مقابلة مع الرئيس التنفيذي لجوجل سوندار بيتشاي حول نموذج جيميني ومستقبل الذكاء الاصطناعي

13 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأت شركة جوجل المرحلة الأولى من إطلاق نموذج الجيل التالي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، جيميني (Gemini)، في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023. هذا النموذج هو نتاج سنوات من جهود شركة جوجل التي يشرف عليها الرئيس التنفيذي للشركة، سندار بيتشاي.

من المعروف أن بيتشاي، الذي أشرف سابقاً على تطوير متصفح جوجل كروم ونظام التشغيل أندرويد، مهووس بالمنتجات. وتوقع في أول خطاب للمؤسسين عام 2016 بصفته رئيساً تنفيذياً أن “الذكاء الاصطناعي سيحل محل الهواتف المحمولة بصفته التكنولوجيا الأهم”. أدخل بيتشاي الذكاء الاصطناعي بعمق في منتجات جوجل جميعها في السنوات التي تلت ذلك، بدءاً من أجهزة أندرويد وصولاً إلى السحابة الإلكترونية.

على الرغم من ذلك، كان منتج الذكاء الاصطناعي الأهم عام 2022 هو منتج من شركة أخرى، وهي أوبن أيه آي. سيطر إطلاق نموذجي دال-إي (DALL-E) وتشات جي بي تي 3.5 (ChatGPT 3.5) عام 2022، الذي تلاه إطلاق نموذج تشات جي بي تي 4 (ChatGPT 4) عام 2023، على هذا القطاع وحفّز سباق تسلّح بين الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا العملاقة على حدٍ سواء.

والآن، نموذج جيميني هو محاولة جوجل الأحدث للعودة إلى المنافسة. قادت مؤسسة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) جهود تطوير هذا النظام الحديث، وهي مؤسسة يرأسها ديميس هاسابيس وتجمع فِرق الذكاء الاصطناعي دُمِجت حديثاً في شركة جوجل تحت مظلة واحدة. يمكنك استخدام نموذج جيميني ضمن بوت الدردشة بارد حالياً، وسيُدمج مع منتجات الشركة خلال عام 2024.

أجرت إم آي تي تكنولوجي ريفيو مقابلة مع الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، سوندار بيتشاي، في مكاتب الشركة في مدينة ماونتن فيو عشية إطلاق نموذج جيميني لمناقشة التبعات الواضحة لهذا الإطلاق على الشركة ومنتجاتها والذكاء الاصطناعي والمجتمع.

ويمثّل النص التالي أفكار بيتشاي كما صاغها بنفسه. عُدِل الحوار للاختصار وتعزيز الوضوح.

ما الذي يجعل نموذج جيميني مثيراً للحماس؟ هل يمكنك أن تخبرني ما الصورة الشاملة حول علاقة هذا النموذج بالذكاء الاصطناعي وفاعليته وفائدته ومستقبله خلال دمجه في منتجات جوجل جميعها؟ 

سوندار بيتشاي: أحد الأسباب التي تجعل هذا النموذج مثيراً للحماس هو أنه نموذج متعدد الصيغ (Multimodal) بطبيعته في أجزائه جميعها، وهو لا يتعلّم باستخدام النصوص فقط، تماماً مثل البشر؛ إذ إنه يعتمد على النصوص والمقاطع الصوتية والرموز البرمجية. لذلك، يتمتّع هذا النموذج بإمكانات أكبر بالفطرة. وأعتقد بسبب ذلك أنه سيساعدنا على اكتشاف قدرات أحدث والإسهام في تقدم هذا المجال. هذا مثير للحماس.

وهو مثير أيضاً لأن نموذج جيميني ألترا (Gemini Ultra) هو الأكثر تقدّماً حسب 30 من أصل 32 مقياساً معيارياً من المقاييس الأهم، وخاصة في المقاييس المتعددة الصيغ، مثل معيار فهم اللغة المتعدد المهام الضخم MMLU (Massive Multitask Language Understanding)، وهو يبيّن مقدار التقدم الذي أُحرز في هذا المجال.

