تقنية كهرومائية صديقة للأسماك: حل جديد للطاقة المتجددة

6 دقيقة
الفني الميكانيكي أليكس كون يعمل على نموذج مصغر لتوربين من طراز ريستوريشن (Restoration) من شركة فيش سيف (FishSafe).

تمثّل الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر في العالم للكهرباء المتجددة، حيث تفوقت عام 2022 على مصادر الطاقات المتجددة الأخرى كلّها مجتمعة من حيث مقدار الطاقة المُولّدة. لكن على الرغم من أن الطاقة الكهرومائية تساعدنا على تقليل التلوث الذي تتسبب به شبكتنا الكهربائية، فإنها ليست إيجابية على الدوام بالنسبة إلى الأسماك.

يمكن أن تؤدي السدود التي تجمع خلفها مخازن المياه إلى تغيير موائل الأسماك. وبالنسبة إلى بعض الأنواع، خصوصاً تلك التي تهاجر مسافات طويلة، يمكن أن تشكّل منشآت الطاقة الكهرومائية عوائق خطيرة أو يصعب عبورها إلى حد كبير. في بعض المناطق من العالم، بما فيها الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، فرضت الحكومات إجراءات وقائية لحماية الأنظمة البيئية من الأضرار التي قد تتسبب بها الطاقة الكهرومائية.

اقرأ أيضاً: 7 تحديات تعيق استخدام الطاقة المائية لتوليد الكهرباء

التوازن بين سلامة الأنظمة البيئية والأهداف المناخية

يمكن أن تؤدي اللوائح القانونية البيئية الجديدة إلى فرض تحسينات مكلفة على المنشآت الأقدم، أو حتى إرغامها على التوقف عن العمل بالكامل. هذه مشكلة كبيرة، لأن فصل محطات توليد الطاقة الكهرومائية عن الشبكة سيؤدي إلى إزالة مصدر طاقة مرن ومنخفض الانبعاثات ويمكن أن يسهم في إحراز التقدم في مكافحة التغيّر المناخي. يمكن أن تُتيح التكنولوجيات الجديدة، بما فيها التوربينات الآمنة للأسماك، مساعدة مؤسسات المرافق العامة والجهات الرقابية على الاقتراب من إحداث توازن بين سلامة الأنظمة البيئية للأنهار والأهداف المناخية العالمية.

هنا يأتي دور شركات مثل نيتل إنيرجي (Natel Energy). باشرت الشركة عملها بالسعي نحو تحقيق هدفين كبيرين: الأداء الممتاز والحفاظ على حياة الأسماك، كما تقول المؤسِّسة المشاركة والرئيسة التنفيذية للقطاع التجاري في نيتل، غيا شنايدر.

تعمل الشركة على وضع تصاميم جديدة للتوربينات التي تولد الكهرباء في المحطات الكهرومائية، حيث تندفع المياه عبر تجهيزات هذه التوربينات وتحرك شفراتها. تتحرك التوربينات التقليدية بسرعة تصل إلى 30 متراً في الثانية، على حد قول شنايدر. عندما تتحرك الحواف الرفيعة المستقيمة بهذه السرعة وتضرب الأسماك، "فمن الواضح أن النتيجة لن تكون إيجابية"، على حد قول شنايدر.

تصاميم جديدة للتوربينات

تركّز تصاميم التوربينات التي تعمل عليها نيتل على منع اصطدام الأسماك بهذه التجهيزات التي تتحرك بسرعة. تتميز شفرات هذه التوربينات بأن الحواف التي تصطدم بالماء أولاً أكثر ثخانة من التصميم التقليدي، بحيث تدفع الماء أمامها، ما يؤدي إلى ظهور منطقة ركود أو "ما يشبه عملياً وسادة هوائية للأسماك"، على حد قول شنايدر. إضافة إلى هذا، فإن هذه الشفرات منحنية، بحيث لا تتعرض السمكة إلى ضربة مباشرة حتى لو أصابتها.

اختبرت الشركة توربيناتها مع أنواع عدة من الأسماك، بما فيها الأنقليس الأميركي، والألويف، وسلمون قوس قزح المرقط. في دراسة حديثة أجريت حول الأنقليس الأميركي، وجد الباحثون أن أكثر من 99% من أسماك الأنقليس بقيت على قيد الحياة بعد 48 ساعة من المرور عبر تجهيزات نيتل. على سبيل المقارنة، وجدت دراسة أجريت في 2010 أن 40% فقط من أسماك الأنقليس الأوروبية الموسومة بعلامات مميزة تمكنت من المرور عبر توربينات تعود إلى إحدى محطات التوليد الكرومائية، على الرغم من أن نسبة النجاة كانت تعتمد بدرجة كبيرة على حجم أسماك الأنقليس وحجم التجهيزات المستهدفة بالدراسة.

