ما الذي قد تتمكن الطائرات المسيّرة من فعله في السنوات القادمة؟

10 دقيقة
ما الذي قد تتمكن الطائرات المسيرة من فعله في السنوات القادمة؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Barillo_Picture

ملخص: شهدت الطائرات المسيرة تطوراً كبيراً على مدار العقدين الماضيين، لكن كان استخدامها محدوداً بسبب العديد من العوائق والقوانين التي تنظّم استخدامها، وأهمها قاعدة "خط النظر" التي تنصُّ على أن على الطيارين يجب أن يكونوا قادرين على رؤية طائراتهم طوال الوقت، ما جعل مدى استخدامها محدوداً. لكن وجودها كان مساعداً في الكثير من الأحيان، كما في حالات البحث عن الناجين من الكوارث أو إيصال المساعدات والأدوية وإيصال الطرود (ولو على نطاقٍ ضيق)، وقد ساعدت رجال الشرطة على إنفاذ القانون. ومؤخراً، قد تتغير القوانين التي تنظّم عملها، ما يعني توسع مجالها، لكن يُثير ذلك مخاوف بشأن الخصوصية، فقد يشعر المرء بأنه تحت المراقبة بمجرد خروجه من المنزل، كما أنها تُستخدم في الحروب، فقد جرى استخدام الطائرات المسيّرة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية بصورة مكثّفة، في استطلاع الأضرار، والعثور على الأهداف وتتبعها، والإسقاط الجوي للأسلحة. والتساؤل البارز أمام توسيع استخدامها هو ما مستوى التحكم الذي يمكن أن نمنحه لآلة قد تكون قاتلة.

كانت الطائرات المسيّرة إحدى التكنولوجيات الأساسية لدى الجيوش والهواة وفرق الإنقاذ والاستجابة الأولية على حد سواء لأكثر من عقد من الزمن، وخلال تلك الفترة، شهد نطاق الطرازات والتقنيات المختلفة المتاحة توسعاً كبيراً للغاية. لم تعد الطائرات المسيّرة محصورة بالمروحيات الرباعية (quadcopters) الصغيرة المزودة ببطاريات لا تدوم طويلاً، فقد أصبحت الآن تساعد في عمليات البحث والإنقاذ، وتُحدِث تغييراً جذرياً في النزاعات المسلحة التي يشهدها العالم اليوم، وتوصل طروداً حساسة تجاه عامل الوقت من المواد الطبية، كما أن المليارات من الدولارات أصبحت مخصصة لبناء الجيل الجديد من الأنظمة الذاتية التحكم بالكامل.

اقرأ أيضاً: مشروع لاستخدام الطائرات المسيرة لاستمطار السحب في الإمارات

تطور كبير في الطائرات المسيّرة يقابله العديد من التساؤلات المُلحّة

لكن هذه التطورات تُثير عدداً من الأسئلة: هل الطائرات المسيّرة آمنة بما يكفي حتى تطير في المدن والأحياء المكتظة بالسكان؟ وهل يمثّل استخدام الشرطة الطائرات المسيّرة للتحليق فوق موقع يشهد حدثاً أو مظاهرة ما انتهاكاً لخصوصية الناس؟ ومن يقرر ما هو المستوى المقبول من التحكم الذاتي للطائرة المسيّرة (أي مستوى الاستقلالية في العمل) في مناطق المعارك والمواجهات العسكرية؟

لم تعد هذه الأسئلة تدور حول مواضيع افتراضية بعد الآن. فقد أدّت التطورات في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وأجهزة الاستشعار، إضافة إلى انخفاض أسعارها وتخفيف صرامة اللوائح التنظيمية والقانونية المتعلقة بها، إلى جعل الطائرات المسيّرة أقل تكلفة وأسرع وأعلى قدرة من ذي قبل. نقدّم فيما يلي نظرة على أربعة من أهم التغييرات التي ستطرأ على تكنولوجيا الطائرات المسيّرة في المستقبل القريب.