أعتقد شخصياً أنه من المثير أن هذا النموذج تجاوز عتبة الـ 90% وفقاً لمقياس فهم اللغة المتعدد المهام الضخم، وهو واحد من أهم المقاييس، وهذا إنجاز كبير. بلغت درجة أحدث النماذج قبل سنتين 30% أو 40% فقط وفقاً لهذا المعيار، ويبيّن ذلك مقدار التقدم الذي أُحرز في هذا المجال. يحرز الخبراء من البشر درجة تساوي 89% تقريباً عبر الموضوعات الـ 57 التي يقيّمها المعيار. ونموذج جيميني هو أول نموذج يتجاوز هذه العتبة،

أشعر بالحماس أيضاً لأن النموذج سيُدمج أخيراً في منتجاتنا، وسيصبح متوفراً للمطورين البرمجيين. هذا النموذج هو منصة. يمثّل الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في المنصات أهم من تطوير شبكة الإنترنت والهواتف الذكية. ما يعني أن نموذج جيميني يمثّل خطوة كبيرة لنا قياساً بما يمثّله الذكاء الاصطناعي بالفعل.

اقرأ أيضاً: 8 عوامل تخبرنا أن نموذج الذكاء الاصطناعي جي بي تي 4 لم يتفوق على الذكاء البشري

لنتكلم أولاً عن هذه المقاييس المعيارية. يبدو أن نموذج جيميني يتفوق على تشات جي بي تي 4 وفقاً لها جميعها، أو أغلبيتها، ولكن ليس بمقدار كبير، بينما مثّل تشات جي بي تي 4 قفزة كبيرة للأمام. هل بدأنا الاقتراب من مرحلة قصوى من التطور فيما يتعلق بإمكانات النماذج اللغوية الكبيرة أمْ تعتقد أننا سنشهد المزيد من التطور الملحوظ؟

أولاً، نحن نعتقد أن هناك إمكانية كبيرة للتطور في المستقبل. يُعد بعض المقاييس المعيارية عالياً بالفعل. وعلينا أن ندرك أننا إذا كنا نحاول الوصول إلى نسبة 85%، فقد أصبحنا رائدين في هذا المجال. لذلك، قد لا يبدو التطور كبيراً ولكننا نحرز التقدّمات دون شك. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تطوير مقاييس معيارية جديدة أيضاً، وهذا أحد الأسباب التي دفعتنا إلى النظر في مقياس فهم اللغة المتعدد المهام الضخم والمتعدد الصيغ. درجات أحدث التكنولوجيات وفقاً لبعض المقاييس أقل بكثير من درجة نموذج جيميني. هناك إمكانية كبيرة للتطوير في المستقبل، وقوانين التوسّع ستظل صحيحة. سنحرز المزيد من التقدم مع توسيع هذه النماذج أكثر. عندما أنظر للموضوع من وجهة نظر شاملة، أشعر بأننا ما زلنا في بداية الطريق.

يهمني أن أعرف ما الميزات التي تعتقد أنها غير مسبوقة في نموذج جيميني؟ وكيف يمكن تطبيقها؟

التنبّؤ بالإنجازات الثورية في هذا المجال صعب. نحن نوفّر واجهات برمجة التطبيقات، وسيتخيّل الأشخاص هذه الإنجازات بطرق عميقة للغاية.

أعتقد أن تعدد الصيغ سيمثّل نقلة نوعية، وسنحقق إنجازات غير مسبوقة أهم بينما نعلّم هذه النماذج على التفكير بطريقة أعقد. سيشهد هذا المجال المزيد من الإنجازات غير المسبوقة الأهم في المستقبل.

يمكنك أخذ نموذج جيميني برو في الاعتبار عند معالجة هذا السؤال. يتمتّع هذا النموذج بأداء جيد للغاية وفقاً للمقاييس المعيارية. ولكن عندما دمجناه مع نموذج بارد، أصبح ملموساً أكثر بالنسبة للمستخدمين. نحن نختبر هذا النموذج، ولاحظنا أن تقييمات التفضيل تحسنت في الفئات جميعها على نحو ملحوظ. ولهذا نصفه بأنه أحد أهم التحديثات الجديدة حتى الآن. لاحظنا أن هذا النموذج يتفوق على النماذج الأخرى على نحو واضح عند إجراء التقييمات والمقارنات العمياء. لذلك، ما نفعله هو أننا نطوّر النماذج التي تتمتّع بجودة أعلى وأداء أفضل وفقاً للمقاييس المعيارية. تؤدي هذه العملية إلى إحراز التقدم، وسنستمر بتدريب النماذج والتطوير بناءً على التجارب.

