مَن يتخذ القرارات المتعلقة بتحديد متلقّي العلاجات الطبية التجريبية؟

20 دقيقة
مَن يتخذ القرارات المتعلقة بتحديد متلقّي العلاجات الطبية التجريبية؟
مصدر الصورة: سلمان ديزاين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان ماكس مجرد طفل عندما لاحظ والداه “شيئاً مختلفاً” في طريقة حركته. فقد كان أبطأ من أقرانه من الأطفال الذين في مثل سنه، وكان يلاقي صعوبة في القفز. وكان عاجزاً عن الركض.

أشارت التحاليل الدموية إلى احتمال وجود مرض وراثي، وهو مرض يؤثّر في بروتين مهم للعضلات. يقول والد ماكس، تاو وانغ، وهو باحث في منظمة خيرية للشؤون المناخية، إنه وزوجته رفضا تصديق هذه النتيجة في البداية. وقد احتاجا إلى بضعة أشهر لإخضاع ماكس للاختبار الجيني الذي أكد مخاوفهما في نهاية المطاف، فقد أثبت أنه يعاني من الحثل العضلي الدوشيني (مرض يسبب الضمور العضلي).

الحثل العضلي الدوشيني داء نادر يؤثّر في الصبيان الصغار. وهو مرض تصاعدي متدرج، أي أن المصابين به يفقدون وظائفهم العضلية مع تقدمهم في العمر عموماً. ولا يوجد دواء لهذا المرض. يصبح الكثيرون من المصابين بهذا المرض بحاجة إلى كرسي متحرك بحلول العشرينيات من العمر. ويموت معظمهم في الثلاثينيات من العمر.

يقول وانغ إن تشخيص مرض ماكس جعله وزوجته يشعران “كأن إعصاراً ضربهما بقوة”، إلّا أن أحد أطبائه ذكر لهما في نهاية المطاف تجربة سريرية كان مناسباً لها. كانت التجربة مخصصة لعلاج جيني تجريبي مصمم لتعويض البروتين العضلي المفقود بنسخة قصيرة معدّلة جينياً، وقد تساعد على إبطاء تردي حالته، بل وربما عكس تأثيراتها. بطبيعة الحال، وجد وانغ أن إشراك ماكس في التجربة السريرية قرار بديهي. ويقول: “كنا مستعدين لتجربة أي شيء يمكن أن يغيّر مسار هذا المرض ويمنحنا بعض الأمل”.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تسريع اكتشاف الأدوية الجديدة باستخدام طريقة تلوين الخلايا؟

علاجات جينية ببيانات مقنعة قليلة تمنح الأمل للمرضى

حدث هذا منذ أكثر من سنتين. ووفقاً لوانغ، أصبح ماكس صبياً نشطاً ومتوثباً يبلغ من العمر ثماني سنوات. فهو يركض، ويقفز، ويصعد الدرج من دون صعوبة، بل وحتى يستمتع برحلات المشي الطويلة. يقول وانغ: “لقد أصبح صبياً مختلفاً تماماً”.

أمّا العلاج الجيني الذي تلقاه، فقد وُضِع مؤخراً قيد الدراسة للحصول على موافقة سريعة من الإدارة الأميركية للغذاء والدواء. تُمنَح هذه الموافقات للعلاجات المخصصة للأمراض الخطيرة التي لا توجد لها علاجات حالية، وهي تحتاج إلى قدر أقل من بيانات التجارب السريرية مقارنة بالموافقات الاعتيادية.

وعلى حين يمكن لهذه الطريقة أن تحقق نجاحاً جيداً، فهي معرضة للفشل. وفي هذه الحالة، لم تكن البيانات مقنعة تماماً. فقد فشل الدواء في اجتياز اختبار سريري عشوائي، وتبين أنه لم يكن أفضل من الدواء الوهمي.

على الرغم من هذا، فإن الكثيرين من المصابين بالحثل العضلي الدوشيني يطالبون بالحصول على هذا العلاج. وفي اجتماع عقدته لجنة استشارية لإدارة الغذاء والدواء في مايو/ أيار لتقييم إيجابيات هذا الدواء، وجه الكثيرون من أهالي الأطفال المصابين بالحثل العضلي الدوشيني مناشداتهم إلى المؤسسة للموافقة على الدواء على الفور، أي قبل عدة أشهر من موعد صدور نتائج تجربة سريرية أخرى. وفي 22 يونيو/ حزيران، منحت إدارة الغذاء والدواء موافقتها الشرطية على الدواء للصبيان بعمر أربع وخمس سنوات.

تلقى 48 دواءً من أدوية السرطان موافقات سريعة بين 2009 و2022 لعلاج 66 مرضاً، وقد سُحِبَت 15 موافقة من هذه الموافقات لاحقاً.

ليس هذا الدواء الوحيد الذي تلقى الموافقة بناءً على أدلة ضعيفة. فقد ظهر منذ فترة توجه جديد نحو التساهل في منح الموافقات للأدوية الجديدة، وزادت سهولة حصول الناس على العلاجات التي يمكن ألّا تساعدهم، بل ويمكن أن تؤذِهم أيضاً. يبدو أن القصص والأقاويل المُتَنَاقَلة أصبحت أكثر تأثيراً من الأدلة على قرارات الموافقة على الأدوية. ولهذا، بدأنا نرى بعض الأدوية التي لا تحقق الغرض منها.

وأصبحنا في حاجة ماسة إلى طرح التساؤلات حول كيفية اتخاذ هذه القرارات. مَن يجب أن يحصل على العلاجات التجريبية؟ ومَن يجب أن يتخذ القرارات في هذه المسائل؟ نظراً لسرعة تقدم التكنولوجيا الحيوية، أصبحت هذه الأسئلة على وجه الخصوص ملحّة أكثر من ذي قبل. فقد شهدت السنوات الأخيرة تضخماً فائق السرعة في العلاجات “الجديدة للغاية” -كما يُسميها العلماء- التي تتضمن الكثير منها عمليات تعديل جينية. ولم يعد عملنا يقتصر على تحسين الأصناف الحالية من العلاجات، بل بدأنا بابتكار أصناف جديدة كلياً. وستكون إدارة توزيعها على المرضى عملية شائكة.

