الأسئلة الكبرى: كيف بدأت الحياة؟ الذكاء الاصطناعي يساعد في استكشاف الإجابة

10 دقيقة
الأسئلة الكبرى: كيف بدأت الحياة؟ الذكاء الاصطناعي يساعد في استكشاف الإجابة
مصدر الصورة: آرييل ديفيس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تمثل بداية الحياة موضوع أحد أكبر الأسئلة وأكثرها صعوبة في العلم، وكل ما نعرفه حتى الآن هو أن شيئاً ما حدث على الأرض منذ أكثر من 3.5 مليارات سنة، ومن المحتمل أنه حدث أيضاً في عوالم أخرى بالكون.

لكننا لا ندري ماذا حدث بالفعل. فعلى نحو ما، يجب على خليط غير حي من المواد الكيميائية مثل الماء والميثان أن يتفاعل وينظّم نفسه، ويزداد تعقيداً واتساقاً مع مرور الوقت، إلى أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل خلية حية.

يمثّل حجم هذه المعضلة أحد أكبر الصعوبات المتعلقة بها، فحتى أكثر أنواع البكتيريا بساطة تتضمن أكثر من 100 جين، وتحتوي على المئات من الأنواع المختلفة من الجزيئات، التي يتفاعل بعضها بعضاً بنشاط في رقصة مجهرية محمومة. من المؤكد أيضاً أن البيئة على الأرض البدائية كانت معقدة، وتتضمن عدداً ضخماً من المواد الكيميائية المختلفة، بدءاً من المعادن والمواد المعدنية وصولاً إلى الماء والغازات، وجميعها معرضة لتأثيرات الرياح والانفجارات البركانية.

يقول الكيميائي في جامعة رادبود في مدينة نيميخن بهولندا، ويلهيلم هاك: “إن فضاء المعامِلات التجريبية فائق الاتساع”.

والآن، يعمل بعض الباحثين على تجربة طريقة جديدة، وهي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الشروط المطلوبة. وقد بدأت عدة مجموعات، على وجه الخصوص، باستخدام أدوات التعلم الآلي القادرة على كشف الأنماط في مجموعات البيانات التي لا يستطيع العقل البشري استيعابها بسبب ما تتسم به من حجم وتعقيد هائلين.

يأمل الباحثون في أن هذه الأدوات ستساعدهم خلال عدة سنوات على تحقيق إنجازات تستغرق عقوداً عند الاعتماد على طرق أخرى. ويمكن أن تساعد هذه الأدوات على وضع نظرية شاملة لأصول الحياة، بحيث تنطبق على كوكب الأرض والكواكب الأخرى أيضاً، وذلك من خلال الإشارة إلى أسرع العمليات الرامية إلى توليد التعقيد، وأكثرها استقراراً. لا يزال هذا العمل في بدايته، لكن الباحثين تمكنوا من تحقيق تقدم ملموس.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد ذكاء اصطناعي قادر على تركيب البروتينات على اكتشاف علاجات ومواد جديدة؟

تشكيل الحياة بدءاً من نقطة الصفر

تتمحور معضلة أصل الحياة، جزئياً على الأقل، حول الكيمياء: فما هو المزيج المطلوب لتشكيل الحياة وضمن أي ظروف؟ يقول الكيميائي في جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة، ليروي كرونين الملقّب بـ “لي”: “سيتكفل علم الكيمياء بالإجابة عن هذا السؤال، وهو أحد أكثر الأسئلة التي طرحتها البشرية عمقاً”.

انطلقت دراسة أصول الحياة بتجربة نُشِرت عام 1953. فقد عمد طالب الدراسات العليا ستانلي ميلر، تحت إشراف الكيميائي هارولد أوري، إلى مزج الماء مع ثلاثة غازات في دوارق زجاجية، وبعد ذلك، سخنها وعرّضها إلى صعقات كهربائية تحاكي البرق الذي افترض أنه كان يضرب الأرض اليافعة على نحو متكرر. خلال عدة أيام، أدّت هذه التجربة إلى إنتاج الغليسين (glycine)، وهو أبسط الحموض الأمينية، وأحد المكونات الأساسية في تشكيل البروتينات.

