كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في عمل الشرطة ومنع الجريمة قبل وقوعها؟

7 دقيقة
كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في عمل الشرطة ومنع الجريمة قبل وقوعها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ProStockStudio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدى استخدام التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تغيير طريقة عمل الشرطة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الآن قادرة على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات، والتي يمكن استخدامها لتحديد الأنماط والتنبؤ بالجريمة، وهو ما يمكن أن يساعد أفراد جهات إنفاذ القانون على اتخاذ قرارات أفضل وتحسين أوقات الاستجابة، وحتى تقليل عدد الاعتقالات غير الصحيحة.

ومع ذلك، يثير استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمل تقليدي يتطلب عادةً الرجوع إلى الحدس البشري أسئلة مهمة حول الخصوصية، والتحيز، والمساءلة، وفي هذا المقال نستكشف كيف تُستخدم الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي، وسبب اهتمام الحكومات بدمج أحدث التكنولوجيات في عمل الشرطة وأبرز المخاوف المرتبطة بها.

الشرطة المبنية على البيانات: تسخير المعلومات لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً

برزت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأداة قوية في تعزيز منع الجريمة والكشف عنها لوكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، حيث مكّن دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي وقدرات التعلم الآلي سلطات إنفاذ القانون من تحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، ما ساعد على تحديد الأنماط، والتنبؤ بالسلوك الإجرامي ومنع الهجمات المحتملة.

علاوة على ذلك، فإن إحدى الفوائد الملحوظة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في منع وقوع الجريمة هي قدرته على تحليل البيانات من مصادر متعددة وكشف الارتباطات الخفية التي قد تمر دون أن يلاحظها المحللون البشر. فمن خلال الاستفادة من الخوارزميات المتقدمة يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديد العلاقات المعقدة داخل مجموعات البيانات، ما يسمح بالتنبؤ بشكل أكثر دقة بالأنشطة الإجرامية، وهو ما يمكن أن يساعد في تخصيص موارد الشرطة بشكل أكثر كفاءة وفعالية، والتركيز على المناطق التي ترتفع فيها معدلات الجريمة ونشر الأفراد حيثما تشتد الحاجة إليهم.

اقرأ أيضاً: 4 توجهات أحدثت تغييراً في نظرتنا للذكاء الاصطناعي عام 2023

تجدر الإشارة هنا إلى  مفهوم الشرطة التنبؤية (Predictive Policing) التي تستخدم الأنظمة الرياضية لتحليل مجموعات كبيرة من البيانات، بما في ذلك بيانات الجرائم التاريخية للمساعدة في تحديد مكان نشر الشرطة أو تحديد الأفراد الذين يُزعم أنهم أكثر عرضة لارتكاب جريمة أو أن يكونوا ضحية لها. وما يتيح تطبيق هذا المفهوم على نطاق أوسع اليوم هو  أن معظم البنى التحتية للمدن الرئيسية حول العالم أصبحت أكثر ذكاءً واتصالاً، وهو ما يوفر لسلطات إنفاذ القانون مصادر معلومات في الوقت الفعلي، بدءاً من الكاميرات الأمنية إلى المصابيح الذكية التي يمكن استخدامها للكشف عن الجرائم فور حدوثها أو توقعها.

على سبيل المثال، تستخدم شركة ساوند ثينكينغ (SoundThinking) التي تعمل على تطوير أجهزة الأمن الرقمي، نظاماً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يُسمى شوت سبوتر (ShotSpotter) لكشف مواقع إطلاق النار في المدن من خلال تحليل الأصوات الصادرة وتصنيفها، ثم تنبيه الشركة إلى مواقع الإطلاق الدقيقة داخل المنطقة التي يغطيها النظام في المدينة في غضون 60 ثانية، ما يمكن الشرطة من تقديم استجابة متسقة وسريعة ودقيقة.

كما أطلقت شرطة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة نظاماً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالجريمة قبل وقوعها، من خلال تحليل أنماط من قواعد بيانات الشرطة في محاولة لاكتشاف متى وأين من المرجح حدوث الجريمة، ويستخدم النظام خوارزميات متطورة من أجل بناء التوقعات حول الجريمة. على سبيل المثال يمكن للنظام الذكي تنبيه فرق دوريات الشرطة للتركيز على الأحياء التي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام، وذلك لمنع وقوع الجريمة.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يستطيع التعرف على شخصية الفرد اعتماداً على صور وجهه

لماذا أصبحت الحكومات وسلطات إنفاذ القانون أكثر اهتماماً بدمج الذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة؟

يأتي الاهتمام الكبير من الحكومات وسلطات إنفاذ القانون في دمج أحدث التكنولوجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في هيكلية عمل الشرطة لتقليل الأثر الاقتصادي الذي تسببه الجرائم على الاقتصاد الكُلي للدولة، على سبيل المثال منذ العام 2010، أنفقت الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 80 مليار دولار سنوياً على الآثار المرافقة لوقوع الجريمة وما يصاحبها في قطاعات مرتبطة بها مثل قطاع السجون.