أساطيل الطائرات المسيّرة التابعة للشرطة

حالياً، توجد برامج للطائرات المسيّرة لدى أكثر من 1,500 من أقسام الشرطة في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات التتبع الذي يجريه موقع أطلس المراقبة (Atlas of Surveillance) الذي يوفّر قاعدة بيانات متخصصة في هذا المجال عبر الإنترنت. يستخدم طيارو الشرطة المدربون الطائرات المسيّرة لأغراض عمليات البحث والإنقاذ، ومراقبة الأحداث الكبيرة والحشود، وغير ذلك من الأغراض. على سبيل المثال، نجحت إدارة الشرطة في مدينة سكوتسديل بولاية أريزونا في استخدام طائرة مسيّرة لتحديد موقع رجل مسن مفقود ومصاب بالخَرَف، على حد قول مساعد قائد الشرطة في سكوتسديل، ريتش سلافين. ويُضيف قائلاً إن تجارب إدارة شرطة المدينة مع الطائرات المسيّرة كانت مفيدة لكنها محدودة حتى الآن، غير أن طياريها كانوا مقيدين في أغلب الأحيان بسبب قاعدة "خط النظر" التي فرضتها إدارة الطيران الفيدرالية، أو اختصاراً "إف أيه أيه" (FAA). تنصُّ القاعدة على أن الطيارين يجب أن يكونوا قادرين على رؤية طائراتهم طوال الوقت، ما يحدُّ من مدى الطائرة المسيّرة كثيراً.

لكن هذا سيتغير قريباً؛ ففي الأشهر المقبلة، ستضع شرطة سكوتسديل على أحد الأسطح في مكان ما في المدينة طائرة مسيّرة جديدة للشرطة، وهي قادرة على الإقلاع والطيران والهبوط بصورة ذاتية. يقول سلافين إن إدارة شرطة المدينة تسعى للحصول على إعفاء من إدارة الطيران الفيدرالية حتى تصبح قادرة على التحليق بطائراتها المسيّرة على مدى يتجاوز خط النظر. (وقد تلقت المئات من وكالات الشرطة إعفاءات من إدارة الطيران الفيدرالية منذ أن منحت أول إعفاء في 2019). تستطيع الطائرة المسيّرة التحليق بسرعات تصل إلى 92 كيلومتراً في الساعة تقريباً، وستطير لتنفيذ مهام تبعد مسافة تصل إلى 5 كيلومترات تقريباً عن محطة إرسائها، وتقول إدارة الشرطة إنها ستستخدمها في مهام مثل تعقب المشبوهين أو تقديم معلومات مرئية لضابط ينتظر الحصول على الدعم عند أحد المواقف المرورية.

يقول سلافين: "لقد كانت إدارة الطيران الفيدرالية أكثر انفتاحاً بكثير من حيث كيفية انتقالنا إلى هذا النطاق". هذا يعني أن منظر (وصوت) الطائرات المسيّرة التابعة للشرطة وهي تحلّق فوق الرؤوس قد يصبح أكثر انتشاراً بكثير في أرجاء البلاد كافة.

تقول إدارة شرطة سكوتسديل إن الطائرة المسيّرة، التي ستشتريها من شركة أيرودوم (Aerodome) ستمثّل انطلاقة برنامج الاستجابة الأولية باستخدام الطائرات المسيّرة لديها، وستضطلع بدور واضح في مركز الإدارة الجديد، الذي يحمل اسم "مركز مكافحة الجريمة في الزمن الحقيقي" (real-time crime center). أصبحت هذه الأنواع من المراكز الأكثر انتشاراً من ذي قبل لدى إدارات الشرطة في الولايات المتحدة، حيث تُتيح للسلطات في المدن جمع الكاميرات وأنظمة قراءة لوحات أرقام المركبات والطائرات المسيّرة وغيرها من طرق المراقبة لمتابعة أي وضع بصورة فورية. أثارت نهضة هذه المراكز، وما تتسم به من اعتماد على الطائرات المسيّرة، الكثير من الانتقادات من جانب أنصار الخصوصية، الذين يقولون إن هذه المراكز تجري الكثير من عمليات المراقبة دون أي شفافية تستحق الذكر حول أساليب استخدام المقاطع المأخوذة من الطائرات المسيّرة وغيرها من المصادر ومشاركتها.

في 2019، كانت إدارة الشرطة في مدينة تشولا فيستا بولاية كاليفورنيا أول جهة تتلقى إعفاء يسمح لها بالتحليق إلى ما يتجاوز خط النظر من إدارة الطيران الفيدرالية. وقد أثار البرنامج انتقادات حادة من أفراد التجمعات السكانية المحلية، الذين ادعوا أن إدارة الشرطة لم تكن شفافة معهم بشأن الصور التي جمعتها، أو حول كيفية استخدامها لهذه الصور.

