جوجل ديب مايند تستخدم نموذجاً لغوياً كبيراً لحل مسألة رياضية غير قابلة للحل

4 دقيقة
جوجل ديب مايند تستخدم نموذجاً لغوياً كبيراً لحل مسألة رياضية غير قابلة للحل
حقوق الصورة: shutterstock.com/Pixels Hunter
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

استخدمت جوجل ديب مايند (Google DeepMind) نموذجاً لغوياً كبيراً لحل مسألة رياضية شهيرة لا يوجد حل لها حتى الآن في مجال الرياضيات البحتة. يقول الباحثون في ورقة بحثية نُشِرَت مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature) إنها المرة الأولى التي استُخدِم فيها نموذج لغوي كبير لاكتشاف حل لمعضلة علمية قديمة؛ حيث أدت التجربة إلى إنتاج معلومات جديدة وقيّمة وقابلة للتحقق على نحو غير مسبوق. يقول نائب الرئيس للأبحاث في جوجل ديب مايند، وأحد المؤلفين، بوشميت كولي: “إن الحل غير موجود في البيانات التدريبية؛ بل لم يكن معروفاً من قبل حتى”.

تحمل النماذج اللغوية الكبيرة سمعة سيئة بسبب اختلاق النتائج، وعدم تقديم حقائق جديدة. لكن هذه الأداة الجديدة من جوجل ديب مايند؛ التي تحمل اسم “فن سيرتش” (FunSearch)، قد تغير هذا الأمر. إذ تبين هذه الأداة أن النماذج اللغوية الكبيرة قادرة على تحقيق اكتشافات جديدة بالفعل، إذا لقمها الباحثون بالأوامر المناسبة، وإذا كانوا مستعدين لنبذ معظم نتائجها.

اقرأ أيضاً: ما الذي عليك تعلمه لتصبح مهندس ذكاء اصطناعي؟

ما هي أداة فن سيرتش؟ وماهي آلية عملها؟

تمثل فن سيرتش (التي تحمل هذا الاسم لأنها تبحث عن التوابع الرياضية Functions، لا لأنها مسلية Fun)، الحلقة الأحدث في سلسلة من الاكتشافات التي حققتها ديب مايند في الرياضيات الأساسية وعلوم الحاسوب بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. ففي البداية، تمكن ألفا تنسور (AlphaTensor) من إيجاد طريقة لتسريع عملية حسابية تمثل جوهر الكثير من الوظائف البرمجية المختلفة، وكسر بذلك رقماً قياسياً يعود إلى 50 عاماً. وبعد ذلك، تمكّن ألفا ديف (AlphaDev) من اكتشاف طرق تزيد من سرعة بعض الخوارزميات الأساسية التي تُستَخدَم مليارات المرات يومياً.

غير أن هذه الأدوات لم تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة. تعتمد كلتا الأداتين السابقتين على نظام الذكاء الاصطناعي ألفا زيرو (AlphaZero) الذي صممته ديب مايند لممارسة الألعاب، وقد تمكنتا من حل المسائل الرياضية بالتعامل معها بوصفها أحاجي في لعبة غو أو لعبة الشطرنج.

يقول الباحث في الشركة التي عملت على تطوير ألفا تنسور وفن سيرتش، برناردينو روميرا-باريديس، إن المشكلة تكمن في أن هذه الأدوات لا تستطيع الخروج عن مجالاتها المحددة، ويضيف قائلاً: “تتميز ألفا تنسور بقدرة عالية على إجراء عمليات جداء المصفوفات؛ لكنها لا تستطيع عملياً فعل أي شيء آخر”.

أما فن سيرتش فتعمل وفق مسار مختلف؛ حيث تعتمد على نموذج لغوي كبير يحمل اسم “كودي” (Codey) وهو نسخة من نموذج بالم 2 (PaLM 2) من جوجل بتصميم خاص خضع إلى ضبط دقيق لتحقيق أقصى توافق مع الرموز البرمجية الحاسوبية، إضافة إلى أنظمة أخرى لرفض الإجابات الخاطئة أو الخالية من المعنى، وإعادة الإجابات الصحيحة إلى النظام مرة أخرى.

يقول الباحث العلمي في جوجل ديب مايند، الحسين فوزي: “بصراحة، نحن لا ندري بالضبط كيف نجحت هذه الطريقة، مع أننا وضعنا بعض الفرضيات المحتملة. وفي بداية المشروع، لم نكن ندري إن كانت ستنجح على الإطلاق”.

بدأ الباحثون العمل وضع نمذجة أولية للمسألة التي يريدون حلها باستخدام لغة البرمجة الشائعة بايثون (Python). ولكنهم تجاهلوا في برنامجهم هذا إضافة أسطر برمجية يمكنها توضيح كيفية حلها، وهنا يأتي دور فن سيرتش. حيث تعتمد على كودي لملء هذه الفراغات؛ أي اقتراح الرموز البرمجية اللازمة لحل المسألة عملياً.