وعلى حين لم تؤدِ تجربة ميلر إلى إنتاج الحياة أو أي شيء قريب منها، فقد تحولت إلى تجربة شهيرة لأنها أُجرِيت دون إشراف نسبياً: فقد اكتفى ميلر بإعداد التجربة، وتركها وشأنها. كان الهدف محاكاة الظروف على الأرض اليافعة، حيث لم يكن هناك أي مواد كيميائية اصطناعية لتوجيه التفاعلات الكيميائية للحصول على النتيجة “الصحيحة”. لكن، ومن ناحية أخرى، كانت الواقعية المميزة لهذه التجربة مشكلة بحد ذاتها، فقد أدّت إلى إنتاج عدد كبير من المواد الكيميائية، ما يجعل التعرف عليها جميعاً وفهم كيفية تشكلها يكاد يكون مستحيلاً.

وهكذا، خضع الكثير من التجارب اللاحقة في مجال الكيمياء “الممهدة للحياة” (prebiotic) لدرجة أعلى من التحكم. وقد نجحت هذه التجارب في إنتاج الكثير من الحموض الأمينية، والسكريات، وغيرها من المواد الكيميائية المقترنة بالحياة. لكن، ليس من الواضح إن كان بالإمكان حدوث هذه التفاعلات الخاضعة لدرجة عالية من التخطيط والإشراف دون تدخل بشري، ما يعني أنها قد لا تستطيع تقديم أي معلومات لنا حول الأرض البدائية. ما يرغب فيه الباحثون هو طريقة تُتيح العودة إلى تجربة ميلر، والعثور على أساليب أفضل لدراسة ما يحدث في الخلائط المعقدة غير الخاضعة للإشراف.

اقرأ أيضاً: شركة مصرية تطور نموذجاً مبتكراً للذكاء الاصطناعي يتحدث لغة البروتينات

وهنا يأتي دور التعلم الآلي. لقد طُبِّقَت هذه التكنولوجيا من قبل على معضلات بيولوجية أخرى، وعلى وجه الخصوص، نجح نظام ألفافولد (AlphaFold) من جوجل ديب مايند (Google DeepMind) في التنبؤ بالأشكال المطوية الثلاثية الأبعاد للآلاف من البروتينات. ولتحقيق هذا الهدف، عمد مصممو ألفافولد أولاً إلى تدريبه على البنى المعروفة للكثير من البروتينات. وبعد أن تعلم النظام أنماط أشكال البروتينات، أصبح قادراً، وبدقة عالية، على التنبؤ ببنى البروتينات الأخرى التي لم تُدرَس بعد.

وقد نفذت بيتول كاسار مع عددٍ من زملائها دراسة مماثلة في جامعة ويسكونسن-ماديسون ونُشِرت التفاصيل عام 2022. كانت المجموعة تحاول إعادة بناء التاريخ التطوري للبروتينات التي تحمل اسم الرودوبسينات (rhodopsins)، والتي تستخدمها البكتيريا لامتصاص الطاقة من الضوء. وعلى وجه الخصوص، كانت المجموعة تريد تحديد أنواع الضوء التي كانت أول أنواع الرودوبسينات تمتصها، حيث يشير هذا إلى طبيعة البيئة التي تطورت فيها.

