غراف كاست: أداة ذكاء اصطناعي تتنبأ بالطقس العنيف في أقل من دقيقة

3 دقائق
غراف كاست: أداة ذكاء اصطناعي تتنبأ بالطقس العنيف في أقل من دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ekapol sirachainan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرضت الأرض هذه السنة إلى رقم قياسي من أحداث الطقس العنيفة غير المتوقعة التي تفاقمت بسبب التغير المناخي. ويمكن للتنبؤ بهذه الأحداث بمستوى أعلى من السرعة والدقة أن يساعدنا على الاستعداد بصورة أفضل لمواجهة الكوارث الطبيعية والمساعدة في إنقاذ الأرواح. ويمكن أن تصبح هذه العملية أسهل بفضل نموذج ذكاء اصطناعي جديد من جوجل ديب مايند (Google DeepMind).

غراف كاست نموذج للتنبؤ بالطقس بدقة

ووفقاً لبحث نُشر في مجلة ساينس (Science) مؤخراً، تمكّن نموذج جوجل ديب مايند، الذي يحمل اسم غراف كاست (GraphCast)، من التنبؤ بحالة الطقس لفترة تصل إلى 10 أيام مسبّقاً، بدقة وبسرعة أعلى من أفضل الأساليب الحالية. فقد تمكن غراف كاست من التفوق على نموذج المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى (ECMWF) في أكثر من 90% من أكثر من 1,300 منطقة اختبار. وفي التنبؤات المتعلقة بطبقة التروبوسفير -أي الجزء الأدنى من الغلاف الجوي، حيث تحدث معظم الظواهر الجوية- تمكّن غراف كاست من التفوق على نموذج “ECMWF” في أكثر من 99% من متغيرات الطقس، مثل المطر ودرجة حرارة الهواء.

أما الأهم من هذا فهو قدرة غراف كاست على تقديم تحذيرات دقيقة لعلماء الطقس أيضاً، وبسرعة أكبر بكثير من سرعة النماذج القياسية التي تُنمذج ظروفاً مناخية مثل درجات الحرارة القصوى ومسارات الأعاصير. ففي سبتمبر/أيلول، تنبأ غراف كاست بدقة بوصول الإعصار “لي” إلى اليابسة في منطقة نوفا سكوشا قبل تسعة أيام، وفقاً لأحد أفراد طاقم العلماء الباحثين في جوجل ديب مايند، ريمي لام. حددت نماذج التنبؤ الجوي التقليدية مسار الإعصار المتجه نحو نوفا سكوشا قبل ستة أيام فقط.

يمثل التنبؤ بالطقس أحد أهم المشاكل الصعبة التي كانت البشرية تعمل على حلها منذ فترة طويلة جداً. وإذا أخذنا ما حدث في السنوات القليلة الأخيرة بسبب التغير المناخي بعين الاعتبار، فسنجد أنها مشكلة فائقة الأهمية”، كما يقول نائب الرئيس للأبحاث في جوجل ديب مايند، بوشميت كولي.

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند تطلق أداة لإضافة العلامات المائية إلى الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي

التعلم الآلي يجري حسابات التنبؤ بالطقس المعقدة في أقل من دقيقة

عادة ما يستخدم علماء الطقس عمليات محاكاة حاسوبية ضخمة للتنبؤ بالطقس. تستهلك هذه العمليات مقادير ضخمة من الطاقة، ويستغرق تنفيذها وقتاً طويلاً، لأن المحاكاة تأخذ بعين الاعتبار الكثير من المعادلات الفيزيائية والعديد من المتغيرات الجوية المختلفة، مثل درجة الحرارة والهطل المطري والضغط والرياح والرطوبة ودرجة التلبّد بالغيوم، واحداً تلو الآخر.

