مواد جديدة قد تقلل استهلاك المكيفات للكهرباء وتزيد من كفاءتها

6 دقائق
مواد جديدة قد تقلل استهلاك المكيفات للكهرباء وتزيد من كفاءتها
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن لهذه المجموعة من المواد التي تتميز بخصائص مفاجئة أن تساعدنا قريباً في صنع مكيفات هوائية ذات فاعلية أعلى ولا تضغط كثيراً على الشبكة الكهربائية في الأيام الحارة.

مع استمرار تحطيم الأرقام القياسية للحر الشديد في جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على أجهزة التكييف ثلاث مرات في العقود القليلة المقبلة ليزيد استهلاك الطاقة بنحو 4,000 تيراواط ساعي تقريباً بين 2016 و2050، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، أو ما يكافئ تقريباً إجمالي الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة في 2022.

ولهذا، أصبح السعي الحثيث لبناء مكيفات هواء ذات فاعلية أعلى حاجة مُلحة على نحو متزايد. وعلى الرغم من أن بعض الشركات تركز على تحسين التصاميم الحالية، توجد شركات أخرى تسعى إلى تصميم أنظمة جديدة بالكامل تعتمد على مواد تسمى “المجفِّفات”، تستطيع هذه الأنظمة تبريد الهواء بفاعلية أعلى، حتى في مستويات الحرارة المرتفعة والرطوبة الشديدة، ما يخفف الضغط على الشبكة الكهربائية.

الاعتماد على المجففات في صناعة مكيفات الهواء الفعالة

يبرّد مكيف الهواء النموذجي المساحات الداخلية عن طريق ضخ سائل التبريد في دارة مغلقة وعبر مبادِلات حرارية، فيمتص الحرارة من الهواء الداخلي ويطلقها نحو الخارج. تعمل مضخات الحرارة وفق المبدأ نفسه، إما في الاتجاه المعاكس، وإما وفق أنظمة عكوسة قادرة على التبريد والتسخين بحسب الحاجة.

يزيد عمر هذه الطريقة المسماة “ضغط البخار” على 100 عام، وما يزال تصميمها الأساسي على حاله منذ اختراعه من دون تغيير يُذكر، وفقاً لأنكيت كالانكي، وهو مدير في برنامج الأبنية الخالية من الكربون في مجموعة الدراسات اللاربحية المختصة بالطاقة، معهد روكي ماونتن. يتطلب ضخ سائل التبريد ضمن الدارة وضغطه بما يكفي لنقل الحرارة إلى الخارج مقداراً كبيراً من الطاقة، لا سيما عندما تكون الحرارة مرتفعة للغاية، كما أن أنظمة ضغط البخار تتعامل مع الرطوبة والحرارة في آن واحد، وهذا جانب سلبي آخر. يقول كالانكي إن الحفاظ على بيئة منخفضة الرطوبة مهم للحفاظ على جو مريح داخل المبنى، ولكن يجب على المكيف تبريد الهواء كي يتمكن من سحب الرطوبة منه، وعدم وجود نظام مخصص للتعامل مع الرطوبة يجعل المباني في أغلب الأحيان “مُبَرّدة إلى درجة مبالغ فيها”، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة.  

بإمكان الأنظمة التي تتعامل مع عمليتي التبريد وإزالة الرطوبة كل على حدة أن تحافظ على حرارة مريحة داخل المبنى مع استهلاك أقل من الطاقة، ودرجة أعلى من المرونة للتكيف مع بيئات مختلفة. وثمة عدد متزايد من الشركات الناشئة التي تبحث عن مواد مجففة لتحقيق هذا الهدف.

اقرأ أيضاً: تجارب علمية واعدة لإنتاج كهرباء مستدامة من تيارات الهواء والثلوج

سحب الحرارة

المجففات مواد تمتص الرطوبة. فحبيبات السيليكا الموجودة في تلك الأكياس الصغيرة التي توضع مع الحقائب والأحذية الجديدة هي أحد أنواع المجففات، وهي مصممة للحفاظ على جفاف تلك المنتجات في أثناء شحنها حول العالم.

يمكن إضافة أنواع أخرى من المجففات إلى التصاميم الحالية للمكيفات، بحيث تمتص الماء من الهواء وتخفف الطاقة المطلوبة للحفاظ على جو مريح داخل الغرف. تعمل شركة ترانسيرا (Transaera)، المتفرعة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأُسست في 2018، على تطوير نظام هجين يستخدم نوعاً من المواد يسمى الهياكل الفلزّية العضوية. وبإضافة هذه المواد إلى المكيفات التي تعتمد على طريقة ضغط البخار، يستهلك النظام الذي صممته الشركة مقداراً أقل من الطاقة بنسبة 35% بالمقارنة مع النماذج المتوسطة الاستهلاك، وفقاً للرئيس التنفيذي لترانسيرا، سورين غراما.