بينما تُشير تحليلات أخرى أن الأثر الاقتصادي للجريمة في الولايات المتحدة الأميركية يتراوح ما بين 2-6% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، أي ما يقرب من ضعف حجم الإيرادات التي يولدها قطاع التعليم ونصف حجم الإيرادات التي تنتجها صناعة الترفيه. علاوة على ذلك، فإن الاهتمام المتزايد الذي توليه الحكومات بدمج التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة يأتي لأسباب متنوعة، منها:

  • الدقة في الاستجابة: على سبيل المثال، تتيح كاميرات البث المباشر وكاميرات قراءة لوحات الترخيص وأنظمة الكشف عن الطلقات النارية والطائرات المسيرة وغيرها من التكنولوجيات، لجهات إنفاذ القانون أن تكون دقيقة للغاية وأن تستجيب للجرائم بسرعة أكبر وبفاعلية.
  • تحسين كفاءة الأعمال الإدارية: من خلال مساعدة أفراد الشرطة في أتمتة المهام الروتينية مثل إدخال البيانات وكتابة التقارير، الأمر الذي يمكن أن يوفر لهم المزيد من الوقت للتركيز على المهام المهمة الأخرى.
  • زيادة الشفافية والمساءلة: على سبيل المثال، يمكن للكاميرات التي يتم ارتداؤها على الجسم أن توفر سجلاً موضوعياً لتفاعلات الشرطة مع الجمهور، ما يساعد في تقليل حوادث سوء سلوك أفراد الشرطة وتحسين ثقة الجمهور في جهات إنفاذ القانون.

اقرأ أيضاً: هل يمكننا التنبؤ بالزمان والمكان الذي ستحدث فيه جريمة ما؟

أبرز الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الشرطة حول العالم

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهّل المهام التي تحتاج أقسام الشرطة إلى أدائها، ويمكّن من تنفيذها على نحو أفضل وأكثر فعالية وكفاءة، حيث بدأ الاعتماد على التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي يتزايد بشكل كبير من قبل جهات إنفاذ القانون حول العالم لتعزيز عملية تنفيذ القانون، ومن أبرز هذه الأدوات:

  • أنظمة التعرف على الوجه: تُستخدم تقنية التعرف على الوجه المدعومة بالذكاء الاصطناعي للتعرف على الأفراد، ما يساعد في العثور على الأشخاص المفقودين والمساعدة في حل الجرائم ومراقبة حشود كبيرة من الناس، وهي من أبرز التكنولوجيات المستخدمة بصورة واسعة لدى معظم جهات إنفاذ القانون حول العالم.
  • التعرف على لوحات الترخيص: يُستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على لوحات الترخيص (License Plate Recognition، اختصاراً إل بي آر LPR) عن طريق البحث في مقاطع الفيديو أو الصور، ما يُمكن من تحديد الحالة التي تنتمي إليها السيارة، وحتى معرفة خصائص السيارة بما في ذلك الطراز والسنة واللون.
  • تحليل أنماط الجريمة: تعمل الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحليل الأنماط الموجودة في بيانات الجريمة لتحديد الاتجاهات والاتصالات والشبكات الإجرامية المحتملة، لمساعدة الشرطة على تطوير استراتيجيات لمنع وقوع الجرائم وحلها.
  • تكنولوجيا معالجة اللغة الطبيعية: تُستخدم لكشف الخداع أثناء الاستجوابات وتحليل كميات كبيرة من البيانات النصية وفهمها، مثل منشورات منصات التواصل الاجتماعي أو الاتصالات عبر الإنترنت، بغرض جمع المعلومات الاستخبارية ومراقبة التهديدات المحتملة.
  • الطائرات المسيرة: تُستخدم الطائرات المسيرة المزودة بكاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي وأجهزة استشعار ومكبرات صوت في المراقبة، وخاصة مراقبة الحشود الكبيرة، لتوفير الحماية واكتشاف التهديدات والاستجابة لحالات الطوارئ ونشر القوات وفقاً للسيناريوهات في الوقت الفعلي.
  • التحليلات التنبؤية لنشر الأفراد: تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تحسين نشر ضباط الشرطة من خلال التنبؤ بالوقت والمكان الذي تشتد الحاجة إليهم فيه بناءً على بيانات الجرائم التاريخية والمعلومات في الوقت الفعلي.
  • إعادة بناء مسرح الجريمة: يتم استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي لإعادة إنشاء مسرح الجريمة في بيئة افتراضية باستخدام البيانات المتاحة، ما يساعد المحققين على تصور الأحداث وتحليلها من أجل فهم أفضل واتخاذ القرار صحيح.

