ما هي محطات الطاقة الافتراضية؟ وكيف ستُعيد رسم ملامح مستقبل نظام الطاقة؟

5 دقيقة
كيف ترسم محطات الطاقة الافتراضية ملامح مستقبل نظام الطاقة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ME Image
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على مدى أكثر من قرن، كانت الصورة الشائعة لمحطات الطاقة مليئة بالمداخن العالية، وقطارات الفحم التي تمتد على مسافات شاسعة، والتوربينات الدوارة التي تصدر ضجيجاً عالياً. لكن المحطات التي ستزودنا بالطاقة في المستقبل ستكون مختلفة جذرياً؛ في الواقع، قد يكون أغلبها مجرداً من أي بنية فيزيائية. مرحباً بكم في عصر محطات الطاقة الافتراضية (VPPs).

يعني الانتقال من مصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والغاز إلى بدائل متجددة ومتغيرة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن أسلوبنا القديم في تشغيل أنظمة الطاقة يشهد تغييرات جديدة بعد أن اعتمدنا عليه عقوداً من الزمن.

حالياً، تعتمد الحكومات والشركات الخاصة على حد سواء على القدرات الكامنة لمحطات الطاقة الافتراضية للمساعدة في الحفاظ على انخفاض التكاليف وحماية الشبكة من الإجهاد.

وإليك فيما يلي كل ما تحتاج إلى معرفته عن محطات الطاقة الافتراضية، ولماذا قد تكون مهمة للغاية في مساعدتنا على توفير المزيد من الطاقة النظيفة وتخزين الطاقة.

اقرأ أيضا: كيف يساعد التحول الرقمي قطاع النفط والغاز على مواجهة الأزمة الحالية في الطاقة؟

ما هي محطات الطاقة الافتراضية؟ وكيف تعمل؟

محطة الطاقة الافتراضية هي نظام مؤلف من مجموعة من مصادر الطاقة الموزعة؛ مثل ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني، وشواحن السيارات الكهربائية، وسخانات الماء الذكية؛ التي تعمل معاً على إحداث توازن بين العرض والطلب على الطاقة على نطاق واسع، وعادة ما تديرها شركة الخدمات المحلية التي تشرف على عملية التوازن هذه.

تمثل محطة الطاقة الافتراضية وسيلة من أجل “دمج” مجموعة متنوعة من المصادر، على حد تعبير مدير معهد هندسة أنظمة الطاقة في جامعة ليهاي، رودي شانكر، بحيث تساعد الشبكة على الاستجابة للطلب المرتفع على الطاقة، مع تخفيض الأثر الكربوني لنظام الطاقة في الوقت نفسه.

وتنبع الطبيعة “الافتراضية” لمحطات الطاقة الافتراضية من كونها ليست مبنية فيزيائياً ضمن منشأة مركزية، على غرار محطة الفحم أو محطة الغاز. تتيح مجموعات البطاريات والألواح الشمسية التي تعمل بصورة منسقة تنفيذ الكثير من وظائف محطات الطاقة التقليدية، وذلك من خلال توليد الكهرباء وموازنة أحمال الطاقة.

كما أن هذه المحطات تتمتع بمزايا عديدة فريدة من نوعها.

يقول المدير في معهد روكي ماونتن الذي يركز على الكهرباء الخالية من الكربون، كيفن بريم، إن مقارنة محطات الطاقة الافتراضية بمحطات الطاقة التقليدية “تشبيه مفيد” غير أن محطات الطاقة الافتراضية “تنفذ بعض المهام المعينة بصورة مختلفة، ولهذا يمكنها تقديم خدمات تعجز عنها محطات الطاقة التقليدية”.

اقرأ أيضا: هل يمكن الحصول على وقود بديل نظيف ينافس الوقود العادي؟ شركة ناشئة تعد بذلك

من الاختلافات المهمة قدرة محطات الطاقة الافتراضية على التحكم في كيفية استخدام المستهلكين للطاقة في الزمن الحقيقي. فعلى عكس محطات الطاقة التقليدية، تستطيع محطات الطاقة الافتراضية التواصل مع موارد الطاقة الموزعة وتتيح لمشغلي الشبكة التحكم في الطلب الوارد من المستخدمين النهائيين.