لكنني متشوق للغاية لدمج هذا النموذج في منتجاتنا. هذه النماذج فعّالة للغاية، ونحن نصمم منتجاتنا بطريقة تجعلها تستفيد من ميزات النماذج جميعها. سيشهد هذا المجال تطورات مثيرة خلال الأشهر القليلة التالية.

اقرأ أيضاً: ما هي نقاط قوة نموذج أمازون اللغوي الجديد أوليمبوس وهل سيتفوق على تشات جي بي تي؟

أعتقد أن الشركة تعرّضت لضغطٍ كبير بهدف إطلاق نموذج جيميني. ولدي فضول لأعرف ما تعلّمته بعد أن شهدت ما حدث خلال إطلاق نموذج تشات جي بي تي 4. ما الذي تعلمته؟ وما النُهج التي تغيّرت خلال هذه الفترة؟

تبدو هذه الجهود أنها ستسفر عن النتائج بالتأكيد. عليك أن تفكّر بعمق في هذا التحول نحو الذكاء الاصطناعي، وبأننا ما زلنا في المراحل الأولى. هناك الكثير من الفرص أمامنا،

ولكن لأجيب عن سؤالك بدقة، فالمجال الذي نحرز التقدمات فيه غني للغاية. هناك مكوّنان علمي وأكاديمي؛ إذ نُشر العديد من الأبحاث والدراسات عن الذكاء الاصطناعي فُحصت فيها آلية عمل النماذج مثل تشات جي بي تي 4 في الواقع. تعلمنا ما يجب تعلمه من هذه الأبحاث؛ السلامة هي من العوامل المهمة. وهناك تقنيات تضمن السلامة في نموذج جيميني تعلّمنها وطوّرناها بناءً على آلية عمل النماذج اللغوية الكبيرة في العالم الحقيقي.

تبيّن هذه الأبحاث أهمية عوامل مختلفة مثل الضبط الدقيق. أحد الإنجازات التي حققناها باستخدام نموذج ميد-بالم 2 (Med-PaLM 2) هو أننا ضبطنا هذا النموذج بدقة ليعمل ضمن مجال محدد وأثبتنا أنه يتفوق في الأداء على أحدث النماذج. تعلّمنا بذلك فاعلية الضبط الدقيق للنماذج،

طبّقنا العديد من هذه الخبرات التي اكتسبناها في أثناء تطوير نموذج جيميني. أحد الأسباب التي أدّت إلى تأخير إصدار نموذج جيميني ألترا [الإصدار الأكثر تقدماً من نموذج جيميني الذي سيُطلق في 2024] هو حرصنا على التأكد أننا نختبره بدقة لضمان عامل السلامة. ولكننا نضبطه بدقة أيضاً لكشف إمكاناته الحقيقية.

بعد إصدار بعض أدوات الذكاء الاصطناعي، يبدأ المستخدمون اختبار هذه الأدوات ويلاحظون أنها تهلوس أو تكشف بعض البيانات الخاصة التي تدرّبت النماذج التي تعتمد عليها الأدوات باستخدامها. أتساءل إن كانت هذه السمات متأصلة في التكنولوجيا، وذلك بسبب نوع البيانات التي تدرّبت باستخدامها، وإن كان ظهورها نتيجة حتمية. إذا صح ذلك، فما الإجراءات التي يجب اتخاذها للحد من تأثير هذه المشكلات؟

أنت محق. ولا يزال البحث مستمراً في هذا المجال. في الواقع، نشرنا مؤخراً ورقة بحثية تبيّن كيف يمكن أن تكشف هذه النماذج بيانات التدريب التي استخدمتها من خلال سلسلة من الأوامر النصيّة. مشكلة الهلوسة لا تزال بلا حل. وأعتقد أن الشركات جميعها في هذا القطاع تحرز التقدمات نحو حلها، على الرغم من أنه هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث واتخاذ المزيد من الإجراءات. هناك قيود جوهرية يجب علينا التخلص منها. على سبيل المثال، ما فعلناه في أثناء تطوير نموذج جيميني ألترا هو أننا سمحنا للمخترقين من أطراف ثالثة باستخدامه، وهم متخصصون في كشف عيوب هذه النماذج.

نسعى في بعض النواحي مثل تعدد الصيغ إلى أن نكون واثقين ومسؤولين. سنتوخى المزيد من الحذر مع إصدار الأدوات المتعددة الصيغ، وذلك لأن احتمال إساءة الاستخدام يزيد في هذه الحالة.

