ماذا حدث خلال قمة الذكاء الاصطناعي «التاريخية»؟

4 دقائق
ماذا حدث خلال قمة الذكاء الاصطناعي «التاريخية»؟
حقوق الصورة: القناة العاشرة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد أشهر من التحضيرات المكثفة، عُقدت نهاية الأسبوع الماضي أول قمة عالمية تستهدف معالجة مخاطر وتهديدات الذكاء الاصطناعي. وكما هو متوقع، لم تشهد القمة التي استمرت على مدى يومين في حديقة بلتشلي بالمملكة المتحدة اتفاقيات ملزمة للدول المشاركة فيها، إلّا أنها وضعت رؤية عامة وخطوطاً عريضة لشكل التنظيم الدولي المحتمل لهذه التكنولوجيا التي تتغلغل سريعاً في مختلف جوانب حياتنا اليومية.

“فك شيفرة” الذكاء الاصطناعي

يحمل موقع عقد “قمة بلتشلي”، التي تُعرف رسمياً باسم قمة سلامة الذكاء الاصطناعي 2023 (AI Safety Summit 2023) دلالة رمزية مهمة، إذ إن هذا الموقع كان المقر الرئيسي لخبراء فك الشيفرات البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية، وشهد فك شيفرة إنيغما (Enigma) الخاصة بألمانيا النازية، ما أسهم في تسريع إنهاء الحرب. ولعل هذا ما جعل هيئة الإذاعة البريطانية تعنون تغطيتها للقمة بـ “فك شيفرة الذكاء الاصطناعي“.

وبالإضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي استضاف القمة، حضرت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك. كما شاركت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، ونائب وزير التكنولوجيا الصيني وو تشاو هوي، والرئيس التنفيذي لشركة “أوبن أيه آي” سام ألتمان.

شهدت القمة مشاركة عدد من المؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك معهد أدا لوفليس ومعهد آلان تورينج ومركز حوكمة الذكاء الاصطناعي، ومسؤولون تنفيذيون من شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى والناشئة، بمن فيه ميتا وديب مايند وأنثروبيك. وشاركت دولتان عربيتان في فعاليات القمة هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وفي خطاب مسجل أمام المشاركين، وصف ملك المملكة المتحدة تشارلز الثالث، تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم بأنه “لا يقل أهمية عن اكتشاف الكهرباء“، وأضاف أن معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي -على غرار الجهود المبذولة لمكافحة تغيّر المناخ- تحتاج إلى إشراك المجتمعات والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

اقرأ أيضاً: عراب الذكاء الاصطناعي يتوقع خروجه عن السيطرة من خلال إعادة برمجة نفسه

الإنجاز الكبير: إعلان بلتشلي

يُعد إعلان بلتشلي (Bletchley Declaration) هو “الإنجاز الكبير” الذي أسفرت عنه القمة. يشير الإعلان الذي وافقت عليه 28 دولة، إلى “الفرص العالمية الهائلة” التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي، وقدرته على “تعزيز رفاهية الإنسان والسلام والازدهار”. ولتحويل هذه الفرص إلى واقع، أكدت الدول التي أصدرت الإعلان ضرورة تصميم الذكاء الاصطناعي وتطويره ونشره واستخدامه بطريقة آمنة ومسؤولة بحيث يتمحور حول الإنسان.

لكن الإعلان يحذّر كذلك من أن الذكاء الاصطناعي يشكّل خطراً كارثياً محتملاً على البشرية، ويوضّح أن المخاطر المتعلقة بالسلامة تنشأ على وجه الخصوص على “حدود” الذكاء الاصطناعي. ويُقصد بالذكاء الاصطناعي الحدودي (Frontier AI) نماذج الذكاء الاصطناعي ذات القدرات العالية التي تُستخدم في أغراض عامة بما في ذلك نماذج الأساس (Foundation Models) التي يمكن أن تؤدي مجموعة واسعة من المهام تضاهي أو تتجاوز القدرات الموجودة في النماذج الأكثر تقدماً اليوم، كما يقصد بهذا المصطلح أيضاً الذكاء الاصطناعي الضيق (Narrow AI) الذي يمكن أن يُظهر قدرات تسبب الضرر.

يذكر الإعلان كذلك أن هذه المخاطر الكبيرة قد تنشأ “نتيجة سوء الاستخدام المتعمد أو مشكلات التحكم غير المقصودة. وترجع هذه المشكلات جزئياً إلى أن هذه القدرات ليست مفهومة تماماً، وبالتالي يصعب التنبؤ بها”، كما أن هناك احتمالاً لحدوث أضرار جسيمة أو حتى كارثية، سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة، ناجمة عن القدرات الكبيرة لنماذج الذكاء الاصطناعي هذه.

واعتبر رئيس الوزراء البريطاني أن هذا الإعلان يُعد بمثابة “إنجاز تاريخي“، مضيفاً أننا شهدنا أعظم قوى الذكاء الاصطناعي في العالم تتفق على الضرورة الملحة لفهم مخاطر الذكاء الاصطناعي، ما يساعد على ضمان المستقبل على المدى الطويل لأبنائنا وأحفادنا.