ومن خلال مقارنة الجينات التي تحمل رموز الرودوبسينات في الميكروبات ذات القرابة البعيدة، تمكن الباحثون من وضع تصورات تقديرية حول سلاسل جينات الرودوبسينات الأقدم، وهي جينات لم تعد موجودة اليوم. إضافة إلى هذا، استنتج الباحثون أن هذه البروتينات الرودوبسينية كانت متوافقة مع ترددات ضوئية محددة، وقد اكتشفوا هذا الأمر من خلال استخدام تقنية تعلم آلي طوّرتها مجموعة أخرى، وهي قادرة على التنبؤ بالحساسية الضوئية للرودوبسينات الحالية. استخدم فريق كاسار التعلم الآلي لإثبات أن الروبودسينات البدائية كانت حساسة تجاه الضوء الأخضر على وجه الخصوص. ويشير هذا إلى أن الميكروبات التي كانت هذه البروتينات جزءاً منها كانت تعيش تحت الماء على مسافة قصيرة من السطح، حيث كان الماء يحجب الترددات الضوئية الأخرى. وهو ما يتوافق مع أدلة أخرى حول نشأة الحياة.

دراسة الفوضى

ماذا عن تلك الخلائط المعقدة من المواد الكيميائية؟ ابتكر المختص بالمواد الكيميائية الاصطناعية في معهد العلوم الأساسية في أولسان في جمهورية كوريا، بارتوس غريباوسكي، إحدى الطرق المتبعة لفهم ما يحدث في هذه الخلائط، وذلك في إطار دراسة نُشِرت عام 2020.

جمع الفريق بيانات حول الكيمياء الممهدة للحياة من العشرات من الأوراق البحثية المنشورة منذ تجربة ميلر في 1953، وتتضمن كلٌّ منها عدداً صغيراً من التفاعلات. بعد ذلك، دمج الفريق هذه المعلومات ضمن قاعدة بيانات واحدة، وذلك لبناء شبكة من التفاعلات. بعد ذلك، كتب الباحثون برنامجاً حاسوبياً للتنبؤ بتفاعلات جديدة، وذلك بناءً على أنواع التفاعلات التي يمكن أن تحدث بين أنواع مختلفة من المواد الكيميائية.

وبدءاً من ست مواد أولية بسيطة، بما فيها الماء والأمونيا، بيّن الباحثون إمكانية تشكيل عشرات الآلاف من المواد الكيميائية ضمن ظروف سهلة، بما فيها الكثير من المواد الموجودة في الكائنات الحية. أمّا الأهم من هذا فهو أن البرنامج تمكن من التنبؤ بتفاعلات لم تُكتَشَف من قبل، وقد أجرى الباحثون بعضاً منها بعد ذلك. بين عشية وضحاها، تمكن الباحثون من كشف مجموعة من التفاعلات الكيميائية الجديدة التي من المحتمل أنها كانت مهمة في نشأة الحياة.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع الشريك المؤسِّس لـ «جيكس أيه آي»: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحرير العقود؟

لم يكن من الممكن إجراء هذه الدراسة دون البرنامج الحاسوبي. يقول غريباوسكي: “لن يتمكن أي بشري من وضع خريطة لشبكة مؤلفة من عشرات أو آلاف أو ملايين الروابط”. لكنه يشدد على أن البرنامج نتاج عمل مختصين بالكيمياء، وهو مصمم للالتزام بقواعد محددة. ويقول: “لن أطلق على برنامجنا اسم نظام ذكاء اصطناعي”، بل هو بالأحرى “نظام هجين”.

على الرغم من التنبؤات الصحيحة لشبكة التفاعلات التي صممها غريباوسكي، فإنها لا تزال أقرب إلى عمل نظري. فنحن أيضاً في حاجة إلى تحديد سرعة كلٍّ من هذه التفاعلات، ومدى تأثير النواتج الثانوية من التفاعلات السابقة على التفاعلات اللاحقة. وقد بدأ هاك، الكيميائي من جامعة رادبود في هولندا، بالعمل مع زملائه على معالجة هذه المسألة بالاستعانة بالتعلم الآلي.