ففي السنة الماضية وحسب، تلقت مريضة علاجاً معتمداً على تقنية كريسبر (CRISPR) مصمماً لتخفيض مستوى الكوليسترول لديها، وذلك عن طريق تعديل مباشر لرموزها الجينية. وفي السنة الماضية أيضاً، زُرِع قلب خنزير معدّل جينياً في جسم رجل مصاب بمرض قلبي خطير. وقد اندلع الجدل حول ما إذا كان المُرشح المناسب لهذه العملية الجراحية، بما أنه توفي في نهاية المطاف.

بالنسبة للكثيرين، لا سيّما أولئك الذين يعانون من أمراض خطيرة، يمثّل اللجوء إلى علاج تجريبي خياراً أفضل من عدم فعل أي شيء. وهذا هو حال بعض المصابين بالحثل العضلي الدوشيني، كما يقول هوكين ميلر، وهو مصاب بالمرض ويبلغ عمره 26 سنة. ويقول: “إنه مرض خطير. ويفضّل البعض فعل أي شيء بدلاً من انتظار المرض إلى أن يقضي عليهم”.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تطوير أدوية خاصة تستهدف الساعات البيولوجية لدى البشر وتحسن صحتهم؟

إتاحة مجال أكبر للحصول على العلاج

ثمة توازن صعب يجب تحقيقه بين حماية المرضى من الآثار المجهولة لعلاج جديد، وإتاحة الفرصة أمامهم للحصول على علاج قد ينقذ حياتهم. فقد يمكن لعلاج تجريبي أن يشفي شخصاً من مرض خطير. ويمكن أيضاً ألّا يؤدي إلى أي أثر، بل ويمكن حتى أن يؤذي المريض. وإذا واجهت الشركات صعوبة في الحصول على التمويل إثر ظهور نتائج سيئة، فقد يمكن أن يؤدي هذا إلى تأخير إحراز التقدم في مجال بحثي كامل، بل وحتى إبطاء الحصول على موافقات أدوية مستقبلية.

في الولايات المتحدة، يمكن الحصول على معظم العلاجات التجريبية عن طريق إدارة الغذاء والدواء. وبدءاً من الستينيات والسبعينيات، أصبح مصنّعو الأدوية ملزمين بإثبات فاعلية أدويتهم لهذه الوكالة الحكومية، وإثبات أن فوائد استخدامها تفوق أي مخاطر ناجمة عنها. يقول المختص في مجال قانون الصحة في جامعة بوسطن، كريستوفر روبرتسون: “لقد أدّى هذا إلى إغلاق المجال أمام المرضى لاستخدام الأدوية على أساس تخميني”.

إن وضع معايير صارمة للأدوية الجديدة وفق أدلة قوية أمر منطقي. لكن طريقتنا في مقارنة المخاطر والفوائد قد تتغير عند تلقي تشخيص مدمر. وخلال فترة قصيرة، بدأ المصابون بأمراض قاتلة يطالبون بالحصول على الأدوية التجريبية التي لم تتلقَ الموافقة.

“إذا حصل أحدهم على الدواء في إطار «الاستخدام بداعي التعاطف»، وأصابه أي مكروه، فسوف يؤدي هذا إلى انسحاب المستثمرين على عجل. هذا ما يُسمّى بالمخاطر التجارية”.

أليسون بيتمان هاوس، مختصة بالأخلاق

في 1979، رفعت مجموعة من المصابين بأنواع قاتلة من السرطان مع شركاء حياتهم دعوى قضائية ضد الحكومة للسماح لهم بالحصول على علاج تجريبي. وعلى حين حكمت محكمة المقاطعة بالسماح لأحد المدعين بشراء الدواء، فقد استنتجت أن إمكانية شفاء المصاب من المرض ليست عاملاً مؤثّراً، ما يعني وجوب حماية الجميع، دون استثناء، من الأدوية غير الفعّالة. في نهاية المطاف، حكمت المحكمة العليا بتأييدها لهذا القرار. يقول روبرتسون: “لا يزال القانون حريصاً على فكرة الأمان والفاعلية، حتى في حالة المرضى المصابين بأمراض قاتلة”.

حالياً، ثمة العديد من الطرق التي تُتيح للأشخاص الحصول على الأدوية التجريبية على أسس فردية. وقد تكون المشاركة في التجارب السريرية الطريقة الأكثر وضوحاً بينها. عادةً ما تتضمن المراحل المبكرة من التجارب تقديم جرعات منخفضة للمتطوعين الأصحاء للتأكد من سلامة الأدوية الجديدة قبل تقديمها إلى المصابين بالأمراض التي يجب أن تعالجها هذه الأدوية في نهاية المطاف. وتُصَمم بعض التجارب على أساس “المعلومات المتاحة بالكامل”، حيث يعرف الجميع ما الذي يحصلون عليه. أمّا المعيار الذهبي المفضل فهو التجارب العشوائية والعمياء والتي تتضمن مقارنة بدواء وهمي: فبعض المتطوعين يحصلون على الدواء الفعلي، أمّا الآخرون فيحصلون على الدواء الوهمي، ولا أحد يستطيع تحديد ما يحصل عليه أي شخص –بمن فيهم الأطباء الذين يقدّمون الأدوية- قبل جمع النتائج. هذه هي الدراسات التي يجب إجراؤها لتحديد القدرة الحقيقية لدواء ما على مساعدة المرضى.

