متى يتفوق السائق البشري على السيارات الذاتية القيادة؟

5 دقيقة
متى يتفوق السائق البشري على السيارات الذاتية القيادة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/metamorworks

توصل مهندسون من جامعة سنترال فلوريدا إلى أن المركبات الذاتية القيادة أكثر أماناً بشكلٍ عام من تلك التي يقودها البشر باستثناء عدة حالات تشمل القيادة عند الفجر والغسق، والانعطاف، وفي أثناء هطول المطر، وفي المواقع المتأثرة بأحداث مرورية سابقة، وقد بيّنوا السبب في ذلك في دراستهم المنشورة في دورية نيتشر العلمية.

أيهما أكثر أماناً: السائقون البشر أم المركبات الذاتية القيادة؟

منذ أن دارت عجلات المركبات ذاتية القيادة على الشوارع، بدأت وسائل الإعلام بتغطية الحوادث المرورية التي تسببها، ما أدّى إلى ترك انطباع لدى الكثيرين بأنها مركبات غير آمنة، أو أنها أقل أماناً من المركبات التي يقودها البشر.

لتفنيد هذه الحقيقة، ولتحديد أي النوعين أكثر أماناً، حلل الباحثون بيانات حوادث المركبات في كاليفورنيا على مدى السنوات من 2016 إلى 2022، وقارنوا سلامة المركبات الذاتية القيادة بالمركبات التي يقودها البشر. اختار الباحثون ولاية كاليفورنيا الأميركية لأن آلاف المركبات الذاتية القيادة تتنقل في طرقاتها العامة بحرية منذ سنوات.

اقرأ أيضاً: لماذا تخلت شركة آبل عن مشروع إنتاج سيارتها الذاتية القيادة بعد إنفاق المليارات عليها؟

تقدّم الدراسة تحليلاً شاملاً يقارن بين الحوادث التي تتسبب بها المركبات الذاتية القيادة والمركبات التي يقودها البشر، فقد جمع الباحثون بيانات الحوادث لـ 2100 مركبة ذاتية القيادة و35113 مركبة يقودها بشر وقارنوا معدلات الاصطدام في ظل سيناريوهات مختلفة. وشملت المقارنة عدة معايير:

أداء السلامة

تُعدّ المركبات الذاتية القيادة أكثر أماناً بشكلٍ عام من المركبات التي يقودها البشر في معظم سيناريوهات الحوادث، فهي الأفضل في اكتشاف الأشياء وتجنبها والتحكم الدقيق واتخاذ القرار. ويعزى سبب أمان المركبات الذاتية القيادة لتقيدها بتعاليم سلامة المرور، فهي تسهم في تقليل الحوادث والأخطاء البشرية الناتجة عن التعب وتشتت الانتباه، وذلك لأنها مزودة بتكنولوجيات تدعم القيادة المستمرة ومنع الحوادث، مثل التحكم الإلكتروني في الثبات ونظام منع انغلاق المكابح، بالإضافة إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتسهم أيضاً في تحسين قدرة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن على التنقل، وتقليل عدد الوفيات الناجمة عن القيادة المشتتة أو الخطأ البشري من خلال المساعدة على التحكم في المركبة وتنبيه السائقين إلى المخاطر المحتملة.

من ناحية أخرى، تتطلب بعض التكنولوجيات مزيداً من التطوير مثل الحاجة إلى الاستشعار والإدراك الموثوقين، وخوارزميات صنع القرار القوية، وآليات الأمان من الفشل.

أحوال الطقس

إن احتمالات وقوع الحوادث في المركبات الذاتية القيادة أعلى بنحو 5 مرات تقريباً في أثناء الفجر أو الغسق، وربما يرجع ذلك إلى قيود المستشعر في ظروف الإضاءة المتغيرة.