وفي دراسة نُشِرت عام 2022، أجرى فريق هاك تفاعل الفورموز (formose reaction)، الذي يؤدي إلى تشكيل السكريات من الجزيئات الكربونية البسيطة. وبما أن أحد السكريات، المُسمّى الريبوز منقوص الأوكسجين (deoxyribose)، يدخل في تشكيل الحمض النووي الريبي، فإن تشكيل السكريات يمثّل إحدى الخطوات الأولى المهمة في نشأة الحياة. يؤدي تفاعل الفورموز إلى تحقيق هذا الغرض، لكن لا بُدَّ من الانتباه إلى مسألة مهمة. فهذا التفاعل يميلُ إلى اتخاذ شكل “انفجار اندماجي” كما يقول هاك، حيث ينتج العشرات أو المئات من النواتج، التي تتباين إلى حد كبير وفقاً للظروف المحددة للتفاعل.

أجرى فريق هاك هذا التفاعل في حجيرات تدفق صغيرة لإبقائه تحت السيطرة. وطبّقوا ظروفاً مختلفة على هذه التفاعلات، بما فيها درجة الحرارة وكميات المواد الكيميائية المختلفة، وبعد ذلك أوقفوا التفاعل بعد تشكل بضع عشرات من المواد الكيميائية، وحللوا المزيج الناتج.

تحدد ظروف البيئة المحيطة، مثل درجة الحرارة، النواتج التي تتشكل في التفاعل، كما يقول هاك، غير أن طبيعة هذا التأثير أو سببه غير واضحين، ففي بعض الأحيان، تؤدي التغيرات الصغيرة في الظروف إلى أثر صغير، على حين تؤدي في أحيان أخرى إلى نواتج مختلفة كلياً. وهنا يأتي دور التعلم الآلي، فبعد مرحلة من التدريب، تمكن البرنامج من التنبؤ بنواتج التفاعلات. وهو ما يقربنا أكثر من تحقيق هدف استيعاب الظروف التي أحاطت بعملية تشكل السكريات في الأرض البدائية.

اقرأ أيضاً: كيف يرى سام ألتمان مستقبل البشرية مع الذكاء الاصطناعي؟

يمثّل تحديد الظروف البيئية وغيرها من المعاملات التي كانت موجودة في ذلك الوقت إحدى أكبر المشكلات في أبحاث نشأة الحياة، كما يقول مختص النمذجة الحاسوبية في جامعة ووهان في الصين، وينتاو ما. ويمكن لبعض التقنيات، مثل التعلم الآلي، أن يساعد على تقليل الاحتمالات الممكنة. في دراسة تعود إلى عام 2021، أجرى “ما” وزملاؤه عملية محاكاة لمزيج من الحموض النووية. وتمكن الباحثون، باستخدام التعلم الآلي، من العثور على الظروف المثالية لنشأة الحموض النووية التي يمكن أن تسرّع تشكيل عناصرها المكونة لها، وهي نوع من أنواع الحلقة المفرغة التي تعتمد عليها الحياة.

وأخيراً، يمكن للتعلم الآلي أيضاً أن يساعد على تصميم عمليات محاكاة عالية الدقة للآليات المحددة لحدوث التفاعلات الكيميائية، وهو أمر في غاية الأهمية لتحديد إمكانية حدوثها أو عدم حدوثها. أمّا الأدوات الأساسية في هذه العملية فهي النماذج الحاسوبية التي تحاكي الذرات جميعها في الخلائط، عندما تتصادم وتتفاعل مع بعضها بعضاً. يقول مختص النمذجة في جامعة السوربون في باريس، تيموثي ديفيرن: “عند إجراء المحاكاة، يمكننا الوصول إلى سلوك النظام على المستوى المجهري”.

لكن عمليات المحاكاة “الذرية” هذه سرعان ما تتحول إلى عمليات تستغرق الكثير من الوقت. فكل تفاعل إفرادي بين الذرات يتطلب حل معادلات معقدة. ولهذا، كانت عملية محاكاة الخلائط المعقدة الموجودة على الأرض البدائية صعبة للغاية. ولهذا، كانت تجارب الكيمياء الممهدة للحياة أقرب إلى الصندوق الأسود، فنحن نستطيع رؤية النتائج، لكن ما يحدث بالضبط يبقى لغزاً مبهماً.