اقرأ أيضاً: قمة اللغة العربية: جهود لتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة لغة الضاد

اتفاق أميركي صيني نادر

تعتبر المملكة المتحدة أن تمكنها من جمع الولايات المتحدة والصين معاً يمثّل نجاحاً دبلوماسياً للبلاد عموماً ولسوناك على وجه الخصوص، إذ إنها المرة الأولى التي تجتمع فيها الصين مع الحكومات الغربية لمناقشة مستقبل هذه التكنولوجيا. لكن على الرغم من ذلك، فإن الدول الموقّعة على الإعلان لم تضع بعد خارطة طريق واضحة ولم يتم اقتراح أي تدابير محددة بشأن التعاون في مجال سلامة الذكاء الاصطناعي.

ومن المقرر أن تشارك كوريا الجنوبية وبريطانيا في استضافة قمة افتراضية مصغرة حول الذكاء الاصطناعي العام المقبل، ثم ستستضيف فرنسا القمة التالية بعد عام من الآن.

ومع انطلاق القمة، أعلنت الولايات المتحدة إنشاء معهد لسلامة الذكاء الاصطناعي ليكون جزءاً من المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتقنية (NIST)، حيث سيطوّر المعهد “قواعده الخاصة للسلامة والأمن والاختبارات”، كما أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، أمراً تنفيذياً تضمن 8 أهداف: إنشاء معايير جديدة لسلامة وأمن الذكاء الاصطناعي، وحماية الخصوصية، وتعزيز المساواة والحقوق المدنية، والدفاع عن المستهلكين والمرضى والطلاب، ودعم الموظفين، وتشجيع الابتكار والمنافسة، وتعزيز قيادة الولايات المتحدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وضمان الاستخدام الحكومي المسؤول والفعّال للتكنولوجيا.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يسير بسرعة كبيرة والعلماء يحذّرون من ثلاثة أخطاء يجب تجنبها

مشكلة الحضور الصيني

كانت مشاركة الصين في القمة محور نقاش وخلافات منذ المرحلة التحضيرية، وقد قررت الحكومة البريطانية دعوة الصين على الرغم من رفض بعض الأطراف الداخلية والخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من إعلان بريطانيا أن الصين ستشارك في فعاليات اليوم الأول فقط، فإن بكين أعلنت أن مندوبها وو تشاو هوي، شارك أيضاً في اجتماعات اليوم الثاني. وعندما سُئلت عن سبب عدم ظهور هوي في المناسبات العامة والصور الرسمية، قالت الوزارة الصينية “يُرجى الاتصال بالإدارة الحكومية البريطانية الراعية للاجتماع لمعرفة الترتيبات المحددة ونتائج الاجتماع”.

وهناك عدة أسباب محتملة لعدم الإعلان عن المشاركة الصينية خلال اليوم الثاني، من بينها ما ذكره نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر دودن، الذي قال لوكالة بلومبيرغ إن “هناك بعض الجلسات التي تعمل فيها دول متشابهة التفكير معاً، لذلك قد لا يكون من المناسب للصين الانضمام إليها”. ومن بين الأسباب الأخرى المحتملة أن بريطانيا أرادت جبهة موحدة، وأن الصين لم تدعم الاتفاق المشترك الذي تم التوصل إليه في اليوم الثاني.

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد شركات التكنولوجيا من غياب القوانين الناظمة للذكاء الاصطناعي للتحايل على الممثلين؟

لن نحتاج إلى الوظائف بعد الآن

شهدت نهاية القمة مقابلة مثيرة وطويلة على خشبة المسرح بين ريشي سوناك وإيلون ماسك، قال فيها الأخير إن الذكاء الاصطناعي سيلغي الحاجة إلى العمل في نهاية المطاف. وتضمنت المقابلة التي استمرت 50 دقيقة نقاشاً حول “القلق” الذي يشعر به الناس بشأن حصول الذكاء الاصطناعي على وظائفهم، واتفقا على الحاجة إلى “حكم” لمراقبة أجهزة الحاسوب الفائقة في المستقبل.

وقال ماسك: “إننا نشهد هنا القوة الأكثر تدميراً في التاريخ”، متوقعاً أن “تأتي نقطة حيث لن تكون هناك حاجة إلى وظيفة. يمكنك الحصول على وظيفة لتحقيق الرضا الشخصي، لكن الذكاء الاصطناعي سيفعل كل شيء”، على حد قوله. وناقش سوناك وماسك أيضاً الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، حيث قال ماسك: “يواجه أحد أبنائي صعوبة في تكوين صداقات، وسيكون وجود صديق يعمل بالذكاء الاصطناعي أمراً رائعاً بالنسبة له”.

وقد تسببت هذه المقابلة في انتقادات داخلية لاذعة لرئيس الوزراء البريطاني، حيث اتهمه حزب العمال المعارض بأنه سعى لاستغلال هذه المقابلة “لتجهيز نفسه لوظيفة” بعد خروجه من داونينغ ستريت، وقال المنتقدون إن هذا اللقاء جعله يبدو ضعيفاً في مواجهة قوة الشركات.