لكن التجارب السريرية ليست خياراً متاحاً لكل مَن قد يرغب في الحصول على علاج غير مُجَرب. وعادةً ما تحدد التجارب معايير صارمة للأشخاص المؤهلين للمشاركة اعتماداً على العمر والحالة الصحية، على سبيل المثال. يؤثّر العامل الجغرافي والتوقيت في هذه المسألة أيضاً؛ فالشخص الراغب في تجربة دواء معين قد يكون قاطناً في مكانٍ بعيد للغاية عن مكان إجراء التجربة، وقد تفوته الفترة المتاحة للتسجيل.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سيساعد في التخلص من التداخلات الكيميائية في الأدوية الجديدة

الاستخدام بداعي التعاطف والحق في التجربة

بدلاً من التجارب السريرية، يمكن لهؤلاء الأشخاص تقديم طلب لإدارة الغذاء والدواء في إطار برنامج توسيع مجال الحصول على الأدوية، المعروف أيضاً باسم “الاستخدام بداعي التعاطف”. وتوافق إدارة الغذاء والدواء على جميع هذه الطلبات تقريباً. بعد ذلك، يصبح القرار بين يدي الشركة المصنّعة للدواء، التي قد تختار بيع الدواء للمريض بسعر التكلفة (يُحظر عليها تحقيق أي ربح في هذه الحالة)، أو تقديمه مجاناً، أو رفض الطلب بالكامل.

من الخيارات المتاحة أيضاً تقديم طلب في إطار قانون الحق في التجربة. أُقِرّ هذا القانون في 2018، ويحدد مساراً جديداً للمصابين بأمراض تهدد حياتهم للحصول على الأدوية التجريبية، وذلك على نحو يتجاوز صلاحيات إدارة الغذاء والدواء. اعتبر الكثيرون أن طرح هذا القانون لا يتجاوز كونه لعبة سياسية، بما أن إدارة الغذاء والدواء لم تقف في طريق الحصول على هذه الأدوية إلّا في حالات نادرة. وفي إطار قانون الحق في التجربة، ما زال الخيار متاحاً أمام الشركات لقبول تقديم الدواء إلى المريض أو رفضه.

وإذا لم يتمكن المريض من الحصول على الدواء وفق أحد هذه المسارات، فقد يُثير ضجة إعلامية. تقول مختصة الأخلاق أليسون بيتمان هاوس، التي تجري الأبحاث حول السماح باستخدام المنتجات الطبية التجريبية في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك: “تتكرر القصة نفسها تقريباً في كل مرة”. وتقول إن هذه القصة تتمحور حول شخص يكافح للحصول على الدواء الذي تحرمه منه شركات الدواء أو إدارة الغذاء والدواء “القاسية والخالية من الرحمة”. وتتحدث القصة على الدوام عن “المرضى الذين يكافحون بشجاعة للحصول على شيء سيساعدهم بالتأكيد بمجرد الحصول عليه”.

اقرأ أيضاً: الأمل المسروق: تعرف إلى قصة مريض الشلل الذي أوقفت إحدى الشركات تجربة علاجه

ولكن الأمور ليست بهذه البساطة في الواقع. فعندما تقرر الشركات أن ترفض تقديم الدواء لأحد الأشخاص، لا يمكنك أن توجه إليها أي لوم حقيقي على اتخاذ هذا القرار، على حد تعبير بيتمان هاوس. ففي نهاية المطاف، عادة ما يكون مقدمو هذه الطلبات مرضى على نحو لا يمكن شفاؤه. وإذا مات شخص ما بعد أخذ الدواء، فلن يشوه هذا صورة الشركة وحسب، بل يمكن أن يتسبب أيضاً بنفور الممولين من تمويل أي عمليات تطوير إضافية. تقول بيتمان هاوس: “إذا غطت وسائل الإعلام حالة شخص حصل على الدواء في إطار “الاستخدام بداعي التعاطف”، وتعرض لأي مكروه، فسوف يسارع المستثمرون إلى الانسحاب. هذا ما يُسمّى المخاطر التجارية”.

تعني موافقة إدارة الغذاء والدواء على دواء ما إمكانية بيعه واستخدامه في الوصفات الطبية، أي أنه لم يعد دواء تجريبياً من الناحية الجوهرية. ولهذا، يعتقد الكثيرون أن الموافقات هي الطريقة الأفضل للحصول على العلاجات الجديدة الواعدة.

من المفترض ألّا تستغرق عملية الموافقة القياسية مدة تتجاوز 10 أشهر كحد أقصى، وهي عملية تطلب خلالها إدارة الغذاء والدواء الاطلاع على أدلة التجارب السريرية التي تؤكد سلامة الدواء وفاعليته. قد يحتاج جمع أدلة كهذه إلى عملية طويلة ومكلفة. ولكن ثمة بعض الطرق المختصرة للحالات المستعجلة والطارئة، مثل تفشي كوفيد-19 أو الأمراض النادرة والقاتلة، وللأمراض الخطيرة ذات الخيارات العلاجية المحدودة، مثل الحثل العضلي الدوشيني.

اقرأ أيضاً: تخيل وجود حبوب رقمية يمكنها تتبُّع استخدامك للأدوية، لقد تحقق ذلك!

القصص في مواجهة الأدلة

حصل ماكس على الدواء عبر تجربة سريرية. كان العلاج يحمل اسم SRP-9001 في ذلك الوقت، وقد طوّرته شركة الأدوية ساريبتا (Sarepta) لتعويض بروتين الديستروفين المفقود لدى الأطفال المصابين بالحثل العضلي الدوشيني. يُعتقد أن هذا البروتين يحمي خلايا العضلات من التلف عند تقلص العضلات. وفي حال عدم وجوده، ستُصاب العضلات بالتلف وتبدأ بالتفكك.

يتميز بروتين الديستروفين بسلسلة جينية ضخمة الحجم، إلى درجة لا يمكن وضعها داخل فيروس، وهي الطريقة المعتادة لإيصال المواد الجينية الجديدة إلى داخل جسم الشخص. ولهذا، صمم فريق ساريبتا نسخة أقصر من هذه السلسلة، وأطلقوا عليها اسم ميكرو-ديستروفين (micro-dystrophin). تُقدم الرموز الجينية للبروتين إلى المريض عبر عملية تسريب وريدي واحدة.

كانت الشركة تحاول في البداية تطوير الدواء لعلاج الأطفال المصابين بهذا المرض بعمر 4-7 سنوات، وكان أمامها طريقة يمكن أن تسرّع هذه العملية.

