رقاقة جديدة قد تسرّع تقدم الحوسبة الكمومية

3 دقائق
رقاقة جديدة قد تسرّع تقدم الحوسبة الكمومية
حقوق الصورة: shutterstock.com/metamorworks
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتمتع الحواسيب الكمومية بالقدرة على أداء مهام حاسوبية تتجاوز بكثير قدرات أسرع أجهزة الحاسوب العملاقة اليوم، حيث يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية وغيرها من التكنولوجيات الكمومية أن تعزز التقدم الكبير في مجالات عديدة، مثل الأمن السيبراني والمحاكاة الجزيئية، وإحداث ثورة في مجالات اكتشاف الأدوية وتصنيعها.

وأحد فروع السباق التكنولوجي في هذا المجال هو بناء ما يُعرف في الأوساط العلمية والهندسية باسم المحاكي الكمومي (Quantum Simulator)، وهو نوع خاص من أجهزة الكمبيوتر الكمومية، صُمِم لحل نموذج معادلة واحد لغرض محدد يتجاوز بقدراته الحاسوبية قدرات جهاز كمبيوتر قياسي.

على سبيل المثال، في البحوث الطبية، يمكن نظرياً بناء جهاز محاكاة كمومي لمساعدة العلماء على محاكاة تفاعل جزيئي محدد ومعقد لإجراء دراسة أوثق، وتعميق الفهم العلمي وتسريع تطوير الأدوية، ولكن تماماً مثل بناء حاسوب كمومي عملي وقابل للاستخدام، فقد ثبت أن بناء جهاز محاكاة كمي مفيد يمثّل تحدياً شاقاً.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي؟

اقتُرحت فكرة إنشاء جهاز محاكاة كمومي لأول مرة من قِبل عالم الرياضيات يوري مانين عام 1980، ومنذ ذلك الحين حاول الباحثون استخدام الأيونات المحاصرة والذرات الباردة والكيوبتات فائقة التوصيل لبناء جهاز محاكاة كمومي قادر على إجراء تطبيقات في العالم الحقيقي، ولكن حتى الآن لا تزال هذه الأساليب كلها قيد التنفيذ.

شرائح السيليكون الضوئية أساسٌ محتمل لبناء محاكي كمومي

أدّت التطورات الحديثة في تصميم وتصنيع أنظمة فائقة التوصيل إلى العديد من التطبيقات الناجحة لمحاكيات الكم النموذجية التي توضّح الأنظمة الكمومية الصغيرة الحجم. ومع ذلك، كانت هناك تحديات في توسيع هذه الأنظمة إلى حجم قابل للاستخدام، بالإضافة إلى صعوبات التشغيل عند محاولة استخدام أنظمة فائقة التوصيل لمحاكاة المواد الكمومية الفعلية.

ولكن الآن قام فريق بحث من جامعة واشنطن بدفع هذا الجهد خطوة مهمة إلى الأمام، حيث أظهر البحث الذي نُشر في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications)، أن النوع الجديد من شرائح السيليكون الضوئية الذي طوّره الفريق يمكن أن يعمل كأساس متين لبناء جهاز محاكاة كمومي ذي تطبيقات مفيدة في العالم الحقيقي.

ويقول رئيس فريق البحث الأستاذ المساعد والخبير في البصريات والضوئيات وتطوير تقنيات الكم في جامعة واشنطن، أركا ماجومدار (Arka Majumdar): “لقد أظهرنا أن الضوئيات هي المنافس الرئيسي للمحاكاة الكمومية، وأن الرقائق الضوئية حقيقة واقعة، ونعتقد أن هذه الرقائق يمكن أن تؤدي دوراً مهماً للغاية في بناء جهاز محاكاة كمومي”.

اقرأ أيضاً: تعرّف على آخر تطورات الخوارزميات الكمومية وربطها بالخدمات السحابية

مزايا شريحة السيليكون الضوئية

الميزة الرئيسية التي يتمتع بها علم الضوئيات مقارنة بالطرق الأخرى لبناء منصة محاكاة كمومية هي أنه يمكن تصنيع الأجهزة الضوئية في المسابك المستخدمة لإنتاج رقائق أشباه الموصلات. وفي هذا الصدد، يقول أبهي ساكسينا (Abhi Saxena)، المؤلف الرئيسي للورقة البحثية وعضو فريق البحث: “إن عملية التصنيع التي لدينا لهذه الشريحة يمكن أن تلتصق مباشرة بتصنيع السيليكون الناضج بالفعل الذي نقوم به للترانزستورات ورقائق الكمبيوتر الأخرى”.

