إقرار أول علاج جيني لعلاج حالة «الأطفال الفراشات»

6 دقائق
إقرار أول علاج جيني لعلاج حالة «الأطفال الفراشات»
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Andrii Yalanskyi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبلغ أنتونيو بينتو من العمر 13 عاماً. وهو صغير الجسم، وملفوف بالضمادات، ولا يستطيع المشي، ولم يكن حتى فترة قريبة قادراً على رؤية شيء سوى الأخيلة. يعاني بينتو من انحلال البشرة الفقاعي الحثلي، وهو مرض وراثي يجعل البشرة حساسة إلى درجة أن الأطفال المصابين بهذا المرض يُعرَفون باسم “الأطفال الفراشات”.

لكنه أصبح في حال أفضل الآن، بفضل علاج جيني جديد يُرشّ على البشرة ويُقطَر في العينين. أصبحت جروحه أصغر حجماً، وعندما زار عيادة طبيب العيون مؤخراً، أكد الفحص الطبي أن نظره تحسن بدرجة كبيرة.

وفي مكالمة هاتفية، زقزق فرحاً بالإسبانية قائلاً: “لقد قالوا إن حدة الإبصار في عيني اليمنى أصبحت 20/25. وأصبحت قادراً على رؤية الأشياء الصغيرة الآن”. تشمل الأشياء الصغيرة التي أصبح قادراً على رؤيتها الكتل والعناصر الموجودة في لعبة ماينكرافت (Minecraft) التي بدأ بممارستها.

لقد طلب منا أن نناديه باسم أنتوني، فهو يفضّله.

اقرأ أيضاً: عائلة تجمع الملايين حتى يحصل طفلاها على علاج جيني تجريبي

العلاج الجيني للأطفال الفراشات

منذ فترة وجيزة، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على علاج الاستبدال الجيني الذي تلقاه أنتوني، ما يجعله أول علاج جيني يُطرح للبيع للتطبيق على الجزء الخارجي من جسم المريض، إضافة إلى أنه أول علاج مصمم للاستعمال على المريض نفسه على نحو متكرر.

وبالنسبة للمرضى من “الأطفال الفراشات” مثل أنتوني، تكمن المشكلة في عجز أجسامهم عن تصنيع الكولاجين من النوع الذي يربط طبقات البشرة بعضها ببعض. يؤدي هذا إلى ظهور جروح مزمنة ومتقرحة في جميع أنحاء البشرة، وضمن الحلق أيضاً، وحتى على العينين في بعض الأحيان.

يُضيف العلاج الجين الناقص إلى خلايا البشرة بحيث تبدأ بتصنيع الكولاجين، وقد بدأ إجراء الدراسات على هذه الطريقة الجديدة لتطبيق العلاج لاستخدامها في علاج أمراض جلدية نادرة أخرى. وقد بدأ أيضاً إجراء الدراسات على علاج جيني يعتمد على الاستنشاق لمعالجة التليف الكيسي.

فيجوفيك: علاج جيني لانحلال البشرة الفقاعي

وقد طوّرت الشركة الناشئة كريستال بيوتيك (Krystal Biotech) في مدينة بيتسبرغ، العلاجَ الذي يحمل اسم فيجوفيك (Vyjuvek)، حيث حاز الموافقة اللازمة لعلاج أي شخص يزيد عمره على ستة أشهر من المصابين بهذا النوع من انحلال البشرة الفقاعي، وهو مرض لم يُتوصل إلى الكثير من الخيارات لعلاجه حتى الآن.

تقول والدة أنتوني، يونيلكيس كاراباخال، التي هاجرت إلى الولايات المتحدة من كوبا في 2012 بتأشيرة سفر إنسانية بحثاً عن علاج لأنتوني: “منذ ولادته، وأنا أغيّر ضماداته وأحاول شفاء جروحه”.

منذ 2017، وافقت إدارة الغذاء والدواء على خمسة علاجات جينية لأمراض وراثية نادرة –وسيصبح علاج كريستال السادس- وعدة علاجات أخرى لسرطان الدم.

اقرأ أيضاً: أطباء يخططون لاختبار علاج جيني من شأنه أن يقي من الإصابة بمرض الزهايمر

لكن تلك العلاجات السابقة كلها تعتمد على الحقن، أو تغيير الخلايا المناعية خارج الجسم. ومن خلال تركيب علاج جيني على شكل مرهم مخصص للتدليك، حققت كريستال ما عدّه رئيسها التنفيذي، كريش كريشنان، “وسيلة بسيطة وسهلة الاستخدام ومريحة للمرضى لتقديم العلاج الجيني إليهم”.

من الممكن أن يصبح علاج استبدال الجينات المصنوع على شكل مرهم للتدليك مفيداً على نحو رائع للاستخدامات التجميلية في المستقبل. فقد بدأت شركة فرعية أسستها كريستال باختبار نسخة أخرى من الدواء على مجموعة من المتطوعين في محاولة لعكس أثر تغضّن الجلد حول العينين وغيرها من التجاعيد الناجمة عن تراجع كمية الكولاجين التي ينتجها الجسم البشري مع التقدم في العمر.