على سبيل المثال، يمكن لمنظمات الحرارة الذكية المتصلة بوحدات تكييف الهواء أن تضبط درجات حرارة المنزل وتدير كمية الكهرباء التي تستهلكها تلك الوحدات. ففي أيام الصيف الحارة، تستطيع منظمات الحرارة تلك أن تبرد المنازل مسبقاً قبل ساعات الذروة التي تشهد زيادة حادة في استهلاك أنظمة التكييف الهوائي للطاقة. يمكن لتوزيع فترات التبريد عشوائياً أن يساعد على منع الزيادات الحادة والفجائية في الطلب، التي قد ترهق الشبكة وتتسبب بانقطاع التيار. وبالمثل، يمكن أن تتكيف شواحن السيارات الكهربائية مع احتياجات الشبكة، إما من خلال تقديم الكهرباء أو من خلال استهلاكها.

تتصل مصادر الطاقة الموزعة هذه مع الشبكة الكهربائية من خلال تكنولوجيات اتصال مثل الواي فاي والبلوتوث والخدمات الخلوية. إجمالاً، يمكن أن تؤدي إضافة محطات الطاقة الافتراضية إلى زيادة مرونة النظام بصفة عامة. ومن خلال تنسيق عمل مئات الآلاف من الأجهزة، يمكن لمحطات الطاقة الافتراضية أن تحدث أثراً إيجابياً في الشبكة، فهي تتحكم في الطلب وتقدم الطاقة وتحافظ على تدفق الكهرباء بصورة موثوقة.

ما مدى شعبية محطات الطاقة الافتراضية حالياً؟

كانت محطات الطاقة الافتراضية تُستَخدم في أغلب الأحيان وحتى فترة قريبة للتحكم في استخدام المستهلكين للطاقة. لكن تطور تكنولوجيات الطاقة الشمسية والبطاريات أتاح لشركات الخدمات الآن استخدام هذه التكنولوجيات لتقديم الكهرباء إلى الشبكة عند الحاجة.

وتقدر وزارة الطاقة في الولايات المتحدة قدرة محطة الطاقة الافتراضية بنحو 30 إلى 60 غيغاواط. يمثل هذا المجال من القيم نسبة تتراوح من 4% إلى 8% من ذروة الطلب على الكهرباء على مستوى البلاد (الولايات المتحدة)، وهي مجرد نسبة صغيرة ضمن النظام الإجمالي. غير أن بعض الولايات وشركات الخدمات العامة بدأت تسارع إلى إضافة المزيد من محطات الطاقة الافتراضية إلى شبكاتها.

وقد أثارت شركة غرين ماونتن باور (Green Mountain Power)، وهي أكبر شركة خدمات عامة في ولاية فيرمونت، ضجة إعلامية كبيرة العام الماضي عندما وسعت برنامجها المدعوم للبطاريات المنزلية. وقد أتاحت الشركة للعملاء خيار استئجار بطارية تسلا منزلية برسوم مخفضة، أو شراء بطارية خاصة بهم، مع تلقي مساعدة تصل إلى 10,500 دولار، إذا وافقوا على تقاسم الطاقة المخزنة مع شركات الخدمات العامة حسب الحاجة. تقول هيئة الخدمات العامة في فيرمونت، التي وافقت على البرنامج، إن هذه الطريقة تتيح أيضاً توفير الطاقة على نحو طارئ في حالات الانقطاع.

في ولاية ماساتشوستس، طبقت ثلاث شركات خدمات عامة وهي ناشيونال غريد (National Grid) وإيفرسورس (Eversource) وكيب لايت كومباكت (Cape Light Compact) برنامج محطات طاقة افتراضية، حيث تدفع الأموال إلى العملاء لقاء منحها صلاحية التحكم في بطارياتهم المنزلية.

وفي الوقت نفسه، ثمة جهود تُبذل في ولاية كولورادو لإطلاق أول نظام لمحطات الطاقة الافتراضية فيها. وتحث هيئة الخدمات العامة في كولورادو شركة إكسل إنيرجي (Xcel Energy)، وهي أكبر شركة خدمات عامة فيها، على تطوير برنامج تجريبي لمحطات الطاقة الافتراضية يعمل بكامل طاقته بحلول هذا الصيف.

ما أهمية محطات الطاقة الافتراضية في التحول إلى الطاقة النظيفة؟

يجب على مؤسسات تشغيل الشبكة الكهربائية تلبية احتياجات “ذروة الأحمال” السنوية أو اليومية، وهي لحظة وصول الطلب على الكهرباء إلى أعلى مستوى. ولتحقيق هذا الأمر، تلجأ هذه المؤسسات في أغلب الأحيان إلى استخدام محطات الطاقة “المخصصة للذروة” التي تعمل بالغاز، وهي محطات تبقى خاملة معظم أوقات السنة، حيث يجري تشغيلها خلال أوقات ارتفاع الطلب. وستخفض محطات الطاقة الافتراضية درجة اعتماد الشبكة على هذه المحطات المخصصة للذروة.

