كيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من القدرات الكبيرة للذكاء الاصطناعي؟

4 دقائق
كيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من القدرات الكبيرة للذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Wright Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدت السنوات الأخيرة تزايداً واضحاً لاستخدام روبوتات المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لدى المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، عبر اعتمادها لتقديم مجموعة متنوعة من الخدمات التي تتضمن خدمة العملاء والدعم، وخدمات المساعدة الداخلية واستكشاف الأعطال وإصلاحها. وتُعد هذه الحلول الذكية فعّالة في تقليل العبء على خدمات العملاء، وفلترة احتياجات دعم تكنولوجيا المعلومات، وخفض تكاليف مراكز الاتصال. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن غالبية هذه الحلول ما تزال محدودة في قدراتها ولا تُمكنها سوى معالجة جزء بسيط من الحالات فقط.

وبناء على ذلك، فإن العديد من المؤسسات ذات التفكير المستقبلي تبحث استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة أكثر شمولية من خلال تسخير قدرات النماذج اللغوية الكبيرة؛ حيث أدى ظهور تشات جي بي تي  “المحول التوليدي المدرب مسبقاً للدردشة” المدعوم بنموذج لغوي كبير أطلقته شركة أوبن أيه آي، إلى خلق إدراك جديد بين المؤسسات والأفراد لإمكانيات التطبيقات وحالات الاستخدام المتعلقة بها. 

اقرأ أيضاً: كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على تمكين الشبكات الذكية للطاقة؟

فعلى عكس بوتات المحادثة التقليدية، يمكن لتطبيق تشات جي بي تي أن يوفر خصائص متنوعة؛ مثل كتابة التعليمات البرمجية، أو استخلاص الأفكار من نصوص الأبحاث، أو إنشاء مواد تسويقية مثل محتوى المواقع الإلكترونية وكتيبات المنتجات. يمكن أيضاً الوصول إلى هذه الخدمات من خلال واجهات برمجة التطبيقات (APIs)، التي تسمح للمؤسسات بدمج قدرات النماذج اللغوية الكبيرة المتاحة للعامة حسب احتياجاتها الخاصة.

إن اعتماد أدوات مثل تطبيق تشات جي بي تي يمكِّن المؤسسات من تغيير عملياتها وتعزيز كفاءاتها، ويُكسبها ميزة تنافسية، ويساعدها على تقليل التدخل اليدوي؛ ومن ثَمَّ زيادة إيراداتها، ويمكن أن يساعد أيضاً على رفع قدرات الموظفين، من خلال توفير موارد لم تكن متاحة لهم من قبل؛ ومن ثَمَّ تعزيز قاعدة معارفهم ومهاراتهم.

اقرأ أيضاً: كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي الطريقة التي نتسوق بها عبر الإنترنت؟

الموازنة بين الابتكار والمسؤولية: تحديات إدارة البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي

إن الوتيرة المتسارعة للتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي تفرض تحديات جديدة على صانعي القرار في قطاع الأعمال؛ حيث يتعين عليهم إيجاد طرائق لدمج هذه التطورات في استراتيجياتهم الحالية لإدارة البيانات. ولأن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات التجارية أصبح أكثر شيوعاً؛ يجب أيضاً أخذ المخاطر والنقاط العمياء التي تترافق معه بعين الاعتبار.

من الرائج أن نرى تهافتاً بين المؤسسات لتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي لتفادي التخلف عن المنافسين، دون إدراك القيود الكامنة في هذه التقنيات إلا بعد فترة من الزمن؛ إذ حدث سيناريو مشابه خلال جائحة كوفيد-19، عندما نقلت عدة مؤسسات بياناتها إلى السحابة للحفاظ على الإنتاجية، ثم اضطرت لاحقاً لمواجهة مشكلات تتعلق بالتكلفة، والنسخ الاحتياطي، والتوافق والتعامل معها بأثر رجعي.

عند دمج المؤسسات للذكاء الاصطناعي في عملياتها، فإنها تجمع البيانات من مصادر متعددة، لا تشمل مصادر من الإنترنت فحسب؛ بل تشمل بياناتها الخاصة التي قد تتضمن معلومات حساسة للشركة مثل الملكية الفكرية؛ ما يشكل خطراً أمنياً كبيراً عليها، مع افتقارها إطارَ عمل واضحاً لحماية هذه المعلومات.