لكنك محق من ناحية أن هذه التكنولوجيا لا تزال قيد التطوير، وهذا ما يجعل تطبيق النماذج اللغوية الكبيرة في المجالات جميعها غير منطقي. لهذا السبب، نتوخى الحذر حالياً في مجال البحث حول طريقة استخدام هذه النماذج والمجالات التي علينا استخدامها فيها والحالات التي يمكن استخدامها فيها. تتمتّع هذه النماذج بقدراتٍ مذهلة ولكنها تعاني أوجه القصور أيضاً، والتغلّب على هذه الأوجه هو المهمة الشاقة التي علينا إنجازها جميعاً.

هل تعتقد أن المشكلات مثل الهلوسة وكشف بيانات التدريب ستُحل في النهاية؟ 

مشكلة الهلوسة لم تُحل بعد في النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) التي تعمل بالتراجع الذاتي (auto-regressive)، ولكن قد تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية مختلفة عن تلك المستخدمة حالياً. ما نراه الآن هو نسخة من نسخ هذه التكنولوجيا. وافتراض أن هذه المشكلة لن تُحل مثل اعتقاد الناس من قبل أنه لا يمكن صنع كمبيوتر يتّسع في الجيب. كان هناك الكثير من الأشخاص المتعنّتين في هذا المجال قبل 20 عاماً، وبالمثل هناك أشخاص يعتقدون أنه لا يمكن تصميم أنظمة أعلى جودة. لا أعتقد أن هذا صحيح. هناك بالفعل الكثير من الأبحاث التي تسعى للتوصل إلى حلول جديدة لهذه المشكلات.

اقرأ أيضاً: هلوسات الذكاء الاصطناعي: ما الذي يدفع النماذج اللغوية لاختلاق المعلومات؟

تحدّثت عن عمق التحول نحو الذكاء الاصطناعي. لم تساعد التحولات الأخيرة، مثل التحول نحو استخدام الهواتف الذكية، على زيادة الإنتاجية التي اتسمت بالانخفاض خلال فترة طويلة. وأعتقد أن هناك حجة مفادها أن هذا التحول ربما فاقم عدم المساواة في الدخل. ما الإجراءات التي تتخذها جوجل لمحاولة ضمان أن يعود هذا التحول بالنفع على المجتمع على نطاقٍ أوسع؟

هذا سؤال مهم للغاية. وأنا أفكر فيه من عدة نواحٍ. إحدى المسائل التي ركّزنا عليها دائماً في جوجل هي كيفية توفير التكنولوجيا على أوسع نطاق ممكن، لذلك يمكنني أن أقول إنه في حالة الهواتف الذكية، فإن ما نفعله في مجال نظام أندرويد يمنح الوصول للحوسبة لمئات الملايين من الذين لن يحصلوا عليها بخلاف ذلك، ونحن نعمل جاهدين بهدف تطوير الهواتف الذكية ذات التكلفة المنخفضة التي قد تصل أسعارها لما دون 50 دولاراً.

لذلك، جعل الذكاء الاصطناعي مفيداً للجميع هو إطار العمل الذي أفكر فيه. وهذا أحد الأسباب التي تدفعنا إلى جعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في متناول يد الناس على أوسع نطاق ممكن؛ أي أننا نحاول تعزيز الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس. أعتقد أن هذا أحد النواحي.

نحن نفكّر عميقاً في تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات تفيد البشر. على سبيل المثال، أجرينا عمليات التنبؤ بالفيضانات مبكّراً لأننا أدركنا أننا نستطيع كشف الأنماط وفعل ذلك بكفاءة، نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي للترجمة ونغطّي ألف لغة، ونحاول الآن إيصال المحتوى بلغات لن تكون متوفرة لو لم نفعل ما نفعله.

لا يحل ذلك المشكلات جميعها التي تتحدّث عنها، ولكننا ركّزنا دائماً على نحو هادف على تحديد المشكلات التي نريد حلّها وما هو سياقها. خذ برنامج ألفا فولد (AlphaFold) مثالاً. وفّرنا قاعدة بيانات للفيروسات مفتوحة ومتاحة لأي شخص في العالم. ولكن الأسئلة المهمة هي مَن الذي يستخدمها أولاً؟ وما هو سياق استخدامها؟ لن يحل الذكاء الاصطناعي المشكلات الأعقد مثل عدم المساواة بطريقة سحرية، وقد يفاقمها أيضاً،

ولكن ما يهم هو ضمان أن تكون هذه التكنولوجيا متاحة للجميع، وما نفعله هو أننا نطوّرها على نحو استباقي ونمنح الأشخاص إمكانية الوصول والمشاركة في عملية التطوير حتى يتمكن المجتمع من التفكير فيها والتكيُّف معها.