أما غراف كاست فيعتمد على التعلم الآلي لإجراء هذه الحسابات في أقل من دقيقة واحدة. وبدلاً من الاعتماد على المعادلات الفيزيائية، يصوغ النظام تنبؤاته اعتماداً على أربعة عقود من بيانات الطقس التاريخية. يعمل غراف كاست من خلال الشبكات العصبونية البيانية، التي تحدد خريطة لسطح الأرض موزعة على أكثر من مليون نقطة شبكة. عند كل نقطة من هذه النقاط، يتنبأ النموذج بدرجة الحرارة، وسرعة الرياح واتجاهها، ومتوسط الضغط عند سطح البحر، إضافة إلى متغيرات أخرى مثل الرطوبة. تعمل الشبكة العصبونية بعد هذا على كشف الأنماط ووضع الاستنتاجات حول ما سيحدث لاحقاً بالنسبة لكل من نقاط البيانات هذه.

اقرأ أيضاً: لعبة ذكاء اصطناعي من ديب مايند تحطم رقماً قياسياً عمره 50 عاماً

التنبؤ الجوي يشهد ثورة حقيقية

على مدى السنة الماضية، كان التنبؤ الجوي يشهد ثورة حقيقية، إذ ظهرت عدة نماذج مثل غراف كاست، ونموذج بانغو ويذر (Pangu-Weather) من شركة هواوي (Huawei)، ونموذج فوركاست نيت (FourcastNet) من شركة إنفيديا (Nvidia)، وقد دفعت هذه النماذج بعلماء الطقس إلى إعادة النظر بدور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ الجوي. يقول لام إن غراف كاست تفوق في الأداء على النماذج المنافسة الأخرى، مثل بانغو-ويذر، وتمكّن من التنبؤ بعدد أكبر من المتغيرات الجوية. وقد بدأ المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى باستخدامه.

عندما أطلقت جوجل ديب مايند نموذج غراف كاست في ديسمبر/كانون الأول المنصرم، كانت مناسبة بهيجة أقرب إلى عيد الميلاد، وفقاً لمدير نمذجة أنظمة الأرض في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى، بيتر دوبين، الذي لم يشارك في البحث.

ويقول: “لقد أثبت أن هذه النماذج وصلت إلى درجة عالية من التطور، ولم يعد بوسعنا تجاهلها بعد اليوم”.

اقرأ أيضاً: مجموعة من الشركات تستكشف إمكانات الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة

لحظة فارقة

يمثل غراف كاست “لحظة فارقة” بالنسبة للتنبؤات الجوية، لأنه بيّن إمكانية وضع التنبؤات اعتماداً على البيانات التاريخية، وفقاً للأستاذ المساعد المختص بعلوم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أديتيا غروفر، الذي طوّر كلايماكس (Climax)، وهو نموذج أساسي يتيح للباحثين تنفيذ مهام مختلفة متعلقة بنمذجة طقس الأرض ومناخها.

يمثل نموذج ديب مايند “عملاً رائعاً ومثيراً للإعجاب إلى درجة كبيرة” بالنسبة لمدير قسم التنبؤات العددية في ميتيوسويس (MeteoSwiss)، المكتب الفيدرالي السويسري للأرصاد الجوية وعلم المناخ، أوليفر فورر. يقول فورر إن وكالات الطقس الأخرى، مثل المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى والمعهد السويدي للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، استخدمت هيكلية الشبكات العصبونية البيانية (graph neural network) التي اقترحتها جوجل ديب مايند لبناء نماذجها الخاصة أيضاً.

لكن غراف كاست ليس خالياً من العيوب. فهو لا يزال متأخراً عن نماذج التنبؤات الجوية التقليدية في بعض النواحي، مثل الهطل المطري، كما يقول دوبين. وسيبقى علماء الطقس مضطرين إلى استخدام النماذج التقليدية إضافة إلى نماذج التعلم الآلي لوضع تنبؤات أفضل.

أيضاً، قررت جوجل ديب مايند جعل غراف كاست مفتوح المصدر. وهو تطور جيد، كما يقول غروفر من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

اقرأ أيضاً: أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة يمكن أن تعزز قدرتنا على التنبؤ بالطقس

ويضيف قائلاً: “مع تفاقم مشكلة التغير المناخي، أصبح من المهم جداً بالنسبة للمؤسسات الكبرى، التي تتمتع برفاهية الموارد الحاسوبية الضخمة، أن تفكر في مشاركة بعض هذه الموارد مع الأوساط العلمية”.