بماذا يختلف نهج آبل في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي عن الشركات الأخرى؟

5 دقائق
بماذا يختلف نهج آبل في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي عن الشركات الأخرى؟
حقوق الصورة: أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعد شركة آبل المشتري الرئيس للشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، فمنذ عام 2016، استحوذت الشركة على أكبر عدد من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، متفوقةً على منافساتها جوجل ومايكروسوفت وميتا التي لديها أيضاً عدد كبير من عمليات الاستحواذ على شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة.

ومع ذلك، لا تتحدث الشركة علناً عن عمليات الاستحواذ التي تقوم بها؛ لكن التكنولوجيات التي تقدمها هذه الشركات الناشئة استغلتها آبل بمهارة في دمجها في منتجاتها المختلفة مثل الهواتف الذكية، وسماعة الواقع المختلط فيجن برو، وأجهزة الكمبيوتر، والساعات الذكية، وخدمات بث الموسيقا والتلفزيون، وأنظمة التشغيل، وعدد لا يُحصى من تطبيقات الهاتف المحمول.

لماذا لا تتحدث شركة آبل علناً عن استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي؟

على الرغم من أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وميتا وأمازون كثفت جهودها في الإعلان عن تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي والترويج لبوتات الدردشة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة التي تطورها، فإن شركة آبل ما زالت تلتزم الصمت بصفة عامة، ولا تتحدث كثيراً عن استراتيجيتها الشاملة في هذا المجال؛ بما فيها البحث والتطوير الداخلي الطويل الأمد في الذكاء الاصطناعي.

فرؤية الرئيس التنفيذي تيم كوك (Tim Cook) عن سبب تجنب الإعلان عن استثمارات شركة آبل في مجال الذكاء الاصطناعي، هي الميل إلى الإعلان عن الأشياء عند طرحها في السوق، وهو يتناقض مع أسلوب شركتَيّ مايكروسوفت وجوجل اللتين أعلنتا جزئياً عن كل إعلان عن بعض منتجات الذكاء الاصطناعي الجديدة لأنهما تريدان الحصول على تعليقات في الوقت الفعلي لتحسين منتجاتهما.

بالإضافة إلى ذلك، يتناقض أسلوب شركة آبل مع أسلوب مايكروسوفت وجوجل اللذين كانتا تتحدثان بطريقة علنية للغاية عن منتجات الذكاء الاصطناعي ولكنهما أكثر تحفظاً في عمليات الاستحواذ؛ وهذا يعود إلى أن عمليات الاندماج والاستحواذ أصبحت أكثر صعوبة نظراً إلى زيادة التدقيق في مكافحة الاحتكار.

لذا فإن الاقتران أو الشراكة بين شركة تكنولوجيا رائدة تمتلك الكثير من الموارد المالية وشركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بدلاً من شرائها مباشرةً، تُعد أفضل الحلول لمعظم شركات التكنولوجيا الكبرى لأنها تجنبها عمليات التدقيق التي تقوم بها مؤسسات مكافحة الاحتكار.

اقرأ أيضاً: كيف جعلت شركة آبل من الخصوصية ميزة تنافسية بارزة مع الشركات الأخرى؟

استهداف البنية التحتية للتعلم الآلي بدلاً من بناء نموذج ذكاء اصطناعي

ليست الدعاية هي الاختلاف الوحيد الذي يمكن استخلاصه من نهج الذكاء الاصطناعي الذي تتبعه شركة آبل حتى الآن، واحتمالية أن يؤثر مستقبلاً في نموذج أعمالها الذي يركز على المستهلك؛ حيث نجد أنه بينما يركز منافسوها على بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، استهدفت شركة آبل البنية التحتية لتكنولوجيا التعلم الآلي.

حيث تتطلع الشركة من خلال عمليات الاستحواذ على شركات الذكاء الاصطناعي المغمورة، إلى الحصول على فرق رائدة من المواهب في كل مجال يمكنها جلب تقنيات التعلم الآلي إلى منتجات استهلاكية معينة تطورها؛ مثل الساعات الذكية ونظارات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط.