وفعلنا ذلك خلال تطوير نموذج جيميني في وقتٍ أبكر بالتأكيد مقارنة بالتكنولوجيات الأخرى. كما تعلم، عُقد مؤخراً منتدى سلامة الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة، وعملت الجهات في الولايات المتحدة مع الكونغرس والهيئات الإدارية. ونحن نحاول إقامة المزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وجذب المؤسسات غير الربحية والأكاديمية في وقتٍ مبكّر.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر الصراع الأخلاقي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في إقالة سام ألتمان من منصبه؟

يجب إجراء الدراسات المفصّلة لتحديد تأثيرات هذه التكنولوجيا في المجالات مثل الوظائف، ولكن أعتقد أننا سنشهد بعض الأحداث المفاجئة. سنلاحظ العواقب الخارجية الإيجابية والسلبية المفاجئة، وستتطلب معالجة العواقب السلبية جهود عدّة شركات؛ إذ إن هذه المسؤولية تقع على أصحاب المصالح جميعهم في المجتمع. لذلك، ليس لدي أجوبة بسيطة من هذه الناحية.

يمكنني أن أذكر لك العديد من الأمثلة على الفوائد التي وفّرتها الهواتف الذكية، وأعتقد أنها نفسها ستنطبق في حالة أنظمة الذكاء الاصطناعي. أثبتنا ذلك بالفعل في الحالات مثل اعتلال الشبكية السكري. لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء في مناطق كثيرة من العالم لكشف هذا المرض.

أعتقد أن الطريقة المناسبة للتفكير في توسيع نطاق الوصول للذكاء الاصطناعي هي التركيز على أن يكون أثره إيجابياً في أي مجال يُطبّق فيه، تماماً مثل تأثير إتاحة البحث عبر جوجل للجميع.

هناك أدوات ستزيد إنتاجية المستخدمين وضوحاً. والبرمجة هي خير مثال على ذلك. مع ذلك، نشر هذه التكنولوجيا على نطاقٍ واسع هو الذي يهدد الوظائف. وحتى لو لم تصل جوجل إلى حل المشكلات جميعها في المجتمع، علماً أن مسؤولية حل مشكلات المجتمع لا تقع على عبء شركة واحدة، تستطيع شركة واحدة طرح منتج يمكن أن يحدث تغييراً كبيراً في العالم ويكون له هذا الأثر العميق. 

لم نوفّر واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بتكنولوجيا التعرف على الوجه. ولكن المبرمجين صمموا واجهاتهم الخاصة وهذه التكنولوجيا تتطور. لذلك، لا يعود هذا الموضوع لشركة واحدة أيضاً. والتكنولوجيا ستتطور لا محالة.

أعتقد أن الجواب أعقد من ذلك، يمكن أن تتخلف المجتمعات عن الركب أيضاً، قد يؤثّر عدم اعتماد هذه التكنولوجيات في التنافسية الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى خسارة المزيد من الوظائف.

أعتقد أن الحل المناسب هو تطبيق هذه التكنولوجيا بمسؤولية، وإحراز التقدم والتفكير في المجالات التي يمكن أن تتسبب فيها بضرر كبير والعمل على تخفيف هذا الضرر. ستظهر أنواع أحدث من الوظائف. هناك دراسات أجراها خبراء الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تبيّن أن أغلبية الوظائف التي استُحدِثت في العقود الخمسة أو الستة الماضية كانت في مجالات جديدة ظهرت في تلك الفترة.

ستُنشأ وظائف جديدة، وسيُحسّن بعض الوظائف أيضاً؛ إذ إن التكنولوجيا ستؤدي بعض المهام التكرارية نيابةً عن البشر بطريقة تمكّنهم من التعبير عن أنفسهم على نحو إبداعي أكثر. إذا كنت طبيباً أو متخصصاً في الأشعة أو مبرمجاً، ستتمكن من قضاء المزيد من الوقت في التفكير في المسائل الأعمق بدلاً من قضاء الوقت في إنجاز المهام الروتينية، ما سيجعل هذه الوظائف هادفة أكثر. من ناحية أخرى، هنك وظائف قد تشغلها الآلات بدل الموظفين. لذلك، المسألة التي يجب معالجتها هي كيفية إعادة تدريب الأشخاص ومنحهم مهارات جديدة وخلق الفرص في المجتمع.

