الذكاء الاصطناعي يستهلك الطاقة بشراهة فما تأثير ذلك في التغيّر المناخي؟

4 دقيقة
الذكاء الاصطناعي يستهلك الطاقة بشراهة فما تأثير ذلك في التغيّر المناخي؟
ستيفاني أرنيت / إم آي تي تي آر | Envato
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تواصل الشركات التكنولوجية عملها في دمج الذكاء الاصطناعي في مناحي حياتنا كافة. فقد استحوذ الذكاء الاصطناعي على النتائج التي يقدمها محرك البحث لدي، كما أن المساعدات الافتراضية الجديدة التي أعلنت عنها شركتا جوجل وأوبن أيه آي (OpenAI) مؤخراً جعلت العالم قريباً إلى حد مخيف من أحداث فيلم الخيال العلمي "هي" (Her)، وبأكثر من طريقة.

نظراً لأن الذكاء الاصطناعي بات أكثر اندماجاً في عالمنا، فقد تلقيت الكثير من الأسئلة حول الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية بسبب هذه التكنولوجيا. من المرجح أنك رأيت بعض العناوين الإخبارية التي تزعم أن الذكاء الاصطناعي يستهلك من الكهرباء ما يعادل استهلاك الدول الصغيرة، وأنه سيؤدي إلى انتعاش الوقود الأحفوري، وأنه بدأ منذ الآن يضغط على شبكات التغذية الكهربائية. إذاً، إلى أي حد يجب أن نقلق بسبب متطلبات الذكاء الاصطناعي بشأن الطاقة الكهربائية؟ المسألة معقدة في الواقع.

اقرأ أيضاً: هل سنقع في حب الروبوتات قريباً كما حدث في فيلم Her؟

متطلبات الذكاء الاصطناعي من الطاقة

فاستخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ بعض المهام قد يكون مكلفاً للغاية على صعيد الطاقة. ففي بعض نماذج الذكاء الاصطناعي العالية القدرة، قد يتطلب توليد صورة واحدة من الطاقة ما يكفي لشحن هاتف خلوي، كما أوضحت زميلتي ميليسا هيكيلا في مقال يعود إلى شهر ديسمبر/كانون الأول. فإنشاء 1,000 صورة باستخدام نموذج مثل ستيبل ديفيوجن إكس إل (Stable Diffusion XL)، سوف ينجم عنه إنتاج كمية من ثنائي أوكسيد الكربون تعادل ما ينجم عن قيادة سيارة تعمل بالبنزين مسافة تزيد قليلاً على 6.5 كيلومترات، وفقاً للباحثين الذين تحدثت إليهم ميليسا. لكن على الرغم من أن الصور المولدة مذهلة، ثمة الكثير من مهام الذكاء الاصطناعي التي لا تستهلك الكثير من الطاقة. على سبيل المثال، فإن توليد الصور يستهلك طاقة أكبر من الطاقة المطلوبة لتوليد النصوص بآلاف المرات. كما أن استخدام نموذج أصغر مصمم لأداء مهمة محددة، بدلاً من نموذج توليدي ضخم وشامل الأغراض، يجعله أكثر فاعلية في استهلاك الطاقة بعشرات المرات. على أي حال، تحتاج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الطاقة، ونحن نستخدم الكثير من هذه النماذج.

يمكن أن يصل استهلاك مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة من الطاقة الكهرباء في 2026 إلى ضعف المستويات المسجلة عام 2022، وفقاً لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة. وقد شكلت هذه التكنولوجيات مجتمعة نحو 2% من الطلب العالمي على الكهرباء في 2022. من الجدير بالذكر أن هذه الأرقام لا تقتصر على الذكاء الاصطناعي فقط، فمن الصعب أن نحدد بدقة إسهام الذكاء الاصطناعي في الاستهلاك، ولهذا يجب ألا ننسى هذا الأمر عندما نرى توقعات بشأن الطلب على الكهرباء الناجم عن مراكز البيانات. ثمة مجال كبير من الارتياب في توقعات الوكالة الدولية للطاقة، وذلك اعتماداً على عوامل مثل مدى تسارع انتشار هذه الأنظمة، ومدى فاعلية عمليات الحوسبة.

استهلاك للطاقة يعادل استهلاك دُول

في الحد الأدنى، يمكن لاستهلاك هذا القطاع أن يزداد بمقدار 160 تيرا واط ساعي بحلول عام 2026. أما فيما يخص الحد الأعلى، فقد يصل هذا الرقم إلى 590 تيرا واط ساعي. ووفقاً للتقرير، فإن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والعملات المشفرة قد تؤدي معاً على الأرجح إلى إضافة "ما يكافئ استهلاك دولة مثل السويد على الأقل أو دولة مثل ألمانيا على الأكثر" إلى الطلب العالمي على الكهرباء. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يزداد الطلب العالمي الإجمالي على الطاقة بمقدار 3,500 تيرا واط ساعي خلال الفترة نفسها، ولهذا فإن استهلاك الحوسبة بعيد كل البعد عن الرقم الإجمالي، على الرغم من أنه يمثل جزءاً من الطلب لا يمكن تجاهله.