تغيير تصميم التوربينات لن يساعد الأسماك على النجاة من محطات التوليد كافة، ففي بعض المحطات الأضخم من نوعها المزودة بسدود هي الأعلى من نوعها، يمكن للتغيرات السريعة في ضغط الماء أن تقتل الأسماك. لكن شنايدر تقول إن التكنولوجيا التي ابتكرتها الشركة قابلة للتركيب ضمن ما يصل إلى نصف المجموعات الحالية من محطات التوليد الكهرومائية في الولايات المتحدة حتى تصبح آمنة أكثر للأسماك.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تجديد توربينات توليد الطاقة بالرياح؟

أهمية الطاقة الكهرومائية مصدراً للطاقة المتجددة

تمثّل الطاقة الكهرومائية أحد أقدم مصادر الطاقات المتجددة على مستوى العالم. وبحلول عام 2030، سيصبح أكثر من 20% من وحدات التوليد العاملة في مجموعات المحطات الكهرومائية على مستوى العالم بعمر تشغيلي يتجاوز 55 عاماً، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. ويبلغ متوسط العمر التشغيلي لمحطات التوليد الكهرومائية في الولايات المتحدة حالياً 65 عاماً.

في الولايات المتحدة، تتولى وكالة تسمى "لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية" (Federal Energy Regulatory Commission) ترخيص محطات الطاقة الكهرومائية التي يملكها القطاع الخاص لتعمل مدة تصل إلى 50 عاماً. وتبلغ قيمة الاستطاعة الإجمالية لتوليد محطات الطاقة الكهرومائية التي يجب أن تجدد رخصتها بحلول عام 2035 ما يقارب 17 غيغاواط تقريباً (ما يكفي لتزويد 13 مليون منزل بالطاقة)، وفقاً للجمعية الوطنية للطاقة الكهرومائية.

منذ بدء تشغيل العديد من هذه المنشآت، طرأت تغييرات كبيرة على المتطلبات البيئية، وقد تواجه بعض محطات التوليد تكاليف عالية وأعمالاً هندسية صعبة خلال محاولتها الالتزام بالقواعد الجديدة ومواصلة العمل. تمثل إضافة حواجز شبكية لفلترة الأسماك منذ مرحلة دخول المياه إلى محطات التوليد الكهرومائية حلاً ممكناً في بعض الحالات، لكن تكاليف تركيب نظام كهذا وصيانته بصورة دورية يمكن أن تصل إلى مستويات عالية. في هذه المنشآت، تمثل تكنولوجيا نيتل حلاً بديلاً، على حد قول شنايدر.

ركّبت نيتل توربيناتها في عدة مشاريع في ولايتي مين وأوريغون، إضافة إلى النمسا. وتضمنت هذه المشاريع جميعاً توربينات صغيرة نسبياً، لكن الشركة في طريقها إلى تنفيذ مشاريع أكبر، وقد فازت مؤخراً بعملية مناقصة مع شريك تصنيع لتوريد توربين أكبر يبلغ قطره 3 أمتار وتركيبه في محطة عاملة حالياً، على حد قول شنايدر. أيضاً، تعمل الشركة على ترخيص تصاميم توربيناتها الآمنة للأسماك لشركات التصنيع القائمة حالياً.

ما هي التحديات التي تقف أمام نشر التوربينات الآمنة للأسماك؟

غير أن مبادرة مؤسسات المرافق العامة إلى اعتماد هذه التصاميم الآمنة للأسماك قد تعتمد على كيفية تأثير هذه التصاميم في الفاعلية، أو كمية الطاقة التي يمكن تحصيلها بالاعتماد على تدفق مائي معين. في بعض الحالات، ستكون تصاميم التوربينات من نيتل أقل فاعلية من التصاميم التقليدية الحالية، كما تقول شنايدر، على الرغم من أن الاختلافات هامشية، ومن المرجح أنها ما تزال تمثل تحسناً بالنسبة إلى التصاميم القديمة.

على الرغم من وجود جانب للمفاضلة بين التصميم الآمن للأسماك من جهة، والفاعلية من جهة أخرى، فإن هذا لا ينطبق على التوربينات الجديدة كافة في الحالات كلها. وقد وجدت دراسة أجراها فيلق المهندسين في الجيش الأميركي عام 2019 أن أحد التصاميم الجديدة أدى إلى تحسين مستوى السلامة للأسماك وإنتاج المزيد من الطاقة في الوقت نفسه.

