تقرير خاص

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على تمكين الشبكات الذكية للطاقة؟

5 دقيقة
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على تمكين الشبكات الذكية للطاقة؟
حقوق الصورة: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غالباً ما يُشار إلى الشبكات الذكية على أنها الحل الأمثل للوصول إلى الحلول لعدد لا يحصى من التحديات التي يواجهها مزودو الطاقة في إطار محاولتهم رفع مستوى الكفاءة وتقليص الانبعاثات الكربونية، وذلك مع استمرار تشغيل الأضواء وأجهزة التدفئة والتهوية والتكييف، غير أن إنتاج الطاقة ونقلها وتوزيعها وإدارتها على مستوى المرافق بات أكثر تعقيداً بالتزامن مع تزويد الشبكة بمصادر جديدة للطاقة، وخاصة مصادر الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح المركّبة على أسطح المنازل والمصانع، على نطاق ضيق.

تكمن المشكلة التي تواجهها الشبكة في عدم القدرة على التنبؤ بالعرض والطلب على الطاقة، لا سيّما بعد أن حظيت مصادر الطاقة المتجددة باهتمامٍ ملحوظ. لذا، يتعين على موزعي الطاقة التأهب باستمرار لسد النقص المفاجئ في إنتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح على سبيل المثال في مدينة أو دولة معينة، حيث توفّر مصادر الطاقة المتجددة نسبة عالية من متوسط كمية مصادر الطاقة المتعددة؛ أي أن الطلب على الكهرباء يفوق العرض. في مثل هذه السيناريوهات، يضطر الموزعون إلى اللجوء إلى مصادر الطاقة التقليدية، وبالتالي زيادة توليد الكهرباء باستخدام الفحم أو الغاز.

جهود الإمارات في تعزيز الطاقة المستدامة

نشهد هذه الحالة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تعمل الحكومة الإماراتية على تعزيز الطاقة المستدامة في إطار خطتها للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، كما أنها تعتزم إطلاق مبادرات لتشجيع إنتاج الطاقة الشمسية على نطاق ضيق، فضلاً عن إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية على نطاق المرافق كمجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الذي يُعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، وفق نظام المنتج المستقل. ولا بُدّ من الإشارة إلى أن قدرته الإنتاجية ستبلغ 5000 ميغاواط بحلول عام 2030. كمثالٍ آخر، أطلق مصرف الإمارات للتنمية في سبتمبر/ أيلول، تمويلاً بقيمة 27.2 مليون دولار للمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم لتبني حلول الطاقة الخضراء في مجموعة من القطاعات في الإمارات العربية المتحدة.

من جهةٍ أخرى، يعمد أصحاب المنازل والشركات بأعداد متزايدة في الدولة إلى إنتاج الطاقة الكهربائية الخاصة بهم، ومن بين هذه المؤسسات “ماي دبي” و”نستله” و”سي وورلد أبوظبي” التي استثمرت في مصادر الطاقة الشمسية على أسطحها بهدف تسيير مهامها وتشغيل عملياتها.

من جهتها، تشجّع حكومة دبي أصحاب المنازل ومالكي المباني على تركيب الألواح الكهروضوئية لتوليد طاقتهم الكهربائية وربطها بشبكة هيئة كهرباء ومياه دبي. ففي إطار استراتيجية الشبكة الذكية بين عامي 2021 و2035، حرصت هيئة كهرباء ومياه دبي على تركيب العدادات الذكية في المباني السكنية والتجارية، وقد ساعدت حاسبة الطاقة الشمسية المتوفرة عبر الإنترنت والخاصة بالهيئة الأفراد على اكتشاف إمكانات الطاقة الشمسية في ممتلكاتهم.

في هذا السياق، يشير الدكتور مارتن تاكاش، الأستاذ المشارك في قسم التعلم الآلي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى أن هذه الاستراتيجية ناجحة ويُنصح بها، إذ إن توزيع الطاقة المتجددة بكميات كبيرة يفضي إلى تعقيدات متزايدة في عمل الشبكة. 

توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين الشبكات الذكية

ويتولى تاكاش قيادة فريق أبحاث حول كيفية استخدام التعلم الآلي بهدف تحسين الشبكات الذكية، فيشير إلى مختلف السيناريوهات التي تجعل من الصعب على المرافق تقييم كمية الطلب على الطاقة والتنبؤ بها. فماذا يحدث على سبيل المثال عندما تذهب أسرة أو عدة أسر في إجازة صيفية، وتنقطع عن استخدام الطاقة التي تنتجها، بل ترسلها مباشرة إلى الشبكة؟ أو ماذا لو احتاج المصنع، الذي عادةً ما ينتج كمية كافية من الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاته، فجأة إلى التزود بكمية إضافية من الطاقة الكهربائية في حال كان الطقس غائماً أو يشهد عاصفة رملية؟ قد تبدو هذه الأمثلة بسيطة، إلّا أنه لا بُدّ لموزعي الكهرباء من أخذها بعين الاعتبار لتشغيل محطاتهم وتسيير عملياتهم.