يقول كبير محللي السياسات في مشروع الخطاب والخصوصية والتكنولوجيا (Speech, Privacy, and Technology Project) في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (American Civil Liberties Union)، جاي ستانلي، إن هذه الإعفاءات تؤدي إلى تفاقم مشاكل الخصوصية المتعلقة بالطائرات المسيرة. وإذا استمرت إدارة الطيران الفيدرالية بمنحها، فستتمكن إدارات الشرطة من تغطية مساحات أكبر من المدن بالطائرات المسيّرة بصورة غير غير مسبوقة، وذلك في ظل مشهد قانوني ضبابي حول إمكانية اعتبار هذا العمل انتهاكاً للخصوصية.

ويقول: "إذا تراكمت الاستخدامات المختلفة لهذه التكنولوجيا، فسنجد أنفسنا في نهاية المطاف في عالم سيشعر فيه المرء منذ اللحظة التي يغادر فيها منزله، كأنه خاضع لمراقبة دائمة من السماء تفرضها مؤسسات فرض القانون. قد يؤدي هذا الأسلوب إلى بعض الفوائد الحقيقية، لكنه في حاجة ماسة أيضاً إلى الكثير من الضوابط والتوازنات الصارمة".

تقول شرطة سكوتسديل إنها يمكن أن تستخدم الطائرة المسيرة في عدد من السيناريوهات المختلفة، مثل الاستجابة لعملية سطو جارية، أو تعقب سائق مشتبه بصلته بعملية اختطاف. لكن الفائدة الحقيقية، كما يقول سلافين، تنبع من ربطها بالتكنولوجيات الحالية، مثل الأنظمة الآلية لقراءة لوحات أرقام المركبات، والمئات من الكاميرات الموزعة في أرجاء المدينة. ويقول: "يمكن لهذه الطائرة الوصول إلى الوجهات المطلوبة بسرعة كبيرة للغاية. وتقدّم لنا معلومات استخبارية في الزمن الحقيقي، وتساعدنا على الاستجابة للأوضاع المختلفة بصورة أسرع وأذكى".

وعلى حين قد تستفيد إدارات الشرطة بالفعل من الطائرات المسيّرة في هذه الأوضاع، يقول ستانلي إن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية وجد أن الكثير من إدارات الشرطة يستخدم هذه الطائرات في حالات اعتيادية أكثر من ذلك، مثل حالات الإبلاغ عن طفل يرمي كرة على مرآب، أو "أشخاص مشبوهين" في منطقة ما.

ويقول: "يُثير هذا الأمر التساؤلات حول إمكانية تحول هذه البرامج في نهاية المطاف إلى مجرد أسلوب آخر تتبعه وكالات فرض القانون لتشديد مراقبة المجتمعات المحلية الضعيفة وتضييق الخناق عليها عند وقوع أدنى تجاوز صغير من أي نوع".

اقرأ أيضاً: 4 طرق تستخدم فيها الشرطة بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي لإنفاذ القانون

التوصيل باستخدام الطائرات المسيّرة مرة أخرى

قد تكون عمليات التوصيل الجوي إلى المنازل أكثر تكنولوجيات الطائرات المسيّرة إثارة للحماسة والضجيج الإعلامي. فعلى مدى الأعوام الماضية، نشرت الشركات التكنولوجية تصاميم ترويجية مستقبلية لطائرة مسيّرة تضع طرداً على عتبة بابك بعد ساعات فقط من طلبك. لكن هذه الشركات لم تتمكن قط من توسيع هذه الطموحات حتى تتجاوز مرحلة المشاريع التجريبية الصغيرة النطاق، على الأقل في الولايات المتحدة، ويعود ذلك بنسبة كبيرة إلى قواعد خط النظر التي تفرضها إدارة الطيران الفيدرالية، مرة أخرى.