عادة، يجب أن يخضع الدواء لعدة تجارب سريرية قبل تلقي الموافقة، لكن الموافقات السريعة تمنح طريقاً مختصراً للشركات التي تستطيع إثبات أن الدواء يمثّل حاجة ماسة، وأنه آمن، وأن فاعليته مدعومة بنتائج أولية مقنعة.

ماكس وانغ يركب دراجة
بعد أكثر من سنتين من الاشتراك في تجربة سريرية لعلاج مخصص لمرض الحثل العضلي الدوشيني، أصبح ماكس وانغ طفلاً مفعماً بالنشاط بعمر ثماني سنوات. لكن الدواء الخاضع للدراسة من شركة ساريبتا، SRP-9001، فشل في التفوق على الدواء الوهمي لدى مجموعة كاملة من الصبيان في التجربة. مصدر الصورة: تقدمة من تاو وانغ

في هذا النوع من الموافقات، لا تحتاج شركات الأدوية إلى إثبات قدرة العلاج على تحسين صحة أي شخص، بل إثبات وجود تحسن في بعض المؤشرات الحيوية المتعلقة بالمرض وحسب، مثل مستويات بروتين ميكرو-ديستروفين في الدم في حالة دواء ساريبتا.

ولكن، ثمة شرط مهم: يجب أن تتعهد الشركة بمواصلة دراسة الدواء، وتقديم “أدلة تجريبية توكيدية”.

يمكن لهذه العملية أن تقدم نتائج جيدة. لكنها تحولت إلى “كارثة” في السنوات الأخيرة، وفقاً لرئيسة المركز الوطني للأبحاث الصحية، ديانا زوكرمان، وهذا المركز يمثل مؤسسة لا ربحية لتقييم الأبحاث المتعلقة بالمسائل الصحية. تعتقد زوكرمان أن معايير الموافقات السريعة أصبحت أكثر تساهلاً من ذي قبل.

فقد تبين لاحقاً أن الكثير من الأدوية التي نالت الموافقة عبر هذه العملية عديمة الفعالية. وقد تبين حتى إن بعضها يؤثّر سلباً في المرضى. على سبيل المثال، تلقّى 48 علاجاً للسرطان موافقات سريعة بين 2009 و2022 لعلاج 66 مرضاً، وقد سُحِبَت 15 من هذه الموافقات لاحقاً.

اقرأ أيضاً: رجل مصاب بالشلل يتحدى قرد نيورالينك لخوض مباراة ذهنية في لعبة بونغ

وكان دواء ميلفولفين (Melfulfen) أحدها. فقد تلقى الدواء موافقة سريعة لعلاج الورم النخاعي المتعدد في فبراير/ شباط من عام 2021. وبعد خمسة أشهر وحسب، أصدرت إدارة الغذاء والدواء تحذيراً بعد نشر نتائج تجريبية تشير إلى وجود احتمال مرتفع لوفاة المرضى الذين يأخذون هذا الدواء. في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، أعلنت الشركة الصانعة للدواء سحبه من الأسواق.

ثمة أمثلة أخرى أيضاً. ومن هذه الأمثلة ماكينا (Makena)، وهو علاج لتقليل خطر الولادة المبكرة. تلقى الدواء موافقة مبكرة في 2011 بناءً على نتائج صادرة عن تجربة صغيرة. غير أن التجارب اللاحقة التي كانت أوسع نطاقاً أشارت إلى أنه غير ناجح على الإطلاق. وفي وقتٍ سابق من هذه السنة 2023، سحبت إدارة الغذاء والدواء موافقتها على هذا الدواء. غير أنه كان قد وُصِف لمئات الآلاف من المريضات، فقد أخذت 310,000 امرأة تقريباً هذا الدواء بين 2011 و2020 وحسب.

هناك أيضاً دواء أدوهيلم (Aduhelm). فقد طُوِّر هذا الدواء لعلاج مرض ألزهايمر، وعندما قُدمت البيانات التجريبية إلى لجنة استشارية في إدارة الغذاء والدواء، صوّت 10 من أصل أعضاء اللجنة البالغ عددهم 11 عضواً برفض منح الموافقة. أمّا العضو المتبقي فقد كان غير متأكد من رأيه. فلم يكن هناك أي دليل مقنع يشير إلى أن الدواء يبطئ تراجع القدرات الإدراكية، كما تبين لأغلب أعضاء اللجنة. تقول زوكرمان: “لم يكن هناك أي دليل حقيقي على قدرة هذا الدواء على مساعدة المرضى”.

على الرغم من هذا، منحت إدارة الغذاء والدواء موافقة سريعة لأدوهيلم في 2021. وطُرِح الدواء في الأسواق بسعر 56,000 دولار في السنة. واستقال ثلاثة من أعضاء اللجنة رداً على موافقة إدارة الغذاء والدواء. وفي أبريل عام 2022، أعلنت مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية أن الرعاية الصحية ستغطي فقط العلاجات المقدمة إلى المرضى في إطار التجارب السريرية. تُبيّن هذه الحالة أن منح الموافقة السريعة لا يضمن زيادة سهولة الحصول على الدواء.

أمّا المسألة المهمة الأخرى فهي التكلفة. فقبل الموافقة على الدواء، قد يتمكن المرضى من الحصول عليه عبر برنامج توسيع مجال الحصول على الأدوية، وعادة ما يحصلون عليه مجاناً. ولكن الكثيرين من الراغبين في الحصول عليه سيصبحون مضطرين لدفع ثمنه عندما يُمنح الموافقة. إضافة إلى ذلك، فإن الكثير من العلاجات الجديدة تميلُ إلى أن تكون باهظة الثمن، لا سيّما العلاجات الجينية. ويمكن أن تصل قيمتها إلى مئات الآلاف من الدولارات، بل وحتى الملايين. تقول زوكرمان: “يجب ألّا يدفع المرضى أو عائلاتهم ثمن دواء غير مُجَرب”.