اقرأ أيضاً: ما هي محطات الطاقة الافتراضية؟ وكيف ستُعيد رسم ملامح مستقبل نظام الطاقة؟

على سبيل المثال، سيكون القطاع الصناعي والسيارات الكهربائية مصدرين يتسببان بنمو أكبر في الطلب على الكهرباء مقارنة بمراكز البيانات في الاتحاد الأوروبي. على الرغم من هذا، يشير بعض شركات التكنولوجيا الكبرى إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعوق تحقيق أهدافها المناخية. فقد تعهدت شركة مايكروسوفت منذ 4 أعوام بخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة إلى الصفر (أو أقل من ذلك حتى) بحلول نهاية هذا العقد. لكن أحدث تقارير الاستدامة للشركة يبين أن انبعاثاتها ما زالت بدلاً من ذلك في تصاعد مستمر، ويشير بعض المسؤولين التنفيذيين إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه المتسبب بهذه الزيادة. "في 2020، كشفنا النقاب عما أطلقنا عليه اسم "مشروعنا الكربوني الطموح". لكن هذا كان قبل النمو الحاد الذي شهده الذكاء الاصطناعي"، كما قال رئيس مايكروسوفت، براد سميث، في مقابلة مع مجلة بلومبرغ غرين (Bloomberg Green).

لكن ما وجدته مثيراً للاهتمام هو أن استهلاك الذكاء الاصطناعي من الكهرباء ليس المتسبب في ارتفاع انبعاثات مايكروسوفت، من الناحية النظرية على الأقل. فلدى الشركة اتفاقيات سارية، كما أنها تشتري أرصدة الطاقة المتجددة، بحيث تستطيع تلبية احتياجات وظائفها كافة (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي) من الكهرباء اعتماداً على المصادر المتجددة. (لا يمكن الجزم بمدى الفائدة الفعلية لهذه الأرصدة، لكن هذا موضوع نقاش آخر). بدلاً من ذلك، يمكن لنمو البنى التحتية أن يسهم في زيادة الانبعاثات. فمايكروسوفت تخطط لإنفاق 50 مليار دولار بين يوليو/تموز من عام 2023 ويونيو/حزيران من عام 2024 على توسيع مراكز البيانات لديها لتلبية الطلب على منتجات الذكاء الاصطناعي، وفقاً لمقال مجلة بلومبرغ. ويتطلب بناء مراكز البيانات هذه استخدام مواد قد تتسبب بإطلاق كميات كبيرة من الكربون، مثل الفولاذ والإسمنت، والرقائق الحاسوبية بطبيعة الحال.

مخاوف ليست جديدة

ثمة مسألة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في سياق الذعر بشأن طلب الذكاء الاصطناعي على الطاقة، وهو أن هذا النوع من المخاوف ليس شيئاً جديداً، على الرغم من أن التكنولوجيا نفسها جديدة، كما أوضح روبنسون ماير في مقال يعود إلى شهر أبريل/نيسان نشرته مجلة هيتماب (Heatmap). ويشير ماير إلى تقديرات تعود إلى عام 1999 مفادها أن تكنولوجيات المعلومات كانت تمثل بالفعل ما يصل إلى 13% من الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة، وأن أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت يمكن أن تستهلك نصف قدرة الشبكة الكهربائية في غضون عقد من الزمن. غير أن هذا لم يحدث في نهاية المطاف، وحتى في ذلك الوقت، كانت النسبة الفعلية للحوسبة نحو 3% تقريباً من الطلب على الكهرباء.

اقرأ أيضاً: هل سيضطر المواطن العربي إلى تخفيض استهلاكه من الكهرباء في ظل أزمة الطاقة العالمية المتوقعة؟

الذكاء الاصطناعي ليس المسبب الوحيد في ارتفاع الطلب على الطاقة

ولهذا، يجب أن ننتظر ونرى بأنفسنا إن كانت التوقعات المتشائمة حول طلب الذكاء الاصطناعي على الطاقة ستتحقق أم لا. لكن، ووفقاً لوجهة نظري الخاصة، فإن الذكاء الاصطناعي سيمثل جزءاً صغيراً وحسب من مسألة أكبر بكثير. ففي نهاية المطاف، لا يختلف ارتفاع طلب الذكاء الاصطناعي على الكهرباء في بعض النواحي عن ارتفاع الطلب على الكهرباء الناجم عن السيارات الكهربائية أو المضخات الحرارية أو نمو المصانع. الأمر المهم حقاً هو كيفية تلبية هذا الطلب. فإذا بنينا المزيد من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، فسيكون لذلك عواقب سلبية على المناخ. أما إذا استخدمنا الطلب المتزايد على الكهرباء بصفته حافزاً للاعتماد بصورة أكبر على الطاقات المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، وزيادة فاعلية الذكاء الاصطناعي، وتحقيق المزيد من الإنتاجية بقدر أقل من الطاقة، فيمكننا الاستمرار في تنظيف الشبكة الكهربائية ببطء، حتى مع استمرار الذكاء الاصطناعي في توسيع نطاق انتشاره في مناحي حياتنا.