لكننا سنشهد هذا العام تغيرات على صعيد اللوائح التنظيمية. كان برنامج برايم آير (Prime Air) في شركة أمازون يقتصر في السابق على التحليق بطائراته المسيّرة ضمن نطاق خط نظر الطيار، على غرار إدارات الشرطة. ويعود هذا إلى أن طياري الطائرات المسيّرة ليس لديهم رادار، أو أنظمة للتحكم في حركة المرور الجوي، أو أي من الأنظمة الأخرى التي يعتمد عليها الطيران التجاري لمراقبة المسارات الجوية والحفاظ على سلامتها. للتعويض عن هذا، أمضت أمازون أعواماً عدة في تطوير نظام يمكن تركيبه على متن الطائرة المسيّرة يتيح لطائراتها المسيّرة كشف الأجسام القريبة منها وتجنب حوادث التصادم. تقول الشركة إنها أظهرت لإدارة الطيران الفيدرالية في العروض التوضيحية أن طائراتها المسيّرة تستطيع أن تطير بأمان في المجالات الجوية نفسها التي تطير فيها الحوامات والطائرات (الاسم الذي يشير عادة للطائرات التي تعتمد على الأجنحة في طيرانها) ومناطيد الهواء الساخن.

في مايو/أيار، أعلنت أمازون أن إدارة الطيران الفيدرالية منحتها إعفاء وإذناً لتوسيع عملياتها في ولاية تكساس، وذلك بعد مرور أكثر من عقد على بدء مشروع برايم آير. وفي يوليو/تموز، أزالت إدارة الطيران الفيدرالية عقبة أخرى، حيث سمحت لشركتي زيبلاين (Zipline) وشركة وينغ أفييشن (Wing Aviation) التابعة لشركة جوجل بالتحليق في المجال الجوي نفسه دون الحاجة إلى المراقبة البصرية.

وعلى حين قد يعني هذا أن فرصتك في تلقي طرد عبر طائرة مسيرة قد ازدادت زيادة طفيفة، فإن عمليات التوصيل الطبية قد تمثل حالة الاستخدام الأكثر إلحاحاً. أمضت الأستاذة المساعدة المختصة بسلاسل التوريد في جامعة ميسوري في مدينة سان لويس، شاكيبا عنايتي، أعواماً عدة في إجراء الأبحاث حول إمكانية استخدام الطائرات المسيرة لتنفيذ المرحلة النهائية من عمليات توصيل اللقاحات، والمستحضرات المضادة للسموم، والأعضاء، والدم، إلى الأماكن النائية. وتقول إن دراساتها وجدت أن الطائرات المسيرة يمكن أن تحدث تغييراً جذرياً في عمليات توصيل الإمدادات الطبية إلى التجمعات السكانية التي لا تحظى بمستوى جيد من الخدمات، وإذا وسعت إدارة الطيران الفيدرالية نطاق هذه التعديلات في لوائحها التنظيمية، فقد يؤدي هذا إلى إحداث أثر حقيقي.

وتقول إن هذا ينطبق على وجه الخصوص في المراحل التي تسبق عمليات زراعة الأعضاء. فقبل نقل العضو إلى المتلقي، يجب نقل عدد من اختبارات الدم ذهاباً وإياباً للتأكد من إمكانية تقبل جسم المتلقي للعضو الجديد، وقد تستغرق هذه المسألة وقتاً طويلاً إذا جرى نقل الدم باستخدام السيارة، أو حتى الحوامة. تقول عنايتي: "في هذه الحالات، يمثل الوقت مسألة حساسة للغاية". إذا أصبح استخدام الطائرات المسيرة مسموحاً في هذه الخطوة على نطاق واسع، فسيكون ذلك بمثابة تحسنٍ كبير.

وتقول: "إذا استخدمنا هذه التكنولوجيا في دعم احتياجات عمليات توصيل الأعضاء، فستحدث تغييراً كبيراً في مثل هذا المجال المهم".

قد يتحقق هذا التطور الجديد قبل أن يبدأ الاستخدام الفعلي للطائرات المسيّرة في توصيل أعضاء حقيقية، حيث يجب نقل هذه الأعضاء في ظل ظروف محكمة للغاية للحفاظ عليها.