غير أن تركيب توربينات جديدة في محطات الطاقة الكهرومائية لن يقدم حلاً للتحديات البيئية كلها المقترنة بهذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، فإن التجهيزات الجديدة ستكون مفيدة فقط في حالات الهجرة التي يتوافق مسارها مع تيارات المياه نحو مصبات الأنهار، كما يحدث عندما تنتقل أسماك الأنقليس من أنهار المياه العذبة إلى المحيط من أجل التكاثر. وهذا يعني أننا ما زلنا في حاجة إلى حلول أخرى لإتاحة مسار للهجرة المعاكسة لاتجاه التيارات نحو منابع الأنهار.

في الوضع المثالي، تمثل الممرات الجانبية أو المنحدرات الطبيعية الحل الأفضل بالنسبة إلى الكثير من المحطات، حيث تسمح بالمرور دون عوائق للكثير من الأنواع المختلفة من الأسماك في كلا الاتجاهين، كما تقول إحدى كبار الباحثين العلميين في المعهد النرويجي للأبحاث الطبيعية، آنا سيلفا. لكن نظراً للمتطلبات المكانية، فإن تركيب هذه الممرات أو استخدامها غير ممكن على الدوام.

""
الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في نيتل، أيب شنايدر، يحمل سمكة سلمون مرقطة كبيرة مستخدمة في اختبار عبور الأسماك في محطة مونرو الكهرومائية في مدينة مادراس بولاية أوريغون. مصدر الصورة: نيتل

يقول أحد كبار مسؤولي الشؤون العامة في قسم مصايد الأسماك التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (وهو جزء من الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي)، مايكل ميلستاين، إن الناس يحاولون تحسين عبور الأسماك منذ فترة طويلة. تتضمن الحلول المُطبقة حالياً سلالم الأسماك، حيث تعبر الأسماك السدود من خلال السباحة أو القفز إلى الأعلى عبر سلسلة من الأحواض المتوضعة على ارتفاعات متتالية. غير أن بعض السدود الأخرى مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن تطبيق هذا الحل، ولهذا تُجمَع الأسماك وتُحمَل ضمن شاحنات للعبور بها حول أطراف السدود.

يكمن التحدي، كما يقول ميلستاين، في أن "كل نهر يمثل حالة مختلفة، وكل سد يمثل حالة مختلفة". ويضيف قائلاً إنه يجب تكييف الحلول مع كل حالة على حدة، فالتوربينات الآمنة للأسماك تزداد أهميتها كثيراً عندما يتعذر وجود ممرات جانبية للعبور، حيث يصبح المرور عبر المنشأة الخيار المتاح الوحيد أمام الأسماك.

أدت مشكلة حماية الأنظمة البيئية وتوفير ممر آمن للأسماك إلى إثارة مناقشات حادة حول المشاريع الكهرومائية الحالية على امتداد مناطق غرب الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم شتى.

وحتى مع أحدث التكنولوجيات الحالية، "ليس من الممكن على الدوام توفير ممر جيد بما يكفي"، على حد قول ميلستاين. يجري العمل حالياً على إزالة العديد من السدود من نهر كلاماث في ولاية أوريغون وشمال ولاية كاليفورنيا بسبب آثارها في الأنظمة البيئية المحلية. أحدثت هذه السدود تغييرات جذرية في النهر، فقد قضت على موئل عدة أنواع محلية من الأسماك، مثل السلمون والسلمون المرقط الفولاذي الرأس والجلكي، وأدّت إلى ظهور ظروف مثالية تتيح للطفيليات القضاء على مجموعات الأسماك.

لكن على الرغم من أن منشآت الطاقة الكهرومائية يمكن أن تؤثر سلباً على البيئة، فإن التغير المناخي قد يلحق أضراراً فادحة بالحياة البرية أيضاً، كما تقول شنايدر من نيتل. فإذا أُغلِق عدد كبير من محطات الطاقة الكهرومائية، فقد يؤدي هذا إلى إحداث نقص يفسح المجال أمام بقاء المزيد من محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري على الشبكة، ما يعوق الجهود المبذولة لمواجهة التغير المناخي.

يمكن للحد من تأثير محطات الطاقة الكهرومائية في البيئات المحلية أن يساعد على ضمان استمرار المزيد منها في العمل، لتوليد كهرباء متجددة تؤدي دوراً مهماً في شبكتنا الكهربائية. تقول شنايدر: "التوربينات الآمنة للأسماك ليست حلاً شاملاً، فأنهارنا تعاني الكثير من المشكلات، لكننا يجب أن نبدأ مواجهتها جميعاً، وهذه تمثلّ إحدى الأدوات الضرورية لذلك".