تحلية مياه البحر: شريان الحياة لمراكز البيانات في دول الخليج

3 دقائق
تحلية مياه البحر: شريان الحياة لمراكز البيانات في دول الخليج
حقوق الصورة: shutterstock.com/Avigator Fortuner
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يواجه العالم أزمة مياه حقيقية، إذ يعيش أكثر من ملياري شخص في مناطق تعاني من الإجهاد المائي المعروف أيضاً باسم ندرة المياه (Water scarcity). ندرة المياه هي مشكلة تعاني منها كل دول الخليج، حيث يقل متوسط هطول الأمطار السنوي ويزداد الطلب على المياه كل عام.

تعتمد دول الخليج بشكلٍ كبير على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة للاستخدامات المنزلية والصناعية، لكن هذه العملية مكلفة للغاية وتستهلك الكثير من الطاقة وتضر بالبيئة.

ثورة الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في دول الخليج

تشهد دول الخليج نمواً سريعاً في تطبيقات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي تتطلب كميات هائلة من البيانات. تعد مراكز البيانات العمود الفقري لتلك التطبيقات، فهي تستضيف الخوادم والشبكات والبرامج التي تُتيح الوصول إلى البيانات وتخزينها وتحليلها.

تستثمر دول الخليج في بناء مراكز البيانات لدعم التحول الرقمي وأهداف التنويع الاقتصادي، لكن مراكز البيانات ليست متعطشة للطاقة فقط، بل للمياه أيضاً، فمراكز البيانات بحاجة إلى تبريد أجهزتها التي تولّد الكثير من الحرارة في أثناء التشغيل.

بدون تبريد مناسب، يمكن أن ترتفع درجة حرارة الخوادم أو تتلف أو حتى تحترق، ويمكن استخدام تكييف الهواء لتبريد الخوادم، لكن ذلك مكلف للغاية، لذا تلجأ معظم الشركات إلى المياه للتبريد بالتبخير. هذه الطريقة منخفضة التكلفة، لكنها تستهلك ملايين اللترات من الماء. يقول الباحثون إن مركز البيانات الكبير يمكن أن يستهلك نحو 3.7 ملايين إلى 19 مليون لتر من المياه يومياً، وهذا يعادل استهلاك 100 ألف إلى 500 ألف شخص.

اقرأ أيضاً: أخيراً: الإنفاق العالمي على الطاقة الشمسية يتجاوز الإنفاق على إنتاج النفط

حلول توفير المياه لمراكز البيانات في دول الخليج

يشكّل الاستهلاك المرتفع للمياه في مراكز البيانات تحدياً خطيراً لدول الخليج التي تواجه أصلاً إجهاداً مائياً شديداً وتداعيات تغيّر المناخ. من الضروري إيجاد حلول يمكن أن تقلل من البصمة المائية (Water footprint) لمراكز البيانات دون التأثير على أدائها. إليك بعض الحلول الممكنة:

تحلية مياه البحر

تعتبر تحلية مياه البحر من الخيارات المتاحة لتوفير المياه العذبة لمراكز البيانات. هذا من شأنه أن يقلل الضغط على مصادر المياه العذبة والقطاعات الأخرى مثل الزراعة والاستخدام المنزلي. ومع ذلك، تواجه تحلية المياه بعض التحديات مثل الاستهلاك الكبير الطاقة التي تؤدي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وصعوبة التخلص من الأملاح.

لكن هناك حلولاً مقترحة لهذه التحديات، على سبيل المثال، يمكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل محطات تحلية المياه واعتماد أفضل الممارسات لتقليل الآثار البيئية.

اقرأ أيضاً: ما التكنولوجيات التي يمكن استخدامها لإبطاء عملية التغيّر المناخي؟

نقل مراكز البيانات إلى دول أخرى

خيار آخر مطروح هو نقل بعض مراكز البيانات إلى بلدان أخرى لديها موارد مائية أكثر أو تتمتع بدرجات حرارة أدنى، ما يقلل الحاجة إلى التبريد. هذا من شأنه أن يقلل الطلب على المياه في دول الخليج ويخفّض التكاليف التشغيلية لمراكز البيانات. لكن هذا الخيار يواجه العديد من التحديات مثل سيادة البيانات والأمان ووقت الاستجابة والمشكلات التنظيمية. على سبيل المثال، تفرض عدة دول خليجية قوانين تمنع الشركات من تخزين بيانات مواطنيها في مراكز بيانات خارج البلاد.

اقرأ أيضاً: ما أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟

واقع تحلية مياه البحر في دول الخليج

إليك بعض الحقائق حول تحلية مياه البحر في دول الخليج:

  • دول الخليج رائدة على مستوى العالم في مجال تحلية مياه البحر، حيث بلغ إنتاجها في عام 2020 نحو 97.2 مليون متر مكعب في اليوم، هذا يمثّل نحو 40% من إجمالي المياه المحلاة في كل أنحاء العالم.
  • التقنية الأكثر استخداماً لتحلية المياه في دول الخليج هي التناضح العكسي (Reverse Osmosis)، وهي أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من طريقة التحلية الحرارية، لكنها تستهلك الكثير من الكهرباء، هذه الكهرباء يتم توليدها من خلال حرق الوقود الأحفوري الذي ينتج غازات الاحتباس الحراري.
  • محطات تحلية المياه تنتج أيضاً كميات كبيرة من المحلول الملحي، وهو ماء مالح مركّز ينبغي التخلص منه، عادةً ما يتم تصريفه مرة أخرى في البحر. لهذه العملية آثار سلبية على البيئة البحرية، فهي تسبب تغيير مستويات الملوحة ودرجة الحرارة والأوكسجين في الماء.

يبدو مما سبق، أن تحلية مياه البحر لا تُعتبر حلاً مثالياً لمشكلات المياه في دول الخليج. وليست مفيدة من حيث التكلفة والتأثير البيئي لتبريد مراكز البيانات.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مدينة مصدر الإماراتية وكيف أصبحت مثالاً للمدن الخالية من الكربون في العالم

استغلال مصادر الطاقة المتجددة لتحلية مياه البحر

الحل الواعد الذي يجعل تحلية مياه البحر عملية منخفضة التكلفة ومستدامة وغير ضارة بالبيئة هو استغلال مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ فالطاقة الشمسية بشكلٍ خاص وفيرة في منطقة الخليج، التي تتلقى مستويات عالية من الإشعاع الشمسي مقارنة بغيرها من دول العالم. هذا يعني أنه يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل محطات تحلية المياه التي توفّر المياه العذبة لمراكز البيانات وكذلك للقطاعات أخرى.

اقرأ أيضاً: ما هي البرمجة الصديقة للبيئة؟ وما فوائدها في تحقيق الاستدامة؟

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء لمراكز البيانات وتشغيلها. سيؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض البصمة الكربونية لمراكز البيانات، كما سيقلل تكلفة تشغيلها، ما يفتح الطريق نحو إنشاء مراكز بيانات جديدة وتبني تقنياتها بشكلٍ أكبر.