مقابلة مع الشريك المؤسِّس لـ «جيكس أيه آي»: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحرير العقود؟

6 دقائق
مقابلة مع الشريك المؤسِّس لـ «جيكس أيه آي»: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحرير العقود؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ TSViPhoto
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ظل المشهد التكنولوجي السريع التطور، وصل الذكاء الاصطناعي إلى مجالات كان من الصعب تصور أن تكون للتكنولوجيا قدرة على فهمها، بالإضافة إلى إعادة تشكيلها بالكامل. أحد هذه المجالات هو القطاع القانوني، وبشكلٍ أكثر تحديداً صياغة العقود والمستندات القانونية ومراجعتها وتحسينها.

جيكس أيه آي: مساعد ذكاء اصطناعي يؤدي 80% من العمل اليدوي

قد تكون أيام المراجعة المضنية للعقود المطولة سطراً بسطر على وشك الانتهاء، بحسب ما يَعد به مشروع جيكس أيه آي (GexAI)، الذي يسعى للاستفادة من النماذج اللغوية الكبيرة لتحرير العقود بشكلٍ ذكي وسريع وخلال “دقائق وليست أيام”.

يشير الموقع الرسمي للمشروع إلى أن المساعد الذكي الذي يقدّمه يوفّر على المستخدمين ما يصل إلى 80% من الجهد والتكلفة، ما يُتيح لهم التركيز على مهام أخرى أكثر أهمية.

لاستكشاف المزيد حول أوجه التقاطع بين القانون والذكاء الاصطناعي، أجرت إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية مقابلة مع المهندس فهد الحازمي، المؤسِّس المشارك لـ “جيكس أيه آي”، للحديث حول الكيفية التي يسعى من خلالها مشروعه الجديد لتسخير خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتسريع عملية تحرير العقود، وإنما أيضاً لرفع مستوى جودتها ودقتها، بالإضافة إلى الحديث عن أبرز التحديات التي يواجهها المشروع والرؤية التي يسعى إلى تحقيقها.

يشغل الحازمي حالياً منصب كبير مهندسي التعلم الآلي في شركة التكنولوجيا فوكسكون، وقد حصل على درجة الدكتوراة في علم النفس والأعصاب من مجمع الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، ونشر العديد من الأبحاث في مجال تحليل بيانات علم الأعصاب ونمذجتها، كما سبق له العمل أستاذاً ملحقاً في كلية بروكلين لتدريس مبادئ الإحصاء خلال الفترة من 2018 إلى 2022، وفاز بعدة مسابقات في الذكاء الاصطناعي مثل هاكاثون ماكنزي العالمي لتحليل البيانات (2020) والمجتمع السعودية لتحليل البيانات (2020).

اقرأ أيضاً: لماذا لا نستطيع اختبار النماذج اللغوية بالطريقة التي نختبر بها الذكاء البشري؟

وفيما يلي نص المقابلة التي عُدِلت بشكلٍ طفيف لأغراض تحريرية:

1- في البداية، هل يمكنك أن تخبرنا بالمزيد حول تخصصك ودراستك السابقة؟ وما الذي دفعك إلى إطلاق هذا المشروع الذي يستهدف استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل العقود والمساعدة على صياغتها؟

درست هندسة البرمجيات، وجذبتني مادة الذكاء الاصطناعي كثيراً إلى أن تساءلت “وماذا عن الذكاء البشري الفطري؟” فتوجهت لدراسة علم الأعصاب في مرحلة الدراسات العليا.

ولكن كلَّ مختصٍ في الذكاء الاصطناعي ومتابع للمجال بشكلٍ عام يدرك أن إطلاق بوت الدردشة “تشات جي بي تي” كان لحظة تاريخية مفصلية على مستوى التقنية بالعالم أجمع -شبيهة بلحظة انطلاق شبكة الإنترنت- وكانت بالفعل كذلك على المستوى الشخصي، حيث توجهت بعدها للتركيز على تقنيات النماذج اللغوية الكبيرة سواء في هندسة الأوامر أو في تدريب وبناء النماذج، لأنني على يقين بأن هذه التقنية جاءت لا لتبقى فحسب، بل لتشكّل معالم المستقبل، حيث لم يشهد العالم في تاريخه انتشاراً لأي تطبيق أو تقنية بشكلٍ طبيعي مثل انتشار “تشات جي بي تي”.

بعد قضاء عدة أشهر في التفاعل مع هذه التقنية وتعلمها، أدركت أن العالم غير مستعد بعد لهذه التقنية ولتبعاتها ولا للطريقة التي يمكن أن تغيّر بها من طريقة عمل الكثير من المهن المعرفية والإبداعية، ومن بينها بالطبع مهنة المحاماة.