يعمل ديفيرن على استخدام التعلم الآلي لحل هذه المشكلة. ففي 2007، طوّر باحثون من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ بسويسرا شبكة عصبونية قادرة على تعلم الحلول الأقرب إلى الصحة للمعادلات الضرورية، وهو ما أدّى إلى تسريع الحسابات بعدة مئات من المرات. حالياً، يعمل ديفيرن مع زملائه على تطبيق هذه الطريقة على الكيمياء الممهدة للحياة.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع الرئيس التنفيذي لجوجل سوندار بيتشاي حول نموذج جيميني ومستقبل الذكاء الاصطناعي

ولإثبات صحة الفكرة، استخدم الباحثون -في دراسة نُشِرت عام 2022– التعلم الآلي لمحاكاة التفاعلات التي تؤدي إلى تشكيل الغليسين في تجربة ميلر، وهي عملية تمكن مشرف ديفيرن سابقاً من محاكاتها من دون التعلم الآلي. أدّت الشبكة العصبونية إلى تخفيض زمن الحسابات بنسبة تتراوح من 10% و50%. وقد نُشِرت نتائج مماثلة من مجموعة أخرى قبل إخضاعها للتحكيم العلمي عام 2022.

مَا الفائدة؟

يجتمع الأشخاص جميعهم الذين تواصلنا معهم فيما يخصُ كتابة هذا المقال على أن استخدام التعلم الآلي وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث عن نشأة الحياة لا يزال في مراحله الأولى. ويشعر البعض بالقلق إزاء المبالغة في الضجيج الإعلامي والحماسة بشأن هذا النهج.

تقول عالمة الحوسبة في جامعة إدنبره، فالنتينا إيراستوفا: “لن تستطيع هذه الطريقة تقديم معلومات جديدة لنا، لأنها تعرف فقط ما لقمناها به”. وتُضيف قائلة إن أدوات التعلم الآلي تستطيع تقديم تنبؤات دقيقة فقط بعد تلقيمها بكميات هائلة من البيانات العالية الجودة: “يمكن لهذه الأساليب أن تُبيّن الأنماط والروابط، لكن هذه الأنماط التي تظهرها تتأثر بطريقة التدريب بالكامل”.

من الواضح على الأقل أن أدوات الذكاء الاصطناعي وما يشابهها يمكنها تسريع عمل شاق يتطلب جهداً مضنياً ووقتاً طويلاً عند الاعتماد على أساليب أخرى. على سبيل المثال، وصف فريق كرونين في 2018 روبوتاً يستطيع إجراء التجارب الكيميائية وتحليلها على نحو أسرع من البشر. ويستخدم هذا الروبوت التعلم الآلي لتقييم تقدم التفاعلات في الزمن الحقيقي، وللتنبؤ بالخلائط التي ستتفاعل أو التي لن تتفاعل.

اقرأ أيضاً: كيف واجه تطبيق صوتِك لتحويل الكلام الصوتي إلى نص منسَّق تحديات اللغة العربية؟

لقد أمضى كرونين عدة سنوات في رقمنة الكيمياء، ويخطط لاستخدام هذه الأنظمة في إجراء التجارب في مجال الكيمياء الممهدة للحياة واكتشاف مسارات نشأة الحياة. ويقول إنه يرغب في تصميم “ألفاسوب” (أو ألفا الحساء، في إشارة إلى خلائط المواد الكيميائية)، على نحو مستوحى من ألفافولد.

تكمن قوة التعلم الآلي في قدرته على كشف الأنماط في مجموعات البيانات الضخمة التي يعجز البشر عن معالجتها بأنفسهم. يقول هاك: “يمكن بهذه الطريقة كشف الأنماط في الخلائط المعقدة، وتحديد العمليات التي تحدث، والتي لا يستطيع الباحثون كشفها بأنفسهم. تمثّل العوامل المساهمة في هذه التفاعلات فضاءً متعدد الأبعاد إلى درجة تجعل اكتشاف الأنماط مستحيلاً”.

