الأمل المسروق: تعرف إلى قصة مريض الشلل الذي أوقفت إحدى الشركات تجربة علاجه

4 دقائق
الأمل المسروق: تعرف إلى قصة مريض الشلل الذي أوفقت إحدى الشركات تجربة علاجه
حقوق الصورة: shutterstock.com/H_Ko
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرّض إيان بوركهارت إلى إصابة شديدة في النخاع الشوكي في أثناء عطلة عندما كان في الـ 19 من العمر. ويقول: “تسببت هذه الإصابة بالشلل الرباعي. لم أتمكن من تحريك ذراعي إلا قليلاً، وفقدت القدرة على تحريك يدي تماماً”. أراد بوركهارت اتخاذ إجراء يمنحه المزيد من الاستقلالية. ونتيجة لذلك، سمع بتجربة سريرية تخص طعماً دماغياً قد تُغيّر حياته.

تُختبر واجهات التخاطب التجريبية بين الدماغ والكمبيوتر للمساعدة على علاج الشلل والصرع وغيره من المشكلات الصحية. يمكن لهذه الإجراءات أن تحسّن صحة المرضى وتعزز استقلاليتهم وإحساسهم بالذات. ومع ذلك، إذا نفدت أموال شركة، أو فريق بحثي ما، وأرادت إزالة الطُعم، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على متلقي الطعم.

زُرع الجهاز الذي تلقاه بوركهارت في دماغه منذ نحو 9 سنوات، بعد بضع سنوات من فقدانه القدرة على تحريك أطرافه بعد تعرضه لحادث غوص. تطوع بوركهارت للمشاركة في تجربة الجهاز، الذي منحه القدرة على تحريك يده وأصابعه. لكن كان لا بد من إزالته بعد 7 سنوات ونصف من زرعه.

اقرأ أيضاً: بين الفوضى والاستقرار: حالات الدماغ الغريبة

زرعات دماغية تعيد الحركة ولو جزئياً

كان الطعم الذي تلقاه عبارة عن مجموعة صغيرة من 100 قطب كهربائي أُدخلت بحذر إلى جزء من الدماغ يساعد على التحكم في الحركة. يعمل هذا الجهاز من خلال تسجيل النشاط الدماغي وإرسال هذه التسجيلات إلى جهاز كمبيوتر، حيث تُعالجها خوارزمية. يتصل الحاسوب بكُمٍّ يحتوي على أقطاب كهربائية يمكن ارتداؤه على الذراع. تكمن فكرة هذا الجهاز في ترجمة أفكار الحركة داخل دماغ المريض إلى إشارات كهربائية من شأنها أن تحفّز الحركة.

كان بوركهارت أول من خضع لعملية الزرع هذه في عام 2014، وكان عمره 24 سنة حينها. وخضع لبرنامج تدريبي لتعلّم كيفية استخدام الجهاز بمجرد تعافيه من الجراحة. ذهب بوركهارت إلى مختبرٍ 3 مرات في الأسبوع لمدة عام ونصف تقريباً، حيث يمكن توصيل الطعم بجهاز كمبيوتر عبر كبل يخرج من رأسه.

قال بوركهارت: “عمل الجهاز بكفاءة عالية. بدأنا بالتدرّب على فتح يدي وإغلاقها، ولكن بعد مرور بعض الوقت، تمكّنت من تحريك أصابعي بشكل إفرادي”. تمكن بوركهارت في النهاية من الجمع بين الحركات المختلفة والتحكم في شدّة قبضته، حتى إنه تمكّن من ممارسة لعبة غيتار هيرو (Guitar Hero).

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

يقول بوركهارت: “تمكنت من إجراء الكثير من النشاطات، ما كان مثيراً للحماس. مع ذلك، كانت الحركات محدودة أيضاً”. كان قادراً فقط على استخدام الجهاز في المختبر، ولم يتمكن إلا من أداء المهام المتعلقة بالمختبر. يقول بوركهارت: “بُسّطت النشاطات جميعها التي كان علي إجراؤها.

على سبيل المثال، كان بإمكانه السكب من قارورة، لكنها احتوت فقط على الخرزات لأن الباحثين فضّلوا تجنّب استخدام السوائل حول المعدات الكهربائية. يقول بوركهارت: “كانت حقيقة أن الجهاز الجديد لم يغيّر كل جانب من حياتي محبطة لأني أعلم كم يمكن أن يكون مفيداً”.

