كيف حوّلت شريحة نيورالينك مريضاً مشلولاً إلى شخصٍ يعتمد على نفسه؟

5 دقيقة
كيف حوّلت شريحة نيورالنيك مريضاً مشلولاً إلى شخصٍ يعتمد على نفسه؟
حقوق الصورة: بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل 8 سنوات من الآن، في يونيو/حزيران 2016، تعرض نولاند أربو، الطالب بجامعة تكساس A&M، لحادث غوص غيّر حياته في أثناء السباحة بالبحيرة المحاطة بتلال خضراء، شمالي شرق ولاية بنسلفانيا الأميركية.

عند ارتفاع منخفض، اندفع أربو مع أصدقائه نحو الماء فارتطمت رأسه بشخصٍ ما. دخلت كمية كبيرة من الماء إلى جوفه، أصبح وجهه لأسفل الماء وجسده للأعلى، معلناً فقده الوعي لأصدقائه. لقد أُصيب بالشلل الرباعي نتيجة ضرر لاحق بالنخاع الشوكي.

تحول أربو، المنحدر من ولاية أريزونا، من كونه طالباً جامعياً مكتفياً ذاتياً إلى شخصٍ يعتمد على والديه في تلبية احتياجاته اليومية. فقد فَقَد الشعور من الرقبة إلى أسفل جسده.

أصبح أربو جليس الكرسي المتحرك الكهربائي بالمنزل، حتى لعبة الشطرنج المفضلة لديه لا يستطيع أن يلعبها. بعد سنتين من الحادث، شعر أربو بأن فقدان الحركة سيكون دائماً له بعدما أكد له الأطباء ذلك، لكنه قرر أن يستمر في الحياة ويمنح لنفسه الدافع والهدف للاستمرار.

اقتصرت حياة أربو على استخدام عصا الفم لتشغيل جهاز آيباد، وهي عصا يضعها المريض في فمه بوضع مستقيم. لا يمكن استخدامها كثيراً لأنها كانت تسبب له قروحاً بالفم.

كان عام 2016 أيضاً هو العام الذي شارك فيه الملياردير إيلون ماسك في تأسيس شركة نيورالينك الناشئة لزراعة شرائح الدماغ.

اقرأ أيضاً: بماذا تفوقت نيورالينك على غيرها من المنافسين في تطوير رقاقتها الدماغية؟

فحوصات ما قبل العملية

بمجرد أن سمع أربو أن شركة نيورالينك تنوي تجربة زرع شريحة "بي سي آي" (BCI) في المرضى، تقدم على الفور بطلب رسمي عبر البريد الإلكتروني للشركة ليكون أحد المشاركين.

بعد 24 ساعة، تلقى الرد بالموافقة. كانت المقابلات الأولى التحضيرية عبر زووم، وتطلب الأمر بالنهاية إلزامه بإجراء عدة فحوصات طبية، وخاصة الفحص النفسي. حدث ذلك بعد شهر وذهب للمستشفى واستغرقت الاختبارات ثماني ساعات من فحص الدماغ واختبارات الدم والذكاء والبول.

شعور ما قبل العملية: العقل آخر ما تبقى من الجسد

يعترف أربو، الشاب الثلاثيني، بأنه لم يكن خائفاً مطلقاً من الخضوع للعملية الجراحية، قائلاً إنه كان يثق بشكلٍ كبير في الطاقم الطبي والعاملين في شركة إيلون ماسك.

أمّا عن المخاطر، فيقول إنه كان ينتابه القلق بشأن الإصابة بتلف في الدماغ عقب العملية، كل ما يمتلكه حالياً هو العقل، فبقية أجزاء جسده مشلولة. أخبر أربو عائلته أنه إذا أصبح معاقاً عقلياً فلن يرغب في البقاء بالمنزل وأنه يود أن يُوضع في دار رعاية.

سايبورغ شهير

في يناير/كانون الثاني 2024، أصبح أربو أول شخص يتلقى شريحة تيليباثي (Telepathy)، كجزء من تجربة سريرية. هنا تحول من كائن بشري عادي إلى سايبورغ شهير، حسب وصفه.

