مشروع سري لدفن الخشب لإزالة الكربون يستقطب تمويل بملايين الدولارات

6 دقائق
مشروع سري لدفن الخشب لإزالة الكربون يستقطب تمويل بملايين الدولارات
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعمل شركة ناشئة في كاليفورنيا على وضع خطة جديدة، وبسيطة أيضاً تضمن احتفاظ الأشجار الميتة بثنائي أوكسيد الكربون بعيداً عن الغلاف الجوي لآلاف السنوات، وذلك بدفنها تحت الأرض.

وكانت شركة كوداما سيستمز (Kodama Systems)، وهي شركة لإدارة الغابات في بلدة سونورا على سفوح تلال سييرا نيفادا، تعمل بشكل سري منذ تأسيسها في الصيف الماضي. ولكن إم آي تي تكنولوجي ريفيو تستطيع الآن أن تؤكد أن الشركة تمكنت من جمع ما يقارب 6.6 مليون دولار من صندوق بيل غيتس المناخي بريكثرو إينرجي فينتشرز (Breakthrough Energy Ventures)، إضافة إلى كونغروينت فينتشرز (Congruent Ventures)، وغيرها من الجهات الاستثمارية.

اقرأ أيضاً: التكنولوجيا الرقمية تمهّد الطريق لمستقبل نقل مستدام وصديق للبيئة

تمويلات ضخمة لاحتجاز الكربون

إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت شركة المدفوعات سترايب (Stripe) عن تقديمها منحة بحثية بقيمة 250,000 دولار للشركة وشريكها البحثي، مختبر احتجاز الكربون في جامعة ييل، وذلك في إطار إعلان شامل حول إزالة الكربون. وستدعم المنحة برنامجاً تجريبياً لدفن كتلة النفايات الحيوية المجمعة من غابات كاليفورنيا في صحراء نيفادا، ودراسة قدرة هذا الأسلوب على منع إطلاق غازات الدفيئة التي تؤدي إلى التغيّر المناخي.

كما وافقت الشركة على شراء قرابة 415 طناً من ثنائي أوكسيد الكربون الذي ستحتجزه الشركة في نهاية المطاف لقاء دفعة أخرى بقيمة 250,000 دولار، إذا حقق مشروع إثبات صحة الفكرة معايير معينة.

اقرأ أيضاً: ارتفاعٌ حاد في انبعاثات أحد أكثر غازات الدفيئة فعالية

تقول جوانا كليتزكي، وهي مديرة استراتيجية المشتريات والنُظم البيئية في سترايب: “يمكن لدفن الكتلة الحيوية أن يمثل مقاربة منخفضة التكلفة وواسعة النطاق لإزالة الكربون، على الرغم من وجود حاجة إلى المزيد من الدراسة لضمان الفعالية طويلة الأمد”.

كانت شركة سترايب، على مدى السنوات القليلة الماضية، تشتري مسبقاً أطناناً من ثنائي أوكسيد الكربون الذي تسعى الشركات الناشئة إلى سحبه في نهاية المطاف من الهواء واحتجازه بشكل دائم، وذلك في محاولة لتعزيز بناء صناعة إزالة الكربون. كما ساعدت في تأسيس نموذج مختلف للتصدي للانبعاثات المناخية للشركات، ويتجاوز هذا النموذج مجرد شراء أرصدة الكربون من مشاريع إزاحة الكربون ذائعة الصيت، مثل المشاريع التي تتضمن زراعة الأشجار، والتي تعرضت مؤخراً إلى درجة متزايدة من الانتقادات والتدقيق.

لقد بدأت مجموعات بحثية وشركات ناشئة بدراسة إمكانية احتجاز الكربون في الخشب، وذلك بدفن بقايا الأشجار أو تخزينها بطرائق أخرى تبطئ من تحللها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تساعد المحاصيل الزراعية المعدلة بتقنية كريسبر في احتجاز الكربون؟

الأشجار ودورها في امتصاص الكربون

تتميز الأشجار بفعالية عالية طبيعية في امتصاص كميات هائلة من ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء، ولكنها تطلق الكربون ثانية عندما تموت وتتعفن على الأرض. ويمكن منع هذا بدفن الأشجار تحت الأرض. وإذا نجحت تقنية دفن الكتلة الحيوية بالمستوى المطلوب، ستتحول إلى طريقة زهيدة التكاليف نسبياً وسهلة لسحب جزء من مليارات الأطنان من غاز الدفيئة التي تجد الدراسات أننا قد نحتاج إلى إزالتها للسيطرة على درجة حرارة العالم في العقود المقبلة.

ولكن، وحتى يتم تنفيذ هذه الطريقة على نطاق واسع، وتتم دراستها بدقة، لا يمكن تحديد تكلفتها، أو مقدار الكربون الذي تستطيع تخزينه، وقدرتها على احتجاز غازات الدفيئة بشكل فعّال ولفترة طويلة بعيداً عن الغلاف الجوي.

