مقارنة عملية بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري

6 دقائق
مقارنة عملية بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري
حقوق الصورة: shutterstock.com/andranik hakobyan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري مختلفان في طبيعتهما، لكن علاقتهما معقدة ومثيرة للاهتمام، وغالباً ما يتمحور الحديث عن هذا الموضوع حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر. ومع ذلك، هذه النظرة تعتبر تبسيطاً مُخلاً للعلاقة العميقة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري، ومن الضروري أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي والبشري يتمتعان بمجموعات مختلفة من المهارات والقدرات والصفات التي يمكن أن تكون متكاملة، وليست متبادلة الاستبعاد.

ماهية الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري

الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري هما مفهومان معقدان يشملان مجموعة واسعة من القدرات الإدراكية. وعلى الرغم من وجود بعض نقاط الالتقاء، فمن الضروري أيضاً التعرف على الفروق الكبيرة بينهما، ولنبدأ ببعض التعريفات لننتقل منها إلى المقارنات:

الذكاء الاصطناعي: يشير الذكاء الاصطناعي إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على أداء كثير من المهام التي تتطلب عادة قدرات بشرية. يمكن أن تشمل هذه المهام فهم اللغة بأنواعها المختلفة، والتعرف على الأنماط، وحل المشكلات المعقدة، واتخاذ القرارات. ويمكن تصنيف الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مبسط إلى نوعين: الذكاء الاصطناعي الضيق الذي يُصمم لأداء مهمة محددة مثل التعرف على الوجه أو البحث على الإنترنت، والذكاء الاصطناعي العام، وهو نظام بقدرات إدراكية عامة تشبه قدرات الإنسان الإدراكية، أي عندما يتعرض لمهمة غير مألوفة، يتمتع بالقدرة على العثور على حل.

الذكاء البشري: لا بُدّ من النظر إلى الذكاء البشري من منظور أوسع من النظرة البيولوجية بحيث يشمل مختلف جوانب فهم الإنسان وحل المشكلات والإبداع والحدس العاطفي.

في جوهره، يمكن فهم الذكاء البشري على أنه قدرة الدماغ البشري على التعلم والتكيُّف والتفكير والفهم، وتوليد رؤى جديدة من الأشياء والأحداث المحيطة والتحفيزات الذاتية، كما ينطوي على القدرات المعرفية مثل الذاكرة والانتباه والإدراك والعمل وحل المشكلات والتصور الذهني. 

وللتنوع الكبير في أسلوب تعريف الذكاء البشري تُستخدم تعريفات محددة لأنواع من الذكاء البشري حسب ظروف استخدامه، فمثلاً الذكاء العاطفي يتعلق بقدرتنا على فهم وتفسير مشاعر الآخرين وأنفسنا والتفاعل معها، ويشمل الذكاء الإبداعي قدرتنا على الابتكار والتصميم وحل المشكلات بطرق فريدة ومبتكرة.

يمكن القول إن الذكاء البشري هو مفهوم واسع يشمل قدرتنا على التفاعل مع العالم بطرق ذات مغزى، مبتكرة ومتعاطفة وأخلاقية، وهو وظيفة متطورة باستمرار لوعينا وإنسانيتنا تُشكَّل بواسطة تجاربنا الإنسانية اليومية.

اقرأ أيضاً: أين أمازون من سباق الذكاء الاصطناعي؟

الاختلافات بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري

تكمن أبرز الاختلافات بين الذكاء الاصطناعي والبشري في النقاط التالية:

