هل ينقذنا الإخصاب في المختبر من أزمة انخفاض الخصوبة عالمياً؟

5 دقيقة
هل ينقذنا الإخصاب في المختبر من أزمة انخفاض الخصوبة عالمياً؟
حقوق الصورة: أنسبلاش

علمت مؤخراً أن 11 يوليو/تموز هو اليوم العالمي للسكان. وصل عددنا على هذا الكوكب إلى أكثر من 8 مليارات نسمة، ومن المرجّح أنه سيصل إلى 8.5 مليارات بحلول عام 2030. ونحن نسمع دائماً تحذيرات متواصلة بشأن مخاطر الانفجار السكاني والتأثير الذي نحدثه نحن البشر في كوكبنا. ولهذا، قد يبدو منافياً للمنطق، في الواقع، أن نقلق من أن معدل التكاثر عند البشر ليس مرتفعاً بما يكفي.

غير أن هذه المسألة تُثير قلقاً شديداً عند الكثير من العلماء. إن التحسينات التي يشهدها مجالا الرعاية الصحية والنظافة الصحية تساعدنا جميعاً على العيش حياة أطول، لكننا لا ننجب ما يكفي من الأطفال لتقديم الرعاية لنا مع تقدمنا في السن. وتشهد بلدان العالم كافة تقريباً تراجعاً في معدلات الخصوبة (أي متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها كلها).

لكن مهلاً! ثمة تكنولوجيات يمكن أن تحل هذه المشكلة! فالإخصاب في المختبر يساعد على إنجاب المزيد من الأطفال بصورة غير مسبوقة، كما يمكن أن يساعد على حل مشكلات الخصوبة التي يواجهها المتقدمون في السن من الآباء والأمهات، غير أن هذه المسائل ليست بهذه السهولة، لسوء الحظ. حيث تشير الأبحاث إلى أن الأثر الإيجابي لهذه التكنولوجيات محدود وغير كافٍ. وإذا أردنا إحراز تقدم حقيقي، علينا أن نعمل أيضاً على تعزيز المساواة بين الجنسين.

اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تطرح علاجاً واعداً للصرع يعتمد على الخلايا الجذعية

الإخصاب في المختبر يمكن أن يكون مساعداً للحفاظ على الاستقرار السكاني

يميلُ الباحثون إلى النظر إلى الخصوبة من حيث عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة العادية خلال حياتها. وللحفاظ على استقرار التعداد السكاني، يجب أن يكون هذا الرقم، المعروف باسم "معدل الخصوبة الإجمالي" (TFR) قريباً من 2.1.

لكن هذا الرقم كان ينخفض على مدى الأعوام الخمسين الماضية. ففي أوروبا، على سبيل المثال، كان معدل الخصوبة الإجمالي لدى النساء المولودات عام 1939 يساوي 2.3، غير أن هذه القيمة انخفضت إلى 1.7 لدى النساء المولودات عام 1981، اللواتي يبلغن من العمر 42 أو 43 عاماً الآن. في اللقاء السنوي للجمعية الأوروبية لعلم التكاثر البشري والأجنة الذي عقدته مؤخراً، وجّه أستاذ الدراسات السكانية (الديموغرافيا) في جامعة بادوا في إيطاليا، جيانبييرو دالا زوانا، كلامه إلى الحضور قائلاً: "يمكن أن نلخص الأعوام الخميس الماضية بثلاث كلمات: ’تراجع‘ و’تأخر‘ و’عدم إنجاب‘".

ثمة أسباب كثيرة خلف هذا التراجع. حيث يعاني نحو واحد من بين 6 أشخاص العقم، كما أن الكثير من الناس، على مستوى العالم، ينجب من الأطفال أقل مما يرغب. من ناحية أخرى، فإن عدد الأشخاص الذين يختارون عيش حياة خالية من الأطفال آخذ في الازدياد. ثمة آخرون يرجؤون فكرة تأسيس أسرة، وربما يُعزى هذا إلى الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة، وعدم القدرة على تحمل تكاليف الحصول على منازل تخصهم. أيضاً، يتردد البعض في إنجاب الأطفال بسبب قلقهم بشأن المستقبل. ففي ظل التهديد الدائم بنشوب الحروب العالمية، والمخاطر المحدقة بنا بسبب التغير المناخي، من يستطيع أن يلومهم؟

ثمة عواقب مالية واجتماعية لأزمة الخصوبة هذه. نحن نشهد بالفعل تراجعاً في عدد الشباب الذين يدعمون كبار السن مقارنة بالعدد المتزايد من كبار السن الذين يحتاجون إلى الرعاية. وهذا الأسلوب غير مستدام.

