يجذب المزيد من الاهتمام على تويتر (Twitter) وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب وفاة أحد المؤلفين، كريشنا شينوي، بسبب سرطان البنكرياس منذ فترة وجيزة.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

وقد كرّس شينوي حياته المهنية لتحسين سرعة التواصل عبر الواجهات الدماغية، كما أشرف بحرص على قائمة من الأرقام القياسية المتعلقة بهذه المسألة على موقع الويب الخاص بمختبره. ففي 2019، تمكن متطوع آخر عمل شينوي معه من استخدام ذهنه للطباعة بسرعة 18 كلمة في الدقيقة، وكان هذا رقماً قياسياً في ذلك الحين، حيث تحدثنا معه في العدد الخاص حول الحوسبة من إم آي تي تكنولوجي ريفيو.

الواجهات التخاطبية بين الدماغ والحاسوب

وتتضمن الواجهات التخاطبية بين الدماغ والحاسوب، والتي يستخدمها فريق شينوي، لوحة صغيرة من الأقطاب الحادة التي يتم غرزها في القشرة الحركية لدماغ الشخص المعني، وهي المنطقة المسؤولة بشكل أساسي عن الحركة. وهو ما يتيح للباحثين تسجيل النشاط من عدة عشرات من العصبونات في الوقت نفسه، واكتشاف أنماط تعبّر عن الحركات التي يفكر فيها الشخص، حتى لو كان مشلولاً.

وفي تجارب سابقة، طلب الباحثون من المتطوعين المشلولين تخيل القيام بحركات باليد. وتقوم الزرعات بعملية “تفكيك ترميز” لإشاراتهم العصبية في الزمن الحقيقي، ما يتيح لهم تحريك المؤشر على الشاشة، واختيار الأحرف على لوحة مفاتيح افتراضية، ولعب ألعاب الفيديو، بل وحتى التحكم بذراع روبوتية.

وفي البحث الجديد، رغب فريق ستانفورد بدراسة إمكانية احتواء العصبونات في القشرة الحركية على معلومات مفيدة حول حركات الكلام أيضاً. ويعني هذا إمكانية رصد كيفية محاولة المريضة T12 لتحريك فمها ولسانها وأوتارها الصوتية أثناء محاولتها التحدث.

اقرأ أيضاً: هل يُعتبر تحفيز الدماغ عملية توغليّة؟

إنها حركات صغيرة ودقيقة، ووفقاً لسيبز، فإن أحد الاكتشافات الكبيرة للبحث هو أن بضعة عصبونات وحسب تحتوي على معلومات كافية تتيح لبرنامج حاسوبي توقع الكلمات التي كانت المريضة تحاول قولها، وبدقة جيدة. وقد قام فريق شينوي بتحويل المعلومات إلى شاشة حاسوبية، حيث تظهر كلمات المريضة وكأن الحاسوب هو الذي ينطق بها.

وتعتمد النتيجة الجديدة على عمل سابق أجراه إدوارد تشانغ في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، الذي كتب أن الحركات المطلوبة للكلام هي أعقد الحركات التي يقوم البشر بتنفيذها. فنحن ندفع الهواء إلى الخارج، ونضيف إليه الاهتزازات حتى يصبح مسموعاً، ونستخدم الفم والشفتين واللسان لتحويله إلى كلمات. فلإصدار صوت الحرف F، يجب أن تضع أسنانك العلوية فوق شفتك السفلى وتضغط الهواء نحو الخارج، وهي حركة واحدة فقط من عشرات الحركات المطلوبة للكلام.

الطريق نحو إحراز التقدم

كان تشانغ يستخدم أقطاباً موضوعة على أعلى الدماغ حتى يتيح للمتطوع الكلام عبر جهاز حاسوبي، ولكن في البحث الجديد، يقول باحثو ستانفورد إن نظامهم أكثر دقة، وأكثر سرعة بمقدار ثلاثة إلى أربعة أضعاف.

وكتبت مجموعة الباحثين، التي تتضمن شينوي، وجراح الأعصاب جيمي هندرسون: “تبين نتائجنا وجود طريق ممكن للمضي قدماً في إعادة إمكانية التواصل إلى الأشخاص المصابين بالشلل بسرعات كافية للحوار”.