إذا نجح هذا المشروع، من الممكن أن يمتد العلاج الجيني في المستقبل إلى استخدامات البالغين للتحسينات غير الطبية، ولا يقتصر فقط على علاج المشكلات الصحية الخطيرة. تحمل الشركة الفرعية اسم جون (Jeune)، وتعرّف هذه الشركة نفسها بوصفها “شركة تجميل جيني”.

مثير للإعجاب حقاً

نُشرت الأدلة على نجاح العلاج في دراسة أجرتها كريستال في عام 2022، حيث شارك فيها أنتوني ضمن مجموعة من 31 مريضاً مصاباً بانحلال البشرة الفقاعي تتراوح أعمارهم من سنة إلى 44 سنة، حيث وُضع مرهم العلاج الجيني على جروحهم الأسوأ حالاً، في حين وُضع علاج وهمي على بعض الجروح الأخرى من أجل المقارنة.

تقول كارباخال، والدة أنتوني، إنهم اختاروا خلال الدراسة جرحاً كبيراً ومؤلماً للغاية كان قد أصاب كعبه. وتُضيف: “وضعنا المرهم على الجرح واختفى بعد ذلك، ولم يُفتح ثانية من بعدها. كان أمراً مذهلاً. لقد كان جرحاً كبيراً ومزمناً، ولم أره مرة أخرى. إنه إنجاز مثير للإعجاب حقاً”.

على الرغم من أن العلاج أزال بعض الجروح تماماً، وقلّص الجروح الأخرى، فإنه ليس علاجاً شافياً. يُعزى هذا، جزئياً، إلى أن خلايا البشرة تتجدد باستمرار، وتحل محلها خلايا جديدة تعاني من المشكلة الجينية ذاتها. وهذا يعني وجوب إعادة تطبيق العلاج على الجلد مرة واحدة أسبوعياً على يد أحد الأطباء أو إحدى الممرضات.

تقول كريستال إن هذا العلاج هو أول علاج جيني حاز الموافقة للاستخدام المتكرر بهذه الطريقة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن ينجح التعديل الجيني في علاج أكثر الأمراض فتكاً في العالم؟

فيروس القوباء (الهربس)

أصبحت لدى العلماء الآن عدة أدوات للتلاعب بالجينات في مختبراتهم، حيث أصبح علاج الخلايا في طبق مخبري، أو حتى شفاء الفئران من أمراض مميتة، أمراً اعتيادياً. لكن التحدي في معالجة البشر يكمن في صعوبة إدخال الحمض النووي المُصَحح إلى أجسامهم، وهي مشكلة معروفة باسم توصيل الجينات.

ليست كريستال سوى واحدة من العشرات من الشركات التي تسعى إلى تصميم أساليب مبتكرة لتوصيل الجينات البديلة إلى المزيد من المواضع ضمن الجسم البشري، بما في ذلك الأعضاء التي يصعب الوصول إليها، مثل الدماغ.

يقول مؤسس شركة النشر وتحليل الاستثمارات سولت دي بي (Solt DB)، التي تتاجر أيضاً بأسهم شركات التكنولوجيا الحيوية (بما فيها كريستال)، ماكس تشاتسكو: “يُعد التوصيل العامل الأكثر أهمية في الطب الجيني. وأعتقد أن هذا العمل يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى أول جرعة من العلاج الجيني الذي يمكن للمريض استخدامه بنفسه في المنزل”.

عادة ما يتضمن توصيل الجينات وضع سلسلة من الحمض النووي داخل فيروس مجهز على نحو طبيعي ليدخل الخلية البشرية ويضع الجين داخلها. في حالة كريستال، استخدمت الشركة فيروس القوباء، وهو الفيروس ذاته الذي يتسبب بالقروح الباردة.

يُعرف الفيروس باسم HSV-1، وهو منتشر على نطاق واسع، وتُقدّر نسبة المصابين به حول العالم بالنصف (50%). هذا يعني أنه آمن إلى حدٍ ما، لكنه يتميز أيضاً بقدرته الطبيعية على تفادي النظام المناعي. يقول كريشنان إن هذه الميزة هي ما تُتيح استخدام الدواء على نحو متكرر، دون التسبب بأي آثار جانبية سلبية.

وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الشركة الناشئة، يقول تشاتسكو إنها أثارت بعض الجدل بسبب الطريقة التي توصلت بها إلى هذه الاستراتيجية. ففي 2022، وافقت كريستال على دفع مبلغ يصل إلى 75 مليون دولار لشركة ناشئة أخرى، تحمل اسم بيريفاجين (PeriphaGen)، التي اتهمت كريشنان وشركته بسرقة أفكارها وتكنولوجياتها.