وبحسب بريندان بيرك (Brendan Burke)؛ المحلل في شركة الأبحاث بيتش بوك (PitchBook) التي تتبعت نحو 30 عملية استحواذ من قبل شركة آبل على مدار السنوات العشر الماضية: “لقد أدى ذلك إلى تركيز الشركة على استراتيجية الاستحواذ على تطبيقات المستهلك للذكاء الاصطناعي في المقام الأول؛ ولكن أيضاً التقنيات التشغيلية لنشر التعلم الآلي والأجهزة الطرفية، بالإضافة إلى الرهانات المحدودة على مستقبل التعلم العميق والمزيد من التكنولوجيات الأخرى”.

اقرأ أيضاً: هل تفوقت الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي على منافسيها؟ حالة جوجل ومايكروسوفت

إذاً كيف يختلف نهج آبل في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي عن نُهُج الشركات الأخرى؟

عندما تتحدث شركة آبل عن طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها غالباً تكون أكثر حذراً، سواء أكان ذلك عند إطلاق منتجات جديدة أم في اللقاءات الصحفية. على سبيل المثال؛ ذكر الرئيس التنفيذي للشركة في لقاء تلفزيوني مؤخراً: “إننا ننظر إلى الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي باعتبارهما تكنولوجيات أساسية تشكل جزءاً لا يتجزأ من كل منتج نقوم ببنائه تقريباً”.

وأضاف: “بطبيعة الحال، أجرينا أبحاثاً عبر مجموعة واسعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ بما فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، لسنوات عديدة، وسنواصل الاستثمار والابتكار وتطوير منتجاتنا على نحو مسؤول باستخدام هذه التكنولوجيات بهدف إثراء حياة الناس”.

وهو ما تُظهره أحدث المنتجات التي أصدرتها هذا العام؛ حيث تأتي جميعها مضمنة بالعديد من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن تطبيق التقدم حسب التطبيق والجهاز تلو الآخر لم يحمِ شركة آبل من الانتقادات القائلة إنها قد تأخرت عن الدخول في اللعبة بالفعل؛ ومن ضمنها انتقادات المحللة التقنية في شركة الاستثمار نيدهام (Needham)، لورا مارتن (Laura Martin) التي تعتقد أن آبل متخلفة كثيراً عن منافسيها الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي.

حيث تذكر: “المستقبل هو الذكاء الاصطناعي التوليدي، وآبل لا تفعل ذلك، ومع ذلك لست متأكدة من أن الأمر مهم لهم؛ لأن لديهم نظامًا بيئياً ونموذجاً اقتصادياً موجهاً نحو التعلم الآلي، وهذا يجعل النظام البيئي للشركة في موقف جيد وسيستمر في النمو”.

وعلى الرغم من أن التقدم المبكر في الذكاء الاصطناعي التوليدي يؤتي ثماره للمنافسين كما يتضح من تقرير أرباح مايكروسوفت الأخير، فإن الميزة الوحيدة التي تتمتع بها شركة آبل ولا تتمتع بها منافساتها هي نظامها البيئي الأكثر تحقيقاً للدخل في العالم؛ حيث يقوم أكثر من مليارَيّ مستخدم باستخدام نظام التشغيل آي أو إس (iOS) عبر مختلف الأجهزة التي تصدرها الشركة.

اقرأ أيضاً: آبل تعمل على تطوير «آبل جي بي تي» ليكون منافساً محتملاً لتشات جي بي تي

استهداف المطورين بدلاً من بناء نماذج ذكاء اصطناعي من الصفر

لهذا السبب؛ لا يرى المحللون المتفائلون أن المنافسة التي تواجهها شركة آبل هي منافسة مباشرة لمنصات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تتبعها شركات مايكروسوفت وجوجل وأمازون؛ حيث تريد الشركة التركيز على تقديم متجر تطبيقات الذكاء الاصطناعي لاستهداف المطورين الذي سيكونون أكثر ميلاً إلى إنشاء التطبيقات التي تعمل بطريقة أو أخرى بتكنولوجيا مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

حيث يُتوقَّع أن تنفق شركة آبل نحو 5 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي في عام 2024، مع ذكر تقارير عدة أن الشركة قد أنفقت بالفعل نحو 10 مليار دولار على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره في السنوات القليلة الماضية بهدف إنشاء الأساس للمطورين لبناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو مستوىً تُمكن مقارنته بإنفاق شركة مايكروسوفت في هذا المجال.