اقرأ أيضاً: أوبن أيه آي تُطلق «جي بي تي-4 تربو» وتسمح بتطوير بوتات متخصصة

لذا؛ يجب على أي مؤسسة تعمل بهذه الخدمات التأكد من أن بياناتها المستخدمة لأغراض الذكاء الاصطناعي تخضع إلى معايير الأمان والخصوصية والحوكمة نفسها التي تخضع إليها البيانات المستخدمة لأغراض تجارية أخرى. وقد عُمِلَ بالفعل على التنبيه بالمخاطر المحتملة من قبل بعض الشركات؛ مثل شركة أمازون التي أصدرت تحذيراً لموظفيها بشأن استخدام تطبيق تشات جي بي تي لأغراض هندسية وبحثية، بعد اكتشاف تَمَكُّن الذكاء الاصطناعي من محاكاة بيانات أمازون السرية الداخلية.

بالإضافة إلى ذلك، ثمة ضرورة لالتزام المؤسسات في التركيز على كيفية ضمان سلامة العمليات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، وكيفية حماية البيانات من المخاطر؛ مثل انقطاع خدمة مركز البيانات أو هجمات الابتزاز، والتحقق من جودة البيانات التي تُدخَل في محرك الذكاء الاصطناعي؛ حيث إن المعلومات التي ينتجها قد تكون غير دقيقة أحياناً. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليها وضع خطة لحماية البيانات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، لضمان امتثالها للقوانين واللوائح المحلية، وعدم تعرضها إلى الاختراق.

وعلى المؤسسات أن تعي، من منظور أمنيّ، أن الذكاء الاصطناعي لا يُستخدم في أغراض إيجابية فقط؛ بل تستغله عدة جهات للقرصنة وتعزيز هجماتها السيبرانية. لذا؛ من المهم أن تدرك المؤسسات الفردية الضرر المحتمل الذي يمكن أن يُلحقه الذكاء الاصطناعي بعملياتها، وأن تتخذ الخطوات اللازمة لحماية نفسها من الهجمات السيبرانية وانتهاكات البيانات.

اقرأ أيضاً: شركة أوبن أيه آي تواجه عواقب جشعها في جمع البيانات

حماية البيانات والبنية التحتية من التهديدات السيبرانية

في حين أن الإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي لم تُكتشَف بعد، فإننا نعلم أن تطبيقاتها ستكون كثيفة الاستخدام للبيانات؛ ما يخلق الحاجة إلى إدارة المؤسسات لها بكفاءة ومسؤولية وجعل استراتيجية الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمؤسسة جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها الشاملة لإدارة البيانات.

ولأن استخدامات الذكاء الاصطناعي لا حصر لها؛ فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تعمل على جعل دبي رائدة عالمياً في الذكاء الاصطناعي وعاصمة للاقتصاد الرقمي بحلول عام 2031، وذلك وفقاً لاستراتيجيتَيّ الإمارات للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي.

إذ في شهر يونيو/حزيران الماضي، أُعلن عن إطلاق مركز دبي للذكاء الاصطناعي لمساعدة الدوائر الحكومية على نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية في القطاعات الرئيسة. يهدف المركز إلى إطلاق عشرات المشروعات التجريبية لتحسين الخدمات الحكومية وزيادة إنتاجية موظفي الحكومة. فعلى سبيل المثال؛ سيُستخدم الذكاء الاصطناعي لإجراء عمليات محاكاة لدراسة التغييرات والآثار المترتبة على السياسات والتشريعات الجديدة، وتوقع نتائج السيناريوهات المختلفة، وتقييم فعالية البرامج، ودعم عملية صنع القرار المعقدة. علاوة على ذلك، سيُستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لضمان تقديم خدمات حكومية متميزة مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات سكان دبي.

اقرأ أيضاً: هل تنجح آبل في اللحاق بسوق الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر تحديث منتجاتها؟

إن الاستخدام المدروس لتقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة، يمكن أن يغير حياة الناس على نحو جذريّ؛ إذ يمكنه أن يعزز تجارب المستهلكين، ويساعد الحكومات على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، ويسرع الاكتشافات العلمية، ويوفر رعاية صحية أكثر تخصيصاً، وغيرها الكثير.

يمكننا القول إن الذكاء الاصطناعي يتطور بمعدل أسرع من أن تستطيع المؤسسات كلها مواكبته؛ بحيث يصبح من الصعب عليها ضمان استخدام بياناته على نحو آمن ومتوافق، وحماية المؤسسات من مخاطر التكلفة وتهديدات الأمن السيبراني، وقد يكون هذا محبطاً للمؤسسات التي لا تمتلك البنية التحتية المناسبة للاستفادة من هذه التقنيات الجديدة بأمان؛ ولكن من خلال التعاون مع مزود موثوق به لتقييم مخاطر الذكاء الاصطناعي، سيكون بإمكان المؤسسات الاستفادة من إمكانات هذه التقنيات الناشئة لتعزيز النمو والابتكار.