اقرأ أيضاً: 4 أنواع من الوظائف لن تختفي بسبب الذكاء الاصطناعي

بيّنت لنا التقدمات عام 2022 هذا الانقسام الفلسفي في الطريقة التي يعتقد الناس أنها الأنسب للتعامل مع الذكاء الاصطناعي. هناك أشخاص يمنحون الأولوية للسلامة وآخرون يعتقدون أن حالات الاستخدام في مجال الأعمال هي الأهم، بينما هناك صراع بين الذين يدفعون تجاه تسريع تطوير هذه التكنولوجيا والمتشائمين. أنتم في وضع يفرض عليكم التوصل إلى حل لهذا الصراع الفلسفي والجمع بين الناس. وأريد أن أعرف رأيك الشخصي في محاولة الربط بين هذه الاهتمامات المختلفة في جوجل التي ستكون رائدة في هذا المجال، في هذا العالم الجديد.

أنا من المتفائلين بالتكنولوجيا. آمنت دائماً بالبشر والبشرية في حياتي الشخصية. لذلك عموماً، أعتقد أن البشر سيسخّرون التكنولوجيا ويستفيدون منها. كنت متفائلاً دائماً. أنت محق، التكنولوجيا ذات القدرات الكبيرة مثل الذكاء الاصطناعي قد تمثّل سيفاً ذا حدّين.

ما يعني أنه قد نحقق تقدماً بارزاً أحياناً، وذلك لأننا سنتمكن باعتقادي من رفع مستوى التكنولوجيا الحديثة. على سبيل المثال، إذا ساعدنا الذكاء الاصطناعي على حل المشكلات مثل السرطان أو التغيّر المناخي، يجب علينا أن نبذل ما في وسعنا لتطويره بسرعة. ولكن لا شك في أن المجتمع سيحتاج إلى إنشاء أطر عمل للتكيُّف مع الجوانب السلبية لهذه التكنولوجيا، سواء كانت أدوات التزييف العميق أو إحلال الآلات محل الموظفين. سيمثّل هذا المجال الأولوية، وهو ليس مختلفاً عن التغيّر المناخي. سيمثّل التكيُّف مع هذه التكنولوجيا واحدة من أهم المسائل التي يجب علينا حلها خلال العقد المقبل.

إحدى المسائل المهمة غير المعالجة بعد هي مسألة البُعد القانوني للذكاء الاصطناعي. طُرحت أسئلة حول الاستخدام العادل وإمكانية حماية المخرجات. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي سيؤثّر كثيراً في الملكية الفكرية. ماذا تقول للأشخاص الذين يستخدمون منتجات جوجل لمنحهم الشعور بالأمان وإقناعهم بأن ما يفعلونه لن يؤدي إلى مقاضاتهم؟

هذه مسائل ليست لها حلول بسيطة. عندما طوّرنا المنتجات مثل بحث جوجل ويوتيوب وغيرها قبل انتشار الذكاء الاصطناعي، كنا نحاول دائماً ضمان وجود فائدة متبادلة مناسبة. ولن يختلف ذلك عند تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي. نحن نركّز على ضمان أن نتمكّن من تدريب هذه الأدوات باستخدام البيانات المسموح استخدامها، على نحو متوافق مع القانون، ما يُتيح للأشخاص القدرة على الامتناع عن المشاركة في التدريب. هناك أيضاً مسألة الاستخدام العادل. من الضروري خلق فائدة لصانعي المحتوى الأصلي، هذه مسائل مهمة. وكانت شبكة الإنترنت مثالاً على ذلك. والمثال الآخر هو انتشار تكنولوجيا التجارة الإلكترونية؛ إذ طُرحت عندها مسألة حول التمييز بينها وبين التجارة العادية.

ستُطوّر أُطرٌ قانونية جديدة بمرور الوقت، وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي سأتبعها في التفكير في هذه المسألة مع تطور هذا المجال. لكن في الوقت نفسه، سنعمل جاهدين للالتزام بالقوانين وضمان إنشاء علاقات عميقة مع العديد من مقدمي المحتوى اليوم. هناك بعض المجالات التي سيكون ذلك فيها مثيراً للجدل، ولكننا نعمل على حل هذه المشكلات، وأنا مصمم على العمل بهدف التوصل إلى الحلول. يجب علينا إنشاء بيئة عمل تفيد الأطراف جميعها إذا أردنا أن ننجح في المستقبل.