يمكن أن يعزى ذلك إلى أن أجهزة الاستشعار والكاميرات التي تستخدمها المركبات الذاتية القيادة قد لا تكون قادرة على التكيُّف بسرعة مع التغيرات في ظروف الإضاءة، ما قد يؤثّر في قدرة الخوارزميات على اكتشاف العوائق والمشاة والمركبات الأخرى.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تكون السيارات الذاتية القيادة أكثر أماناً على الطريق؟

أنواع الحوادث

تتمتّع المركبات الذاتية القيادة بمخاطر أقل فيما يتعلق بالاصطدام من الخلف والاصطدام الجانبي مقارنة بالمركبات التي يقودها البشر، لكن احتمالات وقوع الحوادث في المركبات الذاتية القيادة عند الانعطاف أعلى بمرتين من البشر.

يشير هذا إلى أن المركبات الذاتية القيادة قد تكتشف وتتفاعل مع مواقف الاصطدام من الخلف والجانب المحتملة بشكلٍ أسرع بكثير من البشر، وذلك لأنها مجهزة بأجهزة استشعار وبرامج متقدمة يمكنها تحليل البيئة المحيطة بسرعة واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى نظام تتبع وتنظيم المسافة بين المركبات، وتنبه السائقين إذا أصبحت هذه المساحة أصغر من الحد الآمن، خاصة على الطرق السريعة. ومن خلال ضمان أن المركبات الذاتية القيادة تحافظ على سرعة ومسافة ثابتة بينها وبين المركبات الأخرى، فهي تقلل بشكلٍ فعّال من خطر وقوع حوادث الاصطدام من الخلف. في المقابل، تميلُ المركبات التي يقودها البشر إلى إظهار فروق أكبر في السرعة في نطاقات التباعد الأكبر، وهو عامل يسهم بشكلٍ كبير في ارتفاع معدل حوادث الاصطدام من الخلف والاصطدام الجانبي.

من ناحية أخرى، تميلُ المركبات الذاتية القيادة إلى أن تكون حذرة للغاية، إذ لديها فترة تأخير أطول قبل الانعطاف عند التقاطعات، كما تعتمد المركبات الذاتية القيادة على أجهزة الاستشعار والخوارزميات لإدراك محيطها واتخاذ قرارات القيادة. ومع ذلك، قد لا تكتشف هذه الأنظمة العوائق والمخاطر كلّها، وخاصة في سيناريوهات القيادة المعقدة والديناميكية مثل الانعطاف عند التقاطعات، ما قد يؤدي إلى حوادث اصطدام من الخلف أو من الجانب مع المركبات التي يقودها البشر.

اقرأ أيضاً: ما هي مستويات الاستقلالية في السيارات الذاتية القيادة؟ وما هو المستوى الذي وصلنا إليه الآن؟

العوامل البيئية

تتمتّع المركبات الذاتية القيادة بأداء أقل مستوى في الظروف الممطرة، مع احتمالات أكبر للحوادث، بمقدار الضعف تقريباً، مقارنة بالمركبات التي يقودها البشر، فعلى الرغم من أن الرادار قادر على اكتشاف الأشياء على مسافات تزيد على 150 متراً، حتى في الظروف الجوية السيئة مثل الضباب أو المطر، بينما قد لا يتمكن السائقون البشريون من إدراك الأشياء إلّا على بعد 10 أمتار تقريباً في ظل ظروف مماثلة، لكن الطقس السيئ يمكن أن يزيد من احتمالية حدوث أعطال في أجهزة الاستشعار، على الرغم من أن الابتكارات الحديثة في خوارزميات الرؤية، والاستخدام المشترك للكاميرات وأجهزة الاستشعار الحديثة، مصممة للتعرف إلى المشاة والمركبات في ظل سيناريوهات الطقس المختلفة، مثل الغيوم والثلج والمطر والظلام، وهذا يدعو إلى العمل لإيجاد حلول للتحديات المرتبطة بالقيادة الذاتية في ظروف أقل من المثالية.