اقرأ أيضاً: قريباً: دبي تُدير الحوادث المرورية البسيطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

ما هي أبرز المخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي؟

إن استخدام التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة، على الرغم من أنه يبشر بإمكانيات واعدة في تحسين الكفاءة ومنع الجريمة، فإنه يثير أيضاً العديد من المخاوف التي يجب النظر فيها بعناية، بما في ذلك:

ظهور حالات التحيز والتمييز

يتم تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على البيانات، وإذا كانت تلك البيانات متحيزة فقد تصبح الخوارزميات نفسها متحيزة،.على سبيل المثال، إذا كانت بيانات الجرائم التاريخية تحتوي على تحيزات، فمن الممكن أن تعمل الخوارزميات على إدامة هذه التحيزات بل وحتى تفاقمها، ما يؤدي إلى نتائج تمييزية وخاصة ضد المجتمعات المهمشة.

مشكلات الخصوصية الفردية

يمكن أن تنتهك تكنولوجيات المراقبة، مثل تكنولوجيا التعرف على الوجه والتعرف على لوحات الترخيص والطائرات المسيرة حقوق الخصوصية للأفراد، حيث يثير جمع البيانات الشخصية وتحليلها على نطاق واسع مخاوف بشأن حالة المراقبة الجماعية واحتمال إساءة الاستخدام.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يساعد على تغيير قواعد التفتيش الأمني في المطارات

الافتقار إلى الدقة والموثوقية

أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست معصومة من الخطأ ويمكن أن ترتكب الأخطاء، ومن ثم فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي فقط في اتخاذ القرارات الحاسمة في مجال إنفاذ القانون يمكن أن يؤدي إلى إساءة تطبيق العدالة.

زيادة خطر اختراق البيانات

يؤدي جمع وتخزين كميات كبيرة من البيانات الحساسة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى زيادة خطر اختراق البيانات، وقد يؤدي الوصول غير المصرح به إلى هذه البيانات إلى تعريض خصوصية الأفراد وسلامتهم للخطر.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التوصل إلى ذكاء اصطناعي غير منحاز؟ وما تأثير انحيازه على أماكن تطبيقاته؟

الافتقار إلى الشفافية والمساءلة

يمكن أن تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي معقدة ومبهمة، ما يجعل من الصعب فهم كيفية التوصل إلى قراراتها، وهذا الافتقار إلى الشفافية يمكن أن يجعل من الصعب مساءلة الشرطة عن أفعالها، خاصة إذا كانت تلك الإجراءات مبنية على توصيات أنظمة الذكاء الاصطناعي.

تآكل ثقة المجتمع وإدراكه

يمكن أن يؤدي الاستخدام الواسع النطاق للذكاء الاصطناعي في أعمال الشرطة دون التواصل المناسب والمشاركة المجتمعية إلى تآكل الثقة بين وكالات إنفاذ القانون والمجتمعات التي تخدمها، حيث إن الافتقار إلى الشفافية والفهم قد يؤدي إلى الشك والمعارضة العامة.

بطء إقرار اللوائح والمعايير المنظمة

على الرغم من أن اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة في أعمال الشرطة، فإن تطوير اللوائح والمعايير التي تنظم عملها يسير بصورة بطيئة، ومن ثم يمكن أن يؤدي غياب المبادئ التوجيهية الواضحة إلى تنفيذ غير متسق واحتمال إساءة استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للملابس أن تتسبب بالإرباك لأنظمة قراءة لوحات السيارات؟‎

كيف يمكن للشرطة ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول؟

يتضمن ضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة تنفيذ سياسات ومبادئ توجيهية وآليات مراقبة قوية، من ضمنها:

  • تحديد نطاق وقيود تطبيقات الذكاء الاصطناعي بوضوح، والتأكد من توافقها مع المعايير القانونية والأخلاقية.
  • استخدام عمليات تدقيق مستقلة منتظمة لبيانات التدريب والخوارزميات لتحديد أي مشكلات أو تحيزات محتملة قد تظهر بمرور الوقت، والتخفيف منها قبل اعتمادها.
  • التأكد من أن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمل الشرطة يتوافق مع القوانين واللوائح المحلية.
  • إنشاء هيئات رقابية مستقلة أو مجالس مراجعة لمراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي و ضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية.
  • توفير تدريب شامل لأفراد الشرطة وتزويدهم بالمعرفة اللازمة حول الاستخدام الأخلاقي وكيفية فهم وتفسير النتائج التي تولدها أنظمة الذكاء الاصطناعي.
  • الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير ونشرها، والتي تكشف الأسباب الكامنة وراء قرارات أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما يزيد من الشفافية لدى المسؤولين والجمهور.
  • جمع وتخزين البيانات اللازمة فقط لأغراض تطبيق القانون المشروعة، واتخاذ تنفيذ تدابير أمنية قوية للتعامل مع البيانات والوصول المصرح به.
  • تقييم تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل منتظم على نتائج عمل الشرطة، والاستعداد لتكييف أنظمة الذكاء الاصطناعي وتحسينها بناءً على التعليقات والتقييمات والاعتبارات الأخلاقية المتطورة.
  • التفاعل بشكل نشط مع المجتمعات لفهم مخاوفها ودمج ملاحظاتها في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في مجتمعاتهم.