نقل سلسلة التوريد الخاصة بالطائرات المسيّرة إلى النطاق المحلي

أصبح قانون أمن الطائرات المسيّرة الأميركي نافذاً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث يمنع الوكالات الفيدرالية من شراء الطائرات المسيّرة من بلدان تشير الدلائل إلى أنها تمثّل خطراً على الأمن القومي الأميركي، مثل روسيا والصين. هذا أمر مهم. تحتل الصين موقع الصدارة دون منازع في تصنيع الطائرات المسيّرة وقطع الغيار الخاصة بها، حيث تمثّل الطائرات المسيّرة التي صنعتها شركة دي جي آي (DJI) الموجودة في مدينة شينجن الصينية 90% من الطائرات المسيّرة التي تستخدمها مؤسسات فرض القانون في الولايات المتحدة، كما أن نسبة كبيرة من الطائرات المسيّرة التي يستخدمها كلا طرفي النزاع في أوكرانيا هي من صنع شركات صينية.

يمثّل قانون أمن الطائرات المسيّرة الأميركي جزءاً من توجه يرمي إلى تخفيف الاعتماد على الصين. (في هذه الأثناء، تعمل الصين على تشديد القيود المفروضة على تصدير الطائرات المسيّرة ذات الاستخدامات العسكرية) في إطار هذا القانون، بادرت وحدة الابتكار الدفاعي في وزارة الدفاع الأميركية إلى تأسيس القائمة المرخصة الزرقاء للأنظمة الجوية غير المأهولة (Blue UAS Cleared List)، وهي قائمة من الطائرات المسيرة وقطع الغيار التي درستها الوكالة وسمحت بشرائها. تنطبق القائمة على الوكالات الفيدرالية والبرامج التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً، ما يعني في أغلب الأحيان إدارات الشرطة الخاصة بالولايات أو غيرها من الوكالات غير الفيدرالية.

بما أن الولايات المتحدة مستعدة لإنفاق مبالغ ضخمة على الطائرات المسيرة –حيث خصصت مليار دولار فقط لمبادرة ريبليكيتور (Replicator) التابعة لوزارة الدفاع- فقد أصبح الانضمام إلى القائمة الزرقاء مسألة مهمة للغاية. هذا يعني أن هذه الوكالات الفيدرالية تستطيع عقد صفقات شراء ضخمة دون الحاجة إلى خوض إجراءات روتينية كثيرة.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل شركة ميتوان الصينية على توصيل طلبات الطعام بالطائرات المسيرة؟

يقول الرئيس التنفيذي لشركة أنيوجوال ماشين (Unusual Machine) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها -وهي شركة تصنع قطع الطائرات المسيرة- آلان إيفانز، إن القائمة تسببت باندفاع شركات الطائرات المسيرة بشدة نحو محاولة التوافق مع المعايير الأميركية. تصنع شركته نظام تحكم في الطيران من منظور الشخص الأول، ويأمل بأن يصبح هذا النظام الأول من نوعه الذي يحظى بالموافقة للانضمام إلى القائمة الزرقاء.

من المستبعد أن يؤثّر قانون أمن الطائرات المسيّرة الأميركي في عمليات الشراء التي يجريها القطاع الخاص داخل الولايات المتحدة للطائرات المسيّرة التي يستخدمها مصورو الفيديو ومتسابقو الطائرات المسيّرة والهواة، حيث ستبقى النسبة الأكبر من هذه الطائرات من إنتاج الشركات التي تتخذ من الصين مقراً لها، مثل دي جي آي. وهذا يعني أن أي شركة من شركات الطائرات المسيّرة في الولايات المتحدة، في المدى المنظور على الأقل، لن تتمكن من الاستمرار في العمل إلّا من خلال العمل على تلبية احتياجات سوق الدفاع الأميركية.

يقول إيفانز: "هذا يعني عملياً أن أي شركة أميركية ترفض المساهمة في المجال الدفاعي بصورة ثانوية، ستجد نفسها عرضة للخسائر".

سيظهر الأثر الحقيقي لهذا القانون في الأشهر المقبلة: بما أن السنة المالية في الولايات المتحدة تنتهي في أيلول/سبتمبر، يقول إيفانز إنه يتوقع أن تبادر وكالات عديدة إلى إنفاق تمويلها المهدد بالفقدان في حال عدم استخدامه على طائرات مسيرة وقطع طائرات مسيرة مصنوعة في الولايات المتحدة في الشهر المقبل. ويقول: "سيكون هذا بمثابة مؤشر على الوجود الفعلي لهذه السوق، والمقدار الفعلي للأموال التي ستصب فيها".