غير أن شركات أخرى تسعى إلى استخدام المجففات في أنظمة تبريد تحل محل المكيفات التقليدية بالكامل. على سبيل المثال، تستخدم شركة بلو فرونتيير (Blue Frontier) في ولاية فلوريدا المجففات السائلة في بناء أنظمة التبريد. يختلف المكوّن الأساسي عن حبيبات السيليكا التي نجدها في علب الأحذية، ولكن المقارنة شائعة، وفقاً لأحد مؤسسي الشركة ورئيس قسم التكنولوجيا، مات تيلغمان، الذي يقول: “غالباً ما نسمع بهذه المقارنة”.

تعتمد تكنولوجيا التبريد التي ابتكرتها بلو فرونتيير، بدلاً من حبيبات السيليكا الصغيرة، على محلول ملحي فائق التركيز إلى درجة تتيح له سحب البخار من الهواء.

اقرأ أيضاً: كيف يساهم خفض تكاليف النوافذ الذكية في توفير استهلاك الطاقة؟

يعمل نظام التبريد من بلو فرونتيير بالطريقة التالية: أولاً، يمر تيار هوائي عبر قناة وفوق طبقة رقيقة من المادة المجففة، التي تسحب الرطوبة من الهواء. بعد ذلك، يمر الهواء الذي أصبح جافاً عبر مرحلة تبريد تبخيري، حيث تنخفض درجة حرارة الهواء (بالطريقة نفسها التي يبرِّد بها العرق جلدك)؛ في هذه المرحلة ينقسم الهواء إلى تيارين، يجري التيار الأول قرب طبقة رقيقة من الماء تمتص الطاقة وتخفّض درجة حرارة الهواء، ويُستخدم هذا الهواء الرطب والأبرد لتبريد سطح معدني، يمتص بدوره الحرارة من التيار الهوائي الآخر الذي ما زال جافاً، ثم يُمرر الهواء الرطب إلى الخارج ويُضخّ الهواء البارد الجاف إلى داخل المبنى.

التبخير هو طريقة تبريد تتسم بالفاعلية ومُستخدمة في الأجهزة المنخفضة التكلفة التي تسمى المبردات الهوائية (ويشار إليها أيضاً باسم المبردات الصحراوية أو المبردات التبخيرية)، وتستهلك مقداراً أقل من الكهرباء بنسبة 80% بالمقارنة مع المكيفات التقليدية. عادة ما تضيف هذه الأجهزة البخار إلى الهواء لتبريده، ولكن هذه الطريقة فعالة فقط عندما يكون الهواء جافاً في المقام الأول، ولهذا ينحصر استخدامها بالبيئات الجافة فقط، مثل جنوب غرب الولايات المتحدة.

إلا أنه باستخدام التبريد التبخيري مع المجففات، يستطيع نظام بلو فرونتيير أن يعمل في أي مناخ عملياً، على حد تعبير تيلغمان. أيضاً، يمكن تعديل طريقة عمل الجهاز للتعامل مع التغيرات التي تطرأ على الطقس أو على عتبة ضبط المنظم الحراري، وذلك بتغيير التوازن بين التبريد وإزالة الرطوبة، ما يمكن أن يساعد على تحقيق المزيد من المكاسب الناجمة عن الكفاءة. يمكن استخدام الطريقة التي ابتكرتها الشركة لتخفيض الاستهلاك السنوي للكهرباء بنسبة إجمالية تتراوح ما بين 50% و80% -وفقاً للبيئة المحيطة- بالمقارنة مع نظام التكييف التقليدي، وفقاً لتيلغمان.

اقرأ أيضاً: هل سنشهد تزايد تبني طاقة الرياح في المستقبل؟

وضع حساس

تُستخدم المجففات السائلة حالياً في بعض الأحيان لإزالة الرطوبة من المستودعات أو المصانع التي تحتاج إلى التحكم الدقيق في درجة رطوبة الهواء، مثل مصانع الأدوية أو الإلكترونيات. ولكنها لم تُستخدم على نطاق واسع في التبريد، ويُعزى هذا جزئياً إلى تكاليفها الباهظة. على سبيل المثال، تعرضت مادة كلوريد الليثيوم -إحدى المواد النموذجية في هذه الصناعات- إلى زيادات حادة في الأسعار ونقص في التوريد بسبب الطلب عليها لاستخدامها في بطاريات الليثيوم أيون. إضافة إلى هذا، فقد تسبب هذه المواد التآكل. (من الجدير بالذكر أن بلو فرونتيير تستخدم مادة مجففة جديدة لا تتسبب بهذه المشاكل، وفقاً لتيلغمان).