اقرأ أيضاً: ربما يحقق هذا الدواء الجديد أول نجاح تجاري كبير للعلاج الجيني

قطرة للعينين

سواء كانت هذه الفكرة المبتكرة مسروقة أو لا، فقد أثبتت كريستال فاعلية هذه الطريقة وتعدد استخداماتها، وذلك بتطوير نسخة من العلاج على شكل قطرة للعينين بطلب من طبيب العيون الذي يعالج أنتوني، ألفونسو ساباتير، وهو مدير مختبر الابتكار القرنيّ في كلية الطب في جامعة ميامي.

يقول ساباتير، الذي عقد اتفاقاً خاصاً مع إدارة الدواء والغذاء لاختبار الفكرة على مريض واحد، وهو أنتوني: “عندما علمت أنه مشارك في تجربة لاختبار علاج للبشرة، قلت لنفسي إنه من الممكن أن نجرب هذا العلاج على العين”. في البداية، أزال ساباتير جراحياً طبقة من النسيج المصاب المتراكم على عيني أنتوني. وبعد هذا، كما يقول، أدّى الاستخدام الشهري لهذه القطرة العينية، على ما يبدو، إلى منع ظهور هذه الإصابات مجدداً.

يقول ساباتير: “أعتقد أيضاً أنه أول علاج جيني للقرنية، وأول مرة يُصنع فيها هذا العلاج على شكل قطرة”.

ليس من المؤكد ما إذا كانت كريستال تنوي استثمار هذا الدواء على شكل قطرة للعين.

رحلة بالطائرة من كوبا

تقول والدة أنتوني إنه لم يكن لأحد أن يتوقع لجوء العائلة إلى علاج جيني حديث عندما وُلِد ابنها. ولكن، عندما بلغ من العمر ثلاث سنوات، كانت القروح قد تشكلت على عينيه، وأصبح البلع عملية صعبة بالنسبة له.

بعد ذلك، فقد الرؤية، وظهرت الجروح على مفاصله، حيث يقول أنتوني: “أصبح المشي مثيراً للخوف، ولهذا توقفت عن المشي”.

تقول كارباخال إنها تركت عملها في إحدى شركات الاتصالات لتعتني بأنتوني، وقررت بعد ذلك أن تغادر بلادها أيضاً. تقول كارباخال: “كوبا دولة من دول العالم الثالث، ولم يسمع الأطباء هناك بهذا المرض، ولم يكن ثمة علاج له. لا أعرف ما كان ليحدث لو بقينا في كوبا. لم يكن أمامي سوى خيارين، واخترت أن أندفع نحو المجهول”.

يحمل أنتونيو بينتو، والد أنتوني، جواز سفر إسبانياً، ولهذا تمكن من الذهاب بالطائرة إلى الولايات المتحدة، والحصول على تأشيرة دخول إنسانية لأنتوني ووالدته. تتذكر والدة أنتوني تاريخ وصولهما: يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول، 2012.

في البداية، حاولت العائلة أن تتكيف مع الجو الجديد، وسعت إلى التواصل مع فريق من الأطباء لمساعدة أنتوني. لكن والدته كانت مستعدة لخوض المزيد من التجارب. تقول كارباخال: “إنه مرض تنكّسيّ. هذا المرض ليس من النوع الذي يمكن الحصول على دواء له من الصيدليات، ولكننا لم نستطع أيضاً أن نقف مكتوفي الأيدي”.

في البداية، شارك أنتوني في إحدى التجارب السريرية التي أجريت في كاليفورنيا مع شركة فايبروسيل (Fibrocell). لم يؤدِ ذلك العلاج إلى أيّ نتيجة، ولكن كاراباخال تقول إنها التقت هناك الرئيسة التنفيذية لكريستال وزوجة رئيس الشركة، سوما كريشنان، حيث شجّعتها على إشراك أنتوني في الدراسة التجريبية لمرهم العلاج الجيني.

اقرأ أيضاً: هواة التعديل البيولوجي يتجاهلون التحذير من تطبيق العلاج الجيني بشكل ذاتي

وكانت النتيجة رائعة. تقول كارباخال: “ليس علاجاً نهائياً، لكن جروحه تحسنت إلى درجة غير مسبوقة. وعند كل زيارة للأطباء، نلتقط مجموعة من الصور، وقد أصبحت جروحه أصغر، حتى إن بعضها اختفى تماماً”.

واصلت العائلة المشاركة في الدراسة السريرية، التي استمرت ضمن مرحلة مفتوحة تُتيح للمشاركين الحصول على الدواء باستمرار. وفي كل زيارة، يحصلون على ثماني أمبولات صغيرة من المرهم الجيني، ويقررون بأنفسهم مواضع تطبيقه على جسم أنتوني. لا تدري العائلة ما سيحدث لاحقاً، عندما يتوجب دفع ثمن الدواء.

تقول كارباخال: “نحن نقول لهم إننا بحاجة إلى هذا الدواء، ولا نريد أن نتوقف عن استخدامه. ونرغب في الحصول على المزيد، إن كان هذا ممكناً”.