الأسلحة الذاتية التحكم في أوكرانيا

اتخذت حرب الطائرات المسيّرة في أوكرانيا في أغلب الأحيان منحى الاستنزاف. فقد جرى استخدام الطائرات المسيّرة منذ بداية الحرب بصورة مكثفة، في استطلاع الأضرار، والعثور على الأهداف وتتبعها، والإسقاط الجوي للأسلحة، لكن هذه الطائرات المسيرة الرباعية المراوح تدوم فقط 3 رحلات وسطياً قبل أن يجري إسقاطها أو تصبح غير قابلة للتوجيه بسبب التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ولهذا، فقد منحت أوكرانيا وروسيا أولوية خاصة لتجميع أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة التي من المتوقع ألا تدوم وقتاً طويلاً في المعركة.

أمّا الآن، فإن الدولتين مضطرتان لإعادة النظر في هذا الأسلوب، كما يقول مؤسس مؤسسة تيك إكستشينج (Tech Exchange) البريطانية الأوكرانية غير الربحية التي تساعد الشركات الناشئة المشاركة في المجهود الحربي الأوكراني وعملية إعادة الإعمار اللاحقة في نهاية المطاف على جمع رأس المال، أندريه دوفبينكو. ويقول إنه عندما كان يعمل مع شركات صناعة الطائرات المسيّرة في أوكرانيا، شهد تحول الطلب على هذه التكنولوجيا من الشحنات الكبيرة من الطائرات المسيّرة التجارية البسيطة إلى حاجة مُلحّة إلى الطائرات المسيّرة التي تستطيع المناورة والتوجه ذاتياً ضمن بيئة يطغى عليها التشويش المضاد لنظام تحديد المواقع العالمي. تعاني نسبة 70% من الخطوط الأمامية للعمليات العسكرية من التشويش، كما يقول دوفبينكو، ولهذا يركّز الاستثمار الروسي والأوكراني حالياً على الأنظمة الذاتية التحكم.

اقرأ أيضاً: باحثون من جامعة أبوظبي يطوّرون نظاماً لاستشعار حرائق الغابات وإخمادها في غضون بضع دقائق

هذه ليست بالمسألة السهلة؛ فعادة ما يعتمد طيارو الطائرات المسيّرة على نظام بث الفيديو من الطائرة المسيّرة، بالإضافة إلى تكنولوجيا تحديد المواقع التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي، غير أنه لا يمكن استخدام أي من هذين النظامين ضمن البيئة التي يطغى عليها التشويش. بدلاً من ذلك، تعمل الطائرات المسيّرة الذاتية التحكم بالاعتماد على عدة أنواع من أنظمة الاستشعار التي تسمح لها بالمناورة والتوجه بنفسها، مثل الليدار (LiDAR)، على الرغم من أن هذا قد يكون صعباً في الضباب أو غيره من الأحوال الجوية العاصفة. تتميز الطائرات المسيّرة الذاتية التحكم بأنها تكنولوجيا جديدة وسريعة التغير، وما زالت تخضع للاختبارات لدى الشركات الموجودة في الولايات المتحدة، مثل شيلد أيه آي (Shield AI). أصبحت الاحتمالات المفتوحة على مصراعيها أشد خطراً مع تطور الحرب في أوكرانيا، وأدّت إلى تزايد الضغوط نحو استخدام طائرات مسيّرة ذاتية التحكم بتصاميم موثوقة وتكاليف معقولة.

أيضاً، يُثير الانتقال نحو الأسلحة الذاتية التحكم تساؤلات جدية، لكن معظمها ما زال دون إجابة حتى الآن، حول نطاق عملية اتخاذ القرار الذي يمكن السماح بعدم تدخل البشر فيه. مع احتدام الحرب وتزايد الحاجة إلى أسلحة أكثر قدرة، من المرجّح أن تتحول أوكرانيا إلى ساحة اختبار للحدود الأخلاقية، سواء من حيث وجودها في المقام الأول، أو كيفية تحديدها. لكن دوفبينكو يقول إنه من المحال إيقاف المعارك للعثور على هذه الحدود ضمن حرب مشتعلة.

ويقول: "ثمة سؤال أخلاقي يتعلق بمستوى التحكم الذاتي الذي يمكن منحه لآلة قاتلة. هذا السؤال غير مطروح حالياً في أوكرانيا، لأن البقاء على الحياة هو أهم شيء هناك".