أخشاب ميتة

لطالما حذّر الخبراء من التشدد في سياسات منع الحرائق في الولايات المتحدة، والتي أدت إلى ظهور غابات كثيفة ومتضخمة للغاية، ما يجعل الحرائق البرية، والتي ستندلع بصورة حتمية، ضخمة للغاية. وقد أدى التغيّر المناخي إلى مفاقمة هذه الأخطار، وذلك بزيادة الحرارة والجفاف.

وبعد سلسلة من السنوات التي شهدت حرائق مدمرة في الغرب، بدأت العديد من الولايات، وعلى نحو متزايد، بتمويل مشاريع لإزالة الغابات والتخفيف من هذه المخاطر. وهو ما يتضمن إزالة النباتات تحت الأشجار، وقطع الأشجار، أو استخدام الحرائق المتحكم بها لتقسيم المساحات، ومنع الحرائق من الوصول إلى أعلى الأشجار في الغابة.

ومن المتوقع أن تنتج الولايات المتحدة المزيد من نفايات الأشجار من هذه المشاريع مع تسارع التغيّر المناخي في السنوات المقبلة، كما يقول جستن فرايبيرغ، وهو مدير مختبر احتجاز الكربون في جامعة ييل، والذي كان يجري تجارب ميدانية لدراسة عدد من مقاربات “احتجاز الكربون الخشبي” في ظروف مختلفة على مدى عدة سنوات.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يفرض العمل باتجاه إزالة الكربون من الجو لا التوقف عن إصداره فقط

ولكن، وفي الوقت الحالي، عادةً ما يتم تكويم النباتات والأشجار المقطوعة في مناطق مفتوحة، وتركها حتى تتعفن أو حرقها بشكل متعمد. وهو ما يسمح للكربون المخزن ضمنها بالعودة إلى الغلاف الجوي ببساطة، ما يتسبب بالمزيد من الاحترار.

وتأمل كوداما بمعالجة كلتا المشكلتين: أخطار الحرائق البرية، ومشكلة الانبعاثات. وتقول الشركة إنها تعمل على تطوير طرائق مؤتمتة للتخفيف من مساحات الغابات المكتظة، بحيث تصبح العملية أكثر سرعة وأقل تكلفة (وإن كانت لم تناقش بعد هذا الجزء من العمل بالتفصيل). فبعد تجريد الأشجار الصغيرة -والتي لا يمكن بيعها لإنتاج الخشب- من الأغصان، تقوم بتحميلها في شاحنات ونقلها إلى حفرة معدّة مسبقاً.

جذوع صغيرة وكتل حيوية أخرى قامت كوداما بجمعها. مصدر الصورة: كوداما سيستمز

ويمثل “مدفن الخشب”، كما تسميه الشركة، العنصر الأساسي في الخطة، حيث سيحمي هذه الكتل الحيوية من الأوكسجين والماء اللذين يسرّعان التحلل، ويمنعان غازات الدفيئة من التسرب إلى الخارج.

وفي العمل الميداني مع باحثي ييل، والذي يُتوقع أن يبدأ في الربع الثالث من السنة المقبلة، تنوي الشركة بناء تلة دفن في صحراء نيفادا بارتفاع يزيد على 6 أمتار، وعمق 2.7 أمتار، وطول وعرض 53 متراً.

ويخططون لتغطية الكتل الحيوية بنسيج إكساء أرضي، ومن ثم تغطية كل شيء بالتربة، إضافة إلى طبقة من النباتات المحلية التي تم اختيارها لامتصاص الرطوبة. ونظراً للجفاف الذي تتسم به المنطقة، سيؤدي هذا إلى تشكيل نظام مغلق يمنع “مسببات التحلل من التأثير على الكتل الخشبية المدفونة”، وضمان بقاء الكربون في مكانه لآلاف السنوات، كما يقول جيمي فورهيس، وهو مدير استخدام وسياسات الكتلة الحيوية في كوداما.

اقرأ أيضاً: أكبر محطة في العالم لتصفية الهواء من الكربون ستبدأ العمل قريباً

ويضيف فرايبيرغ أنهم سيقومون أيضاً بترك الخشب مكشوفاً في الموقع، وبناء مدافن جانبية صغيرة مصممة بطرائق مختلفة. وستواصل الفرق مراقبتها ومقارنة وتيرة التحليل وأي تسريبات لغازات الدفيئة على مدى عدة سنوات. وتتوقع الفرق أن تتمكن من استنباط تقديرات تخزين الكربون على المدى الطويل من تلك البيانات، إضافة إلى دراسات وتجارب أخرى.

تكاليف الدفن

اعتمدت شركات ناشئة ومشاريع بحثية أخرى مقاربات مختلفة لحل المشكلة.

فالشركة الأسترالية إنتر إيرث (InterEarth) تعتقد أن نقع الأشجار بالمياه الجوفية المالحة قبل دفنها سيؤدي عملياً إلى تخلل الأخشاب، ما يحفظها لفترات طويلة.

كما أن مشروع احتجاز الكربون، وهو شركة مخصصة للمصلحة العامة قام بتأسيسها الأستاذ في جامعة ماريلاند نينغ زينغ، اقترحت إنشاء حفر مبطنة بالصلصال أو غيره من المواد ذات النفاذية المنخفضة.