تسعى وزارة الطاقة حالياً إلى توسيع قدرة التوليد لمحطات الطاقة الافتراضية على مستوى البلاد لتبلغ قيمة تتراوح من 80 إلى 160 غيغاواط بحلول عام 2030. وهو ما يكافئ تقريباً التخلي عن بناء محطات توليد تعمل بالوقود الأحفوري تتراوح أعدادها من 80 إلى 160، على حد تعبير بريم.

يقول العديد من شركات الخدمات العامة إن محطات الطاقة الافتراضية يمكن أن تخفض فواتير الطاقة التي يدفعها المستهلكون، إضافة إلى تخفيض الانبعاثات. وتشير الأبحاث إلى أن الاعتماد على المصادر الموزعة خلال أوقات ذروة الطلب يحقق فعالية أكبر من حيث التكلفة بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالاعتماد على محطات الغاز.

من الميزات الأخرى المهمة لمحطات الطاقة الافتراضية، وإن كانت ميزة غير ملموسة، تشجيع الناس على زيادة مستوى مشاركتهم في نظام الطاقة. عادة ما يكتفي العملاء باستهلاك الكهرباء. أما ضمن نظام يتضمن محطات الطاقة الافتراضية، فسوف يستهلكون الطاقة ويقدمونها إلى الشبكة في الوقت نفسه. ويمكن لهذا الدور أن يسهم في تحسين إدراكهم لعمل الشبكة، ويعزز مشاركتهم في التحول نحو الطاقة النظيفة.

اقرأ أيضا: مواد جديدة قد تقلل استهلاك المكيفات للكهرباء وتزيد من كفاءتها

ما الخطوة التالية بالنسبة إلى محطات الطاقة الافتراضية؟

تقول وزارة الطاقة إن سعة التوليد لمصادر الطاقة الموزعة ترتفع بسرعة، وذلك بسبب الانتشار الواسع للسيارات الكهربائية ومحطات الشحن والأجهزة المنزلية الذكية. يؤدي وصل هذه التجهيزات مع أنظمة محطات الطاقة الافتراضية إلى تحسين قدرة الشبكة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الكهرباء في الزمن الحقيقي. ويقول شانكر إن استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً يمكن أن يساعد محطات الطاقة الافتراضية أيضاً في تحسين قدرتها على تنسيق مواردها المتنوعة.

بدأت الجهات الرقابية أيضاً تتحرك لمجاراة هذه التطورات. فقد بدأت الرابطة الوطنية لمفوضي هيئات تنظيم الخدمات العامة تعقد الاجتماعات وورشات العمل لتثقيف أعضائها حول محطات الطاقة الافتراضية وكيفية تطبيقها في ولاياتهم. ومن المقرر أن تبادر هيئة الطاقة في ولاية كاليفورنيا إلى تمويل الأبحاث لدراسة فوائد دمج محطات الطاقة الافتراضية في منظومة شبكتها الكهربائية. يقول بريم إن هذا النوع من الاهتمام الذي يبديه المشرعون جديد، لكنه واعد.

اقرأ أيضا: باحثون يتوصلون لطريقة لتوليد الكهرباء على نحو مستمر من الهواء

غير أن هذا التوجه لا يخلو من العقبات. فقد يكون الاشتراك في محطة طاقة افتراضية مربكاً بالنسبة إلى المستهلكين، لأن تفاصيل العملية تختلف بين الولايات والشركات. ويمكن أن يسهم تبسيط هذه العملية بالنسبة إلى الناس في مساعدة شركات الخدمات العامة على تحقيق أقصى استفادة من موارد الطاقة الموزعة، مثل السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية. كما يمكن لتوحيد معايير تطبيق محطات الطاقة الافتراضية أن يؤدي إلى تسريع نموها على مستوى البلاد، من خلال تسهيل تكرار المشاريع الناجحة في المناطق جميعها.

يقول بريم: “سيؤول كل شيء في نهاية المطاف إلى السياسات. فالتكنولوجيا المطلوبة أصبحت جاهزة. ونحن نواصل العمل على دراسة أفضل الطرق لتطبيق هذه الحلول، وتحسين تفاعلها مع المستهلكين”.