وكمثالٍ على ذلك، أنشأ فريق البحث شريحة السيليكون الضوئية في منشأة واشنطن للتصنيع النانوي في حرم جامعة ويسكونسن، حيث ساعدت طريقة التصنيع التي اتبعوها على خفض تكاليف الإنتاج لبناء جهاز محاكاة كمومي، وربما الأهم من ذلك، ستجعل من الممكن توسيع نطاق الشريحة بما يكفي لتكون قابلة للاستخدام في مجموعة واسعة من أجهزة المحاكاة الكمومية.

وعن مزايا الشريحة نجد في قلب الشريحة التي صممها الفريق “مصفوفة تجاويف ضوئية مقترنة“، هذه المصفوفة عبارة عن شبكة ذرية زائفة مكونة من 8 رنات فوتونية، وتعمل كمكان يمكن فيه إيواء الفوتونات بشكلٍ آمن، وتعديل مستويات طاقتها، والمناورة بطريقة منظمة، ما يؤدي بشكلٍ أساسي إلى بناء الدوائر.

اقرأ أيضاً: إحدى الخوارزميات الكمومية المهمة قد تمثّل خاصية من خواص الطبيعة

بالإضافة إلى ذلك، تشمل الابتكارات التقنية المهمة للفريق فيما يتعلق بالمصفوفة إنشاء خوارزمية رياضية سمحت لهم برسم خريطة أو توصيف الشريحة بالتفصيل، باستخدام المعلومات المتاحة فقط عن حدود الشريحة، وتصميم نوع جديد من الهندسة المعمارية للتدفئة وبشكلٍ مستقل التحكم في كل تجويف في المصفوفة، ما يسمح للفريق ببرمجة الجهاز. وهذان الابتكاران لم يُنجزا من قبل على شريحة السيليكون الضوئية من قبل.

وفي هذا الصدد، يوضّح ماجومدار: “أننا نعرض كل شيء على الشريحة، وأظهرنا قابلية التوسع والقياس والبرمجة، ما أدّى إلى حل ثلاثة من العوائق الأربعة الرئيسية أمام استخدام شريحة السيليكون الضوئية كمنصة لمحاكاة كمومية، وهي صغيرة الحجم، وليست عرضة للفصل بالإضافة إلى إمكانية برمجتها”.

اقرأ أيضاً: تويست Twist: لغة برمجة جديدة للحوسبة الكمومية

ما يخبئه مستقبل بناء كمبيوتر محاكاة كمومي

للمضي قدماً، يسعى فريق البحث إلى حل ما يعتبرونه العائق الرئيسي الرابع والأخير أمام بناء محاكي كمومي بالكامل، ما يخلق حالة تُسمَّى اللاخطية (Nonlinearity)، حيث إنه على عكس الإلكترونات الموجودة عادة في الدوائر الإلكترونية، والتي تتنافر بسبب شحنتها الكهربائية السلبية، فإن الفوتونات بطبيعتها لا تتفاعل مع بعضها بعضاً، ومن ثَمَّ هناك حاجة إلى تفاعل مكافئ في جهاز محاكاة الكم لإنشاء اللاخطية واستكمال الدوائر، ويقوم الفريق حالياً باستكشاف عدة طرق مختلفة لمعالجة هذه المشكلة.

ومن ضمن أجندة فريق البحث أيضاً ضبط شريحة السيليكون الضوئية، وتحسينها لتناسب مسابك إنتاج رقاقات أشباه الموصلات العامة، بحيث يمكن تصنيع الرقاقة في أي من مصانع تصنيع أشباه الموصلات حول العالم.

ويقول ساكسينا: “من خلال هذا العمل، قدّمنا أساساً متيناً لمنصة توضّح الضوئيات والتكنولوجيا القائمة على أشباه الموصلات التي نستخدمها كبدائل قابلة للتطبيق لإنشاء أجهزة محاكاة كمومية”، ويُضيف: “أعتقد أنه حتى الآن، تجنب الكثيرون في المجتمعات العلمية والهندسية عموماً النظر في الضوئيات لهذا الغرض، لكن عملنا يظهر أنه ممكن من الناحية الواقعية، لذا فهو حافز جيد جداً لمزيد من الباحثين للبدء في التحرك في هذا الاتجاه”.