هل سيضطر المواطن العربي إلى تخفيض استهلاكه من الكهرباء في ظل أزمة الطاقة العالمية المتوقعة؟

5 دقائق
تشهد العديد من البلدان العربية تقنيناً متفاوتاً للطاقة الكهربائية لتخفيف ضغط الحمل على محطات الطاقة في سياق أزمة الطاقة العالمية
حقوق الصورة: حقوق الصورة: shutterstock.com/Yevhen Prozhyrko
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

دعا خبير الأرصاد الجوية الكويتي، عيسى رمضان، إلى تقنين استهلاك الكهرباء في أوقات الظهيرة لتخفيف الحمل واستهلاك الطاقة من خلال عدم تشغيل الأجهزة التي يمكن تشغيلها في أوقات اليوم الأخرى، وذلك في أثناء موجة الحر التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإضافة لمناطق واسعة من العالم، فما سيناريو أزمة الطاقة العالمية؟ وهل سنشهد زيادة في تقنين الكهرباء بالمنطقة العربية في المستقبل القريب؟

واقع أزمة الطاقة العالمية العام

وفقاً لوكالة الطاقة العالمية (IEA)، يعاني العالم بأكمله من أزمة في تأمين الطاقة اللازمة لتغطية حاجات السكان وتغذية القطاعات الاستراتيجية الصحية والصناعية والتجارية وغيرها بما يكفي من الكهرباء، ومنذ عام 2021 تفاقمت أزمة الطاقة بسبب مجموعة متنوعة من العوامل، بما فيها الانتعاش الاقتصادي السريع بعد جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية- الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022.

ويسهم ارتفاع أسعار الطاقة في ارتفاع معدلات التضخم بشكلٍ كبير ما يزيد من معدلات الفقر، ويجبر المصانع على تقليص الإنتاج أو الإغلاق، لدرجة أن بعض البلدان يتجه نحو ركود حاد وقد تتحمل أوروبا الثقل الأكبر نتيجة اعتمادها على الغاز الروسي بشكلٍ كبير.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع منع وصول الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية مع كل هذه السيارات ومحطات توليد الكهرباء؟

واقع أزمة الطاقة بالمنطقة العربية 

يعد واقع أزمة الطاقة في المنطقة العربية فسيفسائياً بامتياز، إذ هناك تفاوت كبير بين قدرات البلدان العربية على التعامل مع أزمات الطاقة المختلفة وتأمين الكهرباء على المدى القصير والبعيد. ووفقاً للدكتورة كريستين كروجر، الباحثة في أنظمة الطاقة والصناعة المستقبلية بمعهد فوبرتال للمناخ والبيئة والطاقة في ألمانيا، تقع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مفترق طرق في مجال الطاقة، إذ ستحتاج البلدان العربية إلى معالجة الزيادة المستمرة في الطلب على الطاقة خلال العقود القليلة القادمة لأنه من المتوقع أن يتضاعف استهلاك الطاقة تقريباً في المنطقة بحلول عام 2040 نتيجة النمو السكاني المتوقع عام 2050، وتفاقم الأزمة المناخية وتطور الصناعات المطّرد في المنطقة.

ويعاني العديد من الدول العربية من أزمات مستمرة في قطاعات الكهرباء، ما يؤدي إلى استمرار التقنين على مدار العام، وتتصدر سوريا ولبنان والعراق والسودان واليمن وليبيا قائمة الدول التي تعاني حالياً عجزاً في إنتاج الكهرباء، بينما تواجه دول أخرى انقطاعات عرضية في أوقات معينة من العام مثل مصر التي أعلن رئيس وزرائها مصطفى مدبولي عن تقنين في ساعات التغذية الكهربائية بدأ في 22 يوليو/ تموز 2023 لتخفيف الضغط على البنية التحتية للكهرباء في البلاد بسبب زيادة الطلب، ويمكن تلخيص واقع أزمة الطاقة في البلدان العربية وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المصادر كما يلي:

  • مصر: أعلنت الحكومة عن خطة تقنين كهربائي ستستمر حتى نهاية شهر أغسطس/ آب 2023 على الأقل.