في جميع الأحوال، عمل الجهاز بكفاءة لدرجة أن فريق الباحثين مدّد التجربة. وفقاً بوركهارت، كان من المفترض في البداية أن يبقى الجهاز في جسمه لمدة 12-18 شهراً؛ إذ يقول: “لكن كانت النشاطات جميعها ناجحة، لذلك تمكنّا من الاستمرار بالتجربة لفترة أطول من ذلك بكثير”. مُدّدت التجربة على أساس سنوي، وواصل بوركهارت الذهاب إلى المختبر مرتين في الأسبوع.

غيّر الجهاز الجديد حياته؛ يقول: “لا شك في أنه مَنحني أملاً كبيراً للمستقبل”.

اقرأ أيضاً: هل يُعتبر تحفيز الدماغ عملية توغليّة؟

مشكلة التمويل

مع ذلك، أتته الأخبار السيئة بعد فترة. يقول بوركهارت: “بدأنا بمواجهة بعض المشكلات المتعلقة بالتمويل بعد نحو 5 سنوات من العملية”. وعندما تمكن الفريق من تأمين التمويل، غطّى هذا التمويل مدة 6-8 أشهر فقط. وفقاً لبوركهارت، طُلب منه في مرحلة معينة إزالة الجهاز، وأكّد له الخبراء أنه سيُزرع مجدداً بمجرد تأمين التمويل.

يقول بوركهارت: “هذه ليست الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الحالة؛ إذ تنطوي إزالة الجهاز وإعادة زرعه مباشرة على مخاطر كبيرة”.

بدأت علامات التهابية تظهر في النقطة التي يدخل فيها الكبل إلى جلد رأس بوركهارت في عام 2021، ويقول: “كان هذا الالتهاب الحدث الذي حسم المسألة”. وافق بوركهارت على إزالة الجهاز في أغسطس/ آب من عام 2021، وهو يعيش من دونه منذ ذلك الحين.

وفقاً لبوركهارت، كانت إزالة الجهاز تجربة صعبة بالنسبة له، إذ يقول: “عندما تعرضت لإصابة النخاع الشوكي لأول مرة، قال لي الأطباء إني لن أتمكن من تحريك أي شيء من كتفي وما دونه مجدداً. تمكّنت من استعادة هذه القدرة، ثم فقدتها مرة أخرى، وكان ذلك صعباً للغاية”.

تحدثت إلى طبيب أعصاب مشارك في التجارب السريرية على واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر، وأخبرني أن الموافقة المسبقة أمر بالغ الأهمية؛ إذ يجب على المتطوعين في التجربة أن يعرفوا ما سيحدث فيها بالضبط. ولكن كما تُبين تجربة بوركهارت، الأمر ليس بهذه البساطة. يقول بوركهارت: “كنت أعلم أن الجهاز سيُزال في وقت ما، ولكن لم أعلم ما المشاعر التي سيحفّزها ذلك”.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟

تكنولوجيا تمنح التفاؤل

اليوم، يشعر بوركهارت بالتفاؤل، وهو منشغل بعمله الخاص؛ إذ إنه يدير مؤسسته الخاصة التي تقدم الدعم للأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي. يعمل بوركهارت مستشاراً لشركات تصنيع الأجهزة الطبية ويعمل أيضاً مع منظمة تهدف إلى ضمان أن الأبحاث الطبية ذات الصلة تتضمن آراء وخبرات أولئك الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي. تطوّع بوركهارت وعدد من المرضى الذي شاركوا في تجارب مشابهة في تحالف روّاد واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب (BCI Pioneers Coalition). يعمل أعضاء هذا التحالف مع الشركات التي تطور الأجهزة القابلة للزرع ويقدمون المشورة حول تصميمها.

يروّج بوركهارت وزملاؤه أيضاً هذه التكنولوجيا في المؤتمرات “لإثارة حماس الناس ليس فقط حول الجانب الذي يشبه الخيال العلمي للتكنولوجيا التي يمكن تطويرها، بل حول الجوانب الواقعية التي يمكن أن تساعد الأشخاص المصابين بالإعاقات” حسب تعبيره.

يدعو تحالف رواد واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب إلى مطالبة الشركات بإنشاء صندوق لدعم متطوعي التجارب ورعايتهم عند نهاية التجارب السريرية أو في حال فشلها.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

بعد كل ما مر به، لا يزال بوركهارت مستعداً لتكرار التجربة؛ إذ يقول: “أتطلع بالتأكيد إلى زرع جهاز من نوع آخر في وقت ما في المستقبل. أنا متحمس للغاية لأشهد تقّدم هذا النوع من التكنولوجيا لدرجة تمكّن البشر من استخدامها في حياتهم اليومية”.