مهنة المحاماة -بخلاف الطب أو البرمجة- تعتمد بشكلٍ كلي على اللغة البشرية استهلاكاً وإنشاءً. المحامي لا يعمل إلّا في محيط اللغة البشرية مثله مثل الكاتب. فالقوانين واللوائح والسياسات والعقود وغيرها كلها مكتوبة بطريقة تقنية متخصصة ودقيقة للغاية، وفي الوقت نفسه تعتبر المحاماة بشكلٍ عام من أعلى المهن أجراً.

هذا الخليط بين مهنة عالية الأجر والاعتماد الكلي على اللغة الطبيعية يجعلها مهنة خصبة لإعادة التشكيل تماماً بفضل تقنيات النماذج اللغوية الكبيرة. فهذه النماذج قادرة بكل مهارة على مواكبة (وربما تجاوز) فهم الإنسان للوثائق والملفات وحل المعضلات القانونية، وكل ذلك خلال ثوانٍ معدودة. والقيمة الاقتصادية المضافة للذكاء الاصطناعي هنا مهولة للغاية فضلاً عن القيمة التقنية التي نكتسبها بتبني وبناء أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي محلياً. هذا باختصار ما دفعنا أنا والشريك المؤسِّس لـ “جيكس أيه آي” المحامية منال الزهراني إلى إطلاق المشروع.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي لا يهدد وظيفتك بالضرورة لكنه سيغيرها

2- نرغب في إلقاء نظرة عامة على هذه التقنية.. كيف تعمل على تحرير العقود؟ هل يمكنك شرح الآليات الأساسية التي تمكّنها من فهم المصطلحات القانونية في ضوء الطبيعة المعقدة والدقيقة في كثير من الأحيان للغة القانون؟

بالفعل، لغة القانون بالغة التعقيد بالنسبة لعامة الناس، وهذا ما يجعل وجود تقنية مثل “جيكس أيه آي” ضرورياً لسد الفجوة، حيث نقدم في الموقع عدداً كبيراً من الخدمات النصية وخدمات الصياغة، مثل تلخيص العقود واقتراح البنود الجديدة بناءً على المواصفات المطلوبة من المستخدم، إضافة إلى تحليل الثغرات بين البنود واكتشاف نقاط التعارض بينها وتحليل مخاطرها. ما نفعله في هذه الخدمات الآن قائم على استعمال أوامر محددة نرسلها لعددٍ من مزودي خدمات النماذج الكبيرة ومن ثَمَّ نستخلص النتائج.

في الوقت نفسه، نعمل على تطوير البنية التقنية الذكية بتدريب نماذج مفتوحة المصدر لنصل إلى مرحلة نحلل فيها العقود وصياغتها دون الاعتماد على مزودي النماذج اللغوية الكبيرة.

هناك كم هائل من المعرفة الداخلية في شركات المحاماة أو الأقسام القانونية داخل الشركات والتي قد لا ترغب هذه الجهات في مشاركتها مع أي أطراف خارجية. في المستقبل القريب سندرب نماذج مخصصة لكلٍّ من شركائنا بحيث تصبح هذه النماذج قادرة على تحليل العقود والمستندات القانونية مع أخذ المعرفة القانونية الداخلية بالاعتبار، ما سينتج عنه تحول كامل في الطريقة التي يعمل بها الممارسون القانونيون.

3- وفقاً للموقع الرسمي فإن “جيكس أيه آي” على الرغم من تقدمها فإنها لا يمكنها استبدال عمل المحامين. إذاً، ما مهمتها تحديداً؟ هل يمكن اعتبارها أداة مساعدة للمحامين أمْ أن هدفها أوسع من ذلك؟ وكيف ترى تأثير مثل هذه التقنية على مهنة المحاماة مستقبلاً؟ هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يحل قريباً محل المحامين البشريين في مراجعة العقود؟

الأداة مقدمة للمحامين والممارسين القانونيين بالمقام الأول، وذلك لأننا نؤمن بأن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل هذه المهن ولكنه سيحسّن بشكلٍ كبير من أداء الممارسين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي مقارنة بمَن لا يستخدمونها.

الجانب الآخر من تقديم الخدمة للمحامين والممارسين القانونيين هو أن أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم لم تصل بعد لمرحلة آمنة تؤهّل لاستخدامها من قِبل أشخاص لا يمتلكون الخبرة لمعرفة ما إن كانت المخرجات جيدة أمْ لا. هذه النماذج اللغوية الكبيرة قادرة على إعطاء نتائج قد تبدو مذهلة للوهلة الأولى لكنها قد تكون كارثية ودون أي معنى، فهي لا تستطيع أن تقول “لا أدري” وإنما هي مصممة لتقديم الأجوبة بغض النظر عن مدى دقتها.