وبحسب المراقبين؛ يُعد هذا هو المكان الذي يمكن أن تحقق فيه شركة آبل الدخل بطريقة تاريخية وفرصة للنمو من شأنها الاستفادة من أحد أهم جوانب نموذج عمل شركة آبل في السنوات الأخيرة؛ ألا وهو نمو أعمالها في مجال الخدمات التي نمت إيراداتها بنسبة 8.2 في الربع الثالث من هذا العام 2023 مقارنة بالعام السابقة لتصل إلى 21.2 مليار دولار.

فبداخل متجر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تتراوح الفرص إلى ما هو أبعد من عروض الشركة الأساسية مثل تطبيقات الموسيقا والتلفاز، إلى مجموعة واسعة من تطبيقات الصحة واللياقة البدنية؛ ما من شأنه أن يقدم نحو 5 مليارات دولار إضافية إلى 10 مليارات دولار سنوياً من أرباح الخدمات التي أصبحت الشركة أكثر تركيزاً عليها في السنوات القادمة من خلال التحول إلى شركة تقديم خدمات بدلاً من شركة إنتاج أجهزة وبرامج تشغيل.

اقرأ أيضاً: هل تفوقت الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي على منافسيها؟ حالة جوجل ومايكروسوفت

هل تأخرت شركة آبل فعلاً عن اللحاق بمنافسيها في قطاع الذكاء الاصطناعي؟

وفقاً لتقرير من صحيفة فايننشال تايمز؛ فإن شركة آبل تعمل بالفعل على زيادة خبرتها في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال توظيف العشرات من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم. علاوة على ذلك، يدعو موقع الوظائف التابع إلى الشركة، الباحثين عن عمل إلى الانضمام إلى فريق من الباحثين والمهندسين الذين يتمتعون بسجل حافل في مجموعة متنوعة من أساليب التعلم الآلي بما فيها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية؛ وهو ما يخبرنا بتركيز الشركة الشديد في هذا المجال في الوقت الحالي ومستقبلاً.

ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن نهج الشركة في الالتزام بخصوصية البيانات والتميز في التصميم قد يكون عقبة أمام كل ما تفعله في مجال الذكاء الاصطناعي، أو على الأقل يفسر سبب ظهورها بوتيرة أبطأ. وبحسب المطلعين على أعمال الشركة؛ فإن شركة آبل تريد فقط إطلاق منتجات آمنة وتركز على الخصوصية وتلبي معايير الجودة الداخلية؛ وهذا هو السبب في الحد من سرعتها في مجال الذكاء الاصطناعي عموماً والذكاء الاصطناعي التوليدي خصوصاً.

اقرأ أيضاً: هل تنجح آبل في اللحاق بسوق الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر تحديث منتجاتها؟

لذلك؛ يرى المحللون أن الشركة ستنتظر قبل إطلاق أي تكنولوجيات جديدة متعلقة بالذكاء الاصطناعي حتى تصبح إضافة حقيقية لنظامها البيئي. وفي غضون ذلك، من المتوقع أن تواصل الشركة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، إما من خلال المزيد من عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة وإما من خلال الشراكات مع المطورين، ولا سيّما مع استمرار الشركات الناشئة في تحقيق أحدث النتائج مع نماذج اللغات الكبيرة ودمج ميزات جديدة قائمة على الصور والفيديو قد تكون ذات صلة بها؛ ما قد يكون مكملاً لما تفعله.