  • لبنان: تبلغ ذروة احتياجات الفرد في لبنان من الطاقة نحو 3000 كيلوواط ساعي في العام، لكن الطاقة الإنتاجية القصوى لمحطات توليد الكهرباء هي 1600 ميغاواط، ويتم تأمين الكهرباء لمدة 9 ساعات باليوم لبعض المناطق، بينما غيرها لا يرى الكهرباء إطلاقاً. 
  • العراق: تشهد العديد من المحافظات العراقية ساعات كثيرة من تقنين الكهرباء، وقد تصل أحياناً إلى 12 ساعة في اليوم، حيث صُممت محطات توليد الكهرباء العراقية لتعمل بالغاز، ويعتمد العراق حالياً على الغاز المستورد من إيران لتشغيل مصانعه، ويؤدي الانقطاع في تأمين الغاز إلى اللجوء للتقنين.
  • السودان: تقوم الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء بجدولة توزيع الكهرباء بمستويات تقنين تبلغ نحو 6 ساعات لكل مشترك يومياً، لكن بعد الأزمة السودانية زاد واقع الكهرباء سوءاً بالخرطوم خصوصاً، حيث تُقطع الكهرباء لعدة ساعات، ناهيك عن عدم وجود تغطية كافية للشبكة الكهربائية بالأصل. 
  • سوريا واليمن وليبيا: تعاني قطاعات الكهرباء في اليمن وسوريا وليبيا بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة، إذ تعرضت البنى التحتية لقطاع الكهرباء في هذه البلدان إلى عوامل أدّت إلى تدميرها مع صعوبة تأمين الوقود الكافي لتغطية حاجات السكان. وتشهد المناطق السورية حالياً تقنيناً حاداً بمعدلات تصل إلى 20 ساعة يومياً، بينما ارتفعت المعدلات في ليبيا إلى 18 ساعة متتالية يومياً خلال صيف عام 2022. وفي اليمن، تقتصر إمدادات الكهرباء على نحو 6 ساعات يومياً، عدا بعض المناطق التي تعاني انقطاعاً مستمراً بالتيار الكهربائي.
  • الأردن: يكون التيار الكهربائي متوفراً على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، ويحدث انقطاع قصير للتيار الكهربائي أحياناً خلال الأيام الحارة في الصيف.

يلجأ سكان البلدان العربية التي تعاني انقطاعات الكهرباء الطويلة إلى استخدام المولدات الكهربائية الخاصة أو الاشتراك بمولدات ديزل كبيرة لتأمين حاجة المباني أو الأحياء لعدة ساعات، لكن تعد هذه الاشتراكات مكلفة بالنسبة للكثير من السكان ولا تستطيع الفئات ذات الدخل المتوسط والمنخفض الاستفادة منها.

اقرأ أيضاً: ما زلنا نحتاج إلى الابتكارات الثورية لجعل شبكة الكهرباء خضراء وصديقة للبيئة

لا تعاني دول الخليج مثل الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نقصاً في الكهرباء على غرار العراق ولبنان ودول أخرى في المنطقة، وتقدّم دول الخليج خدمات أساسية عالية الجودة إلى سكانها على الرغم من البيئة الصحراوية القاسية والظروف الجوية التي تزيد من تكاليف الاستهلاك، وتتبنى السعودية على سبيل المثال خطة مستقبلية لتحقيق طاقة مستدامة وأقل اعتماداً على النفط في سياق رؤية السعودية لعام 2030.

السيناريو المستقبلي في مجال الطاقة لدى الدول العربية 

وفقاً لتقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) عام 2016، من المتوقع أن تعاني البنية التحتية للكهرباء في المنطقة العربية من الضغوطات بشكلٍ كبير خلال السنوات المقبلة لأسباب مختلفة؛ من بينها تزايد الاستهلاك نتيجة نمو التعداد السكاني والجهود المبذولة لتلبية متطلبات خطط التنمية المستدامة، والأزمة المناخية العالمية.