قد لا تبدو هذه الميزة مشكلة إذا كنت تسأل الذكاء الاصطناعي عن سر الحياة أو عن نصائح للاستيقاظ مبكراً، لكنها دون شك قد تكون لها مآلات لا يحمد عقباها إذا استُخدِمت في تحليل المستندات القانونية، حيث إن عواقب الخطأ هنا كبيرة. وهذا ما يدفعنا حالياً للتوجه للمحامين والقانونيين بالمقام الأول لاستخدام الخدمة وتحسينها لأنهم سيكونون على معرفة بما إذا كانت المخرجات غير جيدة.

ومع هذا فإننا لا نستبعد أن تتولى أدوات الذكاء الاصطناعي الكثير من المهمات القانونية الروتينية في المستقبل القريب، مثلما تفعل حالياً أدوات تصحيح الإملاء ولكن بقدرات أعلى، حيث تتولى هذه الأدوات مهمات التحليل والصياغة والمراجعة. وكما أسلفت فإن هذا يسهّل عمل القانونيين بشكلٍ كبير ويجعلهم يصرفون طاقتهم وجهدهم في الجزء الذي لا يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تنفيذه مثل التفكير النقدي وما إلى ذلك.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المحامين والقضاة؟

4- كيف يمكن ضمان دقة وموثوقية عمليات التحرير التي تُجريها الأداة على العقود، لا سيما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية -على اختلافها- لا تزال تعاني مشكلات مثل الهلوسة (Hallucination) وتزييف الحقائق؟

دون أي شك فإن الهلوسة هي إحدى أهم المشكلات القائمة، ونعتقد أن جزءاً كبيراً منها يمكن حله بإحدى طريقتين: إمّا تقديم أوامر أدق، وإمّا بترويض النماذج عبر تدريب نماذج متخصصة على المحتوى القانوني. ونحن نعمل حالياً مع شركائنا في مراجعة المخرجات كلها التي تنتجها المنصة ونتأكد من جودتها، إضافة إلى عملنا على بناء بنية تحتية تقنية لتدريب النماذج على المحتوى القانوني الخاص بالشركات بما يضمن جودة أعلى وهلوسة أقل.

5- ما الذي يُميّز مشروع الذكاء الاصطناعي الخاص بك عن الأدوات أو الخدمات الأخرى المتوفرة حالياً في السوق؟

أعتقد أننا أول خدمة تدعم اللغة العربية بشكل مرضٍ جداً. وبعيداً عن اللغة، فإن أغلب الخدمات حالياً تعتمد بالكامل على مزودين مثل شركة “أوبن أيه آي” وغيرها. ولهذا نجد أن الكثير من الشركات يعبّر عن مخاوف بشأن الخصوصية، وهو ما شكّل لنا ميزة إضافية، حيث إننا نبني البنية التقنية التي تُتيح لأي من شركائنا تدريب النماذج المفتوحة المصدر على المحتوى، بما يضمن السرية التامة لكل المعرفة والمعلومات القانونية.

على الرغم من أننا في بداية المشوار، فإنني أتصور أن هذه الميزة ستكون من أهم العوامل التي تجعل مشروع “جيكس أيه آي” مرغوباً بشكلٍ كبير مقارنة بالخدمات المتوفرة في السوق.

اقرأ أيضاً: 5 طرق تمكّنك من الوصول إلى تشات جي بي تي دون مشاركة رقم هاتفك

6- هل يمكنك مشاركة بعض التعليقات أو دراسات الحالة من العملاء الذين استخدموا نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك لتحرير العقود؟ كيف أفادهم ذلك من حيث الوقت أو التكلفة أو النتائج القانونية؟

في المراحل الأولى من بناء النظام تفاجأت شخصياً بكمية الترحيب الهائل من العاملين في القطاع القانوني الذين تعاونوا معنا في مرحلة التجارب الأولية لهذه الخدمة وخصوصاً بسبب دعم اللغة العربية، حيث ساعدهم هذا على توفير الوقت والجهد خصوصاً مع العقود القانونية الطويلة المليئة بالبنود والتي قد تتناقض مع بعضها بعضاً ويصعب بشكلٍ كبير على الممارس المبتدئ التقاط هذه التناقضات. والترحيب الذي حصلنا عليه بعد الإطلاق كان كبيراً كذلك وما زلنا نستقبل الرسائل التي تعبّر عن مدى جودة الخدمة.