أما ديفيد موزس، والذي يعمل مع فريق تشانغ بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، فيقول إن العمل الحالي “يتميز بأداء يحقق مستويات جديدة مثيرة للإعجاب”. ولكن، وعلى الرغم من تواصل تحطيم الأرقام القياسية، فإنه يقول “إنه سيصبح من المهم، وبشكل متزايد، إظهار أداء مستقر وموثوق على مدى فترات زمنية تصل إلى عدة سنوات”. سيكون من الصعب على أي زرعة دماغية تحقيق معايير الجهات الناظمة، خصوصاً إذا اهترأت أو تراجعت دقتها مع مرور الوقت.

تمكنت مريضة مصابة بالتصلب الجانبي الضموري بعمر 67 سنة من تحطيم الأرقام القياسية في سرعة التواصل باستخدام زرعة دماغية. ويعتمد الجهاز المزروع على الإشارات العصبونية لكشف الكلمات التي تحاول قولها، وتحويلها إلى شاشة حاسوبية. مصدر الصورة: ويليت، كونز، وآخرون

من المرجح أن يتضمن هذا الطريق زرعات أكثر تعقيداً وتكاملاً أعلى درجة مع الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: امرأة تخضع لتجربة غرسة دماغية ترسل نبضات كهربائية عندما تشعر بالاكتئاب

فالنظام الحالي يستخدم نوعين من برامج التعلم الآلي. ولتحسين الدقة، استخدم فريق ستانفورد برنامجاً يتنبأ بالكلمة التي يرجّح أن ترد تالياً في الجملة. فكلمة “I” (ضمير المتكلم) ترد متبوعة بكلمة “am” باحتمال أكبر من كلمة “Ham”، على الرغم من أن هاتين الكلمتين متشابهتان، ويمكن أن تنتجا أنماطاً متقاربة في الدماغ.

وتؤدي إضافة نظام للتنبؤ بالكلمات إلى زيادة سرعة المريض في التكلم دون ارتكاب الأخطاء.

النماذج اللغوية

ولكن النماذج اللغوية “الكبيرة” الأحدث، مثل جي بي تي-3، قادرة على كتابة مقالات كاملة، والإجابة عن الأسئلة. ويمكن أن يؤدي استخدامها مع الواجهات الدماغية إلى تمكين الناس من استخدام النظام للتكلم بسرعة أكبر، ويعود هذا إلى تحسن قدرة النظام على تخمين ما يحاول المريض قوله بناءً على معلومات جزئية. يقول سايبس: “إن نجاح النماذج اللغوية الكبيرة على مدى السنوات الماضية يدفعني إلى الاعتقاد بأن أنظمة الكلام أصبحت قريبة المنال، لأن الحصول على الكلام قد لا يحتاج في هذه الحالة إلى مدخلات فائقة الدقة”.

تعتبر مجموعة شينوي جزءاً من تجمع يعرف باسم براين غيت (BrainGate)، وقد قام هذا التجمع بزرع الأقطاب في أدمغة أكثر من 12 متطوعاً. ويعتمد هؤلاء الباحثون على زرعة تعرف باسم مصفوفة يوتا، وهي عبارة عن مربع معدني صلب مزود بمئة قطب تقريباً على شكل إبر.

وتقول بعض الشركات، بما فيها شركة الواجهات الدماغية نيورالينك (Neuralink) لإيلون ماسك، وشركة ناشئة باسم بارادروميكس (Paradromics)، إنها قامت بتطوير واجهات أكثر تطوراً وتستطيع تسجيل المعلومات من آلاف العصبونات –بل وحتى عشرات الآلاف- في وقت واحد.

وعلى حين يتساءل بعض المشككين عن جدوى زيادة عدد العصبونات التي يتم قياسها في الوقت نفسه، فإن التقرير الجديد يشير إلى أن هذه الزيادة ستحدث فرقاً فعلياً، خصوصاً في مهمة معقدة مثل قراءة حركات الكلام.

وقد وجد علماء ستانفورد أن قراءة المزيد من العصبونات في الوقت نفسه تعني تقليل عدد الأخطاء في فهم ما كانت T12 تحاول قوله.

اقرأ أيضاً: زرعة جديدة للمكفوفين تتصل مباشرة بالدماغ

يقول سايبس، والذي كان أحد كبار العلماء في نيورالينك: “إنه أمر مهم للغاية، خصوصاً أنه يشير إلى أن الجهود التي تبذلها شركات مثل نيورالينك لزرع 1,000 قطب في الدماغ ستحدث فرقاً فعلياً، إذا كانت المهمة صعبة بما يكفي”.