وبعد معرفة واقع أزمة الطاقة بشكلٍ عام في المنطقة العربية، نستطيع أن نرسم تصوراً عن السيناريو المستقبلي لواقع الطاقة في المنطقة، حيث تبنّت عدة دول عربية خططاً مختلفة لتطوير قطاع الطاقة الكهربائية وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة، ومن أهم تلك الخطط ما يلي:

  • الخطة الإماراتية للطاقة الشمسية: حيث تسعى الإمارات لبناء محطة الظفرة لتوليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بقدرة إنتاجية تكفي لتغذية 160,000 منزل، وتعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم. 
  • الخطة المغربية للطاقة الشمسية (نور): وبموجب هذه الخطة، من المقرر أن تزيد نسبة مصادر الطاقة المتجددة في قطاع الكهرباء من 34% عام 2015 على 52% بحلول عام 2030، حيث ستتشكل الطاقات المتجددة بشكلٍ عام من 20% طاقة رياح و20% طاقة شمسية و12% طاقة مائية.
  • خطة العمل التونسية للطاقة المتجددة 2030: وتهدف هذه الخطة لزيادة نسبة مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء من 2% حالياً إلى 30% بحلول عام 2030.
  • الاستراتيجية الوطنية الرئيسية لقطاع الطاقة في الأردن: وتنصُّ الاستراتيجية على أنه يجب الاعتماد على الطاقات المتجددة لتوليد الكهرباء بنسبة 20% بحلول عام 2025.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تجديد توربينات توليد الطاقة بالرياح؟

ووفقاً لتقرير الأسكوا نفسه يمكن أن تحقق إعادة تفعيل الربط الكهربائي وتبادل الطاقة بين الدول العربية والدول المجاورة لها المُنشأ منذ التسعينيات فوائد عديدة، ومن أهم هذه الاتفاقيات ما يلي:

  • الترابط الثماني: بين مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وفلسطين وسوريا وتركيا.
  • الترابط المغربي: بين الجزائر وليبيا والمغرب وتونس.
  • الترابط الخليجي: ويوجد بين دول مجلس التعاون الخليجي، أي البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث يوجد تبادل محدود للطاقة بين هذه البلدان.

وعلى الرغم من صعوبة استمرار هذه الترابطات نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية المختلفة، فإنه يمكن أن توفّر هذه التعاونات الكهرباء للمنطقة العربية بحلول عام 2030، من خلال تطبيق ما يدعى بشبكات الكهرباء الذكية، وهي شبكات كهربائية تعاونية تستطيع أن تصمد أمام الأزمات والكوارث البيئية وغيرها، وتولّد الكهرباء لا مركزياً؛ أي لا يرتبط التوليد بمنطقة أو دولة معينة بل يكون التوليد تشاركياً ويتم توزيعه وفقاً للحاجة بالاعتماد على مستشعرات ذكية تُقيِّم معدل الاستهلاك وتنقل البيانات التي تغطي كل فروع الشبكات المتصلة.

وتضمن شبكات الكهرباء الذكية مرونة في توليد الكهرباء باستخدام الطاقات المتجددة حسب إمكانات كل بلد، فهناك بلدان عربية تستطيع توليد الطاقة الكهربائية بكفاءة من الرياح، بينما غيرها من الطاقة الشمسية أو الأمواج والوقود الحيوي وسواها وتختلف إمكانية التوليد تبعاً للمواسم، ما يعني أن التشاركية في توليد الطاقة وتوزيعها تعالج ضعف استمرارية أنواع الطاقات المتجددة طوال العام كضعف توليد الطاقة الشمسية في الشتاء وغيرها من العوامل.

اقرأ أيضاً: نقل جوي صديق للبيئة: هل ستسيطر الطائرات الكهربائية على السماء قريباً؟

قد نتوقع مزيداً من التقنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الحاضر ولعدة سنوات، خصوصاً في البلدان التي تعاني ضعفاً في البنى التحتية وإمكانات توفير الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء وعدم الاستقرار الأمني، لكن من الممكن أن يوفّر التحول للطاقات المتجددة على المستوى الفردي في المنازل كبداية، طريقة مناسبة للتغلب على هذا التقنين خلال هذه السنوات، وغالباً ما سيلجأ السكان لشراء منظومات الطاقة المتجددة بالتقسيط أو بعد أخذ القروض لتأمينها وتوفير حاجاتهم من الطاقة بأنفسهم.