كيف تؤثّر المعلومات المضللة والشائعات في أداء شبكات البنية التحتية وسلاسل الإمداد؟

4 دقيقة
كيف تؤثر المعلومات المضللة والشائعات على أداء سلاسل الإمداد الصناعية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/IncrediVFX
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تصوّر يوماً يبدو اعتيادياً في مدينة صاخبة: الناس يتسارعون إلى مكاتبهم، وشاحنات تنقل البضائع للتوصيل، وبيوت تعج بالتواصل. هذا اليوم الذي يبدو بسيطاً قد يتحول فجأة إلى يوم مأساوي بفعل ما يُعرف بالهجمات القائمة على المعلومات المغلوطة أو الشائعات. وهنا لا نقصد الشائعات التي يتداولها الناس بشكلٍ غير متعمد، بل الأخبار المضللة التي تقف خلفها منظمات أو أشخاص لهدف زعزعة عمل شبكات البنية التحتية.

فهنا تشير المعلومات المضللة إلى الإنشاء المتعمد ونشر معلومات كاذبة أو مضللة، وذلك عادةً بقصد خداع الرأي العام أو التلاعب به أو إخفاء الحقيقة. وفي العصر الرقمي، أصبح انتشار المعلومات المضللة مصدرَ قلقٍ متزايداً بسبب سهولة وسرعة مشاركة المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكلٍ عام. وهذا على عكس المعلومات الخاطئة المتداولة بين الناس بغرض النشر ومشاركة المعلومة لا الاستهداف المباشر المقصود للمعلومات المضللة.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في نمو التجارة الإلكترونية؟

دراسة: حادثة لندن الكبرى

فعلى سبيل المثال، أصدرت إحدى الجهات التي تستهدف أداء قطاع الكهرباء لإحدى المدن إشعاراً مضللاً وكاذباً عبر وسائل التواصل الاجتماعي يطلب فيه من الجمهور استهلاك المزيد من الكهرباء خلال ساعات الذروة على أمل تخفيض الرسوم. يأخذ عدد من المستأجرين ببراءة شديدة هذا التوجيه لتوفير بعض المال. فيؤدي هذا العمل النظامي البريء على ما يبدو إلى بدء سلسلة من الأحداث الأكثر كارثية؛ حيث تنهار شبكة الكهرباء، غير القادرة على التعامل مع التدفق المفاجئ على الأنظمة. وقد تتبادر إلى ذهن البعض الشكوك في مدى قدرة الشائعات والمعلومات المضللة في تشكيل مثل هذا الدمار، وهو ما دعى بعض الباحثين  للعمل على دراسة أسموها حادثة لندن الكبرى للاستدلال على مدى التأثيرات المادية للمعلومات المضللة في البنية التحتية الحيوية. 

اقرأ أيضاً: حالات موثّقة تسببت فيها الهجمات السيبرانية بموت البشر

وأخذ الباحثون بعين الاعتبار مثالاً مباشراً على نشر المهاجمين بعض المعلومات المضللة والتي تتمثل في انتشار تنبيهات الشائعات الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذا تلقى أناس هذه الإشعارات التي غيّرت من طريقة استخدامهم للكهرباء في وقتٍ معين ما أدّى كنتيجة لذلك إلى زيادة الأحمال على الشبكة وانقطاع الكهرباء في عددٍ من المناطق في مدينة لندن. وتُعدُّ هذه الدراسة دليلاً على أن هناك احتمالاً حقيقياً إلى حد كبير للتدمير باستخدام المعلومات في عالمنا المترابط، حيث يمكن استخدام المعلومات المضللة، كما هو موضح أعلاه، سلاحاً لاستغلال نقاط الضعف داخل البنية التحتية الحيوية.

أهمية حماية البنية التحتية وسلاسل التوريد من المعلومات المضللة

وفي عالمنا المتصل، تُعد البنية التحتية وسلاسل التوريد بمثابة الشبكات غير المرئية ولكنها بالغة الأهمية في الحفاظ على تحقيق احتياجات البشرية بسلاسة. وعندما نشير إلى البنية التحتية فهنا نقصد الهياكل المادية والتنظيمية الأساسية مثل الطرق والجسور وشبكات الطاقة وأنظمة الاتصالات التي تشكّل العمود الفقري لحياتنا اليومية؛ حيث تمكننا هذه الأنظمة من التنقل والتواصل والوصول إلى الخدمات الأساسية بشكلٍ أساسي لضمان جودة الحياة.