اقرأ أيضاً: أداة ذكاء اصطناعي تساعد الباحثين على تسريع الاكتشافات العلمية

تعمل خوارزمية أخرى بعد ذلك على التحقق مما توصل إليه كودي وتمنحه النقاط بناء على تقييمها. تُحفظ أفضل الاقتراحات، حتى لو لم تكن صحيحة بعد، وتُلَقم لكودي مرة أخرى؛ حيث يحاول إتمام تنفيذ البرنامج ثانية. يقول كولي: “ستؤدي هذه الطريقة إلى الكثير من النتائج الخالية من المعنى، وبعض النتائج المعقولة، وبضع نتائج رائعة حقاً. وعندها، سنركز على النتائج الرائعة، ونطلب من النظام تكرار عمله للحصول على نتائج مماثلة”.

فن سيرتش تحل المسائل الرياضية مستحيلة الحل

بعد تقديم مليونيّ اقتراح تقريباً، وتكرار العملية الإجمالية بضع عشرات من المرات؛ وهو ما استغرق بضعة أيام- تمكنت فن سيرتش من التوصل إلى الرموز البرمجية التي أنتجت حلاً صحيحاً وغير مسبوق لمسألة مجموعة العناصر اللاصفرية (cap set problem) التي تتضمن حساب أكبر حجم ممكن لنوع معين من المجموعات.

لنتخيل نقاطاً مرسومة على ورقة بيانية. يمكن تشبيه مسألة مجموعة العناصر اللاصفرية بمحاولة تحديد عدد النقاط التي يمكن رسمها دون أن تقع أي 3 نقاط منها على استقامة واحدة.

إنها مسألة محددة ومتخصصة للغاية لكنها مهمة، فالرياضيون لم يتفقوا حتى على كيفية حلها، فضلاً عن ماهية الحل نفسه. تتعلق هذه المسألة أيضاً بجداء المصفوفات؛ وهي العملية الحسابية التي تمكنت أداة ألفا تنسور من إيجاد طريقة لتسريعها. وفي منشور مدونة يعود إلى عام 2007، قال الباحث تيرينس تاو من جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس، الذي فاز بالكثير من الجوائز الكبرى في الرياضيات بما فيها ميدالية فيلدز، إن مسألة مجموعة العناصر اللاصفرية: “قد تكون السؤال المفتوح المفضل لدي”.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الضجيج الإعلامي حول اقتراب أوبن إيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟

نتائج غير مسبوقة للنماذج اللغوية الكبيرة

يشعر تاو بالفضول إزاء قدرات فن سيرتش، ويقول: “إنه عمل واعد للغاية. هذه طريقة مثيرة للاهتمام للاستفادة من قدرات النماذج اللغوية الكبيرة”.

تكمن أفضلية فن سيرتش بالمقارنة مع ألفا تنسور في إمكانية استخدامها، نظرياً، في حل نطاق واسع من المسائل. ويعود هذا إلى أنها تنتج الرموز البرمجية؛ وهي طريقة لتوليد الحل بدلاً من إنتاج الحل نفسه، ويمكن استخدام الرموز البرمجية المختلفة لحل مسائل مختلفة. إضافة إلى ذلك، يمكن فهم نتائج فن سيرتش بصورة أسهل، فطريقة إنتاج الحل أوضح من الحل الرياضي الغريب الذي تنتجه كما يقول فوزي.

وبهدف اختبار قدرة الأداة على التكيف مع المسائل المختلفة، استخدمها الباحثون لحل مسألة رياضية صعبة أخرى: وهي مسألة تعبئة الصناديق (bin packing problem) التي تتضمن محاولة تعبئة مجموعة من الأشياء في أقل عدد ممكن من الصناديق.

وتتسم هذه المسألة بأهمية خاصة بالنسبة إلى عدد من التطبيقات في علم الحاسوب، بدءاً بإدارة مراكز البيانات، وصولاً إلى التجارة الإلكترونية. وقد توصلت فن سيرتش إلى طريقة لحل هذه المسألة بسرعة أكبر من الحلول التي ابتكرها البشر.

اقرأ أيضاً: ديب مايند توظف الذكاء الاصطناعي لابتكار مواد جديدة تستخدم في تصنيع البطاريات

يقول تاو إن الرياضيين: “ما يزالون يحاولون إيجاد أفضل طريقة لاستخدام النماذج اللغوية الكبيرة في العمل البحثي الرياضي، بطرائق تستفيد من قدراتها وتحد من سلبياتها قدر الإمكان. ويمثل هذا العمل دون شك مؤشراً على أحد المسارات التي يمكن أن نتبعها”.