وقد قال دالا زوانا في اللقاء: "تبلغ حصة أوروبا من التعداد السكاني العالمي 10%، ومن الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم 20%، أما بالنسبة إلى نفقات الرعاية الاجتماعية على مستوى العالم فتبلغ حصتها 50%". وحذر من انخفاض عدد الأشخاص في سن الإنجاب بعد 20 عاماً من الآن بنسبة 20%.

لكن هذه آثار ذلك لن تقتصر على أوروبا. فقد كان معدل الخصوبة الإجمالي العالمي في 2021 يساوي 2.2، أي أقل من نصف قيمته في 1950، حيث كان يساوي 4.8. ووفقاً لأحد التقديرات الحديثة، فإن معدل الخصوبة الإجمالي العالمي يتراجع بوتيرة 1.1% سنوياً. ويتعرض بعض البلدان لتراجعات حادة على وجه الخصوص: ففي 2021، بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في كوريا الجنوبية قيمة 0.8 وحسب، أي أقل بكثير من القيمة المطلوبة للحفاظ على التعداد السكاني وهي 2.1. وإذا استمر هذا التراجع، يمكن أن نتوقع وصول معدل الخصوبة الإجمالي العالمي إلى قيمة 1.83 بحلول عام 2050 و1.59 بحلول عام 2100.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تدرس إمكانية إنجاب الأطفال في الفضاء بهدف إرسال بعثات فضائية طويلة الأمد

تكنولوجيات الإخصاب

إذاً، ما هو الحل؟ تم طرح تكنولوجيات الإخصاب، مثل الإخصاب في المختبر وتجميد البويضات، بصفتها أحد الحلول الممكنة. ويستخدم المزيد الناس هذه التكنولوجيات للإخصاب أكثر من أي وقت مضى. حيث يولد طفل من خلال الإخصاب في المختبر كل 35 ثانية على مستوى العالم. ويمكن للإخصاب في المختبر أن يساعدنا فعلياً على التغلب على بعض مشاكل الخصوبة، بما فيها تلك التي يمكن أن تظهر لدى الأشخاص الذين قرروا أن يؤسسوا أسرة بعد سن 35. وحالياً، يسهم الإخصاب في المختبر بنسبة 5% إلى 10% من إجمالي الولادات في البلدان المرتفعة الدخل. في لقاء آخر للجمعية الأوروبية لعلم التكاثر البشري والأجنة، قالت مديرة الوحدة الوطنية لعلم الأوبئة في الفترة المحيطة بالولادة والإحصاء بجامعة نيو ساوث ويلز في مدينة سيدني في أستراليا، جورجينا تشامبرز: "يجب أن يكون الحل بالنسبة إلينا هو الإخصاب في المختبر".

غير أنه من غير المرجح أن تحل التكنولوجيا أزمة الخصوبة في أي وقت قريب، كما يُظهر بحث تشامبرز. تشير بعض الدراسات إلى أن استخدام التكنولوجيات المساعدة على الإنجاب أو "آرت" (ART) اختصاراً، يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدل الخصوبة الإجمالي في بلد ما بنسبة تقريبية تتراوح من 1% إلى 1.5% وحسب. تقع الولايات المتحدة على الجهة الأدنى من هذا المجال، حيث تشير التقديرات إلى أن استخدام آرت أدى إلى زيادة معدل الخصوبة بنسبة 1.3% تقريباً في 2020. غير أن استخدام آرت في أستراليا أدّى إلى تعزيز معدل الخصوبة بنسبة 5%.