يأمل الباحثون في أن هذه الأساليب ستمكّنهم أخيراً من استيعاب ما يحدث في الخلائط المعقدة المتفاعلة، مثل تلك التي كانت موجودة على الأرض البدائية. يقول ديفيرن: “ستُتيح هذه التكنولوجيا دراسة أنظمة أكبر بكثير مما كان ممكناً من قبل”.

ويبقى هناك سؤالٌ أخير. لنفترض أن إحدى التجارب نجحت، وأن أحد المختصين بالكيمياء الحيوية تمكن من تركيب نمط بسيط من الحياة في المختبر، أو لنفترض أن المركبة الجوالة بيرسيفيرينس تمكنت من اكتشاف حياة ميكروبية فضائية على المريخ، كيف سنعرف أن ما توصلنا إليه ينبض بالحياة حقاً؟

يقول المختص بالكيمياء الأرضية في جامعة هاورد في واشنطن العاصمة، جيم كليفز: “هذه معضلة قديمة في مجال الكيمياء الأرضية. كيف نجزم بأن شيئاً ما حي أمْ غير حي؟”

اقرأ أيضاً: كيف يساعدنا الذكاء الاصطناعي في حماية الحياة البرية؟

بالنسبة لكرونين، تكمن الإجابة في “نظرية التجميع“. ويقول وزملاؤه إن الخاصية التي تُميّز الحياة هي إنتاجها أعداداً كبيرة من العناصر الفائقة التعقيد. ويعرّف الباحثون درجة تعقيد الشيء بعدد الخطوات اللازمة لتشكيله. في دراسة تعود إلى عام 2021، قدّم الباحثون أدلة على أنهم تمكنوا من التمييز بين عينات ناتجة عن الحياة وعينات ناتجة دونها، وذلك بناءً على درجة تعقيد الجزيئات. وقد استُخدم التعلم الآلي لتسريع عملية التحليل.

وفي دراسة نُشِرت في سبتمبر/ أيلول، استخدم كليفز وزملاؤه التعلم الآلي بطريقة أقرب إلى الطريقة المباشرة. فقد دربوا شبكة عصبونية على مجموعة واسعة من المواد، بما فيها الأرز البسمتي والفحم والسجيل الزيتي. وبعد ذلك، تمكنت الشبكة من التمييز بين العينات الحيوية وغير الحيوية بدقة 90%. استخدم نظام الذكاء الاصطناعي معياراً مختلفاً بعض الشيء عن معيار كرونين، فقد ركّز على المزيج الإجمالي من المكونات الكيميائية ضمن العينة، وفقاً لكليفر، بدلاً من تعقيد كل عنصر على حدة. ويقول: “إنها أفكار متكاملة”.

يقول كليفر إن هذه الأساليب قابلة للتطبيق على البيانات التي ترسلها المسابر الفضائية، مثل مركبات ناسا الجوالة على المريخ. وعلى سبيل المثال، تحمل المركبة الجوالة كيوريوسيتي جهازاً يحمل اسم جهاز تحليل العينات على المريخ (سام SAM اختصاراً) لإجراء عمليات التحليل الكيميائي بأساليب مماثلة للأساليب التي يستخدمها فريقه. ومن خلال تعديلات بسيطة، “يمكن تنفيذ هذا العمل على الفور”، كما يقول.

اقرأ أيضاً: إعادة ستيف جوبز إلى الحياة بواسطة الذكاء الاصطناعي: عمل إبداعي أم مشكلة أخلاقية؟

في هذه الأثناء، يواصل الباحثون من أمثال كرونين وهاك إجراء الدراسات على الكيمياء الحيوية المتعلقة بالأرض البدائية. يقول كرونين: “أعتقد أننا سنتمكن من استخدام تقنيات التعلم الآلي، مثل ألفافولد، لكن سيتعين علينا إعادة تدريبها على التعامل مع الخلائط الكيميائية. نحن في حاجة إلى تصميم ألفاسوب، وإذا كنا سنصنع ألفاسوب، فيجب أن نسارع إلى بذل أقصى جهودنا لتحقيق هذا الهدف”.