  1. التعلم: بينما يتعلم كلٌّ من الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي من التجربة، لكن البشر عادة ما يحتاجون إلى بيانات أقل لتعلم مهمة جديدة. أمّا أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصةً تلك المبنية على التعلم الآلي، تحتاج إلى كميات هائلة من البيانات للتعلم واتخاذ القرارات الدقيقة. وفي مقارنة بين أساليب التعلم، يتفوق البشر في التعلم المباشر، حيث يمكنهم فهم وتطبيق المفاهيم الجديدة من عدد محدود من العينات، وغالباً ما تكون واحدة فقط. بينما يتطلب الذكاء الاصطناعي التعلم من عدة محاولات عبر عدد كبير من الأمثلة لتحقيق فهم مشابه. هذا الاختلاف يدل على تفوق البشر في كفاءة التعلم.
  2. التعميم: الذكاء البشري جيد جداً في تعميم المعرفة ونقلها من مجال إلى آخر. يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى هذه القدرة على نقل التعلم، ويُدرَّب الذكاء الاصطناعي للمهام المحددة وعادةً ما يفشل في التعميم خارج هذه المهام.
  3. الإبداع والوعي: البشر لديهم وعي وعواطف، ويمكنهم التفكير بشكل مجرد، ويمكن أن يكونوا مبدعين، وهذه ليست بعد ضمن نطاق الذكاء الاصطناعي. يمكن للذكاء الاصطناعي تقليد ومحاكاة الإبداع أو العواطف استناداً إلى خوارزميات محددة وكثير من أساليب التعلم الآلي، ولكنه لا يمتلك حقاً هذه الخصائص.
  4. الفهم والتفسير: الذكاء البشري قادر على تفسير السياق وفهم الحالة التي يدور فيها نقاش معين مع فهم المعاني الدقيقة للغة وأسلوب إلقائها، واتخاذ القرارات استناداً إلى هذا الفهم. أمّا الذكاء الاصطناعي وعلى الرغم من تطويره المستمر، لا يزال يكافح في هذه الجوانب.
  5. البيولوجي مقابل الصناعي: الذكاء البشري بيولوجي ويتطور مع مرور الوقت، ويتأثر بالعوامل الجينية والبيئية والتجريبية. من ناحية أخرى، الذكاء الاصطناعي صنعة البشر، ويعتمد على الخوارزميات والقدرات الحاسوبية والتطور في المعالجات التي تتحكم بها شركات عالمية محدودة، والقدرة البحثية والتطبيقية والإنفاق الكبير على الأبحاث في هذا المجال.

على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي مصمم لتقليد الذكاء البشري، فإن الحقيقة هي أنه مكمل له. يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة وتحليل كميات كبيرة من البيانات أسرع من البشر، ولكن ذلك يتم بعد أن قام البشر بتدريبه للقيام بهذه المهمة، كما يستطيع أداء المهام المتكررة دون إرهاق، والمساعدة في مجالات مثل الرعاية الصحية والمالية وأكثر من ذلك، ما يعزز قدراتنا. إنه أداة يمكننا استخدامها لتعزيز الذكاء البشري والإنتاجية.

علاوة على ذلك، يتميز الذكاء البشري بالخيال؛ أي القدرة على تشكيل الأفكار والمفاهيم لأشياء موجودة أو حتى غير موجودة. من ناحيةٍ أخرى، يمكن وصف الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أفضل بأنه أداة للتلاوة، يستدعي ويكرر المعلومات بناء على التعلم السابق، ويفتقد العفوية والإبداع الموجودين في الخيال البشري.

يؤثّر كلٌّ من الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري بشكلٍ كبير على بعضهما بعضاً. على سبيل المثال، قدرة الذكاء الاصطناعي على تكرار المهام الروتينية المحددة لا تزيد من الإنتاجية فحسب، بل تعزز الذكاء البشري وتوفّر على البشر وقت إنجاز المهام المملة، ما يُتيح لهم التركيز أكثر على الأنشطة الاستراتيجية والإبداعية التي تتماشى بشكلٍ أفضل مع المهارات البشرية الفريدة مثل القيادة والقدرة على التكيُّف والإبداع.

اقرأ أيضاً: تعرف على الفنان الأشهر في توليد الأعمال الفنية باستخدام الذكاء الاصطناعي

لماذا نركز على الذكاء الاصطناعي؟

في الواقع، يعزز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري بشكلٍ أساسي، ممهداً الطريق لتغيير تعريفنا للذكاء نفسه. وبدلاً من أن تكون علاقة تصادمية، يمكن اعتبار العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري تعاوناً تكاملياً يعزز القدرة الفكرية الإجمالية لمجتمعنا.

لماذا يركز العالم أكثر على الذكاء الاصطناعي؟ 

يحمل الذكاء الاصطناعي القدرة على تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة. على سبيل المثال، من المتوقع أن يُضيف الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع ما يصل إلى 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، ويُستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل التصنيع وتقديم الخدمات والتوظيف والقطاعات المالية وغيرها، ما يزيد من الإنتاجية والقيمة الاقتصادية.

بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يحمل الذكاء الاصطناعي أيضاً القدرة على تحسين حياة البشر بشكلٍ عام على عدة أصعدة. على سبيل المثال، يمكن للأجهزة الطبية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تساعد على تشخيص وعلاج الأمراض بشكلٍ أكثر فاعلية، كما يمكن لأنظمة النقل التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أن تجعل رحلاتنا أكثر كفاءة وأقل إجهاداً، ويمكن لأدوات التعليم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تساعدنا على التعلم بشكلٍ أكثر فاعلية.