لماذا تتباين فوائد تكنولوجيات الإخصاب؟

ما سبب هذا الاختلاف؟ يؤول كل شيء في نهاية المطاف إلى إمكانية الوصول. يمكن للإخصاب في المختبر أن يكون باهظ التكلفة في الولايات المتحدة إلى درجة تمنع البعض من ذلك، حيث يمكن أن تصل تكلفة دورة واحدة من الإخصاب في المختبر، إذا لم يكن ثمة تأمين يغطيها، إلى ما يقارب نصف الدخل السنوي المتاح للشخص. إذا قارنا ذلك مع أستراليا، حيث يحصل الأشخاص الذين يسعون إلى تأسيس أسرة على قدر كبير من الدعم الحكومي، نجد أن دورة الإخصاب في المختبر تكلف فقط 6% من متوسط الدخل السنوي المتاح للشخص.

في دراسة أخرى، وجدت تشامبرز وزملاؤها أن استخدام آرت يمكن أن يساعد على استعادة الخصوبة إلى حد ما لدى النساء اللواتي يحاولن إنجاب الأطفال في مرحلة لاحقة من الحياة. ليس من السهل تحديد ما يحدث بدقة في هذه الحالة، لأنه من الصعب أن نحدد إن كانت بعض الولادات التي أعقبت الإخصاب في المختبر ستحدث في نهاية المطاف دون الاستعانة بهذه التكنولوجيا.

في كلتا الحالتين، لا يعد الإخصاب في المختبر وغيره من تكنولوجيات الخصوبة حلاً شاملاً، كما أن الترويج لهذه التكنولوجيات بوصفها حلاً شاملاً ينطوي على مخاطر تشجيع الناس على المماطلة أكثر في تأسيس أسرة، على حد قول تشامبرز. ثمة أساليب أخرى للتعامل مع أزمة الخصوبة.

يعتقد دالا زوانا وزميلته ماريا كاستيغليوني أن البلدان ذات معدلات الخصوبة المنخفضة، مثل بلدهم الأم إيطاليا، في حاجة إلى زيادة عدد الأشخاص الذين هم في سن الإنجاب. وقالت كاستيغليوني أمام جمهور من الحاضرين في لقاء للجمعية الأوروبية لعلم التكاثر البشري والأجنة: "الحل الوحيد [الذي يتيح تحقيق هذا الأمر] في الأعوام العشرين المقبلة هو زيادة الهجرة".

لجأ العديد من البلدان إلى تطبيق سياسات "مؤيدة للإنجاب" لتشجيع الناس على إنجاب الأطفال، وقد تضمن بعض هذه السياسات حوافز مالية: فالأُسر في اليابان يمكنها الحصول على دفعات لمرة واحدة ومخصصات شهرية لكل طفل، وذلك في إطار مخطط مددته الحكومة اليابانية مؤخراً. وقد طبقت أستراليا، في خطوة مماثلة، ما يسمى "منحة المولود".

تقول تشامبرز: "هذه الحلول غير ناجعة. فمع أنها قد تؤثر في توقيت الولادات والفترات الفاصلة بينها، فإن أثرها قصير الأمد. وهم مجبرون: حيث تؤثر سلباً في المساواة بين الجنسين والحقوق الإنجابية والجنسية".

اقرأ أيضاً: لأول مرة: ولادة أطفال حملتهم أمهاتهم بمساعدة روبوت

غير أن السياسات الصديقة للأسرة يمكن أن تنجح. ففي الماضي، كان التراجع في معدلات الخصوبة مرتبطاً بزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة. غير أن هذا لم يعد صحيحاً بعد الآن. ففي الوقت الحالي، يرتبط ارتفاع معدلات توظيف الإناث بارتفاع معدلات الخصوبة، وفقاً لتشامبرز. وقد قالت في اللقاء: "تزداد الخصوبة عندما تجمع النساء بين العمل والحياة العائلية على قدم المساواة مع الرجال". يمكن للمساواة بين الجنسين، إلى جانب السياسات التي تدعم الوصول إلى رعاية الأطفال وإجازات الأبوة، أن تحدث أثراً أكبر بكثير.

هذه السياسات لن تحل مشاكلنا كلها. لكن علينا أن نعترف بأن التكنولوجيا وحدها لن تحل أزمة الخصوبة. وإذا كان الحل يتضمن تحسين المساواة بين الجنسين، فمن المؤكد أن هذا مربح للطرفين.