اقرأ أيضاً: شريحة من السيليكون مُقلّدة لعمل الخلايا العصبية قد تساعد في مكافحة الشلل

ماذا عن SRP-9001؟ في 12 مايو/ أيار، عقدت إدارة الغذاء والدواء اجتماعاً للجنة استشارية لتقييم مدى دعم البيانات للموافقة السريعة. وخلال اجتماع افتراضي دام تسع ساعات، قدّم العلماء والأطباء ومختصو الإحصاء والأخلاق وممثلو المرضى البيانات التي جُمِعت حتى الآن، وتبادلوا الآراء حول الموضوع.

قدّمت ساريبتا النتائج التي حصلت عليها من ثلاث تجارب سريرية للدواء على الصبيان المصابين بالحثل العضلي الدوشيني. وكانت تجربة واحدة فقط من التجارب الثلاث عشوائية وعمياء وتتضمن مقارنة بدواء وهمي، وقد شارك فيها 41 متطوعاً بعمر 4-7 سنوات.

وفقاً لرأي العلماء، فهذه هي الدراسة الوحيدة التي يمكن الاستناد إلى نتائجها. ومن سوء الحظ، لم تكن هذه الدراسة موفقة على الإطلاق، فبعد مرور 48 أسبوعاً، لم يكن الأطفال الذين قُدِّم لهم الدواء أفضل حالاً من الأطفال الذين حصلوا على الدواء الوهمي.

غير أن مقاطع الفيديو التي قدّمها أهالي الأطفال الذين أخذوا الدواء تروي قصة مختلفة.

ولنأخذ المقطع الذي شاركه برينت فوربي مثالاً. فقد التقط مقطع فيديو لابنه إيمرسون قبل حصوله على العلاج الجيني، ويبدو إيمرسون في هذا المقطع وهو يعاني بوضوح في الصعود على الدرج. فهو يؤرجح إحدى ساقيه بحركة دائرية بطيئة متمسكاً بالدرابزين، قبل أن يجر ساقه الأخرى وراءه.

وفي مقطع فيديو آخر صُوِّر بعد العلاج، يظهر الطفل وهو يصعد الدرج خطوة تلو الأخرى، بالسرعة المتوقعة من طفل سليم في الرابعة من العمر. وفي مقطع ثالث، يظهر الطفل راكباً دراجته الثلاثية العجلات بسعادة. قال فوربي للجنة إن إيمرسون، الذي يبلغ الآن من العمر ست سنوات، أصبح قادراً على الركض والنهوض بسرعة أكبر، وأصبح أفضل أداءً في اختبارات القوة والرشاقة. وأضاف قائلاً: “إيمرسون يزداد قوة باستمرار”.

لقد كانت هذه القصة واحدة من الكثير من الشهادات المؤثرة التي حركت مشاعر الحضور، ويبدو أن هذه القصص أثّرت في لجنة التصويت في إدارة الغذاء والدواء، على الرغم من الكثير من المخاوف المتعلقة بهذا الدواء.

تقوم فكرة تزويد الجسم بالرموز الجينية لتصنيع نسخة قصيرة من الديستروفين على أدلة تشير إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون بروتينات قصيرة على نحو مماثل يتعرضون إلى شكل أخف بكثير من الحثل العضلي مقارنة بمن تنتج أجسامهم مقداراً ضئيلاً من الديستروفين، أو لا تنتجه البتة. غير أنه ليس من المؤكد أن بروتين ساريبتا، الذي يفتقد إلى عدة قطع، سيعمل بالطريقة ذاتها.

قالت نائبة الرئيس التنفيذي للشركة والرئيسة التنفيذية للشؤون العلمية ورئيسة قسم البحث والتطوير في ساريبتا، لويز رودينو كلاباك، مدافعة عن الدواء: “إن شمولية الأدلة هي ما يمنحنا ثقة كبيرة بهذا العلاج”. وقد قدمت تفسيراً للفشل العام لتجربة الدواء الوهمي في إثبات فائدة الدواء. فقد كانت مجموعات الصبيان بعمر 6-7 سنوات ممن يتلقون الدواء والدواء الوهمي سيئة من حيث التطابق “على صعيد المستويات الأساسية”، على حد تعبيرها. وأضافت قائلة إن الباحثين لاحظوا نتائج ذات دلالة إحصائية عند التركيز على الدراسات التي تقتصر على الصبيان بعمر 4-5 سنوات.

اقرأ أيضاً: باستخدام أجهزة لقراءة العقل، مرضى الشلل الشديد يعبرون عن رغبتهم في العيش

ولكن الفرق لا يحمل دلالة إحصائية بالنسبة للنتائج التي صُمِّمَت التجربة لجمعها. وقد كان هناك بعض المخاوف المتعلقة بالسلامة. وعلى حين أصيب معظم الصبيان بأعراض جانبية “طفيفة” وحسب، مثل التقيؤ والغثيان والحمى، فقد تعرض البعض إلى مشكلات أكثر خطورة، وإن كانت مؤقتة. وبلغ عدد الحالات التي شهدت مضاعفات خطيرة تسعة بين المتطوعين الذين بلغ عددهم 85. فقد أصيب أحد الصبيان بالتهاب في القلب. وأصيب آخر بمرض مناعي أدّى إلى تلف في الألياف العصبية.

وعلاوة على كل ما سبق، ووفق الوضع الحالي، فإن تلقي علاج جيني واحد يحدّ من خيارات العلاج الجيني في المستقبل. ويعود هذا إلى أن الفيروس المستخدم لإيصال العلاج يدفع الجسم إلى إطلاق استجابة مناعية. تعتمد الكثير من العلاجات الجينية على نوع من الفيروسات يُسمّى الفيروس المرتبط بالغدية، أو “أيه أيه في” (AAV) اختصاراً. وإذا ظهر علاج جيني أكثر فاعلية ويعتمد على الفيروس نفسه لاحقاً، فلن يتمكن الذين حصلوا على العلاج الحالي من الحصول على العلاج الجديد.

