كانت البيئة جديدة نوعاً ما على دريك، والذي أمضى السنوات السبع الماضية في منصب مدير الاستجابة الطبية في منظمة ألكور (Alcor) لإطالة الحياة. ومع أن ألكور كانت المنظمة الرائدة منذ فترة طويلة في مجال حفظ الخلايا الحية بالتبريد، فإنها ما زالت منظمة لاربحية صغيرة. لقد كانت تجمد أجسام وأدمغة أعضائها، مع فكرة إعادتهم يوماً ما إلى الحياة، منذ عام 1976.
اقرأ أيضاً: زرع العصبونات البشرية في أدمغة الجرذان: تجربة جديدة واعدة وإشكاليات أخلاقية
وتمكنت المنظمة، إضافة إلى مجال حفظ الخلايا الحية بالتبريد بشكل عام، من الاستمرار خارج نطاق القبول العام. وعلى الرغم من أن حفظ الخلايا الحية بالتبريد كان منبوذاً من قبل الأوساط العلمية، فقد اشتهر بالظهور في العديد من أفلام الخيال العلمي مثل: 2001: أوديسة الفضاء (2001: A Space Odyssey). ولكن المناصرين تمسكوا بالحلم، على أمل أن تصل تطورات الطب في المستقبل إلى مرحلة تسمح بإعادة تنشيط هذه الجثث لإمضاء بضع سنوات إضافية على كوكب الأرض. وبقي هذا الأمل حياً على مدى عدة عقود، بفضل تطورات صغيرة ولكنها مثيرة للاهتمام في التكنولوجيات المتعلقة بهذا المجال، إضافة إلى بعض المشاهير الذين تحولوا إلى كتل مجمدة خاضعة للاختبار، مثل تيد ويليامز. واليوم، تحتوي حجيرات التجميد لدى ألكور على 200 مريض ميت تقريباً، وذلك في حالة تجميد ضمن حرارة 196 درجة تحت الصفر، بما في ذلك مجموعة من المشاهير الذين دفعوا عشرات الملايين من الدولارات من أجل "أمل العودة إلى الحياة" و"الاندماج مرة أخرى في المجتمع" في نهاية المطاف.
حقبة جديدة في حفظ الخلايا الحية بالتبريد
ولكن انضمام ينفينغ إلى هذا المجال منذ فترة قريبة يشير إلى احتمال بدء حقبة جديدة لحفظ الخلايا الحية بالتبريد. وبوجود موارد مالية ممتازة، ودعم حكومي، وطاقم علمي مؤهل، يعتبر مختبر ينفينغ أحد المختبرات القليلة الجديدة التي تركز على تعزيز اهتمام المستهلكين بحفظ الخلايا الحية بالتبريد، وتحاول مرة أخرى زيادة مصداقية نظرية إعادة تنشيط البشر، والتي كانت محط جدل طويل الأمد. وبعد سنة واحدة من استلام دريك لمنصب مدير الأبحاث في معهد شاندونغ ينفينغ لأبحاث علوم الحياة، وهو فرع يتبع لمجموعة ينفينغ البيولوجية للإشراف على برنامج حفظ الخلايا الحية للتبريد، قام المعهد بإجراء أول عملية حفظ بالتبريد. والآن، تحتوي مستوعبات الحفظ على قرابة 12 عميلاً يدفعون ما يصل إلى 200,000 دولار لحفظ الجسم بأكمله.
اقرأ أيضاً: هل يحتاج المرضى المنغمسون في الواقع الافتراضي في أثناء الجراحة إلى تخدير أقل؟
وعلى الرغم من هذا، فما زال هذا المجال يعتمد إلى درجة كبيرة على الإيمان دون وجود أي أدلة فعلية تشير إلى نجاحه. يقول عالم الأعصاب والأستاذ في كلية كينجز لندن، كلايف كون: "إنه طموح يائس يكشف عن جهل فاضح بالبيولوجيا".
حتى لو تمكنا يوماً ما من تذويب جسم بشري متجمد بصورة مثالية، فلن نحصل في نهاية المطاف سوى على جثة دافئة.
تحديات حفظ الجثث بالتبريد
عادة، تتم عملية حفظ الخلايا الحية بالتبريد بالطريقة التالية: عند وفاة الشخص المعني، يبدأ فريق الاستجابة بعملية تبريد الجثة إلى درجة حرارة منخفضة، مع إجراء عملية الدعم القلبي الرئوي للحفاظ على تدفق الدم إلى الدماغ والأعضاء الأخرى. وبعد ذلك، يتم نقل الجثة إلى منشأة التبريد، حيث يتم ضخ سائل حفظ الأعضاء عبر الأوعية الدموية، قبل غمر الجسم بالنيتروجين السائل. ويجب أن تبدأ العملية خلال ساعة واحدة من الوفاة، وكلما طال الانتظار، زاد التلف في خلايا الجسم. وبعد ذلك، وما إن تصبح الجثة المجمدة ضمن حجيرة التبريد، لا يبقى سوى الأمل بعودة الحياة لاحقاً.
ومنذ بدايات هذا المجال في أواخر الستينيات، نال الكثير من الازدراء من الأوساط العلمية، خصوصاً من العاملين في مجال مشابه أكثر احتراماً، وهو علم الأحياء البردي (Cryobiology)، أي دراسة التجميد والحرارة المنخفضة على الكائنات الحية والمواد البيولوجية. بل إن جمعية بيولوجيا البرودة الشديدة حظرت على أعضائها المشاركة في حفظ الخلايا الحية بالتبريد في الثمانينيات، حيث وصف رئيس سابق للجمعية هذا المجال بأنه "أقرب إلى الاحتيال منه إلى الإيمان أو العلم".
ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ هذا المجال باجتذاب اهتمام الجمهور الليبرالي من المتفائلين بالتكنولوجيا، ومعظمهم من أثرياء التكنولوجيا الحالمين بالخلود. وقد بدأت بعض الشركات الناشئة الجديدة بتوسيع نطاق هذا المجال. فقد أصبحت شركة تومورو بايوستاسيس (Tomorrow Biostasis) في برلين أول شركة ناشئة في مجال حفظ الخلايا بالتبريد في أوروبا الغربية في 2019، وفي أوائل عام 2022، افتتحت شركة ساوثرن كرايونيكس (Southern Crionycs) منشأة في أستراليا.
اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر
يقول مؤسس تومورو بايوستاسيس، إميل كيندزيورا: "أصبح معظم الباحثين منفتحين على المواضيع المستقبلية بعيدة الأمد أكثر مما كانوا منذ 20 سنة تقريباً".