 وأحد التحديات الرئيسية في هذا هو أن المعلومات الكاذبة قد تنتشر بسهولة أكبر مع عدم وجود أي جهد للتحقق والتدابير المضادة من خلال عمليات إعادة التوطين الرقمية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تشتمل أنظمة البنية التحتية على عددٍ لا يحصى من الجهات المتصلة بدءاً من الوكالات الحكومية إلى الشركات الخاصة، ما يزيد من تعقيد الاستجابات المنسقة للمعلومات المضللة. أيضاً، تقوم الطبيعة الفنية لهذه القطاعات على أنه قد لا يتمتع أصحاب المصلحة جميعهم بالخبرة الكافية لتحديد المعلومات الكاذبة والتصرف بناءً عليها بسرعة. إضافةً إلى خطر المبالغة في تناقل المعلومات المضللة التي يمكن أن تسبب في حد ذاتها اضطراباً في ثقة الجمهور. وبالتالي، فإن المواجهة الفعّالة لمثل هذه المعلومات المضللة لا تتطلب عمليات تحقق سريعة ودقيقة من المعلومات فحسب، بل تتطلب أيضاً بذل جهود منسقة بين مختلف أصحاب المصلحة واستراتيجيات اتصال واضحة لإعلام الجمهور وطمأنته.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للروبوتات تغيير شكل الحياة البشرية في الخدمات اللوجستية للميل الأخير؟

دور المدن الذكية في مواجهة هجمات التضليل

وهنا يأتي الدور المهم الذي تقدّمه المدن الذكية، والتي تتميز بتكاملها، لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتُعدُّ أمثلة توضيحية لكيفية قدرة المراكز الحضرية على تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة هجمات التضليل؛ حيث تستفيد هذه المدن من التقنيات المتقدمة لإنشاء بيئات حضرية أكثر كفاءة، والتي تتضمن أيضاً تدابير قوية للأمن السيبراني لمكافحة التهديدات المختلفة، بما في ذلك المعلومات المضللة. فعلى سبيل المثال، طوّرت بعض المدن الذكية أطراً تعاونية حيث يعمل المستخدمون معاً للتحقق من صحة المعلومات، خاصة عبر المنصات الاجتماعية. 

ويساعد هذا النهج على التخفيف من المخاطر المرتبطة بسرقة الهوية وانتشار المعلومات المضللة. ففي إحدى الدراسات، تبين أن التعاون بين مستخدمي المدن الذكية يمكن أن يكشف عن السلوك الشاذ على الحسابات الاجتماعية بنسبة نجاح عالية، ما يقلل بشكلٍ كبير من السلبيات الكاذبة والإيجابيات الكاذبة في تحديد المعلومات المضللة. وعلاوة على ذلك، تستخدم هذه المدن الذكية مجموعة متنوعة من تقنيات الأمن السيبراني المتقدمة، مثل التعلم الآلي ونماذج التعلم العميق، لاكتشاف التهديدات السيبرانية والتخفيف من آثارها، بما في ذلك التهديدات الناجمة عن حملات التضليل.

اقرأ أيضاً: ما دور التكنولوجيات الحديثة في تمكين سلاسل التوريد من مواجهة التحديات المعاصرة؟

وكمثالٍ على ذلك، طوّرت إحدى الدراسات نموذجاً باستخدام تقنيات التعلم العميق Deep Learning لاكتشاف الهجمات في إحدى المدن الذكية الواقعية، ما يدل على الفاعلية الكبيرة لمثل هذه التقنيات في تحديد مثل هذه التهديدات وتحييدها. وهذه الأمثلة الواقعية تُسلّط الضوء على إمكانات تقنيات المدن الذكية ليس فقط في تحسين الحياة الحضرية، ولكن أيضاً في الحماية من التهديدات المعقدة التي تشكّلها هجمات المعلومات المضللة، من خلال دمج التكنولوجيا المتقدمة والأساليب التعاونية بين المجتمعات.

وهنا يجب التركيز على دور الوعي العام والتثقيف في تحديد هجمات المعلومات المضللة والتخفيف منها. وفي وقتٍ تكون فيه المعلومات متاحة ولكنها لا تتمتع بالمصداقية بشكلٍ مستمر، فإن تثقيف الجمهور بالحقائق وجعلهم مؤهّلين لكشف الصواب من الخطأ يُعدُّ ركيزة أساسية لمواجهة الاضطرابات التي يسببها انتشار المعلومات المضللة. وبالتالي فإن تطوير هذه القدرة يشمل التشجيع الموسع لحملات التوعية والجهود التعليمية، لا سيما من خلال زيادة فهم الناس طرق تشكيل المعلومات المضللة وكذلك كيفية انتشارها، بحيث قد تؤدي هذه الجهود إلى حصول الناس على قدرة إدراك أكبر على التشكيك فيما يتعلق باستهلاك المعلومات، ما يجعلهم أقل عرضة للتلاعب. ويقترن ذلك بجمهور أكثر تعلماً فيما يتعلق بمحو الأمية الرقمية بما في ذلك مصادر المعلومات وسياقاتها.