بعد مرور ثلاثة أشهر على الجراحة، أصبح بإمكان أربو أن يلعب الشطرنج بعقله فقط، وأن يرسل رسائل نصية لأصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يتعلم اللغة اليابانية.

كيف تعمل شريحة نيورالينك؟

يتكون الدماغ من خلايا عصبيّة يُقدّر عددها بالملايين، قابلة للاستثارة كهربائياً، ويمكنها نقل المعلومات عبر إشارات كهربائية وكيميائية. تلك الإشارات تنتقل بين العصبونات عبر المشبك العصبي، وبدورها تستطيع أن تنقل رسائل إلى أجزاء الجسم كافة.

توضع "شريحة نيورالينك" التي تُسمَّى "تيليباثي"، داخل جمجمة المريض عبر روبوت جراحياً. يزيل الروبوت جزءاً صغيراً من الجمجمة ويربط الأقطاب الكهربائية الشبيهة بالخيط بمناطق معينة من الدماغ، ثم يخيط الثقب. البقايا الوحيدة المرئية هي ندبة خلفها الشق.

تستطيع الأقطاب الكهربائية الموجودة في شريحة نيورالينك التي تُشحن لا سلكياً، قراءة إشارات الخلايا العصبية في الدماغ البشري، ومن ثَمَّ تُترجم إلى أوامر تحكم.

استغرقت هذه العملية 30 دقيقة فقط، حسبما أكد إيلون ماسك الذي اعترف بوجود تأثيرات عصبيّة على المريض. ولن يتطلب ذلك تخديراً كاملاً، وتمكن المريض من العودة للمنزل في اليوم نفسه.

ماذا حدث بعد العملية: الدماغ تحركت!

عقب مرور 30 يوماً، فَقَد أربو السيطرة على المؤشر نتيجة انفصال 85% من أسلاك الأقطاب الكهربائية عن بعضها في دماغه. لم يكن هذا مؤلماً جسدياً ولكنه كان مصدرَ قلقٍ نفسياً له خشية فقدان القدرة على استخدام الجهاز مجدداً.

يقول الشاب إن هذا لم يكن خطأ شركة نيورالينك نظراً لقلة البحوث حول حركة الدماغ الطبيعية.

يقول أربو إن حركات الدماغ الطبيعية التي تطفو في السائل النخاعي أدّت إلى انزلاق الأقطاب الكهربائية، إذ إن الدماغ يتحرك حركة نسبية طبيعيّة بمقدر مليمتر تقريبا، لكن بعد الزراعة تحركت الشريحة بمقدار ثلاثة مليمترات.

أوضحت مصادر من شركة نيورالينك أن الخلل قد يكون ناتجاً عن احتجاز الهواء في جمجمة المريض في أثناء الجراحة، وهي حالة يمكن أن تسبب نوبات صرع وخراجاً دماغياً والوفاة في حالة عدم معالجتها.

استبعدت الشركة إمكانية إجراء عملية جراحية أخرى لاستبدال الشريحة، ولكنها اكتفت فقط بمعالجة الأمر عبر البرمجة، وأكد أربو أن الشركة تعاملت مع الموقف بكفاءة خلال بضعة أيام.

ما إشكاليات زراعة الشريحة؟

يوضّح عالم الأعصاب في جامعة نورث وسترن، الدكتور لي ميلر، أنه عقب تركيب الشريحة تنمو أنسجة ندبية في الأدمغة تحيط بأجهزة الاستشعار المزروعة، ما يحول دون اتصال الشريحة مع الدماغ.