وفي ورقة بحثية نُشرت هذه السنة، أبرز زينغ وزملاؤه أهمية عدد من الطرائق الممكنة الأخرى، بما فيها تخزين الكتلة الحيوية في المواقع المجمدة، أو تحت الماء، أو حتى في ملاجئ فوق الماء. وقد وجد في عمل سابق أن حصاد وتخزين الخشب يمكن أن يتيح إزالة عدة مليارات من الأطنان من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً بتكلفة أقل من 100 دولار للطن الواحد بكثير.

ولكن ما زال هناك الكثير من العوامل المجهولة.

يقول دانييل سانشير، كبير علماء إزالة كربون الكتلة الحيوية وتخزينه في شركة كربون دايركت (Carbon Direct) التي تقوم بتقييم مشاريع إزالة الكربون والخطط المناخية للشركات: “علينا أن ندرك أن علم حصاد الخشب وتخزينه ما زال في المراحل الأولية، وعلى وجه الخصوص، يجب أن ندرك أننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من المعلومات حول ما يحفز أو لا يحفز تحلل الخشب”.

اقرأ أيضاً: مهندسون يعملون على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله لشكل مفيد من الكربون

إضافة إلى ذلك، فإن عمليات إزالة الغابات غالباً ما تواجه معارضة من السكان والمجموعات البيئية. كما أن نشر الأشجار وإزالتها من السفوح شديدة الانحدار عملية شاقة ومكلفة، ولن تكون أتمتتها بفعالية أمراً سهلاً. وإضافة إلى ما سبق، فإن نقل بقايا الأشجار الضخمة وحفر الحفر الكبيرة أمر مكلف ويتطلب الكثير من الطاقة.

ولهذا، فإن الانبعاثات المناخية الناتجة عن إزالة الخشب ونقله ودفنه، يجب حصرها بعناية وحسابها بدقة مقارنة بكميات الكربون الإجمالية المخزنة.

مصدر الصورة: كوداما سيستمز

وأخيراً، فهناك مسألة الحصول على النفايات الحيوية الضرورية.

فقد بيّنت دراسة تعود إلى عام 2020 لمختبر لورنس ليفرمور الوطني أنه يوجد الكثير من هذه المواد الصالحة لهذه الأغراض حالياً، ووفقاً لتقديرات الدراسة، يتم إنتاج 56 مليون طن “شديد الجفاف” من النفايات الحيوية في كاليفورنيا لوحدها من الزراعة، وقطع الأشجار، ومشاريع الوقاية من الحرائق، وغيرها من النشاطات. (يذكر أن الكربون يشكل نصف كتلة الخشب تقريباً)

ولكن الطلب على هذه الكتل الحيوية سيزداد مع سعي العديد من الشركات الناشئة، مثل كوداما (Kodama) وموت هيدروجين (Mote Hydrogen) وتشارم (Charm) لاستثمار هذه المصادر لعدة مشاريع مختلفة لإزالة الكربون باستخدام الكتلة الحيوية، حيث تحاول العديد من الدول في العالم تحقيق أهداف مناخية طموحة.

اقرأ أيضاً: دراسة: قدرة أشجار المانجروف على إزالة الكربون أعلى بكثير مما نعتقده

ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى أثر سلبي في نهاية المطاف، حيث ستحفّز زيادة الطلب على إزالة المزيد من الأشجار والمواد الزراعية بشكل يتجاوز المطلوب للوقاية من الحرائق، أو بشكل يؤثر على سلامة الأنظمة البيئية. ويجب ألا ننسى أن إزالة الكتلة الحيوية تؤدي أيضاً إلى تخفيف مستويات المواد المغذية التي تحصل عليها المزارع والغابات من النباتات المتعفنة.

وتقول كوداما إنها قامت بإجراء تقييمات اقتصادية وكربونية لكامل مراحل العملية. وتقول أيضاً إنها واثقة من أنها ستتمكن من تخفيض التكاليف إلى أقل من 100 دولار لكل طن من الكربون، وتقدر أن الانبعاثات من المشروع التجريبي ستخفف من الكربون الذي يتم احتجازه في نهاية المطاف بنسبة 15% فقط.

ويقول أحد مؤسسي الشركة ورئيسها التنفيذي، ميريت جينكنز، إن المشروع يهدف إلى تحقيق الدخل من العمل على تقليص الغابات، إضافة إلى بيع الأخشاب الصالحة للاستخدام وأرصدة الكربون من مشاريع دفن الأخشاب.

اقرأ أيضاً: ما هو الفحم الحيوي؟ وما فوائده الزراعية والاقتصادية والبيئية؟

ولكن فرايبيرغ من يال يشدد على أن أكثر المهام حساسية في هذه اللحظة هي استخدام تلك المنحة من سترايب للإجابة عن “الأسئلة العلمية الكبيرة حول طريقة دفن الكتلة الحيوية، وإثبات إمكانية استخدامها كحل فعّال وعملي يستحق الاستثمار”.