لطالما كان الافتقار إلى طريقة لإعادة شحن المواد المجففة بفاعلية أحد أكبر العوائق التي تمنع استخدام التبريد بالمواد المجففة على نطاق واسع. فالمجففات شبيهة بالإسفنج تمتص كمية محدودة من الماء قبل أن تصبح بحاجة إلى نزع الماء منها، أو إعادة تشكيلها.

ولهذا، يحتاج نظام التبريد بالمجففات، إضافة إلى الأجزاء التي تجفف الهواء وتبرده، إلى جزء مخصص لإعادة توليد المجفف، وإطلاق الماء ضمن تيار هوائي آخر يُضخ بدوره إلى الخارج.

يمكن إعادة توليد معظم المجففات من خلال التسخين، الذي يحرر الماء من المادة، ولكن هذه المرحلة قد تستهلك الكثير من الطاقة، وغالباً ما تتضمن أنظمة تعتمد على المراجل التي تعمل بالوقود الأحفوري.

اقرأ أيضاً: مادة تطلق الحرارة نحو الفضاء قد تعيد اختراع تكييف الهواء

بدلاً من ذلك، تستخدم بلو فرونتيير مضخة حرارية لإعادة توليد المجفف. تزيد المضخة الحرارية استهلاك الطاقة، وعلى الرغم من أن نظام التبريد قد يعمل على نحو متواصل خلال الأيام الصيفية الحارة، فمن الممكن تشغيل نظام إعادة التوليد في المساء أو خلال الليل، عندما يقل الضغط على الشبكة الكهربائية، وتكون أسعار الكهرباء أقل، وفقاً لتيلغمان. يمكن لهذه الطريقة التي يعتمد عليها نظام بلو فرونتيير لتخفيف استهلاك طاقة إعادة التوليد أن تساعد على تخفيف ذروة استهلاك الطاقة بنسبة تتراوح من 80% إلى 90%.

تدرس شركات ناشئة أخرى إمكانية التخلص من الحاجة إلى الحرارة بالكامل. وتأمل شركة زيفير (Zephyr)، التي تتخذ من مدينة بوسطن مقراً لها، أن تستخدم الأغشية الرقيقة لفلترة الماء من المجففات السائلة لإعادة توليدها، على نحو مماثل لاستخدام هذه العملية لسحب الأملاح من المياه في منشآت التحلية.

أجرت زيفير عرضاً تجريبياً لنظامها في يوليو/ تموز، وتخطط لتجميع نموذج أولي لنظام تبريد بحجم مختبر كامل في وقت لاحق من هذه السنة. ومن المحتمل أن تصل نسبة توفير الكهرباء لجهازها للتبريد بالمجففات إلى 45% بالمقارنة مع أفضل أنواع مكيفات ضغط البخار المتوفرة حالياً في الأسواق، وفقاً لأحد مؤسسي زيفير والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا فيها، جيكوب ميلر.

حالياً، تجري بلو فرونتيير اختباراً تشغيلياً لنظامي تبريد، أحدهما في فلوريدا والآخر في كندا، وتخطط الشركة لتركيب عدة عشرات من الأنظمة في أواخر 2023 وفي 2024، وفقاً لتيلغمان.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لهذا الجهاز الجديد أن يبرد المنزل باستخدام دفء الشمس؟

تركز كلتا الشركتين الناشئتين أولاً على الأنظمة المخصصة للمباني التجارية الضخمة، ولكن يمكن لاحقاً تعديل هذه الأنظمة لتبريد المنازل، بل حتى الشقق الإفرادية، وفقاً لتيلغمان. ويضيف قائلاً إن الأنظمة الأولى من بلو فرونتيير ستكون تكلفتها أكبر من المكيفات الحالية في البداية، على الرغم من أنه يُفتَرض بها أن تعوّض هذه التكاليف من خلال وفورات الطاقة في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.

قد تصبح تكنولوجيا التبريد الفعالة ضرورية للغاية لمساعدة المزيد من الناس على العيش والعمل في بيئات آمنة دون إرهاق الشبكات الكهربائية. يقول كالانكي: “إذا تأملنا الاحترار العالمي، ووتيرة ارتفاع درجات الحرارة، فسيتعين علينا توفير التبريد للناس. لم تعد هذه المسألة اليوم مجرد مسألة راحة حرارية أو شعور بالقدرة على تحقيق إنتاجية عالية، بل أصبحت مسألة مساواة أيضاً”.