على الرغم من كل هذا، صوّتت اللجنة بأغلبية 8-6 بالموافقة على منح الدواء موافقة سريعة. وقد سلّط الكثير من أعضاء اللجنة الضوء على أثر القصص ومقاطع الفيديو التي قدمها الأهالي، مثل برينت فوربي.

وقد قال عالم الأعصاب أنتوني أماتو للحضور: “لا أعلم ما إذا كان هؤلاء الصبيان قد حصلوا على الدواء الوهمي أو الحقيقي، ولكنني أعتقد أنهم حصلوا على الدواء الحقيقي”.

وقال عالم الأحياء المختص بالخلايا الجذعية، وأحد أعضاء اللجنة، دونالد كون: “تمثّل هذه المقاطع دليلاً دامغاً على فاعلية الدواء، وإن كانت مجرد قصص”.

اقرأ أيضاً: شريحتان إلكترونيتان تُعيدان قدرة رجل مشلول على المشي

هل هذه الأدوية فاشلة؟

قد تكون التجارب الفردية مؤثرة للغاية، ولكنها تبقى مجرد تجارب فردية في نهاية المطاف. تقول بيتمان هاوس: “إذا نظرنا إلى التسلسل الهرمي للأدلة، تقع القصص في أدنى مستوياته. ولا شك أنها لا تقترب حتى من مستوى أدلة التجارب السريرية”.

تقول زوكرمان إن هذا الأسلوب في منح الموافقات على الأدوية ليس بالأسلوب الناجع. إضافة إلى هذا، فهذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها ساريبتا على موافقة على أحد أدويتها بناءً على أدلة ضعيفة.

لقد نالت الشركة من قبل موافقة إدارة الغذاء والدواء على بيع ثلاثة أدوية أخرى للحثل العضلي الدوشيني، وكانت جميعها مصممة لتجاوز الإكسونات المعطلة، وهي أجزاء من الحمض النووي لحمل رموز أحد البروتينات. صُمِّمَت هذه الأدوية كي تُتيح للخلايا صُنع شكل أطول من البروتين بحيث يكون أكثر شبها بالديستروفين.

نال إكسونديس 51 (Exondys 51)، أول هذه الأدوية “المتجاوزة للإكسونات”، موافقة سريعة في 2016، على الرغم من أن التجربة السريرية لم تتضمن استخدام الدواء الوهمي، واقتصرت على 12 صبياً فقط. تقول زوكرمان: “لم أرَ شيئاً كهذا من قبل”. وتشير إلى أن الدراسة كانت صغيرة للغاية إلى درجة أنه لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات فاعلية الدواء. ووفقاً لوجهة نظرها، كان عام 2016 “نقطة تحول” بالنسبة إلى موافقات إدارة الغذاء والدواء المبنية على الأدلة الضعيفة، وتقول: “وصل الوضع إلى درجة لا تُصَدق”.

ومنذ ذلك الحين، تلقت ثلاثة أدوية أخرى تعتمد على تجاوز الإكسونات موافقات سريعة لعلاج الحثل العضلي الدوشيني، وكان اثنان منها من إنتاج ساريبتا. قال متحدث باسم ساريبتا إن تحليلاً موّلته الشركة بيّن أن المصابين بالحثل العضلي الدوشيني الذين تلقوا إكسونديس 51 حافظوا على قدرتهم على التنقل فترة أطول وعاشوا فترة أطول بمقدار 5.4 سنة، وأضاف قائلاً: “وهي بيانات ما كنا لنحصل عليها لولا تلك الموافقة الأولية”.

سيكلف “إس آر بي-9001” (SRP-9001)، الذي يحمل الآن اسم إيليفيديس (Elevidys)، مبلغ 3.2 مليون دولار على شكل جرعة واحدة.

إلّا أنه بالنسبة للكثيرين في الأوساط العلمية، ما زالت هذه البيانات في حاجة إلى تأكيد. في مايو/ أيار، قال المدقق السريري في مكتب المنتجات العلاجية في إدارة الغذاء والدواء، مايك سينغر، مخاطباً اللجنة الاستشارية: “ما زالت الفائدة السريرية غير مؤكدة بالنسبة لجميع الأدوية الأربعة”.

تقول زوكرمان: “تطالب العائلات بالحصول على هذه الأدوية جميعها، إلّا أنه لم يثبُت نجاح أي منها”.

ويل روبرتس هو أحد الصبيان الذين يأخذون أحد الأدوية التي تتجاوز الإكسونات، وبالتحديد، أمونديس 45 (Amondys 45) من ساريبتا. شُخِّصت إصابته بالحثل العضلي الدوشيني عندما كان بعمر سنة واحدة فقط، والآن، بلغ من العمر عشر سنوات. يتضمن برنامجه العلاجي قدوم ممرضة إلى منزله لحقنه بالدواء وفق جدول زمني من المواعيد، يفصل بينها مدة تتراوح من 5 إلى 10 أيام. وهذا العلاج باهظ الثمن. وعلى حين يوجد لدى والديه عقد تأمين متخصص لحمايتهم من التكاليف، فإن سعر علاج كافٍ لسنة كاملة يبلغ 750,000 دولار تقريباً.

صورة لعائلة روبرتس في الخريف
كان ويل روبرتس (يساراً)، الذي أصبح الآن بعمر عشر سنوات، يتناول دواء أمونديس 45 من ساريبتا كي يتعالج من مرض الحثل العضلي الدوشيني الذي أصيب به منذ كان بعمر سنة واحدة، ولكنه لم يشعر بتحسن يذكر. وقد كان والداه، ريان وكيان، يأملان بأن يحصل الدواء “إس آر بي-9000” على موافقة إدارة الغذاء والدواء. مصدر الصورة: تقدمة من عائلة روبرتس

تعمل والدته، كيان روبرتس، معلمةًَ في ولاية ميشيغان، وتقول إنها لا تستطيع أن تميز ما إذا كان الدواء يساعده فعلاً. ففي السنة الماضية كان يركض في الفناء الخلفي للمنزل، أمّا الآن فهو في حاجة إلى كرسي كهربائي للتنقل في المدرسة. تقول روبرتس: “من المؤكد أننا لم نشهد أي تحسن في قدراته الحركية، ومن الصعب أن نجزم بأن الدواء قد خفف من وتيرة تردّي حالته بعض الشيء”.