إحدى المسائل التي تُثير قلق الكثيرين فيما يتعلق بالويب حالياً هي مستقبل البحث على الإنترنت. عند توفر نوع من التكنولوجيا يجيب عن أسئلة المستخدمين بناءً على معلومات من مختلف المواقع في الويب، هناك احتمالية أن يستغني هؤلاء عن زيارة هذه المواقع. ويبدو أن هذا أيضاً قد يؤثّر في جوجل. وأتساءل إن كنت تفكّر بتبعات ذلك على الشركة.

إحدى الفوائد الفريدة التي يتمتّع بها بحث جوجل هي أننا نساعد المستخدمين على العثور على موضوعات جديدة والتعلّم عنها، والعثور على الإجابات، ولكن دائماً بهدف مشاركة المعلومات الثرية والمتنوعة الموجودة على الويب معهم. سيظل ذلك قائماً بعد اعتماد الذكاء الاصطناعي، حتى عندما نمضي قدماً في جهودنا فيما يتعلق بالبحث والخبرات ذات الصلة. هذا مبدأ مهم نطبّقه في تطوير منتجاتنا. لا أعتقد أن الأشخاص يستخدمون بحث جوجل ليمنحهم أجوبة مباشرة عن أسئلتهم دائماً. قد يطرح المستخدمون بعض الأسئلة التي يرغبون في الحصول على أجوبة مباشرة لها، ولكن حتى في تلك الحالات، فهم سيتعلّمون المزيد ويتعمّقون أكثر في الموضوعات التي يبحثون فيها. نسعى دائماً لضمان أن نقدّم تجربة مفيدة للمستخدمين، ولا أعتقد أن ذلك سيتغيّر. من الضروري أن نحقق التوازن في هذه المسألة.

وبالمثل، إذا كان المنتج مفيداً للمستخدمين، فسيكون مفيداً تجارياً أيضاً. واجهنا هذه المسائل في استخدام مختلف المنتجات، من أجهزة الكمبيوتر المكتبية إلى الهواتف الذكية، وهي ليست مسائل جديدة بالنسبة لنا. أنا راضٍ بناءً على النتائج الحالية واستجابة المستخدمين للإعلانات العالية الجودة. يوتيوب هو مثالٌ جيد على ذلك، حيث أنشأنا نماذج الاشتراك، وكانت هذه النماذج فعّالة للغاية.

اقرأ أيضاً: بوت دردشة جديد من ديب مايند يعتمد على عمليات بحث جوجل وعلى البشر لتقديم إجابات أفضل

كيف ستتغير تجربة المستخدمين في العام المقبل باعتقادك عندما تصل هذه المنتجات إلى السوق بالفعل ويبدؤون التفاعل معها؟ وما النواحي التي ستتغير في تجربتهم؟

أعتقد أنه بعد مرور عام من الآن، يفترض أنه يجب على أي شخص يبدأ العمل في الأدوات مثل جوجل دوكس أن يتوقع تجربة مختلفة. وإذا استخدم الأشخاص النسخ الجديدة ثم عادوا لاستخدام تلك التي أُصدرت عام 2022 على سبيل المثال، سيشعرون بأن النسخ الأقدم متأخرة للغاية. سيشبه ذلك ما يفعله أولادي؛ إذ إنهم يعتقدون أن البرنامج معطّل إذا لم يتمكّنوا من استخدام أداة التدقيق الإملائي. ربما نتذكر أنا وأنت استخدام هذه المنتجات قبل انتشار أدوات التدقيق الإملائي. ولكن جوجل استخدمت الذكاء الاصطناعي في مجال البحث أكثر من أي شركة أخرى، وينظر المستخدمون لذلك على أنه مسلَّم به. هذا ما تعلّمته بمرور الزمن. المستخدمون ينظرون لاستخدام الذكاء الاصطناعي على أنه أمر مسلم به.

أمّا فيما يتعلق بالمهام الجديدة التي يستطيع أن ينجزها لأشخاص، فهم سيتمكنون من إجراء المهام الأعقد بطريقة لم يكن بالإمكان تطبيقها من قبل مع تطويرنا قدرات الصيغ المتعددة، وستكون هناك حالات استخدام حقيقية أكثر فائدة بكثير.