بالتأكيد، هناك أيضاً مخاطر محتملة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أنظمة أسلحة ذاتية القيادة يمكن أن تقتل دون تدخل بشري، يمكن أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي للتلاعب بسلوك الناس أو لنشر المعلومات المضللة. ولذلك فمن الأهمية بمكان أن نكون على علم بهذه المخاطر وأن نتحرك بحذر، ومن الضروري تنظيم الذكاء الاصطناعي بطريقة تحقق التوازن الصحيح بين التحفيز على الابتكار والحماية من الاستخدام السيئ.

اقرأ أيضاً: يمكن استخدامها على المريخ وفي حالات الكوارث: تقنية واعدة للبناء باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد

الذكاء الاصطناعي كأداة للتعلم وزيادة الذكاء البشري وخاصة للأطفال

البذور التي نزرعها اليوم ستكبر لتجد نفسها تعيش في غابة كثيفة من أدوات وتطبيقات وآلات الذكاء الاصطناعي. لذا، يتعين علينا أن نجهزها بالأدوات اللازمة لتخطي هذه الغابة بسلاسة. ومن أهم تلك الأدوات “التعليم والمعرفة”، حيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تعيد هيكلة التعليم عن طريق تقديم تجارب تعليمية فردية تتابع بدقة التقدم المحرز لكل طالب، وتحدد مواطن القوة والضعف، وتخصص مسار التعلم، وهذا لا يضمن الكفاءة المثلى في التعلم فقط، ولكن يعزز أيضاً ثقافة التعلم الذاتي.

إضافة إلى ذلك، يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تعزيز المهارات المعرفية الأساسية لدى الأطفال، بما في ذلك التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع. فمن خلال البرمجة والروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تصبح أدمغة الأطفال ساحات للمنطق والتخيل. هذا الاحتكاك المباشر مع الذكاء الاصطناعي يجهزهم لمستقبل يدخل فيه الذكاء الاصطناعي جوانب الحياة كافة.

يتوغل الذكاء الاصطناعي أيضاً في عالم التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة؛ إذ عبر التكيُّف مع الاحتياجات التعليمية الفريدة للأطفال ذوي الإعاقات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤذن ببداية عصر جديد من التعليم المخصص والشامل والفعّال.

اقرأ أيضاً: ما الدروس المستفادة من تجربة الإمارات في استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم؟

نصائح لأولياء الأمور والمدارس

من المهم أن تتعاون المدرسة مع الآباء والأمهات بفاعلية لتقنين التداخل الذي يحدث وسيستمر في الحدوث بين الذكاء البشري والاصطناعي، ويمكن للنصائح التالية أن تساعد على تلك المهمة:

  • التوعية بثقافة الذكاء الاصطناعي: تشجيع الفهم الجيد للذكاء الاصطناعي عبر التعريف بماهيته وفوائده والقضايا الأخلاقية المتعلقة به، لتمكين الأطفال من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مسؤول وفعّال.
  • تبني التعلم المعزز بالذكاء الاصطناعي: استغلال التطبيقات التعليمية والألعاب الذكية التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق تعلم فردي وفعّال.
  • تنشيط المهارات المعرفية: دمج الأنشطة التي تعزز التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع لدى الأطفال، مثل البرمجة والروبوتات.
  • غرس الأخلاقيات الرقمية: عبر التوعية حول الاستخدام الآمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الرقمية، بما في ذلك الخصوصية والسلوك الإلكتروني والتفريق بين المحتوى الرقمي الموثوق وغير الموثوق.
  •  التكيُّف مع الاحتياجات التعليمية الفردية: بالنسبة للأطفال ذوي صعوبات التعلم، ينبغي استكشاف الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والمصممة خصيصاً لهم.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز فرص وتحديات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم الأساسي؟

وبينما نعبر هذه الساحة الجديدة التي يتطور فيها الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري بشكلٍ متزامن، يجب أن نتذكر النظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس كبديل، ولكن كمحفز للإدراك البشري. من خلال اعتماد هذا النهج المتكامل، يمكننا استخدام القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتنا الفكرية وتجهيز الأجيال القادمة لعصر سيكون فيه الذكاء الاصطناعي مثل الهواء الذي نتنفسه.