السلوك قبل الحادث

يتسبب البشر بحوادث أكثر من المركبات الذاتية القيادة بسبب عدم الانتباه أو سوء سلوك القيادة، بينما تتسبب المركبات الذاتية القيادة بحوادث أكثر في مواقع متأثرة بأحداث مرورية أدّت إلى تعطل حركة المرور العادية مثل تعطل المركبات أو الحوادث.

أحد الأسباب المحتملة المؤدية إلى هذه النتيجة هو الافتقار إلى الوعي الظرفي، أي قدرة المركبات الذاتية القيادة على إدراك العناصر الأساسية في محيطها، وفهم أهمية هذه العناصر، وتوقع حالتها أو تغييراتها المستقبلية.

اقرأ أيضاً: أين يمكننا إيجاد سيارات ذاتية القيادة على الطرقات اليوم؟

متى يكون السائق البشري أفضل من السيارة الذاتية القيادة؟

في النتيجة، وجد الباحثون أن المركبات الذاتية القيادة أكثر أماناً من المركبات التي يقودها البشر في أغلب الظروف، لأنها الأقل تسبباً بالحوادث، باستثناء حالات ثبت فيها أن البشر هم الأفضل، وهي القيادة عند الفجر أو الغسق وعند الانعطاف، فالمركبات الذاتية القيادة أكثر عرضة بخمس مرات للتسبب بالحوادث في ظروف الإضاءة المنخفضة، وأكثر عرضة بمرتين للحوادث في أثناء الانعطاف مقارنة بالسائقين البشر.

بالإضافة إلى تفوّق البشر في القيادة في الطقس الماطر، وفي المواقع المتأثرة بأحداث مرورية سابقة أدّت إلى تعطل حركة المرور العادية.

لماذا تقع الحوادث بسبب المركبات الذاتية القيادة؟

يُعدّ توليد معلومات كافية وتحقيق الكشف الشامل عن البيئة المحيطة من مصدر مستقل واحد تحدياً كبيراً بسبب نطاقات الاستشعار المحدودة والتغطية المحدودة للبيئة بواسطة أجهزة الاستشعار في المركبات الذاتية القيادة.

بالإضافة إلى ذلك، تُبرمج بعض المركبات الذاتية القيادة لاتباع قواعد وسيناريوهات محددة مسبقاً، والتي قد لا تشمل كل موقف قيادة محتمل، ويمكن أن تشكّل تعديلات السيناريوهات صعوبة على المركبات الذاتية القيادة في إدراكها والاستجابة لها، ما يزيد من خطر وقوع حادث. علاوة على ذلك، فإن وجود المركبات العديدة على الطريق وتعقيد سيناريوهات القيادة يشكّل تحدياً كبيراً للمركبات الذاتية القيادة.

وعلى العكس من ذلك، يمكن للبشر التكيُّف وتعديل سرعة المركبة بسلاسة، ما يُسلّط الضوء على افتقار المركبات الذاتية القيادة مهارة السائقين ذوي الخبرة، وتواجه المركبات الذاتية القيادة صعوبات في تنفيذ تغييرات المسار أو الانعطاف في حركة المرور الكثيفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبشر التنبؤ بحركات المشاة والحذر بناءً على خبرتهم في القيادة، في حين يصعب على المركبات الذاتية القيادة التنبؤ بتحركات البشر، ما قد يؤدي إلى ضغط المكابح، والتسبب بالحوادث بسبب عدم فهم الإشارات الاجتماعية والمنطق النفسي البشري.

اقرأ أيضاً: ما هي التحديات التي تواجه سوق السيارات الذاتية القيادة في المدن الكبرى؟ دراسة حالة في الصين

تشير نتائج الدراسة إلى الحاجة لتحسين أداء المركبات الذاتية القيادة في بعض الظروف، ويتضمن ذلك اتباع نهج شامل يتضمن خوارزميات قوية وتصاميم ذكية وتحسين أجهزة استشعار الطقس والإضاءة ودمج بيانات المستشعرات بشكلٍ فعّال، ما يجعل المركبات الذاتية القيادة أكثر أماناً.