لا يخلو العلاج من المخاطر أيضاً. فقد حذّر موقع الويب الخاص بأمونديس 45 من أن 20% من الأشخاص الذين يستخدمون الدواء سيصابون بأعراض جانبية قوية، وذكر وجود حالات تلف كلوي “يمكن أن يؤدي إلى الوفاة” بين الأشخاص الذين تلقوا علاجات مماثلة.

تقول روبرتس إنها مدركة للمخاطر التي ترافق تناول أدوية مثل أمونديس. ولكنها وزوجها ريان، وهو مهندس مختص بتكنولوجيا المعلومات، ما زالا يأملان بأن يتلقى “إس آر بي-9000” موافقة إدارة الغذاء والدواء. وبالنسبة للزوجين روبرتس والأهالي على شاكلتهما، فإن هذه الرغبة مبنية جزئياً على أمل استفادة الطفل من الدواء، مهما كان هذا الأمل ضعيفاً.

وقد قالت في مكالمة مرئية بعد أسبوعين من اجتماع اللجنة الاستشارية: “تنبع مشاعرنا الجياشة من الحال الذي وصلنا إليه، فقد بدأنا نلاحظ تراجعاً في قدرات ويل الحركية، ونحن نشعر بالقلق من فقدان أهليته للحصول على الدواء بحلول الوقت الذي يصبح فيه متاحاً للجميع”.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

بيع الأمل

في 22 يونيو/ حزيران، وبعد شهر ونصف من اجتماع اللجنة، وافقت إدارة الغذاء والدواء على “إس بي آر-9000″، الذي يحمل الآن اسم إليفيديس (Elevidys). وسيكلف العلاج المؤلف من جرعة واحدة فقط مبلغ 3.2 مليون دولار، قبل أي حسومات محتملة. في الوقت الحالي، تقتصر الموافقة على المرضى من الصبيان بعمر 4-5 سنوات. وقد مُنِحت الموافقة مع تذكير للشركة بإنجاز تجاربها السريرية الحالية، وتقديم النتائج إلى الوكالة.

من جهتها، تصر ساريبتا على أن النتائج كافية لدعم الموافقة على الدواء. ولكن الشركات طرحت هذه الأدوية -وبأسعار باهظة على نحو صادم- دون أدلة دامغة نتوقعها عادة للموافقة على الأدوية الجديدة. هل من الأخلاقي حتى إن نبيع دواءً لا نعرف كل شيء عن قدرته على تحقيق المطلوب؟

طرحت هذا السؤال على ديبرا ميلر، وهي والدة هوكين ميلر ومؤسِّسَة المنظمة الدولية للاضطرابات النادرة كيور دوشين (CureDuchenne). شُخصت إصابة هوكين بالمرض عندما كان يبلغ من العمر خمس سنوات. وتقول والدته: “عملياً، قال لنا الطبيب الذي شخص حالته إنه سيتوقف عن السير بعمر 10 سنوات تقريباً، وإنه لن يعيش بعد عمر 18 سنة، ولا يوجد علاج لهذا المرض. لا مجال لشفائه، ولا يمكنكم فعل أي شيء. عودوا إلى منزلكم واغمروا طفلكم بالحب”.

وقد أسست كيور دوشين رداً على ذلك. هذه المنظمة مكرّسة لتمويل الأبحاث حول العلاجات المحتملة، وتقديم الدعم للمصابين بهذا المرض. وقد قدمت دعماً مالياً سابقاً لسيرابتا، ولكنها لا تهتم حالياً بالشركة من الناحية المالية. لم يكن هوكين، الذي يشغل حالياً منصب المسؤول الاستراتيجي عن المحتوى في المنظمة، مؤهلاً للتجارب السريرية قط.

وتقول ديبرا ميلر إنها سعيدة لحصول الأدوية المتجاوزة للإكسونات على الموافقة. ووفقاً لوجهة نظرها، فالأمر يتجاوز مجرد فتح المجال أمام استخدام دواء جديد.

“نبحث جميعنا عن الأمل. غير أنه عندما يتعلق الأمر بالطب، أليس من الأفضل أن يكون الأمل مبنياً على الأدلة بدلاً من الضجيج الإعلامي؟”

ديانا زوكرمان، رئيسة المركز الوطني للأبحاث الصحية

وتقول: “لقد أدّت الموافقات إلى تشجيع الابتكار وإثارة قدر كبير من الاهتمام بمرض الحثل العضلي الدوشيني”. منذ ذلك الحين، موّلت كيور دوشين شركات أخرى تدرس الجيل الجديد من الأدوية المتجاوزة للإكسونات، التي أبدت في التجارب الأولى فاعلية أفضل من الجيل الأول من الأدوية. وتقول: “علينا أن نخطو الخطوة الأولى قبل أن نخطو الخطوة الثانية”.

ينتظر هوكين ميلر بيانات المرحلة الثالثة الجارية حالياً من التجارب السريرية على إيليفيديس. وفي الوقت الحالي، “لا يبدو الوضع مبشّراً من وجهة نظر البيانات. ولكن، في الوقت نفسه، سمعت الكثير من القصص من الأهالي والمرضى الذين يقولون إنه مفيد للغاية، ولا أرغب في استبعاد ما رأوه”.

يُفترض أن تصبح النتائج جاهزة في سبتمبر/ أيلول، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من منح الموافقات السريعة. قد لا تبدو فترة طويلة للانتظار، ولكن كل دقيقة ثمينة بالنسبة إلى الأطفال المصابين بالحثل العضلي الدوشيني. وقد ترددت عبارة “ضياع الوقت يعني ضياع العضلات” عدة مرات خلال اجتماع اللجنة الاستشارية.