كما تقول عالمة الفسيولوجيا العصبية، كريستين ويلي، إن خطط شركة نيورالينك قد تواجه عقبات بيولوجية، موضحة أن الخيوط العميقة قد تنزلق من مكانها أو حتى تحتك على طول سطح الدماغ.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر غرس شريحة نيورالينك في الدماغ وما أبرز تطبيقاتها؟

كيف كانت حياة أربو اليومية قبل إجراء العملية؟

جدول حياة أربو اليومي كان فارغاً، فقد كانت حياته يغلبها الملل واليأس. كان مستلقياً على السرير أغلب الوقت، لا ينهض إلّا للاستحمام. ظل هذا روتينه اليومي طيلة خمس سنوات.

حياة أربو بعد العملية: النشاط اليومي

كشف نولاند أربو عن تفاصيل حياته اليومية بعد استخدام الشريحة، حيث يقول "كنت أتواصل مع أصدقائي عبر منصة إكس وأتفاعل معهم على إنستغرام وأجيب عن الإيميلات وأشارك في الألعاب الافتراضية".

في يوم ما، غلب النوم أربو في أثناء عمل الشريحة، الأمر الذي أدّى إلى استمرار حركة المؤشر والنقر على الكمبيوتر دون وعي من التطبيق. يقول "فتح تقريباً عشرة تطبيقات مختلفة خلال خمس دقائق من الغفوة".

وعن كيفية تشغيل الشريحة، يوضّح أربو أن الشريحة ترتبط بالكمبيوتر عبر البلوتوث.

يوضّح أربو وهو يتحكم في جهاز الكمبيوتر من كرسيه المتحرك: "هل ترى هذا المؤشر على الشاشة؟ هذا كل ما عندي". وشبّه أربو قدرته الجديدة على تحريك الأجهزة بعقله بـ "القوة" التي كان يمتلكها نجوم سلسلة أفلام حرب النجوم.

يستخدم أربو الشريحة من 7 صباحاً حتى 11 مساءً ولم يشعر بالملل نهائياً، فقد منحته الشريحة دافعاً جديداً عند الاستيقاظ صباحاً، ويصف ما يقوم به يومياً بأنه سيكون له تأثير دائم في الآخرين، ويقول: "التحدي الأكبر لمَن يعاني الشلل الرباعي هو الشعور بالعجز، والآن استعدتُ أكبر قدر ممكن من الاستقلالية".

هل تفعل الشريحة كل شيء له الآن؟

صرّح أربو بأن الشريحة لم تحقق له كل ما يتمناه حاليا. تمنى أن يكون لديه روبوت تسلا أوبتيموس، وأن يستطيع التحكم به عبر الشريحة "هذا يخلصني من 90% من الأشياء التي احتاج إليها من الآخرين". وتمنى أن تساعده الشريحة على الاتصال بسيارة تسلا ذاتية القيادة.

يعتقد أربو أن الشريحة يمكنها ترجمة بعض اللغات، ويأمل في الأشهر المقبلة أن يمتد التحكم في المؤشر إلى الكتابة على الشاشة. ويوضّح أن الشريحة تستطيع فقط أن تقرأ ما يدور بعقل الإنسان، لكنها غير قادرة على إدخال المعلومات لها وأن تمد الإنسان بالمعرفة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أوبتيموس 2: أحدث روبوت من شركة تسلا

هل تعلمت نيورالينك الدرس من أول تجربة؟

يقول أربو إنه يشارك في جلسات تعليمية مع فريق واجهة الدماغ والكمبيوتر في ماريلاند، قد تستمر إلى ثماني ساعات يومياً.

وكشفت شركة نيورالينك أنها تخطط لزراعة شريحة أخرى جرى تطوير الأقطاب الكهربائية بها عبر خيوط تتعمق فى دماغ مريض بشري آخر، ووافقت إدارة الأغذية والدواء على ذلك.

يرى أربو أن روحه وتفكيره متقاربان جداً مع عقلية إيلون ماسك، فالهدف واحد وهو الرغبة في تحسين الإنسانية. ويندهش أربو كثيراً من رحلة كفاح ماسك في تأثيره في العالم حتى لو كان يعتقد الآخرون أن هذا سيئاً، وأن ماسك أعطى له الثقة في خوض التجربة، ويصفه بـ "أقوى رجل بالعالم حالياً".