لا بُدّ من الإشارة أيضاً إلى أن جزءاً من التحدي يكمن في الشفافية؛ فعندما تستخدم الأسر والشركات الطاقة التي تنتجها، لا يتمكن الموزع، في معظم الحالات، من رؤية أنماط الاستهلاك. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالشفافية والتنبؤ بالطلب على الطاقة، يمكن أن تستفيد المرافق من البيانات الإضافية الخاصة بالمستخدمين جميعهم، بمعزل عمّا إذا كانت لديهم ألواح طاقة شمسية على أسطح منازلهم أمْ لا. من هذا المنطلق، يبرز تحدٍّ جديد في إطار إنشاء شبكات أكثر ذكاء يكمنُ في الخصوصية. قد يبدو من المنطقي للوهلة الأولى أن تتبادل الأسر البيانات المتعلقة بعاداتها في استهلاك الطاقة، لكن الأمر منوط أيضاً بما يمكن استنتاجه من هذا الاستهلاك أو عدمه، وكيف يمكن استخدام هذه المعلومات. على سبيل المثال، قد يعتري بعض الأسر الخوف من أن تقع بيانات استهلاك الطاقة الخاصة بها في أيدي المجرمين، ما قد ينبههم إلى غياب أصحاب المنزل.

أبحاث جديدة من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي 

من هنا يبدأ الدور الذي سوف يضطلع به تاكاش وفريقه. فمن خلال العمل مع الدكتور سامويل هورفاث (أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي)، ونيكولاس كوادرادو (طالب دكتوراة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي)، ويونكسيانج لي (طالب ماجستير في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي)، عمد تاكاش إلى البحث في جدوى استخدام التعلّم الموحد لتدريب سياسات الذكاء الاصطناعي تمهيداً للاستفادة منها في بعض التطبيقات، مثل الشبكات الذكية.

وبالتعاون مع كوادرادو، وخريجي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي روبرتو جوتيريز ويونغلي تشو، وهو طالب سابق في جامعة تكساس الزراعية والميكانيكية “أيه آند إم”، تابع تاكاش تأليف ورقة بحثية لاقتراح إطار عمل متعدد الوكلاء، وذلك بهدف تقليل البصمة الكربونية للشبكات الكهربائية المكوّنة من مختلف المستهلكين ومنتجي الطاقة.

ويوضّح تاكاش قائلاً: “يمكن للذكاء الاصطناعي تعلّم عادات استخدام ملايين المستخدمين، دون المساومة على خصوصية بيانات أي فرد من خلال نشر التعلّم الموحد على نطاقٍ واسع لتدريب نموذج التعلم الآلي، إذ من المحتمل أن يحصل مزود الطاقة على مستوى المرافق على توصيات الذكاء الاصطناعي التي لم تكن متاحة سابقاً لتحسين كفاءته في إنتاج الطاقة وتوزيعها واستخدامها على الشبكة، الأمر الذي قد يساعد الموزعين على إدارة الطاقة بشكلٍ أفضل، بالأخص في فترات ذروة الطلب وانخفاضه، وتعزيز سلوك المستهلك بطريقة دقيقة، وذلك عبر التسعير المرن الذي يعتمد على العرض والطلب على سبيل المثال”.

وقد أعرب تاكاش عن تفاؤله بشأن استخدام التعلم الآلي والتعلّم الموحد كأدوات لتمكين شبكات أكثر ذكاء ووعياً حول الخصوصية، بحيث يمكن للمرافق تحسين الكفاءة إلى حدٍ كبير. ويتسم هذا الحل بأهمية بارزة لأن التحسينات المتواضعة قادرة على تحقيق مكاسب أكبر بفضل حجم الطاقة الموزعة بواسطة الشبكة النموذجية. إذ يقول تاكاش: “في بعض الأحيان، يمكن لتحسين بسيط نسبياً، بنسبة 0.1 بالمئة على سبيل المثال، توفير ملايين الدولارات وتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بآلاف الأطنان سنوياً”.

تجدر الإشارة إلى أن تاكاش وفريقه يعملون حالياً على الحصول على براءات اختراع لمفاهيمهم، بهدف تطوير شركة ناشئة لتسويق أعمالهم وجني فوائد التعلم الآلي في إدارة الطاقة وإمداداتها.

ومن جهته، يقول كوادرادو: “هدفنا هو حل ما يُعرف بمعضلة الطاقة الثلاثية؛ فالأمن والاستدامة والقدرة على تحمل تكاليف الكهرباء كلها عوامل تطرح مخاوف ملحّة قد تكون بمثابة حجر عثرة رئيسي أمام اعتماد واسع النطاق لحلول الطاقة المتجددة المتنوعة التي نحتاج إليها لتحقيق صافي انبعاثات صفرية“.

يُذكر أن النظام الخاص بالفريق يستخدم ثلاثة مستويات من عملية صناعة القرار، ولكل منها أهدافها المميزة؛ إذ يركّز أحد المستويات على خفض التكاليف، فيما يتمحور المستوى الثاني حول تقليص البصمة الكربونية، أمّا المستوى الثالث فيقوم على موازنة الإنتاج والاستهلاك، بما يفضي إلى نظام يقوم بمعالجة بيانات نظام الشبكة المعقدة بكفاءة وتحقيق نتائج عملية ومثالية في الوقت الفعلي.

ويختم تاكاش قائلاً: “الرحلة طويلة، لكننا نتطلع بإيجابية إلى جني ثمار أفكارنا ومساعدة دولة الإمارات العربية المتحدة والدول الأخرى على تحقيق أهدافها المتمثلة في الحد من انبعاثات الكربون، فضلاً عن مساعدة الشبكات الوطنية على العمل بكفاءة ودعم العملاء لتحقيق المزيد من المرونة وتسعير الطاقة بشكلٍ أفضل”.