تقول كيان روبرتس، والدة ويل: “أتمنى لو كان لدينا ما يكفي من الوقت والعضلات لانتظار أدوية أكثر فعالية. لكن إحدى مشكلات هذا المرض هي أنه قد لا يسمح لنا بفرصة للانتظار للاستفادة من أحد هذه الأدوية التي قد تصبح متاحة للجميع بعد عدة سنوات”.

قد ينتهي المطاف بالأطباء إلى الاتفاق على أن دواء ما -حتى لو كان احتمال نجاحه ضعيفاً- أفضل من لا شيء. تقول مختصة الأخلاق الحيوية في جامعة بنسلفانيا، هولي فرنانديز لينش: “في النفسية الأميركية، هذا هو الأسلوب الذي يجد الأطباء والمرضى أنفسهم مدفوعين نحوه. فنحن نتحدث جميعاً بهذه الطريقة التي تصف مواجهة المرض بالمعركة، والتي تقول إنه يجب عليك أن تجرب كل شيء للفوز بهذه المعركة”.

تقول زوكرمان: “لا أستطيع حتى تحديد عدد اجتماعات اللجان الاستشارية لإدارة الغذاء والدواء التي حضرتها، حيث كان المرضى يقولون في إطار التعليقات العامة أشياء مثل: هذا يمنحني الأمل. في بعض الأحيان، يستطيع الأمل مساعدة الناس على تحقيق أثر إيجابي. من المؤكد أن الأمل يساعدهم على الشعور بالتحسن. ونبحث جميعنا عن الأمل، إلّا أنه عندما يتعلق الأمر بالطب، أليس من الأفضل أن يكون الأمل مبنياً على الأدلة بدلاً من الضجيج الإعلامي؟”

اقرأ أيضاً: إقرار أول علاج جيني لعلاج حالة «الأطفال الفراشات»

قرار يائس

تقول زوكرمان إن الدواء الذي تلقى موافقة مبنية على بيانات ضعيفة قد لا يوفّر شيئاً سوى أمل مزيف بسعر مرتفع: “ليس من العدل في شيء أن يتعرض المرضى وعائلاتهم للإفلاس للحصول على دواء لم تثبُت حتى قدرته على تحقيق الأثر المطلوب”.

تقول بيتمان هاوس إن التجارب السريرية ما زالت أفضل طريقة متاحة للناس للحصول على العلاجات التجريبية. ويتفق روبرتسون، خبير القانون الصحي، مع وجهة النظر هذه، ويُضيف قائلاً إن التجارب السريرية يجب أن تكون “أضخم وأسرع وأكثر شمولية”. فإذا بدا أن الدواء قادر على تحقيق المطلوب، يمكن للشركات، على سبيل المثال، أن تسمح للمزيد من المتطوعين بالانضمام إلى التجربة.

يعللون ذلك بأن الناس المصابين بأمراض خطيرة ومدمرة يجب أن يحظوا بالحماية من العلاجات غير الفعّالة، وربما المؤذية، حتى لو رغبوا في الحصول عليها. تجري لجان الإشراف عمليات تقييم لمدى أخلاقية التجارب السريرية قبل الموافقة على إجرائها. ولا يُسمح بمطالبة المشاركين بدفع ثمن الأدوية التي يحصلون عليها في التجارب السريرية. ويخضع المشاركون لمراقبة دقيقة تحت إشراف متخصصين طبيين خلال مشاركتهم.

هذا لا يعني أن الناس الذين في حاجة ماسة للعلاج عاجزون عن اتخاذ قرارات واعية. تقول فرنانديز لينش: “إنهم لا يجدون سوى الخيارات السيئة”.

تنطبق هذه الحالة أيضاً على العلاجات الجديدة للغاية، وفقاً لروبرتسون. في بداية التجارب، قد يكون أفضل المرشحين للعلاجات التجريبية الجديدة هم الأقرب إلى الموت، حيث يقول روبرتسون: “من المناسب للغاية اختيار المرضى الذين لم يعد أمامهم ما يخسرونه، مع الحرص على عدم استغلال الناس المحرومين من الخيارات الجيدة”.

اقرأ أيضاً: قراصنة بيولوجيون يحاولون بناء نسخة رخيصة من علاج جيني بملايين الدولارات

تحمل التجارب السريرية فائدة أخرى. فمن الصعب تقييم فاعلية العلاج الذي يتطلب الاستخدام مرة واحدة فقط بالنسبة إلى فرد واحد. أمّا التجارب السريرية فتقدّم بيانات قيّمة يمكن أن تفيد شريحة كاملة من المرضى. وتصبح هذه البيانات قيّمة على وجه خاص بالنسبة للعلاجات الجديدة للغاية لدرجة وجود بضعة معايير وحسب للمقارنة.

يقول هوكين ميلر إنه يدرس المشاركة في تجربة سريرية لدواء إيليفيديس. ويقول: “أنا مستعد لتحمل بعض من هذه المخاطر لقاء احتمال مساعدة الآخرين. وأعتقد أننا سنجد أن أغلب المصابين بالحثل العضلي الدوشيني يحملون رغبة عارمة في المشاركة في التجارب السريرية إذا كان هذا سيؤدي إلى مساعدة طفل ما على الشفاء بسرعة أكبر”.

يقول والد ويل، ريان روبرتس، إنه يتسم بالواقعية من حيث تقييمه لاحتمال نجاح إيليفيديس. ويقول: “لقد بدأنا نقترب من الفرصة الأخيرة حقاً، أي السنوات الأخيرة التي سيكون فيها قادراً على التنقل”. ويضيف قائلاً إن مخاوف الفاعلية ليست مهمة بالنسبة إليه بوصفه أباً. ويقول: “سنستخدم هذا العلاج لأنها ستكون فرصتنا الأخيرة، ونحن ندرك أننا لن نُحرم من علاج شافٍ أو ثوري. لكننا مستعدون لتجربة أي شيء يمكننا الحصول عليه خلال المهلة القصيرة التي ما زالت متاحة أمامنا”.